لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 211

اسلاميات

الحلقة 211

اللمسات البيانية في سورة هود 4

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وواقفين على اللمسات البيانية الموجودة في هذه السورة التي قال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم “شيبتني هود وأخواتها” وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)) وعرضنا بعض اللمسات البيانية والنقاط البلاغية الموجودة فيها وتوقفنا عند قوله تبارك وتعالى (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ). اللافت للنظر في هذه الآية الكريمة أنه في ختامها قال (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) وأن الله سبحانه وتعالى قال في فصلت (لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ (49)) فلماذا اختلفت النهايات؟ وما اللمسة البيانية في الكل؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. في آية هود التي نحن تعرضنا لها قال (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) ذكر أمرين الإتيان والنزع فقال (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) بالنسبة للرحمة التي أوتيها لم يشكرها هذا كفور ويؤوس من العودة إلى الخير وما إلى ذلك يائس من رحمة الله. الآية التي ذكرتها في فصلت (لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ). في آية هود ذكر أمرين (أذقنا الإنسان منا رحمة، نزعناها) وهنا قال (لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ) إذن لم يذكر حالة معينة، ماذا كان في حالة الدعاء؟ هل كان في نعمة أو في ضر؟ لم يذكر شيئاً. ثم قال بعدها (وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ) إذن ذكر مسألة واحدة وهي مسّ الشر، هذه الحالة ليست معروفة ما هي؟ دعاء الخير هي حالة عامة لا نعلم إن كان فيها رحمة يحتمل حالة واحدة، إذن ذكر في هذه الآية أمر واحد (وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ).

المقدم: مس الشر فقط وفي هود (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ)

د. فاضل: فصار يؤوس كفور لأنه ذكر حالتين، حالة إذاقة الرحمة المفروض أن يشكرها ولكنه صار كفوراً ونزع الرحمة، صار أمرين.

المقدم: إن الله سبحانه وتعالى ذكر فقط الحالة الثانية

د. فاضل: فقط حالة واحدة. لم يذكر نعمة وإنما قال (وإن مسه الشر) إذن هي حالة واحدة. (يَؤُوسٌ قَنُوطٌ) من رحمة الله

المقدم: ما معنى القنوط؟

د. فاضل: أكثر حالات اليأس، القنوط هو أشد حالات اليأس

المقدم: (لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ (53) الزمر) يعني لا تصلوا إلى درجة ما بعد اليأس.

د. فاضل: شدة اليأس من الخير، القُنوط شدة اليأس من الخير. إذن حالة يؤوس هي أشد الحالات يؤوس بلغ إلى درجة القنوط وهو شدة اليأس حالة واحدة بينما هناك ذكر أمرين

المقدم: هي قَنوط أو قُنوط؟

د. فاضل: القُنوط مصدر والقَنوط صيغة مبالغة

المقدم: وأصل الفعل؟

د. فاضل: قنط يقنَط (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ (56) الحجر) (لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ)

المقدم: قُنوط مصدر وقَنوط صيغة مبالغة

د. فاضل: قَنوط صيغة مبالغة مثل يؤوس، كفور، فَعول. يؤوس قنوط يعني بالغ شدة اليأس

المقدم: وكفور يكفر نعمة الله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: نعم. إذن أصبح كل واحدة هي في سياقها. هناك ذكر أمرين إعطاء رحمة ونزعها صار يؤوس كفور

المقدم: وهنا مسّه الشر

د. فاضل: فقط.

المقدم: ما تعرض ربنا تبارك وتعالى للرحمة من حيث أنه يعطي الإنسان رحمة ثم ينزعها منه قال (مسه الشر) أياً كان هذا الشر

د. فاضل: إذن كل واحدة هي مناسبة لسياقها.

المقدم: مع أن الخطاب للإنسان بشكل عام

د. فاضل: هذه طبيعة الإنسان، الإنسان هو هكذا.

المقدم: (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) الإسراء) هل هذه جبلة؟

د. فاضل: هذه جبلّة الإنسان ربنا سبحانه وتعالى هكذا خلقه.

المقدم: لكن هناك قنوت بالتاء وقنوط بالطاء

د. فاضل: قنت يعني خضع لله (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا (9) الزمر) هذه غير.

المقدم: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)) في هذه الآية الكريمة نود أن نقف على معنى النعماء والضراء، ما الفرق؟

د. فاضل: النعماء هو إنعام يظهر أثره على صاحبه

المقدم: والضراء؟

د. فاضل: مضرة يظهر أثرها على صاحبها.

