بينات – رمضان 1433 هـ
الحلقة 18
الآيات 165 – 170
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم بينات ومع الشيخين الفاضلين الدكتور محمد الخضيري والدكتور مساعد الطيار لا زلنا نتحدث في آيات سورة النساء وقد وصلنا إلى أواخر السورة تقريباً. تحدثنا في المحاضرة أو في اللقاء الماضي عن الآية التي تحدثت عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) وفي هذا شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم على صدقه وأنك يا محمد نبي صادق مرسل من عند الله سبحانه وتعالى ولا شك أن شهادة الله سبحانه وتعالى لا تعدلها شهادة ثم يذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك الأنبياء الذين أرسلوا عبر التاريخ فيذكر نماذج منهم ذكر نوحاً وذكر إبراهيم وذكر من جاء من ذرية إبراهيم من الأنبياء فذكر عيسى وموسى وهارون وسليمان وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ثم توقفنا عند قوله سبحانه وتعالى (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) فالنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً كان خفي عليه قصص كثير من الأنبياء الذين سبقوه عليه الصلاة والسلام وقد يقول قائل لماذا هؤلاء الأنبياء الذين ذكروا بالذات؟ هل الأنبياء الذين لم يذكروا لم يكن لديهم من القصص أو من الابتلاء أو من المواقف ما يستحق أن يروى؟ نقول الله أعلم لكن الذين روي لنا من قصص الأنبياء ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام على سبيل المثال أكثر الله في القرآن الكريم من ذكره فورد -إن لم أكن واهماً- أنه ورد مئة وأربعة وثلاثين مرة اسم موسى وورد في أكثر من سبعين موضعاً في القرآن الكريم ذكره مئة وأربعة وثلاثين مرة في أكثر من سبعين موضع فهو أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم موسى عليه الصلاة والسلام لكثرة ما في قصصه من العبر والأحداث ثم لكثرة الحاجة إلى معرفة التعامل مع هؤلاء اليهود الذين بعث موسى عليه الصلاة والسلام إليهم.
الشيخ محمد الخضيري: ولشدة الشبه بما حصل لتلك الأمة مع ما سيحصل لهذه الأمة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فوجه الشبه يدعو إلى كثرة تكرار هذه القصص. ثم انتقلنا إلى قوله سبحانه وتعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)) فتحدثنا عن إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى وأن هذه الآية من أصرح الآيات التي تدل على إثبات هذه الصفة لله وأن الله يتكلم متى شاء كيف شاء دون تكييف ودون تمثيل ولا تشبيه له بخلقه وهذه القضية هناك من أنكرها وأنكر أن يكون الله تنسب إليه صفة الكلام ولذلك قال هنا (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)) وذكرت يا دكتور محمد أن هذا التأكيد بالمصدر من أقوى الأدلة على أن المقصود هنا حقيقة الكلام وليس المجاز. ننتقل اليوم إلى قوله تعالى (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) لعلك تحدثنا يا دكتور محمد لماذا قدّم مبشرين على منذرين؟
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً بيّن في هذه الآية مهمة هؤلاء الرسل جميعاً وهي التبشير والإنذار أو البشارة والنذارة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: عجيب يعني ممكن نسمي الأنبياء مبشرين.
الشيخ محمد الخضيري: نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: مع أنه الآن انتشر عند الناس أن التبشير هو من صفات النصارى.
الشيخ محمد الخضيري: هذا طبعاً من اللعب بالمصطلحات من جهة ومحاولة اقتناص بعض المصطلحات وتحييدها من جهة معينة ولذلك ما يجب أن نخضع لهذا ونحن نقول جميع رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: جاءوا مبشرين.
الشيخ محمد الخضيري: جاءوا مبشرين نعم وفي الوقت ذاته أيضاً منذرين فهم يبشرون أهل الإيمان بالجنة وبالنصر والتمكين ويبشرونهم برضى الله سبحانه وتعالى عنهم ويبشرونهم بالمغفرة والرحمة والرضوان وفي الوقت ذاته ينذرون يعني يخوفون عباد الله من مغبة المعاصي والكفر والتكذيب بالرسل وما جاءوا به ومن العقوبة الدنيوية والعقوبة الأخروية، طبعاً البشارة والنذارة في القرآن الكريم مرة تقدم هذه ومرة تقدم هذه.
الشيخ مساعد الطيار: على حسب الحال.
