في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
في رحاب سورة الحج – 8
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
سؤال من د. عمار بوضياف أستاذ القانون الإداري بجامعة تبسة في الجزائر: لدي فكرة أن كل متخصص في مجال واجب عليه أن يوظف تخصصه في القرآن. كنت أفسر لطلبتي وأقول لهم أن المنازعة المعروضة على النبي داوود تتميز بأطراف الأخوة (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23))، موضوع النزاع (له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة)، ظروف الفصل في النزاع يرجح ظرف الدخول من غير الباب (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)) الخصمان قد يربكان القاضي، رغم هذه المحن والاستفزازات التي يتعرض لها القاضي إلا أن رسالة العدالة تفرض عليه التريث وسماع الأطراف وفهم لب المسألة المعروضة عليه وعدم الاستعجال وإنصاف كل الأطراف، أطراف الدعوة، ظروف الفصل، الحالة النفسية للقاضي ومفزوع (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)) أرجو من الدكتور إبداء الرأي في هذا الطرح وتصويبي جزاه الله خيرًا.
د. المستغانمي: الفكرة التي طرحها فكرة رائعة وصائبة وسديدة والمفترض في المتخصصين في شتى المجالات العلمية أن يدرسوا القرآن الكريم دراسة علمية جادة وفق ما لديهم من معطيات علمية. أسأل الله أن يوصلنا إلى سورة ص وسوف نفصل القول تفصيلا فيما قال الدكتور وفعلًا أنا أعجبني طرحه فهو طرح علمي حيث إن داوود عليه السلام وقف وقفة القاضي والله سبحانه وتعالى طلب منه أن يكون قاضيًا عادلاً (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)ص) فالطرح الذي طرحه هو رائع جدا فالقاضي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أطراف المنازعة، كل كلمة في القرآن تشير إلى شيء لما قال (إِنَّ هَذَا أَخِي) لم يقل إن هذا شريكي، أو هذا خليطي في التجارة.
المقدم: قد تفهم أن هذه ليست أخوة النسب
د. المستغانمي: لكن القرآن الكريم صاغها صياغة محكمة، أولًا: أخوه، والأخوة لها اعتبار معين وهل هذا يدعو القاضي المسلم إلى أن تأخذه العاطفة؟! هذا محور حديث الدكتور، المفترض أن القاضي العادل حتى لو كانت عاطفة الأخوة أو الأبوة لكن يطلب من القاضي أن يكون قدر الإمكان عادلا. طريقة طرح القضية والمنازعة في الأول قال (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) أراد أن يأخذ النعمة المائة، القضية طرحت بصورة مثيرة جدًا فقال داوود (لقد ظلمك ) ولم يستمع إلى الطرف الثاني – ما استنبطه الدكتور وما قاله المفسرون صحيح جدًا – فتأثر داود عليه السلام (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)ص). النقطة الثالثة التي طرحها كيف دخل الخصمان على داوود عليه السلام (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) حتى فزع داوود منهم، لم يدخلوا بطريقة عادية قانونية، وبالتالي الظروف التي قد يقع فيها القضاة ظروف صعبة ولذلك على القاضي قدر الإمكان أن يتبرأ من كل المؤثرات حتى يكون محايدا. فأنا أريد أن أشكر الدكتور عمار وأقول كلامه صحيح القانونيون يفترض أن يدرسوا القرآن في مواضيعه القانونية لو ذهبنا إلى قصة يوسف كيف رماه إخوته والقميص والشاهد فيها إجراءات قانونية رائعة جدا، عندما رأى الملك الرؤيا (سَبْعَ بَقَرَاتٍ 43 يوسف) هذه رؤيا اقتصادية عجيبة، الشرط الوحيد الذي أنصح به نفسي وإخوتي جميعًا أن نتزود بزاد اللغة العربية. أنا الآن طبيب علم أجنة متخصص لكن عليّ أن أدرس اللغة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها حتى أفقه وإذا ما استنبطت شيئا أبسطه على العلماء اللغويين فإن كان هذا الرأي سديدًا من الناحية اللغوية وسديدًا من الناحية العلمية يؤخذ به. من منبر خدمة القرآن الكريم في هذا البرنامج نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح لفتح مغاليق ولفتح أبواب وأسرار في دراسة القرآن. الله سبحانه وتعالى يقول (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)النساء) هذا القرآن أنزله الله بعمله، علم الله العظيم الواسع (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (255)البقرة)، الله أنزل القرآن بعلمه هذه الكلمة تكفي كل ما فيه يتناسب ويتوافق مع جميع فروع العلوم والمعارف في علم الأجنّة في علم البحار في علم الإدارة، في علم القانون في علم الرياح، الأمطار، في علم النفس في علم التاريخ. أين المسلمون من قرآءة تدبرية واعية؟! عندما يقول الله تعالى في سورة الحج (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)الحج) (أنه) تعود على القرآن الذين يعلمون أنه الحق أولًا هم الذين أوتوا العلم في شتى التخصصات. في آية أخرى (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)الفرقان) الآن وكالة ناسا تنفق الملايين لتعلم معلومة بسيطة حول المريخ وأحيانًا تنجح وأحيانًا تبوء بالفشل، القرآن أنزله الذي خلق الكون.