المقدم: ما الفرق بين النعمة والنعماء؟

د. فاضل: النعمة عامة قد لا تظهر الإنسان فيه نعم كثيرة البصر نعمة والعافية نعمة والسمع نعمة والكلام نعمة لا تحصوها نعم كثيرة لكن النعماء يظهر أثرها على صاحبها، أثر ما أنعم الله عليه من غنى أو ما إلى ذلك

المقدم: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده إذا كان غنياً فليلبس يحب من الثياب الأجمل والمسكن والمأكل والمشرب

د. فاضل: يحب أن يرى أثر نعمته على عبده إذا أعطاه إياها

المقدم: والفرق بين المضرة والضراء؟

د. فاضل: المضرة قد تكون عامة لكن الضراء تظهر على الشخص إما في البدن أو شيء يظهر عليه

المقدم: إذن هذا محدد دلالي مهم. هنا تخصيص (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ) فيها تخصيص ليس مجرد الإطلاق في النعمة، هنالك حالات محددة.

د. فاضل: نعم حالات محددة

المقدم: (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) ذهب فعل نحسبه للمذكر والسيئات مؤنث فلماذا لم يقل ذهبت السيئات؟

د. فاضل: في جميع القرآن الكريم إذا جعل السيئات فاعلاً فالفعل يأتي معها مذكراً (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا (48) الزمر) (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا (51) الزمر) (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ (34) النحل) هذا عام، لكن لماذا؟

المقدم: هو لغة يجوز؟

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: نقول ذهب السيئات وذهبت السيئات.

د. فاضل: نعم هو مؤنث مجازي

المقدم: هو مؤنث مجازي لا يلد ولا يبيض

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: يصح فيه التذكير والتأنيث. لكن لمَ الاختيار هنا؟

د. فاضل: هذا نسميه مراعاة المعنى القرآن يذكر ويؤنث لمراعاة المعنى، يقصد به معنى مذكر فيذكر ويقصد به معنى مؤنث يؤنث كما ذكرنا مرة في العاقبة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) الزخرف) إذا ذكّر يقصد به العذاب، (مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ (135) الأنعام) إذا أنّث يقصد به الجنة، إذا قصد به معنى المذكر ذكّر وإذا قصد به معنى المؤنث أنّث

المقدم: كيف نفهم هذا؟ هنا قال (ذهب السيئات عني) كيف نفهم أنه يقصد معنى المذكر أو المؤنث؟

د. فاضل: ما المقصود؟ سيصيبهم أثر السيئات، جزاء السيئات، ما توجبه السيئات من العذاب (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا (51) الزمر)

المقدم: وليس فأصابتهم، هل هنا جزاء السيئات؟

د. فاضل: نعم، أصابهم جزاء السيئات

المقدم: أصابهم جزاء السيئات، هم اراكبوا السيئات فاستحقوا العذاب

د. فاضل: (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا (51) الزمر) إشارة إلى العذاب. فإذن هنا يراعي المعنى فإذا راعى المعنى ذكّر إذا كان المعنى مذكر وإذا كان المعنى مؤنث أنّث

المقدم: هل هناك إشارة لهذا مثلاً في الآية (ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) ذهب عذاب السيئات؟ ذهب جزاء السيئات؟

د. فاضل: نعم، (ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) ماذا سيصيبهم؟ العذاب إذن ذكّر. (ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) يعني ذهب البؤس، ذهب سيئ العيش، ذهب سوء العيش، فذكّر

المقدم: يسموها مراعاة المعنى، هذا يجري على سنن العربية؟

د. فاضل: نعم. القدامى ذكروا حتى في غير القرآن

يا أيها الراكب المزجي مطيته        سائل بني أسد ما هذه الصوت؟

ما هذه الصوت يقصد به الاستغاثة، يسمع صوت استغاثة يقصد ما هذه الاستغاثة؟

المقدم: ويعبّر عنها بالصوت

د. فاضل: لأنه أراد معنى الاستغاثة وليست مجرد صوت

المقدم: أراد ما بعد الصوت، مفهوم الصوت وهو الاستغاثة إذن مدار الكلام ليس على الصوت في حد ذاته وإنما على مدلوله.

د. فاضل: أحياناً يدخل المعلم إلى الصف فيسمع ضجة فيقول أحياناً ما هذا؟ وأحياناً يقول ما هذه؟ ما هذا؟ يعني ما هذا الصوت؟ ما هذا الصخب، وما هذه؟ يعني ما هذه الضجة؟ هذا من غريب ما يذكر في اللغة يقال فلان يعني أحمق، فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها،

المقدم: جاءته كتابي وليس جاءه كتابي

د. فاضل: هذا أعرابي، قال يا رجل كيف تقول جاءته كتابي؟! قال أليس في صحيفة؟ هذا يتكلم على سليقته، هو في ذهنه الصحيفة، فنطق بالكتاب لكن في ذهنه المؤنث

المقدم: لكن الآخر ما فهم

د. فاضل: الآخر ما فهم ففهمها. قال أنا أعني الصحيفة

المقدم: هل في هذا بلاغة معينة؟ بيان؟ أم أن اللغة تخرج هكا خبط عشواء؟ توهّم مثلاً؟

د. فاضل: لا، ليس توهماً الإنسان إذا كان صاحب بيان فلا يختار إلا لغرض. القرآن الكريم يراعي المعنى مثل في العاقبة.