الشيخ محمد الخضيري: على حسب الحال فإذا كان الموطن موطن بشارة قدمت البشارة وإذا كان الموطن موطن نذارة قدمت النذارة ولذلك نلاحظ في سورة يونس لأن فيها بشائر قدمت البشارة وفي سورة هود لأنها سورة نزلت للتخويف.
الشيخ مساعد الطيار: وذكر مآلات الأقوام.
الشيخ محمد الخضيري: الذين كذبوا الرسل قال (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)) [هود] لأن السورة مبينة على النذارة فقدمت النذارة. وهنا نفس العملية هذه السورة فيها دعوة لأهل الكتاب وفيها ترغيب بأن يقبلوا على الله وعلى رسوله ويؤمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقدمت مبشرين يبشرون من آمن وصدّق وترك ما عليه من العقائد الباطلة وصدّق بالنبي الذي جاء ولو لم يكن من قومهم وهذه مهمة لأنه أحياناً الذي يجعل الإنسان لا يقبل دعوة النبي الجديد هو أنه من أتباع نبي سابق فيقال له لك البشارة من الله بالجنة إذا آمنت بهذا النبي وبمضاعفة الأجر إذا جمعت بين إيمان بنبيك الأول وهذا النبي.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل إذاً هذه الحكمة أنه يقدم البشارة على النذارة لحكمة وأحيانا يقدم النذارة على البشارة هنا قدم البشارة لأن المقام هنا مقام دعوة ومقام امتنان بإرسال هؤلاء الرسل ولا شك أن التأمل في هذه المنة العظيمة وهي إرسال الرسل أن الله سبحانه وتعالى ما أرسل هؤلاء الرسل إلا رحمة بالناس وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أمة من الأمم حتى يقيم عليها الحجة ويرسل لها رسولاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)) [الإسراء] يقيم الحجة ولا شك أنه لا يمكن أن يبعث رسول إلا ويبعث معه بيّنة وحجة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي ما مثله آمن عليه البشر» يعني جاء ببينة وجاء بحجة وما يسميه العلماء اليوم معجزة تقوم به الحجة ولذلك بعض الأنبياء في القرآن الكريم ما ذكر الله لهم معجزة هل معناها أنه لم يرسل معهم لا لأنه لا يمكن أن تقوم الحجة إلا ببيّنة.
الشيخ مساعد الطيار: أبو عبد الله، لو تأملنا الآيات قول الله سبحانه وتعالى في بداية (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ) ثم ذكر بعد ذلك قال بعد أن عدّد جملة من أنبياء بني إسرائيل قال (وَرُسُلًا)، (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) قوله (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) ليس أن هؤلاء أنبياء وإنما هم رسل بدلالة قوله (وَرُسُلًا) فعطف الرسالة على (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ) ثم عاد قال بعد ذلك عنهم (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) وكأنها جملة حالية ممن ذكر صاحب الحال هؤلاء الذين ذكروا (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طيب تعال مسألة التفريق بين النبي وبين الرسول هل هذه مسألة مضطردة. عندما يقال الآن أن النبي يوحى إليه ولكن لا يُنزَل عليه كتاب جديد.
الشيخ مساعد الطيار: هذا قول.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أما الرسول فهو الذي يوحى إليه ويبعث معه كتاب يعني مثلاً إبراهيم رسول ونبي طبعاً لأنه أنزل معه صحف إبراهيم، موسى نبي رسول، عيسى نبي رسول، محمد كذلك، لكن مثلاً داود داود أتيناه زبورا، تعال عند مثلاً سليمان هل هو نبي فقط ما هو رسول
الشيخ مساعد الطيار: على أنه رسول
الشيخ عبد الرحمن الشهري: على مثلاً أنه ما كان عنده يعني التفريق أنا ما زال أقرأ في بعض الكتب أن هذا التفريق أن النبي هو الذي أوحي إليه ولم يؤتى بشرع جديد أما الرسول فهو الذي جاء بشرع جديد هل هذه مضطردة؟
الشيخ مساعد الطيار: على الأقل أن يكون جاء بشرع جديد أو يكون نزل عليه كتاب.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: على الأقل هذا الرسول أن يكون نزل عليه كتاب.
