في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
الحلقة – في رحاب سورة الأنبياء – 2
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴿١١﴾) فعل قصم في اللغة العربية كسّر إلى أجزاء لا تلتئم، كسرنا واستأصلناهم بحيث لا يلتئم شملهم أبدًا مثل الزجاج كسره لا يلتئم وهذا الفعل استعمل فقط في هذه السورة ولم يستعمل في القرآن كله يعني شدة النكال الذي أصاب الله تعالى به هؤلاء المكذبين. (قصم وقضم افعال متقاربة عندما نقضم نكسّر). هذه السورة تتميز بثوب لفظي معين ومن الأيقونات اللافتة للاهتمام استعمال فعل قصم للتكسير لم يستعمل في القرآن في غيرها، (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)الأنبياء) عندما كسّر إبراهيم عليه السلام الأصنام جعلهم جذاذًا أي قطعا صغيرة جدا لم يستعمل في القرآن كله، استعمل فعل دمغ فقط في هذه السورة (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)الأنبياء) يكسّره، وهذا ليس من الصدفة. هذه حكمة إلهية استعمل ثلاث كلمات متقاربة في معانيها في سورة واحدة وهنا قال جل ثناؤه (كم قصمنا) أهلكناهم وكسرناهم وشتتنا لنا شملهم شذر مذر وأباد خضراءهم، إبراهيم الخليل جعل الأصنام جذاذا قطعا قطعا. (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) كسّره، الدماغ في الجمجمة، الدمغ في اللغة العربية هو التكسير ويدمغه بمعنى يعلوه يغلبه يقهره ومنه الدمغة (هذا من التطور اللغوي الدلالي) هذا استعمال بديع وغريب في السورة.
لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن يأتي بآية حسية من أجل أن لا يعذّب العرب الذين كانوا كافرين فهل نجد دلالة هنا على أنه عذب الذين من قبلهم حينما قال (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴿١١﴾) عندما كفروا بالله وكذبوا بآيات الله التي جاءتهم، يقولون لصالح ائتنا بآية فأخرج الله لهم ناقة من جبل آية حسية فلم يؤمنوا فعاقبهم الله بالاستئصال، موسى عليه السلام أيده الله بتسع آيات حسية اليد والعصا وانفلاق البحر والقمل والدم والضفادع تسع آيات بينات كبرى فلم يؤمنوا فلا بد بعدها من الإهلاك، سيدنا هود، كلهم كان لهم آيات. المعجزات الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم تكميلية للإستئناس بها لتثبيته ولتقويته ولزيادة تطمين صحابته بإعطائهم أدلة حسية عندما كانوا في الغزوة ولم يجدوا طعاما فوضع يده في الطعام فباركه ونبع الماء من بين يديه وحنين الجذع والإسراء والمعراج ولكن أعجب المعجزات القرآن الكريم.
لما تستوجب القرية عقاب الله بعد ظلمها وكفرها فإنه ينزل الله بها العذاب فهذا تحذير لأمة محمد أن لا تكونوا كهؤلاء لكن الله لم يشأ أن ينزل العذاب على أمة محمد.
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)) يركضون من العذاب يسرعون، (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)) هذا تهكم بهم، عندما يأتي العذاب لماذا تجرون وتركضون وقد جاءكم الرسول وأتاكم مرة ومرة ارجعوا إلى مساكنكم فلن تجدوا شيئا لأن ديارهم مخربة وصارت ديارهم كأنها قيعان، كأنها أعجاز نخل منقعر، لا شيء.
(قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)) تكرر لفظ الظلم في السورة كثيرة، الظلم عاقبته وخيمة والكافرون وصفتهم سورة الأنبياء بالظلم الشديد (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)) (كم قصمنا) (يا ويلنا ظالمين) (نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)) من يدّعي الألوهية ظالم (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)) والمشركون كانوا يعتقدون جازمين أن إبراهيم كسر الأصنام (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)) أراد الله جلّ جلاله أن يبين لنا عاقبة الظلم، الظلم بمعنى الكفر وبمعنى الظلم الظلم عاقبته وخيمة والظلم ظلمات والسورة من ملامحها العامة الحديث عن الظلم. في سورة أخرى قال (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)القلم) لأن السياق مختلف
(فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾) ما هي دعواهم؟ (قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾) هذه دعواهم، يكررونها (إنا كنا ظالمين) الويل والثبور بعد فوات الأوان لا ينفع فعلّق الله عليهم وقال (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15))ما زالت تلك دعواهم متكرر، حصيدا خائبين فيها تشبيهين عظيمين: حصيدا كالقمح المحصود تدل على أنهم كانوا في حالة ازدهار، كلمة حصيدا وحدها تدل لعى أنهم كانوا في زهرة الحياة وينعها، وخامدين كانوا كالنار المتوقدة المشبوبة، خمدها، فحصيدا خامدين تشبيهين مختلفين جمعهما الله في وصف هؤلاء الظالمين: حصيدا بعد ازدهار ونماء ورواء وخامدين بعد ما كانوا في ثوران وحركة، هذا جزاء الذين طغوا وظلموا.
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)) بداية الحديث عن السموات والأرض وتكرر بعدها ذكر السموات والأرض (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)) (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)). لما قال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)) في آيات أخرى في سورة الحجر (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الحق ضد الباطل ولكن ضمنيًا ضد اللعب، وفي سورة الأحقاف قال (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾) وفي سورة ص (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا) والباطل ضد الحق. سر هذا الاستعمال أن سورة الأحقاف مبنية على الحق من البداية إلى النهاية (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤﴾) لفظ الحق في سورة الأحقاف تعدد 6 مرات حتى إن الجن لما استمعوا القرآن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴿٢٩﴾ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٣٠﴾) الحضور البارز للحق في سورة الأحقاف وفي سورة الحجر قال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)). وهنا الحضور للعب ذكره منذ البداية (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)) فقال الله لهم وأجابهم من جنس ما يريدون لكن بالحق الذي يشاء سبحانه (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)) أتى بألفاظ من جنس قولهم حتى إبراهيم لما كسر الأصنام وجادل قومه وقالوا (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)) لم يقولوا له أم أنت من المستهزئين أو من الساخرين، فالسورة كثير من مواقفها بنيت على معنى اللعب لكن خلق السموات والأرض ليس لعبًا فقال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ).
ثم ذكر كيف أنشأ الله الكون (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)) هذا حق، هذا عين الحق الذي خلق الله عليه السموات والأرض.
(لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)) هم لاهية قلوبهم عندما تحدث عن هؤلاء المشركون قال (لاهية قلوبهم) أما نحن لو أردنا أن نتخذ كما قالوا لاتخذنا من لدنا مع الذين اصطفيناهم واجتبيناهم من الملائكة في العوالم العلوية على وجه الفرض لتفترض جدلا أننا أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا (إن كنا فاعلين) أي ما كنا فاعلين، نفيا قاطعا و(إن) أقوى في النفي من (ما) نقول إن هذا إلا بشر أقوى في النفس من “ما هذا إلا بشر” (إن كنا فاعلين) أي ما كنا فاعلين ذلك أبدا، الله سبحانه وتعالى يجاريهم فرضًا لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه في عوالمنا العلوية لماذا نأتي إلى هذه الأرض البسيطة، إن هي إلا ذرة في خلق الله! في كتاب السماء في القرآن حول الإعجاز العلمي في القرآن لما تقرأ موقع الأرض بالنسبة للمجرات كحبة رمل في صحارى الكون الواسعة فالله تعالى يقول لهم (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا) لكن ما كنا فاعلين.
الله سبحانه وتعالى حينما قال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿١٦﴾ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿١٧﴾) (إن) هذه نافية، (إن) بعض العلماء يقول ممكن أن تكون شرطية: إن كنا فاعلين لاتخذناهم من لدنا جوابها محذوف لكن الأولى أن تكون نافية قاطعة والعقيدة تقتضي ذلك.