المقدم: البعض ربما يقول لم ينزل الله القرآن لهذا، إنما أنزله للهداية ولكي نتبعد الله به ولكي نعمل به فالقرآن ليس كتاب تاريخ ولا كتاب علوم، بعض العلماء قالوا في القرآن الاعجاز العددي والعلمي والمعادن..
د. المستغانمي: سؤال وجيه، الوظيفة الأولى للقرآن (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أنزله الله يهدي به القلوب يعلّم العقيدة الصحيحة، العبادات الصحيحة، المعاملات، الأخلاق، (هدى) لجميع الخلق وللمتقين بشكل عام وللمحسنين (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)لقمان) (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)النحل) للمسلمين، (هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)غافر) أولي الألباب. ضمّنه الله تعالى إعجازًا عجيبًا في شتى العلوم لأن الذي أنزله يعلم السر وأخفى. هو كتاب هداية، نعم، كيف يتحدث (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)الطارق) (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)البروج) (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)الذاريات) (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)القيامة) (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)الطور) () أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ 40 النور) علم البحار، علم الأجنة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)الحج)، الله جلّ جلاله بث هذه الآيات ذكرى لأولي الألباب ذكرى لأهل العلم، الله سبحانه وتعالى يقول (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)سبأ) الذين أوتوا العلم في شتى مناحي العلوم
المقدم: لكن في تلك الفترة الذين أوتوا العلم لم يكونوا قد أوتوه في هذه المجالات
د. المستغانمي: والقرآن لم ينزل فقط للقرشيين والعرب في زمانهم إنما أنزله الله للناس جميعا (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (158)الأعراف) العرب فهموا واستوعبوا ما استوعبوه من لغتهم في ذلك الزمان والهدايات والبلاغة والإعجاز ونحن الآن نقرؤه بلغة وبلاغة وفصاحة ونستنبط منه وفي الوقت ذاته تقرأ ما فيه من علوم (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)الأعراف) كتاب فصّله الله علم علم، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)فاطر) لذلك كل عالِم متخصص سوف يجد في القرآن ضالّته ومفاتيح لذلك العلم لكن في الأول والأخير القرآن يهدي القلوب وتخشع به النفوس وتطمئن القلوب.
المقدم: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) هذا لا يتعارض مع الهدى والهدى هنا نكرة عامة ربما تكون هداية ليست مرتبطة فقط في هداية الدين وأحيانا الإنسان يبحث عن الهدى في مسائل أخرى في مسائل علمية دنيوية ليست دينية بحتة
د. المستغانمي: هداية الدين ومرتبطة بأصول العلوم كلها. أبارك هذا التوجه وأدعو جميع المتخصصين أن يدلوا بدلائهم شريطة التسلح باللسان العربي السليم.