الشيخ مساعد الطيار: نزل عليه كتاب أو جاء بشرع جديد أو أرسل إلى قوم كافرين يعني بمعنى أن الرسول يحتمل أن يكون كلام العلماء كله إما أن يكون جاء بشرع جديد أو نزل عليه كتاب حتى لو كان تبعاً لشرع غيره أو أرسل إلى قوم كافرين فإذا نظرنا لهذه الثلاثة يعني أن يكون جاء بشرع جديد يمكن أن نضيف إليها أن يكون أرسل بشرع غيره الذين هم أنبياء بني إسرائيل الخلاف هنا فيكون الأول جاء بشرع جديد مثل موسى نزل عليه كتاب مثل عيسى ومثل داود أرسل إلى قوم كافرين مثل محمد صلى الله عليه وسلم ومثل موسى عليه الصلاة والسلام موسى أرسل لقوم كافرين وأرسل لمؤمنين بني إسرائيل فهذه مثلاً الآن عندنا بعض الضوابط التي ذكرها العلماء.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في التفريق بين الرسول وبين النبي.
الشيخ مساعد الطيار: لكن لا أعرف أن هناك فرق ممكن أن يقال هكذا أو كذا لكن يوجد فرق نعم بدلالة قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ) [الحج:52] دل على الفرق.
الشيخ محمد الخضيري: يدل على التغاير.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وحتى في قول النبي صلى الله عليه وسلم “ونبيك الذي أرسلت” أن هناك فرق.
الشيخ محمد الخضيري: قال ورسولك الذي أرسلت قال: لا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال نبيك الذي أرسلت.
الشيخ محمد الخضيري: عدلها البراء بن عازب.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في قوله هنا (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ) مبشرين بالجنة وبما يترتب على الطاعة من النعيم ومنذرين بالعقاب لمن كفر وكذب أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: بلى.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) الله سبحانه وتعالى لو عذبنا هل هناك من سيسأل؟
الشيخ محمد الخضيري: لا.
الشيخ مساعد الطيار: لا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وبالرغم من ذلك الله سبحانه وتعالى لا يترك حجة لمحتج ولا لمتظلم إلا ويقيم عليه الحجة أليس كذلك؟ (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فكيف بالبشر الذين يريدون أن يستمع الناس لهم ويطيعوا دون أن يبينوا للناس ويوضحوا للناس المطلوب منهم أليس كذلك؟ المفترض أن الإنسان لا تعاقبه إلا إذا قد قدمت بين يدي العقاب بالبيان والإيضاح.
الشيخ محمد الخضيري: حجة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: حجة فالله سبحانه وتعالى يقول (لِئَلَّا) يعني لكي لا (يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)) ثم يقول الله سبحانه وتعالى (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) هذه سبق أن تحدثنا فيها (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) أن هذه شهادة من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بصدقه أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: بلى.
الشيخ مساعد الطيار: نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ثم يأتي هنا فيؤكد هذا أن الله سبحانه وتعالى يشهد بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من الحق ولا شك أن هذه من أقوى الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صدقه أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: بلى.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهي شهادة الله سبحانه وتعالى.
الشيخ مساعد الطيار: رداً على اليهود.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم لنبيه عليه الصلاة والسلام.
الشيخ محمد الخضيري: ادعوا أنه (قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) [الأنعام:91].
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
الشيخ مساعد الطيار: هذه أعلى شهادة تكون شهادة الله وشهادة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الملائكة. هل هناك آية مثيلة لهذه الآية في القرآن الكريم فيها تصريح بشهادة الله وشهادة ملائكته.
الشيخ مساعد الطيار: (شهد الله).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: على صدق النبي صلى الله عليه وسلم تلك شهادة لله على الألوهية.
الشيخ محمد الخضيري: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)) [الأنعام].
الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل لكنها ليست هي شهادة من الله يعني هذه الآية واضحة يعني لاحظ يقول (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) وبصدقك يا محمد قال (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ).
الشيخ محمد الخضيري: ما معنى قوله (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) هل المقصود أنزله عالماً به أو أنزل علمه فيه؟ أظن هذا يحتمل المعنيين يعني أنزله عالماً به وأنزله وفيه علمه لأن الموجود في القرآن هو علم الله سبحانه وتعالى.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)).
الشيخ مساعد الطيار: لاحظ يا أبو عبد الله الطبري ذكر من رواية سعيد بن جبير وأيضاً عكرمة عن ابن عباس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من يهود فقال لهم إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله.
الشيخ محمد الخضيري: اللهم صل وسلم عليه.