المقدم: إذن مدار الكلام على المعنى يكون أحياناً أقوى من مدار الكلام على اللفظ.

د. فاضل: نستطرد استطراداً، عندنا البينات في القرآن أحياناً يذكرها وأحياناً يؤنثها أحياناً يقول (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ (213) البقرة) وأحياناً يقول (مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ (105) آل عمران). ضعها في سياقها، حيث يؤنّثها إذا قال جاءتهم يقصد بها العلامات الدالة على النبوة المعجزات مثلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴿٢٠٨﴾ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٠٩﴾ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٢١٠﴾ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢١١﴾ البقرة) علامات. (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ (253) البقرة) العلامات الدالة على الصدق، (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا (153) النساء) العصى حية وانفلاق البحر وما إلى ذلك. بينما إذا كان بمعنى الأمر والنهي يقول جاءهم مثل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠٣﴾ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٠٥﴾ آل عمران) كل هذه أوامر ونواهي ليس فيها ذكر معجزات وإنما كلها أوامر ونواهي. فالقرآن يراعي المعنى كثيراً. حتى (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ (67) هود) أيضاً تدخل في هذا الباب.

المقدم: إسمها مراعاة المعنى. هنا ختمت الاية (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) ما معنى الفرح الفخور؟

د. فاضل: الفرِح هو الأشر البطر وليس مجرد الفرح

المقدم: وما معنى الأشر البطر؟

د. فاضل: البطر يعني يبطر بنعمة الله سبحانه وتعالى (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) القمر). ولذلك ربنا سبحانه وتعالى إذا ذكر الفرح مطلقاً ذمّه إلا عندما يقيّده بما فيه خير

المقدم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) القصص)

د. فاضل: هذا مطلق، لكن (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ (170) آل عمران) هذا تقييّد. الفرح العام لا، لكن يمدحه إذا كان مقيداً بما فيه خير.

المقدم: لأن أصل الفرح على الإطلاق ليس طيباً، اللغة تفرق بين هذا وذاك؟

د. فاضل: الفرح عام في اللغة لكن القرآن يستعملها إستعمالاً خاصاً. والفخور هو الذي يفخر على الناس.

المقدم: فيها معنى الكِبر مثلاً؟

د. فاضل: فيها معنى الكِبر ولذلك لم تأت في القرآن إلا في مقام الذمّ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) لقمان) يتفاخر بنفسه يفخر بما عنده على الناس

المقدم: كما فعل قارون.

د. فاضل: نعم كما صنع قارون.

المقدم: الدرس الذي نتعلمه هنا أن لا نفخر وأن لا نتكبر على الناس وأن لا نصل إلى درجة الفرح المبطِر.

د. فاضل: نعم هكذا.

المقدم: (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)) ما علاقة الاسثناء هذا؟ وما معناه؟

د. فاضل: صبروا على ما أصابهم أو يصيبهم من الضراء. وعملوا الصالحات في كل أحوالهم سواء في حال الضراء أو في حال النعمة، في كل حال يعمل الصالحات ومن العمل الصالح الشكر لربهم عندما ياتيهم ما أنعم به عليهم، هذا عمل صالح، هؤلاء لهم مغفرة لأن المؤمن إذا أصابته ضراء صبر والضراء قد تكفر السيئات، المصائب كفارة للذنوب. وذكر المغفرة لأنه ما أصب من ضراء قد يكون مدعاة للمغفرة لأن ربنا قال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) فالصابر يناله التكفير، المغفرة ويناله الأجر.

المقدم: مع الرحمة يشكر يُثاب ومع الضر يصبر يُثاب

د. فاضل: ويعمل الصالحات فلهم أجر كبير في كل الأحوال. الصابر يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والشاكر أيضاً يوفى أجره فإذن الذين صبروا وعملوا الصالحات في كل أحوالهم في حال الضراء عند نزع الرحمة أو ما أصابهم من السوء، في حال النعماء ما أصابهم من الخير، في كل هذه الأحوال له مغفرة وأجر كبير.