سورة الحج
المقدم: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الحج) صوامع أماكن عبادة الرهبان والبيع كذلك للنصارى، وصلوات؟
د. المستغانمي: ما ذكره المفسرون صلوات من صالوتة أو صالوثة أماكن عبادة اليهود وعُرّبت وكثير من الكلمات عُرّبت وما نطقه العرب بلغتهم
المقدم: هل في القرآن كلمات أصلها غير عربي
د. المستغانمي: نعم مثل استبرق لكن عرّبها اللسان العربي. (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ) صوامع جمع صومعة والصومعة هي صومعة الرهبان أو الراهب كانت بناء مستطيلا طويلا في السماء كان الرهبان متوعودون أن يرتقوا في صوامعهم حتى لا ينشغلوا فيه الناس ويتعبدون الله سبحانه وتعالى في زمنهم، الرهبان كانوا يبنون الصوامع وتبنى لهم. البيع هي دور عبادة للنصارى للمناسبة بين صومعة الراهب والبيعة والصلوات هي دور عبادة اليهود والمساجد هي دور عبادة المسلمين. لماذا بدأ بالصوامع بهذا الترتيب؟ بدأ بالصوامع لأنها كانت مشتهرة في بلاد العرب كانوا عندما يسافرون من مكة إلى الشام يرون صوامع الرهبان وكانوا يلجأون إليها يستنيرون بإنارتها يلجأون إليها في البرد أحيانًا ويستضيؤون بضيائها فكانت مشهورة فبدأ بما هو أشهر لديهم. (وبيع) هي دور النصارى أيضًا فللمناسبة جمع بين طوامع الرهبان وبين دور عبادتهم (بيع) ثم جمع إليها دور عبادة اليهود وهي الصلوات وختمها بالمساجد التي هي أعمّ، مساجد المسلمين. لم يبدأ بالمساجد هنا وأخّرها ليس لأنها جاءت متأخرة فالترتيب الزمني هنا غير مراعى، النصارى بعد اليهود، وإنما بدأ بما كان يعرفه العرب وبما كانوا يألفونه في بيئتهم عند الغساسنة عندما كانو يمشون في الطرق كانوا يعرفون الصوامع ثم البيع والصولات ثم مساجد المسلمين. أيضًا ثمة سبب لتأخير المساجد وهي الصفة (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) ثمة رأيان: لو قلنا هذا الوصف يعود على الكل فالمساجد داخلة وإذا كات عائدة على آخر مذكور فهي للمساجد ففي الحالتين المساجد أجمل عندما تكون في النهاية حتى لا يحدث التباس. (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) لولا أداة امتناع لوجود يمتنع الجواب لوجود الشرط، خبرها محذوف وجوبًا، لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لولا وجود التدافع لهدّمت صوامع، السؤال مطروح: هل هُدِّمت الصوامع؟ هل هُدّمت البيع والصلوات؟ لا، لا لم تهدم، لسُنّة التدافع. ما مناسبة هذه الآية هنا في السياق؟ قبلها قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)الحج) (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)الحج) كأن سائلًا يسأل: لماذا أذن الله بالقتال؟ أذن الله في قتال المشركين لحفظ ديانات التوحيد أولًا لحفظ دين الإسلام (المساجد) أرادوا أن يهدموا المسجد الحرام ويصدوا عنه (ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)الحج) أقر الله الجهاد وأذن بدفع المشركين حتى يحفظ المساجد لو أنهم ظفروا بالمساجد لتعدّوها وتجاوزوها إلى الصوامع والبيع والصلوات لأنهم لا يريدون أن يروا أهل التوحيد، المشركون والمجوس وهؤلاء الذين يعبدون الأصنام لذلك لها مناسبة والله سبحانه وتعالى ربطها..
المقدم: في بداية الآية قال الله تعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) ما المقصود بالحق؟ وهل هذا يستدعي أن يُخرجوا من ديارهم؟
د. المستغانمي: الآية مبنية بطريقة بلاغية عجيبة يعني الذين أُخرجوا من ديارهم المهاجرون الذين أخرجهم القرشيون من مكة، أخرجوهم من ديارهم بغير حق، بغير وجه حق، هم كانوا يسكنون مكة المكرمة كبقية الناس ولكنهم لما اعتنقوا دين التوحيد أخرجوهم من ديارهم بغير حق (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) إلا بسبب توحيدهم، هذا ليس مدعاة لإخراجهم! هو كأنه يقول: الذين أخرجوا من ديارهم بغير وجه حق وإن كان ثمّة وجه فقولهم: ربنا الله. قولهم (ربنا الله) هل هذا سبب وجيه لإخراجهم؟! أبدًا، في البلاغة هذا يسمى: تأكيد المدح بما يشبه الذم فإن كان ثمّة سبب لإخراجهم فقولهم (ربنا الله) وهو في الحقيقة لا يضرهم إنما يمدحهم، هذا على قول النابغة في البيت المشهور:
ولا عيب فيهم إلا أن سيوفهم بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب
النابغة وصف قومه ومدحهم وقال: ولا عيب فيهم هو يمدحهم (إلا) أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب، هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم وهذا في القرآن موجود (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)البروج) هل أتوا بفعل يستحقون به الانتقام؟ بالعكس، هذا مدح.