الشيخ مساعد الطيار: فقالوا ما نعلم ذلك فأنزل الله (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ) وأيضاً أورد نفس الرواية عنه وهذا الحقيقة فيه شهادة من الله كما يقول قتادة يقول شهود والله غير متهمة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني فعلاً هذه الآية من أعظم الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم (اللَّهُ يَشْهَدُ)، (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ).
الشيخ محمد الخضيري: لو قيل هذا سؤال ممكن يفترضه بعض من لا يصدق مثلاً بهذا الكتاب يعني ما الذي يدل على أن الله شهد فيقال في الجواب أنه لا يمكن أن يدّعي النبي صلى الله عليه وسلم النبوة ويبقى ثلاثاً وعشرين عاماً وهو يدعيها ثم الله سبحانه وتعالى يدينه على من
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ينصره.
الشيخ محمد الخضيري: ويبقيه مفترياً عليه سبحانه وتعالى حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك هذا لا يليق بعدل الله ولا يليق بحكمته سبحانه وتعالى. فكون هذه الشهادة تذكر عن الله عز وجل يؤكدها الواقع الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله مكنه من أداءه ونصره، فتح له، نشر دينه، وصار النصر حليفه والتمكين له عليه الصلاة والسلام دون من حاربوه وعادوه، قال (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)) ألا تلاحظون يا إخواني إن هذه السورة فيها الشهادة كثيرة جداً في قوله في الآية التي بكى عندها النبي صلى الله عليه وسلم (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ) وفي قصة عيسى عليه الصلاة والسلام التي أخذناها قبل قال (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)) لاحظ والشهادة تقضي ماذا؟
الشيخ مساعد الطيار: العلم والحكم.
الشيخ محمد الخضيري: العلم والحكم أيضاً.
الشيخ مساعد الطيار: لأنه يحكم على الشيء (كلمة غير واضحة).
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم.
الشيخ مساعد الطيار: فهو يحتاج إلى علم.
الشيخ محمد الخضيري: ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)) هذا كله في التعقيب على موقف اليهود من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ومن الإيمان به فالله عز وجل يتهددهم فأولاً حكم عليهم بالضلال ثم بعد ذلك قال (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) وهذا أسلوب قرآني عظيم بشرهم وبين لهم الحقائق ذكر لهم التاريخ دعاهم بكل الأساليب ثم بعد ذلك جعلهم أمام خيارين إما أن تؤمنوا فتكون لكم الجنة وإما أن تكفروا وتبقوا على ما أنتم عليه فلن يكون لكم إلا النار وبئس القرار.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ).
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لاحظوا حتى هذه الآية فيها نفس المعنى الذي كنا ذكرناه في قضية استخدام اللفظة في قوله هنا (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168)) كما كنا ذكرنا (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)) [النساء] قلنا أن البشارة في الأصل هي للأمر الحسن كيف تبشرهم بالعذاب وتبشرهم بالنار؟ قلنا أن هذا يكون من معانيه التهكم بهم كما كانوا يتهكمون ويسخرون بالمؤمنين. كذلك هنا الهداية أن الهداية في الأصل هي الهداية إلى الطريق الهداية للحق فعندما تقول يهديهم إلى جهنم ففيه أيضاً استهزاء بهم وسخرية بهم كما قال (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)) [الصافات] هنا أيضاً (وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) يعني لا ليهديهم طريقاً آمناً أو طريقاً سالكاً أو طريقاً فيه نور أو فيه هداية حقيقة إلا أن يكون هذا الطريق هو (طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)).
الشيخ محمد الخضيري: يلاحظ طبعاً أن هذه الآيات بدأت بمؤكدات لماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: سنجيبك بعد الفاصل.
الشيخ محمد الخضيري: تفضل.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نعود إلى الحديث حول هذه الآيات فابقوا معنا.
*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*
– إعلان جوال تفسير
– تقرير عن مركز تفسير وملتقى أهل التفسير
*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
الشيخ عبد الرحمن الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا زال حديثنا حول آيات سورة النساء عند قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) كنت ذكرت يا دكتور محمد قبل الفاصل أن هذه الآية ابتدأت بمؤكدات ما هي هذه المؤكدات؟
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً المؤكد هو (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (إِنَّ) المشددة.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم فهي تدل على التأكيد و(قَدْ) أيضاً تدل على التحقيق والتأكيد (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167)) لاحظ كيف؟
الشيخ مساعد الطيار: (ضَلُّوا ضَلَالًا).