المقدم: هنا في هذه الاية وما قبله ذكر ربنا تبارك وتعالى ذكر الرحمة وذكر النزع وذكر النعماء وذكر الضراء، ما علاقة كل هذا بالنسق العام وما قبله؟ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ (9)) ذكر الرحمة والنزع، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء (10))

د. فاضل: في الآيات التي سبقت قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) هذه إذن من البلاء في السراء والضراء

المقدم: الرحمة والنزه هذا بلاء

د. فاضل: طبعاً في السراء والضراء

المقدم: هل هناك فرق بين البلاء والابتلاء من حيث اللغة مع أن كلاهما مداره الاختبار؟

د. فاضل: مداره الاختبار لكن ابتلى فيه زيادة في الابتلاء قال (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء)

المقدم: إذن البلاء يكون بالشر والخير؟

د. فاضل: نعم بالشر والخير، يعني يختبركم

المقدم: أنا أتصور أن البلاء يكون في الشر فقط

د. فاضل: لا، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً (17) الأنفال) فإذن البلاء بالخير والشر، في إذاقة الرحمة وفي نزعها، في السراء والضراء، في النعماء والضراء. إذن هذا كله في سياقها لأنه قبلها قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإذن هذه الحالات تبين أنها حال الابتلاء

المقدم: وهذا شأن المسلم دائماً

د. فاضل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك).

المقدم: مدار الحياة كلها على الابتلاء

د. فاضل: كلها. هي في سياق الآيات التي قبلها (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) فإذن هذه في سياقها، هذه حالات الابتلاء والاختبار في كل الأحوال

المقدم: وإذا نظرنا إلى الواقع هكذا هي بالفعل، رحمة – تنزع الرحمة، نعماء – ضراء. يندرج تحتها كسياق عام

د. فاضل: كسياق عام (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)

المقدم: هل هناك لمسات بيانية أخرى؟

د. فاضل: من الملاحظ أنه أسند مظاهر الخير والرحمة إلى نفسه (أَذَقْنَا، وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ) رحمة، قال (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) وليس نأتيهم، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء) ولكن قال (بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ) لكن قد يقال أنه قال (ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) هذا ما يقتضيه الابتلاء

المقدم: النزع يُفهم معنى الغضب والعياذ بالله

د. فاضل: لا، إنما أعاده إلى حالته الأولى،

المقدم: آتاه فنزعها فرجع إلى ما كان عليه

د. فاضل: للإختبار كما تعطي الإنسان شيئاً لتختبره ثم تأخذه منه لترى ماذا يصنع، للإختبار

المقدم: لم ينتقص منه. إذن لا تُفهم معنى العقاب

د. فاضل: لا، ليرى كيف يعمل قال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ) كيف يختبرهم بالحالتين، يعطيه ثم ينزع، كيف عمل عندما أعطاه وكيف عمل إذا نزعها، هي تدخل في نفس السياق (ليبلوكم). فإذن نزعناه هي مقصودة هكذا لأن هذا ليبلوكم حتى يختبركم (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً).

—–فاصل——

المقدم: ما مرّ من الآيات الكريمات هل لها نسق معين في سياقيات السورة كلها من أول السورة حتى الآن ترتيباً هكذا كما مرّ علينا من الآيات الكريمات؟

د. فاضل: نعم فيها نسق. هو بدأ بعموم المكلفين بعد الآية الأولى طلب منهم ألا يعبدوا إلا الله عندما قال (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (2)) هذا الكلام للمكلّفين بداية، ثم خص الكافرين. بدأ بعموم المكلّفين ثم خص الكافرين بعدهم بالذكر فقال (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ (5)) ثم ذكر ما هو أعم (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ ِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا (6)) عموم المكلفين – الكافرين – ما هو أعم. ثم يأتي مرة أخرى إلى عموم المكلفين، هذا في السياق (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) هذه للمكلفين  ثم خصّ الكافرين (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ (7)) ثم ما هو أعمّ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً (9)) الإنسان كله، عام. فلاحظ النسق عموم المكلفين، الكافرين، ما هو أعمّ، عموم المكلفين- الكافرين – ما هو أعمّ. حتى أنه بدأ بالكتاب (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ (1)) وانتهى بالكتاب (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ (12)) هذا من الكتاب. فهناك نسق فني عجيب

المقدم: ترابط بالفعل قوي

د. فاضل: جداً قوي، ليس فقط بين الكلمات والآية وإنما كنسق عام

المقدم: القرآن كله هكذا كما أشرتم في حلقة سابقة عبارة عن آية واحدة ولذلك كان وضع الآيات والسور وترتيبها داخل المصحف كله توقيفي.

د. فاضل: كله توقيفي.