(بل) للإضراب (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)) “دمغ” لم تستعمل إلا في هذه السورة وقَصَمَ وجُذاذا. كيف هي هذه الصورة (بل نقذف بالحق على الباطل) كأن الحق شيء حسي يقذف به على الباطل والحق معنوي والباطل معنوي والدمغ فعل حسي وهذه من بلاغة القرآن يصف لنا الحقائق الذهنية العقلية ويقرّبها، الحق معنوي الحق الذي قامت به السموات والأرض نقذف بالحق على الباطل أي نأتي بالحقائق التي تدمغ وتغلب وتعلو وتقهر كل الباطل الذي به يؤمنون وبه يتغنون ويتسدقون، نقذف هنا استعارة تصريحية حيث شبّه غلبة الحق على الباطل بالقذف والقذف يكون بقوة وسرعة شديدة حتى يدمغ الباطل بمعنى يهلكه ويزهقه ويفتته يتلاشى فإذا هو زاهق بمعنى هالك يدمغ الحق على الباطل فيغلبه فيهلكه ويفتته ويزهقه فإذا هو هالك يذهب أدراج الرياح زاهق لا وجود له، زهقت روحه أي خرجت لا وجود له يعني الحق يبطل الباطل وهنا صورة قرآنية بلاغية رائعة والقرآن مليء بها، عندما نقذف كان يمكن القول بل نبيّن بالحق بطلان الباطل، الحق عندما يأتي يزهق الباطل والشيخ الشعراوي رحمه الله كان يقول: عندما تطلع الشمس أطفئوا الشموع والسُرُج، جاء نور الإسلام، جاء ضياء القرآن فأطفئوا السرج التي تستضيئون بها. (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) في سورة الإسراء لها شخصية معينة. هنا استعمل الكلمات في دمغ الباطل في إزهاق الباطل وفي إهلاكه، زهق أيضًا فعل نادر الاستعمال واستعمل في موضع آخر، وهذه الحسّيات حتى يقرّب للعرب الذين كانوا يتقنون اللغة العربية ويمسكون بناصيتها فيسمعون كلامًا بهذا الأسلوب اللغوي الرائع الراقي جدًا فيتأثرون فكان القرآن يبيّن ذلك.
يقول الله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)) (له من) وأحيانًا يقول (له ما) من لتغليب العقلاء على غير العقلاء، (من) العقلاء ولغير العقلاء لكن هنا لتغليب العقلاء، (من في السموات) (من) يقصد بها الملائكة وغيرهم من المخلوقات (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)هود) كل ما يدب ويمشي (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ) [الشورى:29] ثمة كواكب كثيرة بالملايين إذا كان الجزء المدرك في الكون فيه 70 بليون نجم، القرآن يثبت أن ثمة مخلوقات معينة لكن ما صفتهم؟ أين هم؟ نحن لا نستطيع أن ندركهم، هنا تغليب العقلاء قال (من في السموات) والملائكة في السموات فغلّب العقلاء (ومن عنده) العندية هنا للملائكة المقربين بالدرجة الأولى. مقربة خاصة، الأولى كانت عامة (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ثم ذكر تفصيل (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴿١٩﴾) الملائكة يعبدون الله في كل الأوقات لا يستحسرون أي لا يتعبون، من الحسور (ينقلب إليك البصر وهو حسير) وهو متعب، وهنا مبالغة لا يتعبون أبدًا (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)) لا ينقطعون أبدًا عن التسبيح والتحميد تئط بهم السموات والأرض تعجّ بهم، تغصّ بهم، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يبين للناس وللمشركين سعة ملكه وعظمة خلقه والملائكة عنده والله لا يحتاج عبادتنا، الله غني عن عبادتنا، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)فاطر) هنا ضرب لنا مثلا (ومن عنده لا يستحسرون)
(أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)) هنا يستهزئ بهم أكثر ويتهكم بهم، لا توجد سورة فنّدت الآلهة مثل هذه السورة، أم اتخذوا آلهة مزعومة باطلة من الأرض، أثمة إله يتخذ من الأرض؟! إبراهيم عليه السلام قال (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)الصافات) تتخذ من الأرض من صخورها من ترابها شيئًا تعبده؟! تهكم، بما معناه ليتهم اتخذوا آلهة من السماء!! (أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)) هل لهم قدرة على النشر؟ على البعث؟ هذا في البلاغة يسمى تجاهل العارف، جعل لهم الآلهة عاقلة وتهكم بآلهتهم فمن باب أولى يتهكم بالمشركين وبآلهتهم (أم اتخذوا آلهة من الأرض) أصلها أرضي، (هم ينشرون) يبعثون الموتى؟ أي هل لهم القدرة على بعث الموتى؟! ليس لهم قدرة على ذلك. وهنا نكتة بلاغية رائعة: المشركون أصلا لا يؤمنون بالبعث والله سبحانه وتعالى جاراهم على أساس أنهم يؤمنون بالبعث واتخذوا آلهة من دون الله؟ ولها القدرة على البعث؟! هذا يسمونه في البلاغة تجاهل العارف كأنهم يرفضون أن ينسبوا إحياء الموتى لله لكنهم ينسبون لآلهة وهم أصلًا لا يؤمنون بالبعث فهذا تهكم بهم بطريق عجيبة مليئة بالنكب البلاغية وهذه نكتة تجعلنا نتدرج في فهم الآية، فهو تهكم بهم. ثم قال لهم (أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)) هذه الآلهة هل تحيي؟ تُنشر؟ تميت؟ هل لهم آلهة تمنعهم من دوننا؟! هذا تهكم أيضًا (لا يستطيعون نصر أنفسهم) هذه الآلهة لا تستطيع أن تنصر نفسها بدليل مجيء قصة إبراهيم بعدها الذي كسّر هذه الآلهة، هذا تناسق بين الآيات. الإتيان بقصة إبراهيم وتكسير الآلهة تخدم الآية تكريسًا لمعنى التوحيد والآلهة التي لا تنفع نفسها ولا يستطيعون نصر نفسها ولا يؤيدون فجاء إبراهيم الفتى الشاب فكسّرها وقال بل فعله كبيرهم هذا فالقصة تخدم هذا المعنى.
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)) فيهما أي في السموات والأرض، هذه الآية كثير من علماء العقيدة والتوحيد يستشهدون بها كثيرا لأنها من آيات العقيدة الكبرى: لو كان فيهما أي في السموات والأرض آلهة إلا الله لفسدت السموات والأرض التي نعيش فيها والكون مليء، هذا يسميه علماء العقيدة دليل التمانع بمعنى صفة الإله أن يكون عالمًا، أن ينفع، أن يضر، أن يتصرف لا يخطئ لا يُسأل عما يفعل، تصرفه نافذ حكيم، الله سبحانه وتعالى نصفه بتسع وتسعين اسمًا وله غيرها وصف به ذاته العليا، القدرة، الإرادة، العلم، الحياة، جميل. إله لا يستطيع أن يفعل شيئا، لو كان فيهما آلهة إلا الله معناها أن هذه الآلهة سوف تتنافس إله يريد أن يُمطِر وإله لا يريد، يأتي التمانع يعني الجو والكون يفسد (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) لو ثمة إله واحد مع الله والله الحقيقي يريد أن يأتي بالرياح والأمطار لهذه المنطقة والإله الثاني يقول جفاف فاختلفت تعلقات الإلهين وبالتالي وقع التمانع ففسد السموات والأرض واحد يريد الكرة الأرضية أن تدور يمينًا والآخر يريدها أن تدور يسارًا، واحد يريد الشمس أن تشرق من الشرق وواحد يرها من الغرب! كأن القرآن يقول: والحال أن السموات والأرض تمشي بانتظام واتساق عجيب إذن ثمة إله واحد (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)لقمان) هذا فعل الله في الكون يسيّر السموات والأرض وخلق الشمس والقمر كل فلك يسبحون آلهتهم لم تفعل شيئا ولو كانت ثمة آلهة لفسدت السموات والأرض.
في آية أخرى في سورة المؤمنون (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)المؤمنون) علماء العقيدة يقولون هذه الآية دليل التمانع، الآلهة يمنع بعضهم بعضًا وهذا مستحيل وبما أن الكون يمشي وفق اتساق وانتظام عجيب الشمس والقمر بحسبان وكل شيء عنده بمقدار إذن ثمة إله واحد هو الذي خلق الكون وأنزل القرآن سبحانه.