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني التمييز بالمصدر (ضَلُّوا ضَلَالًا) ثم وصف هذا الضلال بأنه ضلال بعيد.
الشيخ محمد الخضيري: ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) فأعاد مرة أخرى.
الشيخ مساعد الطيار: (إِنَّ).
الشيخ محمد الخضيري: والإطناب يدل على التأكيد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: إطالة.
الشيخ محمد الخضيري: الإطالة كان ممكن يقول إنهم يرمز لهم بالضمير(لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) لماذا يعامل هؤلاء بهذه الطريقة أو لماذا يأتي بهذه المؤكدات ويحشدها؟ طبعاً الجواب على ذلك هو أن هؤلاء منكرون والمنكر سبيله أن يؤكد له الكلام بخلاف الذي يكون خالي الذهن.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: خالي الذهن.
الشيخ محمد الخضيري: أو يكون متردداً فهذا قد لا يؤكد له الكلام أو يؤكد بمؤكد واحد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أو يؤكد بمؤكدات قليلة.
الشيخ محمد الخضيري: أما من كان منكراً فإنك ستضطر أنك تستعمل عدداً من المؤكدات لأجل أن توصل إليه الحقيقة فلا يشك فيها ومن أجل أن تقيم عليه الحجة وتبرئ بذلك الذمة. ولذلك نجد كثيراً من الأقسام في القرآن المكي أكثر من القرآن المدني بسبب أن القرآن المكي كان يخاطب
الشيخ مساعد الطيار: الجاحدين.
الشيخ محمد الخضيري: الجاحدين حتى أنه يحشد أقساماً كثيرة جداً يقول مثلاً (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥) إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦))، (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)) وهلما جرا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل ولا شك ذكر الله سبحانه وتعالى كفر هؤلاء أيضاً سبحان الله تقدم ذكر المنافقين قبلهم وكل هذه الحقيقة تحتاج أنها تختم ختاماً قوياً يناسب هذه الأوصاف التي ذكرها الله في اليهود وكفرهم وعتوهم وظلمهم فناسب أن تأتي هذه المؤكدات وجميل حقيقة أن ينبه المشاهد الكريم إلى ضرورة العناية باللغة العربية حتى يفهم القرآن الكريم يعني نحن الآن عندما نقول أكدت ببعض المؤكدات بعض الناس يقول ما المؤكدات؟ نقول هذه المسألة مسألة لغوية مسألة بلاغية تحتاج أن يقرأ الواحد منا في كتب البلاغة ولو بعض كتب البلاغة الميسرة السهلة التي تبين لك ما هي حروف التوكيد، ما هي حروف العطف، ما هي دلالتها عندما تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (إِنَّ) بعضهم يقول (إِنَّ) أداة نصب تنصب الاسم ويسمى اسمها وترفع الخبر هذا إعراب لكن ما هي دلالتها؟ دلالتها التأكيد فعندما نقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) [النساء:48] هذا تأكيد أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر هذا الذنب العظيم. فهي لها دلالة بلاغية ينبغي أن الواحد يتفقه في لغة القرآن وأنه يقرأ فيها وخاصة يا إخواني الآن للأسف الشديد يعني حتى الآن في بلاد العرب تشاهد في بلادنا ألف معهد لتعليم اللغة الانجليزية ولا تشاهد معهداً واحداً لتعليم اللغة العربية وإتقانها ولذلك ضعفت عندنا اللغة العربية وأصبح الذي يتحدث اللغة العربية الفصحى يسخر منه وكأنها ليست لغتنا لكن الذي يتحدث باللغة الانجليزية يا شيخ محمد يجيب لك كلمة انجليزية قالوا هذا ممتاز! هذا مثقف! والله بعض الناس تجلس معه إذا به نص عربي ونص انجليزي حتى يشعرك بأن لديه عمق ثقافي ولديه بعد ثقافي وهذا من الضعف والهزيمة النفسية وإنما المفترض أن يعتز الواحد منا بلغته العربية وأن يفتخر بها وأن يقرأ فيها وأن يربي عليها أبناءه ويكفينا شرفاً أن القرآن الكريم نزل بهذه اللغة.
الشيخ مساعد الطيار: أبو عبد الله في قوله (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)) ختم الآية بهذا الختام وقد تكرر مثل هذا الختام إما نصاً وإما معنى فإن مثل هذا الأمر قال (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)) يعني كأن هذا الأمر عند الله سبحانه وتعالى من الحقارة ومن اليسر والسهولة فيه ما لا يعجزه سبحانه وتعالى.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني هذا التعذيب الشديد.