المقدم: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)) مناسبة هذه الآية الكريمة لما قبلها؟

د. فاضل: قبلها قال (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (11)) لماذا يترك بعض ما يوحى إليه؟ هذا يقتضي الصبر هذا مما يقتضي الصبر(إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) هذا الأمر إذن يحتاج إلى صبر. (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) أشار إلى ما يقتضي الصبر، (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) ينبغي أن تصبر

المقدم: ينبغي أن تصبر لما يحدث لك

د. فاضل: لأن هنالك أمور تقتضي الصبر (أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) وما يجد في نفسه من ضيق (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) هذا يقتضي الصبر أيضاً. فهي تماماً متصلة بما قبلها (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ) فاصبر على ما تواجهه ولا تترك (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ)

المقدم: (لعلّ) في اللغة ماذا تفيد؟

د. فاضل: في اللغة (لعل) للترجي لكن أحياناً يقصد بها التحذير. لعلك تقصر فيما أمرتك به

المقدم: يعني تحذرني من عدم التقصير.

د. فاضل: التحذير وأحياناً الزجر. (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) حذره من هذا الأمر

المقدم: ماذا في هذه الآية؟

د. فاضل: هو قال (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) لم يقل كل ما يوحى إليك إذن التحذير من ترك أي شيء من أمور الدين، ينبغي أن يبلّغه كله مهما كان موقف الكافرين واستهزاؤهم وضيق الصدر بهم.

المقدم: وإذا قال تارك ما يوحى إليك كله يعني يحتمل أن يترك بعضه؟. أما النص على عدم ترك البعض فمن باب أولى أن يترك الكل

د. فاضل: طبعاً، هو حذّر من ترك شيء، من ترك القليل بسبب استهزائهم وضحكهم وقولهم

المقدم: والمفهوم أن تبلِّغ كل شيء أُنزِل

د. فاضل: مهما كان الموقف، مهما كان المقابل، مهما تلقى، مهما سبب من ضيق، إياك أن تترك شيئاً مما يوحى إليك وإن كان قليلاً

المقدم: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) هنا بمعنى تحذير، وضائق به صدرك

د. فاضل: نعم. حتى ولو ضاق صدرك بلِّغ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) الحجر)

المقدم: بالرغم من ضيق الصدر بلِّغ.

د. فاضل: بلِّغ مهما كان، لا يمنعك من ذلك موقفهم أنهم يستهزئون ويسخرون ويضحكون ويقولون كذا وكذا.

المقدم: مع أنه في موقف آخر قال (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) الكهف) كان يسرّي الله سبحانه وتعالى عن النبي عليه الصلاة والسلام. هنا قال ربنا (وَضَآئِقٌ) ولم يقل ضيق، لماذا؟

د. فاضل: حتى يدل على أنه ضيق عارض وليس ضيق وصف دائم.

المقدم: ضائق إسم فاعل وضيّق؟

د. فاضل: صفة مشبهة. هذه ثابتة. لكن ضائق بسبب معين الرسول r كان أفسح الناس صدراً

المقدم: إذن عندما يقول (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) في مرحلة معينة وفي حالة معينة من الضيق ولو قال ضيق

د. فاضل: ضيق تعني صفته ضيق الصدر.

المقدم: يا لطيف! اللغة عندها دقة عجيبة في التماهي بين المفردات!

د. فاضل: سيّد وسائد، سيّد دائماً وسائد في أمر في موقف معين. جواد وجائد، جواد هو جواد دائماً وجائد في حالة معينة، في موقف، هذا في اللغة عموماً مثل حسن وحاسن، هذا قياس، فرح وفارح، كريم وكارم، هذا قياس إذا أردت الأمر العارض جئت به على فاعل وأما الثبوت صفة مشبهة.

المقدم: وإذن هنا تارك حتى العارض. في موقف معين أيضاً لا تترك أقل ما يوحى إليك في موقف معين

د. فاضل: (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) هذا ضيق مؤقت عارض

المقدم: وهذه ليست سمة أو صفة

د. فاضل: طبعاً الرسول r عليه الصلاة والسلام كان أفسح الناس صدراً قال (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)

المقدم: العرب كانوا يفهمون أنه قال ضائق ولم يقل ضيق؟

د. فاضل: نعم هذه لغتهم، هم يقولون هكذا يقولون حسن وحاسن، جواد وجائد، فرح وفارح، هم يقوولن هكذا هذا قياس عندهم.

المقدم: إذا كان الأمر هكذا على سنن العربية فالملاحظ في هذه الآية (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) تاركٌ بالتنوين لماذا جاءت بالتنوين ولم تأت بالإضافة مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ (9) آل عمران)؟

د. فاضل: عندنا قاعدة في النحو أن إسم الفاعل، إعمال إسم الفاعل شرطه أن يدل على الحال والاستقبال.