المقدم: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)الحج) هذا الترتيب أو ذكر هذا الأمر ورد في أكثر من سورة (وإن يكذبوك فقد كذبت قوم نوح وعاد وثمود ) ثم ورد في سورة ق ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)ق) في سورة ص () كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) ) اختلف الترتيب. لماذا قال (فقد كذبت) فعل ماضي ثم يتحدث عن موسى فيقول (وكُذّب موسى) مبني لما لم يسمى فاعله؟
د. المستغانمي: هذا سؤال مركّب. أولًا أورد الله تعالى هذه الآية تأنيسًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصًا على إيمانهم خصوصًا الصناديد منهم، كان حريصا عليهم ولكنهم كذبوه فقال الله له وإن ذكبوك فلا تعجب فقد كذبت قبلهم قوم نوح، ليس هذا جواب “إن الشرطية” (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) لا، هنا هذه الجملة تسمى دليل جواب الشرط. أصل الكلام: وإن يكذبوك فلا تعجب في أمرهم فقد سبقك تكذيب قوم نوح. جواب الشرط محذوف يدل عليه دليل الجواب لأنه لا يستساغ في اللغة العربية أن يكون الشرط في المستقبل والجواب في الماضي لا نقول: إن تأتني أكرمتك، إن تأتني أكرمك، وهنا (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ) ما تأتي، هذا دليل الجواب كأن القرآن يقول فإن يكذبوك فلا تعجب يا محمد فقد حدث هذا من قبلك وزمرة من الأنبياء وكوكبة من الرسل كُذّبوا وأنت على شاكلتهم. ثانيًا ذكر الأقوام بصيغة الماضي المبني للمعلوم (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ) لما ورد إلى موسى قال (وَكُذِّبَ مُوسَى) وهذا ذكره المفسرون الإمام الرازي، عاد كذبت هودا عليه السلام، ثمود كذبت صالحا عليه السلام، موسى عليه السلام لم يكذبه قومه وإنما كذبه فرعون والأقباط، إذن الذين كذبوا موسى ليسوا قومه ولو كان المكذبون قوم موسى لقال: وكذب قوم موسى، لا، وكُذب موسى من فرعون وجنده. حتى إبراهيم كذبه قومه ولوط كذبه قومه، هذا المعنى رقم واحد لأن الذي كذّب موسى ليسوا قومه فقال (وكُذب موسى) والقرآن دقيق. وفيها معنى آخر وهو: لا تحزن يا محمد، بمعنى آخر كان يمسح عنه دموع الشقاء فقد كذبت قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وكُذّب موسى بجلالة قدره وعظمة معجزاته إذا كان موسى بعظمة ما أوتي من معجزات وهو كليم الله وأعطاه الله العصى وانفجار الماء وفرّق له الماء وكذب موسى مع جميع ما أوتي من معجزات باهرات، هذا أيضًأ فيه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذه نكتة يذكرها المفسرون.
أما عن الترتيب فالآية في سورة الحج وردت على النسق التاريخي قوم نوح ثم عاد ثم ثمود فأصحاب مدين ثم موسى، هذا تاريخيًا. إذا ذهبنا إلى السور التي تناولت القصص القرآني كسورة الأعراف وسورة هود وسورة الشعراء نجد الترتيب التاريخي لأن لكل قصة هدفا وموعظة وعبرا ساقها الله تعالى فجاء الترتيب التاريخي، في الأعراف ابتداء من آدم (ولقد خلقنا ) وما جاء على الأصل لا يُسأل عنه وهنا راعى الله سبحانه وتعالى التاريخ. في سورة الأعراف تكلم الله عن آدم ثم تكلم عن قوم نوح لأن التاريخ مرعي.