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم وكل الأمور بالنسبة له كما قال (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم:27] لكن ذكر هذا في مثل هذا المقام كأنه تنبيه لحقارة هؤلاء أنهم لا يؤبه لهم ولا ينظر لهم وأنه ما سيُعمل بهم عظيم إلا إنه على الله سبحانه وتعالى يسير فيقادون والعياذ بالله إلى جهنم كما أخبر سبحانه وتعالى ويهدون إلى طريقها.
الشيخ محمد الخضيري: لاحظوا يا إخواني الموضوع الذي طرحته أبا عبد الله وهو الاهتمام باللغة أقول انظر مثلاً في أسرار اللغة التعبير بالاسم الموصول وصلته يدل على التعليل يعني (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لماذا لم يغفر الله لهم؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لأنهم كفروا وظلموا.
الشيخ محمد الخضيري: كفروا وظلموا، هذه دقيقة من دقائق اللغة ولذلك انتبه ما يعبر القرآن كثيراً بالاسم الموصول الذي هو الذي والذين واللذان واللذين والتي واللتان إلا لأن صلة الموصول فيها التعليل.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا).
الشيخ محمد الخضيري: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لكفرهم وظلمهم.
الشيخ محمد الخضيري: وظلمهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167)) لماذا ضلوا ضلالاً بعيدا؟ لكفرهم وصدهم وهنا يبين أهمية التعرف على اللغة في إدراك أسرار القرآن أو معرفة معانيه ودلالاته.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: جداً والبعض أحياناً يظن أننا عندما نتحدث عن اللغة أننا نتحدث عن الأشياء الأوليات مع أنها مهمة أنك تعرف كيف تُعرِب لكن اللغة أعمق من ذلك بكثير فيها أسرار وفيها تفاصيل وفيها فقه بل حتى جَرْس الكلمات.
الشيخ محمد الخضيري: له دلالة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني المنافق كلمة منافق ليست ككلمة كافر ليست ككلمة جاحد كل واحدة من هذه الكلمات وهذه المفردات لها ظلال ولها دلالات والحرف نفسه حتى الحرف نفسه الذي يستخدم في الكلمة له دلالة وله بُعد ينبغي أنه يتفطن إليه وأن يتفقه المسلم فيه وتفقه الإنسان في العربية هو تفقه في القرآن ولا بد والذي يهوّن من شأن العربية هو يزهد في القرآن ولا بد.
الشيخ محمد الخضيري: بل إن أهل البدع أبا عبد الله كثير منهم ما وقع في بدعته ولا راجت عليه تلك البدعة أو على من يتبعه إلا لضعف علمه باللغة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالعربية.
الشيخ محمد الخضيري: نعم ضعف علمهم بالعربية هو الذي أوقعهم فيما أوقعهم فيه. وتعرفون قصة أبي العلاء في قضية الوعد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أبو عمرو بن العلاء، عمرو بن عبيد.
الشيخ محمد الخضيري: عمرو بن عبيد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: القصة عمرو بن عبيد هو زعيم من زعماء
الشيخ مساعد الطيار: المعتزلة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: المعتزلة فكان يرى أن الله سبحانه وتعالى إذا توعّد أحداً أنه يجب عليه أن ينفذ الوعيد.
الشيخ محمد الخضيري: كما أنه إذا وعد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يجب عليه أن يفي.