المقدم: إعماله يعني يعمل عمل فعله

د. فاضل: بشرط الحال والاستقبال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) الكهف). أنا ضارب زيداً إما أضربه الآن أو سأضربه، هذا شرط، هذا الإعمال شرط. الإضافة عامة قد تدل على الماضي وقد تدل على الاستقبال (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى (10) إبراهيم) هذا ماضي، خالق السموات والأرض هذا ماضي

المقدم: لو قال فاطرٌ؟

د. فاضل: سيفطرها،

المقدم: عجيب! التنوين يتحكم بالدلالة إلى هذه الدرجة؟!

د. فاضل: لما تذكر مفعول به لا بد أن يكون دالاً على الحال أو الاستقبال لا بد، هذه قاعدة. الإضافة عامة قد تكون في المضي (ضاربُ زيدٍ) معناه ضربه إحتمال

المقدم: أو الآن؟

د. فاضل: إحتمال. (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران) أو للإستقبال أيضاً.

المقدم: لكن التنوين ينفي المضوية عنها.

د. فاضل: لا بد. ولذلك نذكر مسألة يقال كان محمد بن الحسن الفقيه المعروف والكسائي كان ملازماً للرشيد في اللغة العربية (هو إمام القراءات) كان محمد بن الحسن ينال من العربية ومن أهل اللغة فأراد الكسائي أن يعطيه درساً أمام الرشيد فقال له لو جاءك أحد فقال هذا قاتلٌ أخي أو قال هذا قاتلُ أخي أيهما تحكم عليه بالقصاص؟

المقدم: هو قاضي. واللغة تحتمل ‘نذاك وهم يتحدثون العربية.

د. فاضل: قال كلاهما، فقال له الرشيد أخطأت.

المقدم: ما الفرق بينهما؟

د. فاضل: هذا قاتلٌ أخي هذا لم يقتله بعد فكيف تقتص منه؟!، هذا قاتلُ أخي يعني قتله.

المقدم: إذن في قوله (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) يعني الآن أو في المستقبل ليس في الماضي

د. فاضل: لو كان في الماضي كان احتمال أنه تركه فيحذره مما ترك ولكن الرسول r لم يترك شيئاً

المقدم: وهكذا (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) إذن ما ضاق صدره.

د. فاضل: إعمال للمفعول به هذا بالذات ونحن نتكلم عن إعمال إسم الفاعل. هذه للمفعول به.

المقدم: وقوله (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيه) بالإضافة؟

د. فاضل: هذه عامة.

المقدم: أما التنوين فهي للحاضر أو المستقبل

د. فاضل: فقط في نصب المفعول به. فلو قال تاركُ بعض فهو يحذره أنه ترك شيئاً في الماضي

المقدم: إذا نُوّن يعمل، من شروط عمل

د. فاضل: ولا يصح المنوّن إلا إذا كان دالاً على الحال والاستقبال في نصب المفعول به فقط.

المقدم: هذا شرط من شروط عمل المفعول به؟

د. فاضل: نعم، فيقول (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) يحذره أنه ترك شيئاً يحتمل الكلام أنه ترك شيئاً فيحذره مما ترك والرسول r لم يترك شيئاً، فحتى لا يحتمل شيئاً.

المقدم: إذن واضع اللغة العربية حكيم لم تكن اللغة عشوائية اعتباطية؟

د. فاضل: كيف تكون اعتباطية؟!

المقدم: أكيد كان لها أسس وقواعد ودلالات ومفاهيم

د. فاضل: في غاية الدقة

المقدم: والعرب حينما نزل القرآن بقمة البيان والفصاحة فهموه إذن هم كانوا على قدم المساواة في الدرس اللغوي والبلاغي والبياني

د. فاضل: في الفهم لكن ليس في القول، في فهمه ليس كلهم امرؤ القيس ولا كلهم زهير ولا كلهم النابغة لكن كانوا يفهمون القرآن

المقدم: إذن كانت اللغة مكتملة حينما نزل القرآن الكريم

د. فاضل: نعم كانت مكتملة.

المقدم: يفهمون كل شيء.

د. فاضل: يفهمون كل شيء إلا إذا كانت إشارات إعجازية تتعلق بالعلم تأتي فيما بعد

المقدم: فيما يتعلق باللغة

د. فاضل: باللغة يفهمون كل شيء. نحن لا نفهم إلا القليل عموماً

المقدم: هل ثبت من خلال قراءاتكم أن أحداً الكفار في عهد الرسول r صلى الله عليه وسلم اعترض على آية إعترض على كلمة في القرآن قال أن هذه لا توافق العربية أبداً؟

د. فاضل: أبداً، مطلقاً.

المقدم: سبحان الله! هذه شهادة منهم بأنه حق

د. فاضل: طبعاً (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام) هكذا قال عنهم ربنا.