المقدم: السؤال إذن لماذا لم يراعى الترتيب التاريخي في السور الأخرى؟
د. المستغانمي: الفقهاء يقولون ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه وقد تكون ثمة حكم، نحن نقرّب هذه المادة. بينما لو ذهبنا إلى سورة ص قال (كذبت قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) فرعون هو الذي كذب موسى (وقوم هود وأصحاب الأيكة) لماذا هذا الترتيب؟ لأن السياق في رحاب سورة ص المشركون كانوا أولو قوة وبأس كانوا جلافًا غلاظًا كانوا عتاة أرادوا طمس التوحيد وطمس الرسالة الجديدة من أول آية (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)ص)
المقدم: حتى مخارج الحروف شديدة!
د. المستغانمي: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)ص) كانوا يعاجزون محمدا صلى الله عليه وسلم كانوا أولي بأس وصفهم مطلع سورة ص بالعزة والشقاق والبأس وبأنهم كانوا يتفانون في تكذيب التوحيد، هنا لما أراد القرآن أن يستأنس محمدا صلى الله عليه وسلم وأن يسليه ذكر له أعتى الأقوام وأطغاها (كذبت قوم نوح) كانوا عتاة جبابرة و(عاد) الذين قالوا من أشد منا قوة (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)الفجر) الذين قالوا لسيدنا هود (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)الشعراء) هؤلاء كانوا جبارين (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)الشعراء) اقرأ سورة الشعراء تجد الوصف الدقيق لقوم عاد. (وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)ص) بعضهم يقول ذو الأوتاد القوية التي كان يصلب بها المؤمنين، السحرة صلّبهم. بعضهم يقول الأوتاد هي الأهرامات، فرعون طغى وتجبر مع وزرائه هامان وقارون فبدأ بالأطغى فالأطغى بينما في سورة ق اختلف السياق قال (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)ق) قوم نوح هم الأوائل وأصحاب الرسّ هم أواخر القرون، من أواخر الأمم قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم هكذا يقول المفسرون، بعضهم يقولون أنهم أصحاب الأخدود وبعضهم يقولون أصحاب الرس ناس كان لهم بئر فرسّوا فيها نبيهم، اختلف المفسرون فيها وأصحاب التاريخ لكن الدليل في سورة الفرقان قال (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)الفرقان) أصحاب الرسّ متأخرون، بدأ بأول الشعوب نوحا ثم عاد وثمود ثم اختصر وقال أصحاب الرس وقال وقرونا بين ذلك كثيرا وفي سورة ق عكس قال (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس) ذكر الطرفين الأول والأخير وكل ما بينهما مقصود لكن الترتيب اختلف عن سورة ص لأن سورة ص مبنية على وصف عتاة قريش الذين كانوا يتكبرون ويتجبرون، هنا تكلم على الأدلة في الكون (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)ق) عندما خاطبهم بالخلق أعاد ترتيبهم حسب فقه كل أمة، ثمود قدّمهم على عاد لأن ثمود كان عندهم ناس يفكرون فاستحبوا العمى على الهدى. هذا الترتيب يخضع لجو السورة كما سوف نصل ونفصّل.
المقدم: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)الحج) ثم بعدها بآيتين (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)الحج) نقف عند هاتين الآيتين وسياق كل واحدة منهما.
د. المستغانمي: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)الحج) هذا جاء تعقيبا على القول السابق (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ) (كأين) كناية عدد تفيد التكثير كم من قرية أهلكناها مثل الذين ذكرهم ومثل الذين لم يذكرهم. (أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) العروش هي كل السقوف السقف عرش فلما يسقط الله السقوف من علٍ يسقط أيضًا عليهم الحيطان ويهدمها ويجعل عاليها سافلها فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، هذا وصف جميل، وصف يحرك النفوس، القرى التي كانت تظلم (وهي ظالمة) حال كونها ظالمة (هذه واو الحال) والنتيجة (فهي خاوية على عروشها) انظروا إلى قرى ثمودد، إلى قرى المؤتفكات قرى ثمود. أصحاب الأيكة في أغلب الرأي هم قوم شعيب، وأصحاب الرسّ اختلف فيهم كثيرا لكن أصحاب الأيكة هم أصحاب مدين أحيانًا يذكر قوم شعيب بأنهم أصحاب مدين وأحيانًا يذكرهم بأصحاب الأيكة. وتُبّع هو ملك من ملوك اليمن، كسرى من ملوك الفرس، فرعون ملك مصر، المقوقس ملك الروم، تُبّع ملك اليمن كان له ملك عظيم وأهلكه الله سبحانه وتعالى، أصله كان من اليمن وأسس مملكة كبيرة وكان مشركًا. (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) بئر معطلة فيها ماء لكن معطلّلة وأصحابها أهلكهم الله فيمن أهلك، وقصر مشيد أي مبني بالجصّ وكل المباني التي تبنى بالجص حجارتها تدوم وتكون مرصوصة شديدة، ما قال مشيّد كما في قال سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ 78 النساء) وهنا قصر واحد أتى بـ(فعيل) (قصر مشيد) على وزن فعيل (مشيد) وثمّة مشيّدة على وزن (مفعّلة) فجاء التضعيف للتناسق مع البروج، جمع البروج فجاء بمشيّدة وكل زيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى. قصر مشيد، وكلمة (شيّد) لم ترد إلا في سورة النساء وفي سورة الحج. هذه الآية. (وقصر مشيد) هذه الآية ناطقة في قريش والمشركين في ذلك الوقت، طمئنوا من غلوكم وغلوائكم وخففوا من طغيانكم هذه الأرض كما قال أبو العلاء المعري:
هذي قبورنا تملأ الرحبَ فأين القبور من عهد عاد
أديم الأرض
حضارات مرت فكأني بالقرآن يقول: كم من قرية كثيرة أهلكناها أفأنتم الخالدون؟! سوف يهلكهم. بعد ذلك بآيات قال (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)الحج) أمليت يعني أعطيت، مددت لها في الوقت من الإملاء، أملي لهم أي أزيد لهم في الوقت، إن الله يمهل ولا يهمل. لأن الله أهلك القرون السابقين وقريش لم يصبهم شيء وكانوا دائما يستعجلون ويقولون (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)الأنفال) أحد المفسرين قال والله كانوا سفهاء! عوض أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا. (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)الحج) هم كانوا يستعجلون رأوا أن إمهال الله لهم كأنه أهملهم أو كأنه لن يعذبهم جاءت الآية تقول: وكأين من قرية أمليت لها ومددت لها وهي ظالمة ثم أخذتها فلا تغتروا أيها المشركون فقد جاءكم العذاب وفعلًا عندما أذن الله بالقتال في غزوة بدر، قتل في غزوة بدر صناديد المشركين!.
المقدم: حينما يقول الله سبحانه وتعالى (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) ثم يخاطبهم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج) أولًا لماذا قال (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج) وهل يعقل الإنسان بقلبه أم بعقله؟
د المستغانمي: بكليهما. في القرآن الكريم القلوب تعقل والقلوب تجمع خصائص الفكر البشري وخصائص الإيمان وفيها العواطف والحب والبغضاء والعقيدة، القلب نعقد فيه على كل شيء حتى التجارب الحديثة أثبتت ذلك والقرآن يقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)ق) ليس من كان له له عقل وإنما من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، القلوب تحلل، أحيانًأ يستعمل القرآن القلب بدل العقل وأحيانًأ يستعمل العقل بدل القلب وكلاهما يهدي والمسألة فيها تفصيل لو بسطناه لطال الحديث. لكن سؤالك وجيه: (أفلم يسيروا) حديث وخطاب لقريش أفلم يسيروا فينظروا؟! سؤال استنكاري تعجيبي يعجب منهم كأنهم لم يسيروا، كأنهم لم يقرأوا التارخي! هذه الآية تدعو إلى دراسة التاريخ ، سورة الحج عجيبة تدعو إلى دراسة التاريخ ودراسة الحضارات من أولها إلى آخرها. سبع آيات وردت في القرآن على نفس الشاكلة (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)الروم) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) سبع مرات وهنا قال (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ) لم يقل (فينظروا) لأن سورة الحج أفاضت الحديث وأطنبت في القلوب (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)الحج) (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ (54)الحج) (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35)الحج). (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج) كتابة التاريخ تتطلب دراسة الأرض والحضارات والآثار ورواية التاريخ (آذان يسمعون بها)
المقدم: كذلك النظر للتاريخ يتكلب كذلك العين وما قال (ولهم أعين يبصرون بها) وإنما قال (فإنها لا تعمى الأبصار) ما ذكر العيون
د. المستغانمي: قلنا مرارًا القرآن يختصر حيث لا جدوى من ذكر شيء، بناء الآية: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها – المفترض هنا كلام محذوف: أو أعين يبصرون بها – وتقول من اين لك هذا؟ دليلها (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج) لو ذكر الأعين لا فائدة منها، أو أعين يبصرون بها لكنه قال أنا لا أريد البصر العيني فقط وإنما أريد البصيرة (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) والمعهود أن البصر يعمى وينطمس فقال (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ) فيقول أحدهم: هل القلوب تعمى؟ (التي في الصدور) القلوب الحقيقية التي في الصدور هذه الإضافة للتأكيد لأنه يقصد البصيرة لا البصر، لكي يزيل الوهم والالتباس ولا يقول أحد (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) حديث مجازي، لا بل حديث حقيقي إذا عمي القلب والعياذ باله فإنه لا يدرك فأتت (التي في الصدور) لتؤكد أن المقصود القلوب الحقيقية، التي في الصدور أعني. هذه في القرآن كثيرة (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)آل عمران) الناس يقولون بأفواههم، يقولون لا بخواطرهم، لا بآرائهم، بأفواههم، عندما وصف المنافقين أكد بأنهم قالوها فعلا، أحيانًا يقول (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)الفتح) ولو قال (يقولون) لكان يكفي وإنما قال (بألسنتهم) ليؤكد أن القول حصل ولدفع المجاز (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)الأنعام) لو قال (ولا طائر) كافي، يمكن أحد يقول ساعي البريد يسمى طائرًا (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)الإسراء) قد يدخل شيء، لما قال (يطير) هذا من التحقيق والتأكيد في القرآن.
المقدم: يقول الله سبحانه وتعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)الحج) يقال أن هذه الآية فيها إعجاز.
د. المستغانمي: نحن نتكلم عن شخصية السورة، عن رحابها، عن خصائصها وقد أفضنا في سورة الحج ولكن أريد قبل أن تختمها جئتك بشيء عجيب. هذه الآية عجيبة (ويستعجلونك بالعذاب) وأنا أقرأ في كتب الإعجاز العلمي. أولًا (يستعجلونك بالعذاب) ما قال استعجلوك بالعذاب، هم يكررون دائما يقولون أين العذاب الذي تعدنا به؟! في سورة ص قالوا (عجل لنا قطنا) إذا كان ثمّة نصيب من العذاب عجّل لنا به قبل يوم الحساب، وفي سورة الأعراف قالوا (إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا) كانوا منكرين غير موقنين بالعذاب، فقال الله لهم (ويستعجلونك بالعذاب) هم يستعجلون (ولن يخلف الله وعده) سيأتيهم، وعد الله لا يتخلف إن الله لا يخلف الميعاد والعاقل إذا الله وعده بالعذاب كيف يستعجل عذابا سوف تطول مدته؟! (وإن يوما كألف سنة مما تعدون) العلماء قديما وقفوا وقالوا: يوم من أيام العذاب كألف سنة مما تعدون مما نعدّ نحن البشر، يوم من أيام العذاب كألف سنة مما تعدون كأني بالقرآن يقول لهم: إن العاقل لا يتمنى ولا يستعجل عذابًا سيطول عليه، لو كانوا عقلاء ما تمنوا هذا وما استعجلوا (وإن يوما عند ربك كألف سنة) هنا تهويل، في الوقت ذاته لا يوجد في القرآن إلا الحق (ذلك الكتاب لا ريب فيه) (ليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق). أولو العلم والفلك والفيزياء قالوا كلامًا عجيبًا هذه الآية (إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) باختصار نظرية ومعادلة سرعة الضوء في القرآن الكريم، سرعة الضوء التي يتبجح بها أهل الفلك والفيزياء وجاء مؤتمر فرساي بناء على نظرية آينشتاين النسبية التي اكتشفها في 1905 أقرّ العلماء في عام 1969 سرعة الضوء بدقة يقولون: 299792.5 كيلومتر في الثانية، هذه سرعة الضوء المعمول بها عالميًا أقرها الفيزيائيون والفلكيون، هذه الآية تثبتها (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) اليوم 24 ساعة ضرب ستون دقيقة ضرب ستون ثانية هذه المعادلة رقم واحد (86400) اليوم الزمني الأرضي. لكن اليوم الشمسي غير اليوم النجمي، اليوم النجمي هو 23 ساعة 56 دقيقة وبضع ثواني، هذا بدقة. (كألف سنة مما تعدون) العرب يعدون بالنظام القمري كأنه يقول يوم 24 ساعة بالثواني يساوي 12 ألف دورة قمرية مسافة القمر حول الأرض تساوي هذا، لما جاء العلماء قالوا سرعة الضوء تساوي 12 ألف (كل سنة فيها 12 شهر ضرب ألف سنة مما تعدون) ضرب متوسط السرعة المدارية للقمر في سرعة الزمن الشهري على تقسيم الزمن اليومي الذي هو 24 ساعة تحصل على 299792 الآية فيها معادلة سرعة الضوء هذا ما أقره العلماء في مكة في مؤتمر الإعجاز العلمي أقروا هذا الكلام بناء على كتاب “الكون والإعجاز العلمي” للدكتور حسب النبي منصور مصري أستاذ ورئيس قسم الفيزياء. من حق المشاهد الكريم أن يعرف أن هذا القرآن ينبض بالحقائق في الفلك، في الفيزياء.
حتى نحوصل سورة الحج في البداية قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)) وفي نهايتها قال (ألم تر فيصبح ) أية رؤية؟ الرؤية العلمية ليست الرؤية البصرية فقط (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)الحج)
المقدم: وفي نهاية السورة قال (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)الحج) من المقصود؟
د. المستغانمي: ما قدروا الله حق قدره الذين أشركوا به الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع بئس المولى وبئس العشير الذين قال عنهم (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)الحج)
المقدم: وردت في القرآن مرتين (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)الزمر) وهنا قال (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)الحج)
د. المستغانمي: هؤلاء ما قدروا الله وما عظموه حق التعظيم عندما ساووه بأصنام خشبية أو حجرية أو حديدية لا تسمن ولا تنفع ولا تأكل ولا تمنع. آخر آيتين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)الحج) من الأصنام لن يخلقوا ذبابً أما الله فهو يخلق السموات والأرض والنجوم والأقمار وإن يسلبهم الذباب الحقير شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ضعف العابد والمعبود، كلا الطرفين. ثم قال: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الذين يساوون بالله الخالق أصنامًا إذا سلبها الذباب شيئا لا تستنقذه منه!
المقدم: ما علاقة هذا بمحور السورة؟
د. المستغانمي: محور السورة يكذب الشرك ويثبت التوحيد ويثبت البعث ويفنّد الآلهة المزعومة والأصنام (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)الحج) (ومن يشرك بالله) هنا قال (ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) تفنيد الأصنام من كل الطرق ثم قال (ما قدروا الله حق قدره) سبحانه وتعالى! المفترض (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)الحج) أما الله فهو القوي العزيز. سورة عجيبة فيها من الخصائص ما ذكرها في الحلقات السابقة. وآخر شيء أنها بنيت على التأكيد حصرت فيها (إنّ) (وأنّ) المؤكِّدات 42 مرة بينما في الأنبياء قبلها 5 مرات وبعدها سورة المؤمنون 4 مرات، بالتأكيد هذا شيء مقصود، بناؤها، ثوبها، خصائصها تحتاج إلى وقفة طويلة.
المقدم: لا زال في سورة الحج كثير لكن نريد أن نستعجل قليلا. في الحلقة القادمة إن شاء الله سوف نتحدث عن علاقة سورة الحج بالمؤمنون والارتباط ما بينهما وإن كنا نريد أن نقف عند (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)الحج) لعلنا إذا أدركنا الوقت في الحلقة القادمة إن شاء الله.