الشيخ محمد الخضيري: أن يفي بوعده.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فقال له أبو عمرو بن العلاء إنما أوتيتَ من قِبَل عُجمتك إن الرجل إذا توعد ثم لم يفي بتوعده لا يقال فيه أخلف وإنما يقال فيه عفا وهذه من مكارم الأخلاق أن تتوعد أحداً ثم تعفو عنه ولا يقال أن هذا كذب ثم استشهد له بقول أوس بن حجر أو غيره
وإنِّي إذا أَوْعَدْتُهُ أَو وَعَدْتُهُ لمُخْلِفُ إيعادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدِي
يعني يفتخر بهذا يعني أتوعده ثم أخلف إيعادي لا يقال في هذا كذبت وإنما عفوت وهذا سبحان الله العظيم وقع فيها عمرو بن عبيد وغيره بسبب عجمتهم وعدم فهمهم للغة العرب. واليوم نفس القضية يعني يأتيك أناس اليوم ويقول القرآن فيه أخطاء (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)) [البقرة] خطأ في النحو لماذا لم يقل الصواب أن يقول لا ينال عهدي الظالمون ويظن أنه أتى بصيد ثمين عندما يخطّئ القرآن الكريم! أقول إنما أُتيت بسبب عجمتك (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)) الظالمين هنا مفعول به ينال هنا بمعنى يصل أو يعني الظالمين هي مفعول به ينال بمعنى ينال عهدي أو يصيب عهدي الظالمين فالشاهد مثل هذه الملحوظات سببها عُجمة وضعف معرفة باللغة العربية. قد رأيت أحد المعاصرين كتب كتابة طويلة هو عربي ولكنه يعيش في الغرب فكتب ملحوظات كثيرة استدراكات على لغة القرآن الكريم كلها أخطاء يعرفها هو الذي يراها أخطاء هي يعرفها الصغار عندنا أنها ليست أخطاء وإنما هي لها توجيهات في لغة العرب التي نعرفها مثل (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) [طه:63] وكيف توجه؟ إن هذه لغة كثير من قبائل العرب (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وليس هذا خطأ.
الشيخ محمد الخضيري: (كلمة غير واضحة).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال هذا خطأ نحوي والصواب إن هذين لساحران والشاهد أن الضعف في اللغة العربية يعود بالضعف لفهم القرآن الكريم وبالتالي يؤدي إلى هجرانه. قلت لأحدهم كيف علاقتك بالقرآن الكريم قال والله تريد الحقيقة ترى والله ما أقرأ صعب، قلت كيف صعب؟ قال يا أخي صعب وإعراب، قلت افتح القرآن ودعنا نرى أين الصعوبة فيه؟ قرأ قال والله واضحة هذه واضحة قلت ما الصعوبة أجل فيه التي تدعيها؟ قال والله إني من كثر ما أسمع أحياناً بعضهم فيه إشكاليات في القرآن وأنه ما يجوز وانظر يا دكتور مساعد هذه أحياناً مهمة نحن عندما نقول لا يجوز أن يتحدث أحد في التفسير إلا أن يكون عالماً وأن يكون يعرف نحن نقصد ما نقول أنه لا ينبغي أن يتجرأ أحد على الكلام في التفسير إلا بعلم لكن قد تؤدي هذه الكلمة إلى سلبية ونحن لا نقصدها أن بعض الناس لا يتدبر القرآن مطلقاً ويقول والله هذا فيه مشكلة وأنا ما أود أن أدخل فيه فنحن لا نقصد هذا يا أخي نحن هدفنا من هذا أن لا يتكلم أحد إلا بعلم لكن لا ندعو إلى هجر القرآن الكريم خوفاً من الوقوع في الإثم.
الشيخ مساعد الطيار: في قوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لاحظ الانتقال الآن من الخصوص إلى العموم إن قلنا أن الناس هنا.
الشيخ محمد الخضيري: عموم الناس.
الشيخ مساعد الطيار: فقد انتهى من الكلام عن اليهود وانتقل إلى عموم الناس وهذا أيضاً الحقيقة تناسب الانتقال الموضوعي في القرآن ولاحظنا كان الكلام عن المنافقين ثم انتقل إلى اليهود ثم انتقل بعد ذلك إلى الناس فتنوع هذا الخطاب الحقيقة من الأشياء التي يحسن بقارئ القرآن أن ينتبه لها إنه كيف يتنقل في الخطابات. ولهذا لاحظنا مثلاً في بعض الضمائر كان فيها إشكال لعدم مناسبتها للسياق لمن قال أن المراد بهذا الضمير كذا. هنا لما قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ) فهذا الخطاب لجميع الناس مثل ما قال الله سبحانه وتعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) [الحج:27] الآية، معنى ذلك أنه أذن لجميع الناس وهنا كأنه الخطاب لمن كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولمن سيجيء بعده وتكون الكلفة أو التكليف علينا نحن لإيصال هذا الخطاب للناس لأنه قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ) من يستطيع أن يوصل للناس أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول هم أتباعه إذاً هذه من التكاليف التي كلف بها أتباع محمد صلى الله عليه وسلم طبعاً بعض المفسرين قال (النَّاسُ) اليهود لكن الأولى أن تكون عامة ولهذا يقول الطبري أن المراد بالناس هنا مشركي العرب وسائر أصناف الكفار فيدخل فيهم اليهود ضمناً.
الشيخ محمد الخضيري: قوله (الرَّسُولُ) طبعاً الألف واللام هنا.
الشيخ مساعد الطيار: للعهد.
الشيخ محمد الخضيري: للعهد وليست للعموم وحتى نوضح للإخوة المشاهدين قضية العهد، الألف واللام تشير إلى شيء معهود بين المتخاطبين أو بين المتحدثين عندما تأتي هذه اللام تدل عليه يعني عندما أقول لك يا دكتور عبد الرحمن نحن ذكرنا في البرنامج أي برنامج؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بينات مثلاً يعني البرنامج المعروف.
الشيخ محمد الخضيري: إيه ولا يقصد به البرنامج أي برنامج فكلمة البرنامج بيني وبينك المقصود بها شيء معهود بيني وبينك.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: العهد الذهني يسمونه.
الشيخ محمد الخضيري: ولما أقول لك ايتي بالكتاب من السيارة الكتاب الذي أنا أطلبه كتاب معروف بيني وبينك والسيارة ليست أي سيارة في الشارع بل هي السيارة التي نزلنا منها.
الشيخ مساعد الطيار: كل معهود في ذهن المتلقي.
الشيخ محمد الخضيري: إيه نعم والعهد عند العلماء ثلاثة أنواع: عهد ذكري، وعهد حضوري، وعهد ذهني. أما العهد الذهني فهو المعهود ذهناً بين اثنين يعرفون أنه هو المقصود بالكلمة التي اقترنت بهذه الألف واللام وهنا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ) أي رسول؟ معروف أنه محمد صلى الله عليه وسلم معهود ذهناً، والعهد الذكري هو أن يكون مذكوراً في الكلام.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: سبق ذكره قبل قليل.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم ثم أعيد بالألف واللام فنقول مثلاً إن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء بالبينات وهذا الرسول.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الذي سبق أني قلته محمد.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ذكري هذا.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم هو خاتم الرسل، هذا ذكري ذُكِر. الحضوري هو أن يشار إليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3] ومعرفة دلالات هذه الأدوات مهم جداً لطالب علم التفسير لأنه إذا عرف ميز أنواع الكلام مثلاً (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل] أي رسول؟
الشيخ مساعد الطيار: موسى.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الذي هو موسى.
الشيخ محمد الخضيري: لماذا ما نقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ) لماذا تعبر هنا محمد وهناك موسى.
الشيخ مساعد الطيار: إذا نظرنا إلى السياق.
الشيخ محمد الخضيري: أيوه المعهود ما هو؟ إي نعم هناك المعهود ذكراً (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) أي موسى عليه الصلاة والسلام.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ونختم به لأنه لم يبقى إلا دقيقتين أو أقل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) لاحظ كيف عرّف النبي صلى الله عليه وسلم وقال (الرَّسُولُ) كأنه قد استكمل كل شرائط الرسالة عليه الصلاة والسلام ثم قال قد جاءكم بالحق من ربكم هو مجرد رسول مع أن كلمة الرسول تفي بذلك لكنه قال (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) ثم أيضاً شهد له بالمضمون ما هو مجرد يشهد له بأنه رسول لا، شهد أنه رسول وأن الرسالة التي جاء بها حق (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) كأن فيها تهديد هذه أيضاً (فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ)
الشيخ مساعد الطيار: معناها إن لم تؤمنوا فشراً لكم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ) ما هددهم قال (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)) أيضاً يقال في هذه الآية في هذا الختام أن الله سبحانه وتعالى ختم هنا بصفتين العلم والحكمة لأنها تدل على سعة علمه سبحانه وتعالى بمن يؤمن وبمن يكفر وأنه سبحانه وتعالى حكيم في إرساله وحكيم في رسالته وحكيم في ثوابه وحكيم في عقابه سبحانه وتعالى وقادر على إثابة المطيع وعلى عقاب العاصي. لعلنا نختم بهذه الآية هذا المجلس ونكمل بإذن الله تعالى في المجلس القادم الحديث عن هذه الآيات العظيمة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لنا ولكم من الإيمان بها والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أوفر الحظ والنصيب وأن يحشرنا وإياكم والإخوة المشاهدين مع هؤلاء الأنبياء الذين هم قدوات البشرية الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى قدوة لنا (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [التوبة:90]. نكمل إن شاء الله معكم الحديث عن هذه الآيات في الحلقة القادمة بإذن الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.