المقدم: قدّم (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) على (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) مع أن القريب إلى العقل والمنطق أن يكون العكس وليس على ما أتت به الآية الكريمة فلماذا؟

د. فاضل: يعني ضيق الصدر مقدّم على ترك بعض ما يوحى إليه؟ ضيق الصدر سيؤدي إلى الترك؟ أيُّ الأهم ضيق الصدر أو الترك؟

المقدم: الترك.

د. فاضل: إذن قدّم الأهم.

المقدم: إذن حتى في هذه المرحلة يعتني بالذي هو أهمّ وهو التبليغ وعدم التواني

د. فاضل: أهم من ضيق الصدر. أحياناً قد يضيق صدره بأمر لكن لا يترك الأهم. أحياناً الإنسان يضيق صدره لكنه يصنع.

المقدم: المتدبر يعمل أنها رحمة من الله سبحانه وتعالى وليست مجموعة من التكاليف، هي رحمة.

د. فاضل: طبعاً.

المقدم: وإذن مدار الكلام من لدن الله سبحانه وتعالى على الأهم عند الله عز وجل للبشرية بغض النظر عن أي شيء آخر.،

د. فاضل: الضيق أمر آخر لكن هذا هو الأهم

المقدم: لكن هذا لا يمنع أن الله سبحانه وتعالى يسرّي عن الرسول r صلى الله عليه وسلم لكن في هذا الموقف يقتضي التبليغ

د. فاضل: سبح بحمد ربك وكن من الساجدين لكن لا تترك.

المقدم: (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) قدّم (به) على صدرك فلماذا؟ وفي آية أخرى قال (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر) قدّم الصدر على الجار والمجرور؟

د. فاضل: (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (به) قد يعود على بعض ما يوحى إليه هذا أهم من الصدر فقال (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)

المقدم: (به) تعود على بعض ما يوحى إليك؟

د. فاضل: نعم. إقرأ الآية

المقدم: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) ببعض ما يوحى إليك

د. فاضل: لأنهم يستهزئون ويسخرون فيضيق صدره فلا تتركه.

المقدم: المتبادر لذهني أنه من أفاعيلهم وصنائعهم يضيق صدره

د. فاضل: بأي شيء؟

المقدم: بالذي يوحى إليه

د. فاضل: فقدّم (به) هذا الأهم. بينما الآية الأخرى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) أيُّ الأهم صدر الرسول r أم ما يقولون؟

المقدم: صدر الرسول r.

د. فاضل: فقدّم صدر الرسول r

المقدم: قدّم الأهم أيضاً. عندنا ما يوحى للرسول وصدر الرسول r فقدّم ما يوحى على الصدر لأهمية ما يوحى وعندنا صدر الرسول r وما يقوله هؤلاء فقدّم صدر الرسول r لأنه أهمّ. ماذا يسمى هذا؟ مع أنه حتى في خارج القرآن قد يكون الأمر هكذا كدلالة عامة ضائق به صدرك ضائق صدرك به المهم أن صدره ضاق

د. فاضل: لكن المهم مراعاة المقام، مراعاة السياق، مراعاة الأهمية في الكلام أيُّ المهم؟ ينبغي أن يوجّه إليه، ما يوحى إليه هذا هو المهم

المقدم: البلاغة كما علمتنا مطابقة الكلام لمقتضى الحال، هذا مقتضى الحال. وبالمناسبة المنطق الأعم ليس فيه تعسف وليس فيه قوة أو بطش أو جبروت وهو المنطق العام، صدر الرسول r أو ما يوحى؟ ما يوحى. صدر الرسول r أو ما يقوله الناس؟ صدر الرسول r.

د. فاضل: إسأل أي واحد

المقدم: ليس هناك تعسف في المسألة. هنالك منطق عام لرصف المباني

د. فاضل: لو نسال اي واحد وأحياناً نسأل طلاب الدراسات العليا سؤال وجواب

المقدم: وكأنها مسلّمة. إذن التقديم والتأخير له أغراض في البلاغة والبيان؟

د. فاضل: طبعاً، القدامى درسوا هذا تحت عنوان التقديم والتأخير.

المقدم: (أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ) لماذا هذه الصيغة (أَن يَقُولُواْ) وليس مثلاً (لقولهم) أو (أن قالوا) مع أنه ماضي كما نفهم؟

د. فاضل: (أَن يَقُولُواْ) يفيد الدوام والاستمرار لأنهم لن ينتهوا وإنما يستمرون في الكلام. ليس فقط ماضي، قالوا ويقولون مستمرين في موقفهم ليس فقط قالوا وانتهى. (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) الآن وفي المستقبل

المقدم: إذن لن تنتهي هذه المقولة. هذا يسمى مضارع مستمر

د. فاضل: هذا استمرار بينما (أن قالوا) ماضي و(لقولهم) يحتمل أن يكون ماضي. (أَن يَقُولُواْ) استمرار، قالوا ويقولون

المقدم: فجرّدها للحاضر والمستقبل.