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)) “هم” أي البشر والمخلوقات كلها تُسأل ومن صفات الإله أنه لا يُسأل آلهتهم تُكسّر ولا تنفع ولا تضر ولا تسمن ولا تغني من جوع وتؤكل كان أحدهم يعبد صنما من تمر فإذا جاع أكله فجاءت سورة الأنبياء تغرس العقيدة الصحيحة وتبين زيف الآلهة المزعومة التي لا توجد وإنما يوجد إله حقٌ معبودٌ بحق.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)) كررها لأن في البداية أنواع الأدلة تختلف، في البداية كان يهز وجدانهم، الدليل الأول دليل عقلي لو كان فيهما آلهة لها إرادات مختلفة لتصادمت، هذا عقلي. (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) هنا دليل تاريخي، هاتوا برهانكم من كتبكم السابقة التوراة والإنجيل ومن السابقين، هذا القرآن ذكر من معي من المسلمين والمؤمنين وذكر من قبلي فائتوني بأدلة من كتبكم السابقة تبين أن الآلهة حق، ثم يُضرب عن هذا الكلام فيقول ولكن أكثرهم لا يعلمون الحق ولا يدرسون حياتهم كلها لهو ولعب.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)) الله سبحانه وتعالى دائمًا حينما يذكر السموات يذكر الأرض، هل جاءت السموات منفردة؟ في الغالب يذكر السموات والأرض إلا في سورة النجم (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)) السؤال إذا كانت الأرض لا تساوي حبة رمل في صحراء شاسعة من صحارى الكون فلماذا يقرنها دائما بالسموات، السموات بالنسبة للأرض شيء مهول جدًا فلماذا يذكرها مقترنة؟ الله أعلم، اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون الأرض مسرح الابتلاء وقال لآدم وحواء وإبليس اهبطوا إلى الأرض وسخر لهم هذه الأرض التي نحن نبتلى فيها أينا أحسن عملا (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)) وقال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (30)البقرة) فهذه الأرض هي مسرح الابتلاء ومحل الابتلاء والله تعالى أرسل رسله إلى الأقوام جميعًا ثم شاءت قدرته جلّ ثناؤه أن يبعث محمدًا صلى الله عليه وسلم خات الأنبياء والمرسلين وأن يكون القرآن خاتم الكتب وأن يكون الإسلام خاتم الرسالات لذلك للأرض شأنها لكن هذا لا ينفي أن هناك عوالم أخرى فيها حياة (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)النجم) (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ) [الشورى:29] دليل على أنه ثمة عوالم أخرى وخير الحمد عندما نحمد الله ونقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) العوالم ولكنه وصفها بالعقلاء (العالمين) حتى يقرّب لنا الفكرة، والأرض عالمنا نحن الذي نعيش فيه.
(أولم ير الذين كفروا) الخطاب للذين كفروا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين وأيضًا للذين سيأتون بعدهم، والآن تحقق هذا الكلام، لم يقل أولم ير الذين آمنوا لأن هؤلاء يؤمنون بالغيب، وأما الله فيعطي الذين أتوا بعدهم الأدلة للمؤمنين والكافرين ليعودوا لحقائق الإسلام (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت) للكافرين على وجه الخصوص أما المؤمنون فالله تعالى بين لهم الحق منذ البداية فضمنه كثيرا من التشريعات. فهذا في إشارة إلى أن كثيرا من المكتشفات العلمية ستكون على أيدي الكفار لا لأنهم أفضل من المسلمين وإنما حتى تقودهم هم إلى الإيمان وهذا لا يحجر على العقل المسلم أن يبحث (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (33)الرحمن) ويكفي المسلمين شرفا أن أول آية من الوحي لم تكن صلِ، سبّح، استقم، إنما قال: اقرأ؟ ديننا دين العلم والبحث لكن الله شاءت قدرته أن تظهر كثير من الأشياء العلمية على أيديهم حتى يعودوا وعاد الكثيرون منهم.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)) طباق، (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) هذه الآية مليئة بالإعجاز، السموات والأرض كانت ملتصقة ملتئمة ففتقناهما أي فصلناهما هذا ما يقوله العلم الحديث وهذا ما يقوله المفسرون القدماء، العلماء ما انوا يعرفون قضية الانفجار الكوني وإنما كانوا يقولون كانتا رتقا إيمانا بما قال القرآن ففتقناهما فصلناهما هذا في القرن الخامس والسادس هجري وجاء العلم الحديث ثمة نظريات بعضهم قال الكون دائم أزلي لا نهاية له وهذا كلام خطأ، وأنه لا يوجد يوم القيامة هذه نظرية كفرية وليست صحيحة أما النظرية الصحيحة الدقيقة هي نظرية الانفجار العظيم، الكون كان كتلة واحدة شديدة الضآلة الصغر في الحج وشديدة الكثافة والحرارة التي لا يتصورها العقل البشري ثم أذن الله كن فيكون فحصلت عملية الرتق ثم الفتق الثاني الانفجار العظيم، والدليل هو التوسع المستمر (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)الذاريات) بأيد يعني بقوة شديدة، وهذا لا يعني أن ليس لله يد، لله يد تليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه كما ذكر (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10)الفتح). هنا والسماء بنيناها بأيد أي بقوة هائلة عظيمة (وإنا لموسعون) نون العظمة، لم يقل وإني لموسع، الكون يتوسع مليارات وملايين النجوم والمجرّات تتوسع بسرعة هائلة، قال العلماء لو رجعنا إلى الماضي لوجدنا لها نقطة التقاء فقالوا بالانفجار العظيم، جاء القرآن العظيم ووافق وأشار إليها إشارة صريحة. جمعت بعض الأدلة يقولها علماء الفيزياء والفلك المسلمون: القرآن العظيم يقرر أن أحدًا من الإنس أو الجن لم يشهد خلق السموات والأرض (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)الكهف) استنبط العلماء هذه المعلومات الانفجار العظيم والانسحاق العظيم من القضايا الفيزيائية الموجودة من بينها التوسع الحالي للكون حقيقة اكتشفت في الثلث الأول من القرن العشرين ثم أكدتها حسابات الفيزيائيين، المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات هائلة، إذا عدنا بهذا الإتساع الراهن إلى الوراء فإن كافة ما في الكون من صور الطاقة والمادة والمكان والزمان لا بد أن تلتقي في جرم واحد. نأتي مثلاً اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك، اكتشفوا أن ثمة خلفية إشعاعية في المجرات دليل على الانفجار العظيم، تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون عن طريق تليسكوب هابل الموجود في أميركا ثمة دخان يعلو الكون (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)فصلت).
يتوقع العلماء أيضًا عملية الاندماج النووي المستمرة في كل ثانية داخل النجوم، شمسنا فيها اندماج نووي لما يحدث هذا الاندماج تُستهلك الطاقة الهيليوم والهيدروجين سيأتي وقت على هذه الشمس فتصبح لا شيء وتنطفئ لأن الطاقة كل يوم في اندماج نووي وتقل طاقتها والإشعاع فيقول الله سبحانه وتعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)التكوير) كوّرت يعني ذهب ضوؤها لكن لا ندري كيف؟ العلماء قالوا أن الشمس تفقد كل يوم أطنانًا من طاقتها. لذلك عندما ذكر الله سبحانه وتعالى أنها تفقد من طاقتها الكثير وهذا اكتشفه العلماء ذكر في سورة الأنبياء أيضًا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)الرعد) إعجاز علمي، ما دامت الشمس تفقد من طاقتها بمعدل خمسة ملايين ظنًا في الثانية كما قالوا لو أن الأرض تبقى ثابتة فعملية التناسب يحدث فيها خلل فينقص الله أيضًأ من الأرض حتى يبقى التوازن والتجاذب دائمًا لكننا لا نشعر بهذا النقص، هذا يحدث في آلآف السنين. فهذا دليل ويتوقع العلماء تباطوء سرعة توسع الكون مع الزمن وهي القوة الناتجة عن عملية الإنفجار العظيم. مع تباطؤ سرعة الكون تتفوق قوة الجاذبية على قوة الدفع، الآن التوسع يتم عن طريق قوة الدفع سيتم قوة الجذب وبالتالي يحدث الإنكماش هم يسمونه الإنسحاق ونحن نقول بلغة القرآن (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)الأنبياء) كما يُطوى السجل، وفعلا كما بدأناه بالانفجار نعيده ينكمش الكون يعود إلى نقطة متناهية الصغر وهو ما يسمى closed universe