المقدم: (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ) هنا قال ربنا تبارك وتعالى أُنزل كنز والكنز موجود في الأرض فلماذا يستخدم أُنزِل مع أن أُنزل تفهم أنه من السماء من فوق؟

د. فاضل: هذا من التعجيز. (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ (8) الأنعام) وقسم يقولون أُنزِل هنا بمعنى إعطاء. لكن استعمال الإنزال هنا من باب التعجيز من كلاهم أو مما يضيق به صدرهم.

المقدم: كما يتراءى لأنفسهم أنه تعجيز لهم. ما أقبح هؤلاء يرون كل هذه الآيات ويعرضون عنها هذا شيء عجاب!.

المقدم: (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ) تعقيب على هذه الجملة؟

د. فاضل: ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك ليس عليك ردّوا أو لم يردوا، استجابوا أم لم يستجيبوا، اقترحوا أو تهاونوا، ليس عليك الأمر إنما عليك البلاغ، أنذرهم وكفى ليس عليك بالنتيجة

المقدم: ليس عليك بما يصنعون، لا تبخع نفسك

د. فاضل: ردوا تهاونوا ضحكوا سخروا هذا الأمر لا يعنيك، مهمتك هي الإنذار.

المقدم: إذا كان الأمر هكذا للرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلِّغ فقط فلماذا يضيق صدره؟ ولماذا يحزن؟

د. فاضل: هو كان بوده أن قومه يستجيبون له يحب أن يكونوا مستجيبون له وكان يدعو أن يستجيبوا له، يحب هذا الأمر.

المقدم: والله هذه رحمة، ما كان يحب أن يعذبوا. فإذا كان ضاق صدره أو تضايق فلأجل ألا ينزل عليهم العذاب رحمة بهم أيضاً

د. فاضل: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة)

المقدم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ (13)) ما مناسبة هذه الاية لما قبلها في النسق العام؟

د. فاضل: هو عندما قال أنهم يقولون (لوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) لماذا يقولون هذا غير لأنهم يعتقدون أنه ليس من عند الله وأنه مفترى؟ هو دلف إلى القضية مباشرة عندما قالوا (لوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) معناه أن كل هذا كذب يظنون أنه كاذب مفتري فيأتي إلى أصل القضية

المقدم: لمحة طيبة. إذا قالوا بالفعل (لوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ) إذن هم ما يصدقون هذا الكلام

د. فاضل: إذن هو مفتري

المقدم: وكأن شرط تصديق هذا الكلام أن ينزل عليه كنز أو يكون معه ملك

د. فاضل: إذن هو مفتري، نأتي إلى أصل القضية أنت تقول مفتريات إذن هاته!

المقدم: على زعمهم وقولهم وما تضمره صدورهم! وهذا قمة التحدي. ما أتوا؟! حتى بعض ما سطرته كتب التاريخ “عليكم باليمامة ودفوا دفيف الحمامة فإنه حرب صرامة” هذه كلغة باطلة ليس فيها بلاغة!.

د. فاضل: و “الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل”، وما أدراك هذا التهويل العظيم يقولون بعده (له خرطوم طويل)!

المقدم: ما أدراك تدل على عظم الشيء.

د. فاضل: طبعاً. ما أدراك دلالة على أن هناك أمر عظيم (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) الإنفطار)

المقدم: خرطوم طويل وذنب قصيرّ والله سفاهة! إذن كان عندهم البلاغة والبيان للتذوق وليس للنسج مثل القرآن الكريم. وقد ورد أن بعض الشعراء أعرضوا عن قول الشعر واكتفوا بقراءة القرآن الكريم إكباراً وإعظاماً له

د. فاضل: “بعد البقرة لا أقول شيئاً”.

بُثّت الحلقة بتاريخ 28/12/2009م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2052

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamsat281209

رابط جودة عالية
http://ia341314.us.archive.org/0/items/lamsat281209/lamasat281209.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia341314.us.archive.org/0/items/lamsat281209/lamasat281209.rmvb

رابط جوال
http://ia341314.us.archive.org/0/items/lamsat281209/lamasat281209.3gp

mp4 رابط جودة
http://ia341314.us.archive.org/0/items/lamsat281209/lamasat281209_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia341314.us.archive.org/0/items/lamsat281209/lamasat281209.mp3


2009-12-29 12:33:55الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost