تتحدث السورة عن مواجهة الرسل مع أقوامهم الرافضين لدعوتهم وتركّز السورة على أن أهم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإيمان وأشرّ نقمة هي الكفر. وقد يتخيل البعض أن النعم هي نعم الدنيا المادية ويتعلقون بها ويحرصون على كسبها والتنعم بها على حساب الآخرة. وتتحدث السورة أيضاً عن خطبة إبليس في جهنم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آية 22 وكيف يتبرأ ممن أغواهم. ثم تنتقل السورة إلى أعظم نعمة في الأرض (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) آية 24 وهذه الكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أفضل النعم لا النعم المادية من مال وبنين. مثلما يثمر شجر الدنيا بأطيب الثمار نأكلها فإن التوحيد يثمر في الآخرة جنة ونعيماً خالداً، أما الكفر فهو كالكلمة الخبيثة أي الشرك.
ثم تنتقل السورة إلى عرض نموذج سيدنا إبراهيم الذي عرف أن نعمة الله تعالى تتجلى في نعمة الإيمان (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إسماعيل وَإسحاق إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) آية 39 – 40 ولذا سميت السورة باسمه لأنه خير نموذج لمن قدّر النعمة.
ثم تختم السورة (العشر آيات الأواخر) بإظهار خطورة الكفر (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) آية 42 إلى نهاية السورة، وكأنما السورة عرضت لنموذجين أحدهما عرف قدر نعمة الإيمان والوحيد والآخر كفر بالنعمة فكانت نقمة عليه وهذا هو هدف السورة ومحورها الذي دارت حولها الآيات.
تبدأ (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) إلى أن يقول (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) وذكر في خاتمتها وصف عذاب هؤلاء (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)) هذا وصف العذاب الشديد الذي وصفه في بداية السورة (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) إذن ارتبط الأول بالآخر من هذه الناحية وصف العذاب قال: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) ثم وصف هذا العذاب: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)). وقال في أولها: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) وفي خاتمتها قال: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) إذن في أولها قال (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) وفي الآخر قال (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) البلاغ لإخراجهم. (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) وكأن البلاغ الذي وجه للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور. فإذن ذكر العذاب في أول السورة ووصفه في آخرها والآن ذكر البلاغ (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ). ثم قال في أول السورة: (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وفي الآخر قال: (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الذي له ما في السموات والأرض هو إله واحد حصراً له ما في السموات والأرض يعني ملكه وحده بالعموم والشمول والآخرين ليس لهم شيء. إذن ارتباط العذاب ووصفه ثم البلاغ والإنذار ثم وحدانية الله سبحانه وتعالى. هذا تناسب بين أول السورة وآخرها.
ربنا سبحانه وتعالى قال في خاتمة سورة الرعد: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)) وقال في بداية إبراهيم: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) إذن أنت مرسل ولست كما يقول الذين كفروا. وقال في خواتيم الرعد: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي بداية سورة إبراهيم قال (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3))، قال في الرعد: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي إبراهيم: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)). قال في الرعد: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) كيف مكروا؟ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) مكروا على أنفسهم فإذن صار ارتباط في أكثر من موضع في خواتيم سورة الرعد ومفتتح سورة إبراهيم.
قال تعالى في خاتمة إبراهيم: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) وفي الحجر قال: (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1))، هذا بلاغ للناس – تلك آيات الكتاب، هذا بلاغ للناس أي القرآن وما قاله في القرآن لأنه ذكر عاقبة الكافرين كل هذا من القرآن فقال هذا بلاغ للناس، كيف بلّغهم؟ (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ) بلّغهم بالقرآن.
سؤال: نحن نفهم أن البلاغ ربما كان يتمحور حول الموضوع كان يتحدث فيه (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106))؟
تلك في سورة الأنبياء (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)) أما في سورة إبراهيم فقال تعالى (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) هذا هو البلاغ ذكره في القرآن كيف بلّغهم؟ بالقرآن، (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) من الذي ينذرهم؟ القرآن (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ). وقال تعالى في خاتمة إبراهيم: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)) وفي بداية الحجر قال: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)) والمفسرين قالوا هي في الآخرة وقسم قالوا هي في الدنيا (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) هذه أمنيتهم، هم يتمنون هذا عندما يرون ما يروا في الآخرة. (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) إبراهيم) (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) الحجر) كانوا يتصورون أنهم لا يزولون وإنما باقون خالدون إذن (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، هذا أمل ذرهم فسوف يعلمون. يوضح ويضيف.
حقيقة الصراع: الصراع بين الحق والباطل
سورة من السور المهمة جداً في كتاب الله عز وجل وهي سورة باسم نبي من الأنبياء كما تكلمنا في سورة يونس وسورة هود وسورة يوسف واليوم نتكلم عن سورة إبراهيم عليه السلام سورة أبي الأنبياء. وسورة إبراهيم لن يستشعرها بحق ولن يحس بمعانيها بشكل كامل إلا أصحاب الهمم العالية أصحاب الرسالة الذين حملوا همّ هذا الدين على أكتافهم الذين شعروا بإحساس المسؤولية الذين شعروا أنهم حلقة في سلسلة طويلة أولها سيدنا آدم عليه السلام وبعده سيدنا نوح عليه السلام وباقي الأنبياء هذه السلسلة الطويلة من المضحّين من الصادعين بالحق من الذين حملوا هم هذه الرسالة وتلك العقيدة، هؤلاء هم الذين يستشعرون معنى سورة إبراهيم والذين لا يستشعرون فعليهم أن يحاولوا يتعرفوا على هذه المسؤولية. الذي يعرف المسؤولية ويستشعر بها هو أكثر من سيتشعر معاني سورة إبراهيم عليه السلام لأن سورة إبراهيم ببساطة جداً هي مواجهة بين فريق الحق وفريق الباطل. وكلمة (فريق) مقصودة لذاتها لأن سورة إبراهيم على خلاف كثير من السور التي تكلمت في تفاصيل قصص خلاف الأنبياء مع قومهم والأمم المكذبة كثير من هذه السورة تتكلم في تفاصيلأما سورة إبراهيم فهي خطاب جماعي. تخيل فريقان واقفان: كل الأنبياء وكل من تبعهم وكل من سار على نهجهم واقتفى أثرهم كلهم يقفون في كفة بقيادة الرُسل (الكلام في سورة إبراهيم دائماً عن الرسل) وفي الكفة المقابلة الفريق الآخر، أهل الباطل والفريقان يخاطبان بعضهما خطاباً جماعياً وهذه مسألة لا بد أن نستشعرها أن كثيراً من كلام أهل الباطل رغم تشعبه إلا أنه متشابه كما يقول الله سبحانه وتعالى (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ (118) البقرة) (أَتَوَاصَوْا بِهِ (53) الذاريات) فلخّص الله سبحانه وتعالى في هذه السورة كلام أهل الباطل كأنهم كلهم مع اختلاف الأزمان والأماكن والمواقع وبينهم وبين بعض قروناً من الزمان لكن كأنهم كلهم يتكلمون بصوت واحد، كأنهم يفعلون فعلاً واحداً (فردّوا أيديهم في أفواههم). وتجد في الجهة المقابلة كل الرسل على اختلاف أجناسهم وأشكالهم وأعراقهم وعلى اختلاف أزمانهم التي وُجدوا فيها كلهم يتكلمون بكلام واحد لأن رسالتهم واحدة حتى لو أشكالهم تختلف أو تختلف أمهاتهم وآباؤهم لكن همّهم واحد ودينهم واحد ويلخّصون هذا الصراع، الصراع بين الحق والباطل الذي تصوّر هذه السورة جزءاً مهماً جداً منه: الصراع بين أئمة الهدى وبين أئمة الضلال، وكلمة أئمة مقصودة بذاتها أيضاً لأن السورة هي سورة القادة ولذلك الذي سيستشعر السورة أكثر هم أصحاب الهمم العالية لأن هذه السورة تركّز على القادة ولذلك سماها اله سبحانه وتعالى باسم سيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، سيدنا إبراهيم له مقام مخصوص مع حبنا وإجلالنا لكل الأنبياء لكن الله عز وجل قال (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ (253) البقرة) هناك رسل فضّلهم الله عز وجل سيدنا إبراهيم له تفضيل خاص، سيدنا إبراهيم من ذريته أنبياء لا نعرف نبياً أنجب هذه الذرية من صلبه إلا آدم أبو البشر فكل الذرية من صلبه (من نسل إبراهيم عليه السلام: إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وهارون وزكريا ويحيى ويوشع والأسباط ومحمد صلى الله عليه وسلم) سيدنا إبراهيم عُرف بأبي الأنبياء عليه السلام. وقد ذكر في السورة مثالين لأئمة الحق ومثالين لأئمة الباطل.
- المثالان لأئمة الحق: سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام من أولي العزم من الرسل.
- والمثالان لأئمة الباطل: فرعون وإبليس رأس الشرّ في العالم وبداية الضلال والصدّ الأكبر عن سبيل الله وخطبة إبليس في هذه السورة مشهورة جداً. وفرعون الطاغوت الذي نعرف عنه كل جبرت وكل عنف في التعامل مع الرسالة والتعامل مع النصيحة.
السورة فيها فريق تجد فيه إبراهيم ومحمد وعيسى وموسى وإسماعيل وباقي الأنبياء والرسل في كفة وإبليس وفرعون وهامان وقارون والنمرود وكل أهل الباطل في الجهة المقابلة والخطاب الجماعي بينهم والصراع بين الحق والباطل وهذا لا يستشعره إلا من ذاقه، من استشعر أنه عضو وبطل في هذا الصراع. هكذا بدأت الخليقة بالصراع بين الحق والباطل من أول ما خُلق سيدنا آدم ورفض إبليس أن يسجد له كما سيأتي في السورة القادمة سورة الحجر وسيأتي تفصيله لكن من أول ما بدأت الخليقة بدأ الصراع مباشرة وتوعّد إبليس (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ص) فهذا الصراع الممدود الطويل جداً، هذه السورة تلخّص مشهد عام ورؤية شاملة من هذا الصراع الذي يقوده أئمة الحق وهم الرسل ولذلك نلاحظ في هذه السورة ترد كلمة (الرسل) ولم ترد كلمة الأنبياء (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ (11)) (قَالَتْ رُسُلُهُمْ (10)). الرسول غير النبي، كل رسول نبي وليس كل نبي رسول فليس كل نبي بُعث برسالة، يمكن أن يأتي النبي على رسالة رسول قبله يدعو لها وليس له كتاب خاص أو دين جدي أما الرسول فمقامه أعلى وأعلى الرسل مقاماً هم أولو العزم الخمسة: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا نوح عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم. هؤلاء الرسل تتكلم الرسل عنهم لأن السورة تتكلم عن أئمة، أئمة الحق في مواجهة أئمة الباطل.
النموذج الأول لأئمة أهل الحق: المثال الذي اتّخذ مثال إبراهيم عليه السلام، إبراهيم أمة واختلف العلماء في معنى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً (120) النحل)
فقال بعضهم كان أمة وحده في العبادة لم يكن يعبد الله عز وجل في وقت من الأوقات جاء على الدنيا إلا إبراهيم عليه السلام.
والبعض قال أمة يعني إيمانه يزن إيمان أمة كاملة وليس إيمان إنسان عادي.
وقيل أمة لكثرة ما يأتمّ به الناس، الناس تأتم به كما وعده الله عز وجل (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) سيدنا إبراهيم الذي قال الله عز وجل في حقه (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) النجم) (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (124) البقرة) سيأتي ذكره في آيات رقيقة في ختام هذه السورة.
آيات إبراهيم
(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
(رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء)
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
النموذج الثاني لأئمة أهل الحق: هو سيدنا موسى عليه السلام وهو أعظم الرسل شأناً بعد النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم عليه السلام على قول من أقوال أهل العلم لما رتبوا الرسل وضعوا سيدنا موسى عليه السلام في مقام متقدم جداً بين الأنبياء وكل هذه اجتهادات لكن الشاهد أنه من الذين وقفوا في مواجهة الباطل، وجاء ذكر إمام الباطل الذي كان في مقابلته وهو فرعون الذي قال الله عز وجل في شأنه آية (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا (73) الأنبياء) هؤلاء أئمة يدعون إلى النار والعياذ بالله.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
(وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)
في الجهة المقابلة نماذج لأئمة أهل الباطل إبليس وقال الخطبة المشهورة (أسميها خطبة النذالة) الناس الذين اتبعوه وصدّقوه يظهر على حقيقته فيقول لهم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ (22)) بعد أن كان يعدهم (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ (268) البقرة) انكشفت الحقيقة الآن فيقول (إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) يريد أن يتبرأ من أتباعه فيقول أن كل ما فعله أنه دعاهم فاستجابوا وهذه حقيقة وإبليس لا يكذب لأنه ليس له سلطان على أحد في الحقيقة، لا أحد يتحجج بالشيطان ويقول (الشيطان شاطر) هو ليس له سلطان على أحد وهو لا يملك إلا الوسوسة وحتى هذه الوسوسة لا تصل إلى القلب وإنما تبقى في الصدر (يوسوس في صدور الناس) لكن للأسف الناس تتحجج به فهو في هذا الموقف يقول الحقيقة (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أنتم الذين استجبتم (فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) كلامه صحيح ولكن يقوله الآن بعدما صدقوه واتبعوه؟! هذه هي النذالة والخسّة الموجودة بين أهل النار وتخاصمهم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة لكن لما تصدر من إمام الباطل ويتبرأ فيقول (ِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) لن ينقذ أحدٌ أحداً مهما استغاث (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
هذا نموذج أئمة الباطل إبليس وفرعون خلاف لكن الطابع العام في السورة طابع الخطاب الجماعي فرقة تخاطب فرقة.
السورة عبارة عن مواجهة عامة بين فريق الحق وفريق الباطل والخطاب في أغلبه خطاب جماعي كأن أهل الحق فرقة كلهم مع بعض الأنبياء كلهم يتكلمون بصوت واحد وبكلام واحد في مقابل فريق أهل الباطل بكلام واحد كأنما تواصوا به يردون ويتعاملون مع أهل الحق بنفس الطرق وبنفس المخططات وبنفس الوسائل التي اعتدوا عليها. ومثّلت السورة بسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام من أئمة الحق ومن أئمة الباطل فرعون وإبليس. نضرب أمثلة على الخطاب الجماعي الذي هو يغلب على طابع هذه السورة كأنما يتكلمون بلسان واحد.
في البداية جاءت الرسل كأنها جاءت مع بعض (جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ (9)) مع أن بينهم مسافة واسعة جداً قد يكون بين الرسول والرسول آلآف السنين وبين سيدنا نوح عليه السلام وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آلآف السنين لكن نجد وكأنهم كلهم جاؤوا مع بعض في طريقة واحد بكلام واحد وبشكل واحد والفريق الآخر يردون عليهم بنفس الردود. يقول تعالى (جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) وفي المقابل نفس فعل رد أهل الباطل جميعاً (فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) تكميم الأفواه. الرسل جاؤوا بالبينات من عند ربهم وبالمعجزات لكن سبيل أهل الباطل (فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) شاكّين فيما تدعوهم إليه الرسل لا يريدون سماعم وردّوا ايديهم والخطاب جماعي: الرسل جاءت (جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) في مقابل رد فعل أهل الباطل (فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) فلم يسكت الرسل بل تكلموا وقالوا (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ) أهل الباطل قالوا (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) نتعلم من الخطاب الرباني، الرسل والدعاة الربانيون لا يدعون لأنفسهم أو لحزبهم أو لجماعتهم أو منهجهم إنما يدعون إلى الله لا يريدون شيئاً لأنفسهم فهم داعون إلى الله عز وجل حتى عندما يقال له نشك فيك لا يهمه لأنه لا يدعو لنفسه أو لحاجته وإنما يدعو الناس لعبادة الله عز وجل والتوبة له. لذلك لما قيل لهم (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) لم يكترثوا وقالوا (أَفِي اللّهِ شَكٌّ) هذه هي الدعوة الربانية فهل أنتم في شك من الله؟ (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ) يدعوكم للمغفرة يدعوكم للتوبة ويدعوكم إلى الجنة (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ (221) البقرة) (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى) في مقابلها قال أهل الباطل (قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا) نفس الكلام ونفس الرد، الرسل تدعوهم إلى الله ولم يذكروا أنهم أفضل من المدعويين ولم يذكروا أنهم ملائكة وليسوا بشراً، لكن كلام أهل الباطل واحد والذي يتكرر إلى يومنا هذا إذا نصحت أحدهم يجيب قائلاً هل أنت أفضل مني؟ هل النصح أو الدعوة تعني أني أفضل منك؟ هكذا كانوا يريد أهل الباطل أن يغرسوا في نفوس الناس، قالوا لسيدنا نوح (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) هود) هذا من تمام الكبر.
ثم ردت الرسل (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) نحن بشر ولسنا ملائكة (وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) الكلام من عند الله، لا نأتي بشيء من عندنا حتى تتبعونا لأنفسنا إنما نحن بشر مثلكم لكن (وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)) الكلام جماعي وكان حال الرسل أنهم صبروا كلهم على الإيذاء الذي ألحقه بهم قومهم، في مقابلها (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ (13)).
مميزات الخطاب الجماعي في السورة:
مُيِّز هذا الخطاب الجماعي أنه خطاب النداء، خطاب الأئمة والمتبوعين، الكلام ليس عن مجرد الكفار ولكن التركيز على الأئمة المتبوعين والقادة المؤثرين (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)
القدرة على الإخراج: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) عندهم قوة مادية تمكنهم أن يطردوا الناس من بلادهم وينفوهم.
جبابرة (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)
عنهم قدرة على التوجيه والتأثير وعلى أن يتبعهم قومهم (لهديناكم) (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)
عندهم القدرة على الظلم (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13))عندهم أناس ظَلَمة والذي يظلم هو القوي الذي عنده قدرة على الظالم ولذلك قال الله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) السورة تتكلم عن الظالمين وعلى الأقوياء في الباطل.
عمل مؤسسي رهيب للصد عن سبيل الله (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)
أساليب أهل الباطل في مواجهة أهل الحق:
ويأتي الكلام في السورة عن هذه الطائفة من البشر طائفة أئمة أهل الباطل ولهم أساليب تتكرر في كل زمان ومكان:
- أسلوب كتم الأصوات (فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)
- أسلوب الكذب والتشكيك (وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)
- أسلوب الأذى والبطش. بعد أن يجدوا أن لا فائدة من كتم الكلام والكذب والتشكيك يبدأون بالأذى يقابلها الرسل بقولهم (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)
- أسلوب التهديد والإخراج (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) كما قالوا لسيدنا شعيب عليه السلام (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا (88) الأعراف) لا يقبلوا الخلاف إما تكون معهم وترضخ لهم أو تخرج فقال شعيب عليه السلام (قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) بالغصب؟ (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا (89) الأعراف). حتى مع النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له نفس الكلام (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ (30) الأنفال) (وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا (76) الإسراء) نفس الكلام ونفس الوسائل المتاحة لكن أهل الحق وأئمة الحق الذين تغرس السورة كيف نكون منهم وكيف نكون حلقة في هذه السلسلة الطويلة التي أوذي فيها موسى عليه السلام وسجن فيها يوسف عليه السلام وأوذي فيها محمد صلى الله عليه وسلم وذُبح فيها يحيى عليه السلام ونُشر فيها زكريا بالمناشير، أنت عضو في هذه السلسلة الطويلة الشريفة تتحمل وتصبر ولا تفعل كما يفعل البعض عندما يُحرَج يسكت، هؤلاء ما سكتوا أبداً ولهذا تتكرر في السورة (قالت رسلهم) الكلام والصدع بالحق كما سيأتي في سورة الحجر.
ثم يأتي المآل:
سورة إبراهيم تحدثنا عن مآل الأمر حتى نطمئن فتجد مآل في الدنيا والآخرة مع كل هذا الإيذاء تذكر السورة المآل المطمئن (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) الرسل قاموا بما عليهم ودعوا إلى الله عز وجل ولم يسكتوا يأتي الرد من الله عز وجل (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)) هذا المآل في الدنيا لأن بعض الناس تعتقد أن المآل في الآخرة، صحيح الكلام عن الآخرة أكثر لكن عندنا يقين أنه في الدنيا هناك نصر أيضاً (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)) لكن الكلام أكثر عن الآخرة (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)) بعض أهل التفسير ذكروا أن هذه أكثر آية عذاب ووعيد في كتاب الله عز وجل وكلمة (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ) قال بعض المفسرين يأتيه الموت من تحت كل شعرة في بدنه لأن هؤلاء ليسوا ظالمين عاديين وإنما أئمة الظلم في العالم وقادة الباطل في الدنيا وهؤلاء بدايتهم إبليس ولهذا عذابهم ليس أيّ عذاب (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) وبعد أن يأتيه الموت من كل مكان (وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) ويحاول الأتباع أن يتبرأوا ويقولوا (فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)) حوار بين المستضعفين والمستكبرين لكن في النهاية هم في نفس المصير.
لكن مآل الصالحين مختلف في هذه السورة ويعلمنا الله عز وجل (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ (23))
هذه سورة إبراهيم لا ننسى خاتمتها والأمثلة العظيمة التي ضربت في هذه السورة (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (18)) في سورة الرعد شبهه الله عز وجل بالزبد (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ (17)) وهنا يشبهه بتراب وفي سورة النور كسراب بقيعة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39))، وهذه حقيقة الباطل مهما ظهرت قوته هو في النهاية تراب، زبد أو سراب أو شجرة خبيثة كالمثال الثاني في السورة (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26)) أما الحق فهو الراسخ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)) كلمة التوحيد، كلمة الحق (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) الأُكل آت والثمرة آتية وهذا وعد ربنا سبحانه وتعالى (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)) ويختم (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء (27))
وتختم السورة بالبلاغ لأن كل هذه السورة تتكلم عن حقيقة البلاغ حتى نفهم حقيقة الصراع بين الحق والباطل (هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52)) ينبغي أن نفهم معنى الصراع بين الحق والباطل وأن نكون من أئمة الحق أو في ركابهم في هذه السلسلة الطويلة التي يقودها الأنبياء أسأل الله عز وجل أن نكون معهم وأن نكون ممن يقتفي أثرهم وممن يقتدي بهم.
*******************
ملخّص السورة
المقدمة: بداية الكلام عن الكتاب والرسالة وحملها ودور حامل الرسالة (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وانتقاء لغة توصيل الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لكن الطريق ليست مزينة بالورود وسيحارب حامل الرسالة (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فيجب عليه الاستعداد وهو ليس بدعاً في ذلك وإنما سبقه كثيرون فأوذوا.
ثانياً ذكر تفاصيل الصراع الكلي بين الحق والباطل وأساليب أهل الباطل في مواجهة أهل الحق:
كتم الأصوات ( جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)
التكذيب والتشكيك (وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)
الأذى والبطش (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)
ما وليس الذي (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) نفس ما قالوا لشعيب (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ* قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) ولمحمد صلى الله عليه وسلم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) الإسراء)
كل الوسائل مباحة لديهم المهم أن يُسكتوا حَمَلة الرسالة. لكن حملة الرسالة لم يسكتوا أبداً (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)) فلما وصل التصادم إلى مرحلته القصوى فالرد ليس لكم بل الرد من عند الله (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ)
ثالثاً النتيجة والمآل في الدنيا والآخرة
(فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)
كلمة موسى استعينوا بالله واصبروا
لكن طبعا الكلام الاكثر عن المآل الأخروي فقد لا يرى العامل ثمرة بذله ونصر الله على الظالمين في الدنيا كما حدث مع خديجة ومصعب وسمية، بعض الناس يمكن أن ينتكس لتأخر الفتح وهذا بسبب التعليق الدنيوي المادي دائماً من المربّين، نحن قوم طلاب آخرة.
مآل الظالمين في السورة رهيب فهم أئمة الباطل وتجد يغلب عليه خاصيتان:
- الإهانة والذل
- الشدة والبطش
نفس الأسلوب الذي اتبعوه في صراعهم مع أهل الحق.
أشد آية عذاب في القرآن في هذه السورة (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)) من تحت كل شعرة في جسمه سببٌ للموت، طعنة من هنا وحرق من هناك ومرض وتمزيق. وبعد هذا كله (وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)
وكذلك عذاب الأتباع ونذالة المتبوع خطبة إبليس وهو فعلاً ليس له سلطان إنما مجرد دعوة ووسوسة (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
وفي آخر السورة مرة أخرى ذكر لعذابهم في الخاتمة الرهيبة لهذه السورة (وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30))
(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (45) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (46))
ومآل الصالحين:
(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ)
حقيقة الحق وحقيقة الباطل
الباطل ثم تأتي الأمثلة الجامعة المبينة التي توضح حقيقة الباطل وحقيقة الحق أنه مجرد رماد اشتدت به الريح (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) وفي الرعد زبد (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ) وفي النور سراب بقيعة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
وحقيقة الباطل شجرة خبيثة اجتثت (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)
أما مثال الحق فشجرة طيبة راسخة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25))
أمام كل الاستضعاف والحرب تجد فلان يلتزم وفلانة تتحجب وآخر يسلم ومواقع وقنوات، شجرة راسخة تنفع الناس وأمام كل الحرب(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء)
الخاتمة الرهيبة
(فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48))
(هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52))
المتأمل لآيات سورة يوسف والرعد وإبراهيم يلفت نظره اشتراكها في بعض الألفاظ التي تستوجب تدبرها
في ختام سورة يوسف حديث عن القرآن عظيم:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف)
قصص القرآن عبرة لمن؟ لأولي الألباب
وفي سورة الرعد
(أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الرعد)
من الذي يعلم أن القرآن هو الحق؟ أولو الألباب
وفي ختام سورة إبراهيم
(هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) إبراهيم)
من الذي يتلقى البلاغ وينتفع به؟ أولو الألباب
واشتركت السور بورود اسمي الواحد القهار فيهما معاني الوحدانية والكبرياء والعظمة
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [يوسف:39]
{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:16]
{وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]
أولو الألباب هم الذين ينظرون في عواقب الأمور لا ظاهرها فقط لأنهم موحّدون لله مؤمنون بما أنزل في القرآن يرون بنور الوحي نور الحق المبين الذي يبدد ظلمات الباطل و الاتباع الأعمى والانقياد خلف دعاوى باطلة وشبهات الشهوات، قلوبهم مطمئنة بذكر الله، أعمالهم في الدنيا أساسها إيمان ويقين بمآلها وعاقبتها عند الله، قلوبهم معلقة بالآخرة…
ينظرون في عاقبة الصبر الجميل والعفة والإحسان حبّا بالله وبما عند الله في سورة يوسف مهما بدت الظواهر مظلمة إيمانا أن لا إله إلا الله الواحد القهار، من وحّده حقا قهر له كل الظروف والأشخاص ليكون ما دبّر الله لا ما كاده المخلوقون فالله غالب على أمره..
وينظرون في حقيقة عظمة خلق الله فلا يرون الرعد مجرد صوت مخيف إنما ملك خاضع لله يسبّح الله، كل المخلوقات خاضعة لله الواحد القهار طوعا أو كرها..
وينظرون في ما وراء دعوات الباطل وأهله مهما تخفّت وراء أقنعة مبهرة ملفتة للنظر، باتباع دعوات الشيطان تورد النار في الآخرة حين يبرز الدعاة والمدعويين دعاة الحق ودعاة الباطل يبرزوا لله الواحد القهار فيُسألوا بماذا دعوا ومن اتّبعوا؟
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم)
خطبة الشيطان يوم القيامة في سورة إبراهيم دعوة لإيقاظ القلوب الغافلة والابصار التي أصابتها غشاوة والعقول التي انبهرت بالدعوة الرنانة
ليس لدعاة الباطل عليكم سلطان فأفيقوا
سرّاق رمضان ولصوص الأعمار من مسلسلات وقنوات فضائية عابثة هدامة، أو صحبة سيئة تدعو لفكر باطل، ليس لهم عليكم سلطان، لا يرغموكم بقوة السلاح على المتابعة، أنتم تملكون جاهز التحكم بأيديكم فأغلقوها حفاظا على آخرتكم، كلها ستتبرأ منكم يوم القيامة كما سيفعل الشيطان نفسه! حينها ماذا سينفع الندم؟! ليس هناك عودة بعد الموت للإصلاح فأصلحوا اليوم ما دام جهاز التحكم الإلهي لم يغلق قناتكم بعد..
صفات أولي الألباب في سورة الرعد ودعوات إبراهيم عليه السلام في سورة إبراهيم ترسمان ملامح الشخصية المؤمنة بالله الحق الموقن أن الإيمان عقيدة وعمل وليس مجرد ادّعاءات فارغة المضمون…
عقيدة راسخة ويقين ثابت بالحق وعلى الحق يجعل صاحبه محسنا في عبادته، محسنا في أخلاقه محسنا في تعاملاته شاكرا لربه عاملا بما يرضيه رجاء لقائه يوم القيامة ولو كان فردا واحدا…
صفات أولي الألباب :
( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد)
دعوات إبراهيم عليه السلام:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم)
حديث سورة الرعد عن القرآن حديث لافت فالسورة تبرز قوة الحق وضعف الباطل والقرآن هو الفرقان الذي يفصل بين الحق والباطل، هو كتاب الله الحق أنزله الله الحق، أدلته حق وبراهينه حق لا ريب فيه ولا مرية ولا شك، يدحض الشبهات، ينقض الاباطيل، زواجره كالرعد توقظ القلوب ومواعظه تنير البصائر والعقول، آياته ذكر تطمئن به القلوب…
هذا غيض من فيض هذه السور العظيمة التي تعلمنا الإيمان بالحق والثبات عليه واليقين بسنة الله تعالى في كونه أن الغلبة للحق مهما بدا الباطل منتفشا فلا يعدو كونه زَبدا سرعان ما يذهب جفاء وأن دعاة الباطل لا سلطان لهم على أولي الألباب الذين عرفوا الحق فاتبعوه…
فلنقرأ السور من جديد بقلوب تريد أن تتبع الحق حقا..
هذا والله أعلم
- سورة إبراهيم أولها (ألر) سورة الرسل والمرسلين ورد فيها (رسول) و(الرسل) و(رسله) أما (رسلهم) ففيها ثلث ما في القرآن وبدئت بذكر الرسل وختمت (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله)
رسول:
- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤﴾)
الرسل:
- (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ﴿٤٤﴾)
رسله:
- (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴿٤٧﴾)
رسلهم:
- (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿٩﴾)
- (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿١٠﴾)
- (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾)
- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴿١٣﴾)
(رسلهم) في القرآن الكريم وردت في 12 موضعًا هي:
- (تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الأعراف)
- (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) التوبة)
- (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) يونس)
- (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) إبراهيم)
- (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (10) إبراهيم)
- (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) إبراهيم)
- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) إبراهيم)
- (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم)
- (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) فاطر)
- (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) غافر)
- (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) غافر)
- (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) التغابن)
في ظلال سورة إبراهيم
هذه السورة – سورة إبراهيم – مكية , موضوعها الأساسي هو موضوع السور المكية الغالب:العقيدة في أصولها الكبيرة:الوحي والرسالة والتوحيد والبعث والحساب والجزاء .
ولكن السياق في السورة يسلك نهجا خاصا بها في عرض هذا الموضوع وحقائقه الأصيلة . نهجا مفردا يميزها – كالشأن في كل سورة قرآنية – عن السور غيرها . يميزها بجوها وطريقة أدائها , والأضواء والظلال الخاصة التي تعرض فيها حقائقها الكبرى . ولون هذه الحقائق التي قد لا تفترق موضوعيا عن مثيلاتها في السور الأخرى ; ولكنها تعرض من زاوية خاصة , في أضواء خاصة فتوحي إيحاءات خاصة . كما تختلف مساحتها في رقعة السورة وجوها , فتزيد أطرافا وتنقص أطرافا , فيحسها القارئ جديدة بما وقع فيها من تجديد في “اللقطات الفنية ” . ونحن نستعمل هذا التعبير “اللقطات الفنية ” لأنه يلاحظ في صورته المعجزة في طريقة الأداء القرآنية !
ويبدو أنه كان لجو السورة من اسمها نصيب . . إبراهيم . . أبو الأنبياء . . المبارك , الشاكر الأواه المنيب . وكل الظلال التي تخلعها هذه الصفات ملحوظة في جو السورة , وفي الحقائق التي تبرزها , وفي طريقة الأداء , وفي التعبير والإيقاع .
ولقد تضمنت السورة عدة حقائق رئيسية في العقيدة . ولكن حقيقتين كبيرتين تظللان جو السورة كلها . وهما الحقيقتان المتناسقتان مع ظل إبراهيم في جو السورة:حقيقة وحدة الرسالة والرسل , ووحدة دعوتهم , ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة بدين الله على اختلاف الأمكنة والأزمان . وحقيقة نعمة الله على البشر وزيادتها بالشكر ; ومقابلة أكثر الناس لها بالجحود والكفران . .
وبروز هاتين الحقيقتين , أو هذين الظلين . لا ينفي أن هناك حقائق أخرى في سياق السورة . ولكن هاتين الحقيقتين تظللان جو السورة . وهذا ما أردنا الإشارة إليه:
تبدأ السورة ببيان وظيفة الرسول وما أوتيه من كتاب . . فهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد(.
وتختم بهذا المعنى وبالحقيقة الكبرى التي تتضمنها الرسالة . حقيقة التوحيد:
هذا بلاغ للناس ولينذروا به , وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب
وفي أثنائها يذكر أن موسى قد أرسل بمثل ما أرسل به محمد [ ص ] ولمثل ما أرسل به , حتى في ألفاظ التعبير:
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور). .
ويذكر كذلك أن وظيفة الرسل عامة كانت هي البيان:
(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم). . .
وتتضمن إلى جانب وظيفة الرسول بيان حقيقته البشرية , وهي التي تحدد وظيفته . فهو مبلغ ومنذر وناصح ومبين . ولكنه لا يملك أن يأتي بخارقة إلا بإذن الله , وحين يشاء الله , لا حين يشاء هو أو قومه ; ولا يملك كذلك أن يهدي قومه أو يضلهم , فالهدى والضلال متعلقان بسنة الله التي اقتضتها مشيئته المطلقة .
ولقد كانت بشرية الرسل هي موضع الاعتراض من جميع الأقوام في جاهليتهم , والسورة هنا تحكي قولهم مجتمعين:
(قالوا:إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا , فأتونا بسلطان مبين).
وتحكي رد رسلهم كذلك مجتمعين:
(قالت لهم رسلهم:إن نحن إلا بشر مثلكم , ولكن الله يمن على من يشاء من عباده . وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله . وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
ويتضمن السياق كذلك أن إخراج الناس من الظلمات إلى النور إنما يتم (بإذن ربهم). . وكل رسول يبين لقومه (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء , وهو العزيز الحكيم).
وبهذا وذلك تتحدد حقيقة الرسول , فتتحدد وظيفته في حدود هذه الحقيقة , ولا تشتبه حقيقة الرسل البشرية وصفاتهم , بشيء من حقيقة الذات الإلهية وصفاتها . وكذلك يتجرد توحيد الله بلا ظل من مماثلة أو مشابهة .
كذلك تتضمن السورة تحقق وعد الله للرسل والمؤمنين بهم إيمانا حقا . تحقق ذلك الوعد في الدنيا بالنصر والاستخلاف , وفي الآخرة بعذاب المكذبين ونعيم المؤمنين .
يصور السياق هذه الحقيقة الكبيرة في نهاية المعركة بين الرسل مجتمعين وقومهم مجتمعين في الدنيا:
(وقال الذين كفروا لرسلهم:لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين , ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد . . واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد . .).
ويصورها في مشاهد القيامة في الآخرة:
(وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام). .
(وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد , سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار). .
ويصورها في الأمثال التي يضربها لهؤلاء وهؤلاء:
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ; ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثتمن فوق الأرض ما لها من قرار . يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة , ويضل الله الظالمين , ويفعل الله ما يشاء). .
(مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف , لا يقدرون مما كسبوا على شيء . ذلك هو الضلال البعيد). .
فأما الحقيقتان اللتان تظللان جو السورة , وتتسقان مع ظل إبراهيم:أبي الأنبياء . الشكور الأواه المنيب , وهما حقيقة وحدة الرسالة والرسل , ووحدة دعوتهم , ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة . وحقيقة نعمة الله على البشر كافة وعلى المختارين منهم بصفة خاصة . . فنفردهما هنا بالحديث .
فأما الحقيقة الأولى فيبرزها السياق في معرض فريد في طريقة الأداء . لقد أبرزها سياق بعض السور الماضية في صورة توحيد الدعوة التي يجيء بها كل رسول , فيقول كلمته لقومه ويمضي , ثم يجيء رسول ورسول . كلهم يقولون الكلمة ذاتها , ويلقون الرد ذاته , ويصيب المكذبين ما يصيبهم في الدنيا , وينظر بعضهم ويمهل إلى أجل في الأرض أو إلى أجل في يوم الحساب . ولكن السياق هناك كان يعرض كل رسول في مشهد , كالشريط المتحرك منذ الرسالات الأولى . وأقرب مثل لهذا النسق سورة الأعراف وسورة هود .
فأما سورة إبراهيم – أبي الأنبياء – فتجمع الأنبياء كلهم في صف وتجمع الجاهليين كلهم في صف . وتجري المعركة بينهم في الأرض , ثم لا تنتهي هنا , بل تتابع خطواتها كذلك في يوم الحساب !
ونبصر فنشهد أمة الرسل , وأمة الجاهلية , في صعيد واحد , على تباعد الزمان والمكان . فالزمان والمكان عرضان زائلان , أما الحقيقة الكبرى في هذا الكون – حقيقة الإيمان والكفر – فهي أضخم وأبرز من عرضي الزمان والمكان:
ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود . والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله . جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم , وقالوا:إنا كفرنا بما أرسلتم به , وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب . قالت رسلهم:أفي الله شك فاطر السماوات والأرض , يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم , ويؤخركم إلى أجل مسمى ? قالوا:إن أنتم إلا بشر مثلنا , تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا , فأتونا بسلطان مبين . قالت لهم رسلهم:إن نحن إلا بشر مثلكم , ولكن الله يمن على من يشاء من عباده , وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله , وعلى الله فليتوكل المؤمنون . وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا , ولنصبرن على ما آذيتمونا . وعلى الله فليتوكل المتوكلون . وقال الذين كفروا لرسلهم:لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين , ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد .
(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد , من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد , يتجرعه ولا يكاد يسيغه , ويأتيه الموت من كل مكان , وما هو بميت , ومن ورائه عذاب غليظ). .
فها هنا تتجمع الأجيال من لدن نوح وتتجمع الرسل ; ويتلاشى الزمان والمكان ; وتبرز الحقيقة الكبرى:حقيقة الرسالة وهي واحدة . واعتراضات الجاهليين عليها وهي واحدة . وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة . وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة . وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبرين وهي واحدة . وحقيقة العذاب الذي ينتظرهم هناك وهي واحدة . . وذلك إلى التماثل بين قول الله لمحمد [ ص ]:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).
وحكاية قوله لموسى – عليه السلام -:
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور).
ولا تنتهي المعركة بين الكفر والإيمان هنا بل يتابع السياق خطواته بها إلى ساحة الآخرة . فتبرز معالمها في مشاهد القيامة المتنوعة التي تتضمنها السورة . وهذه نماذج منها:
(وبرزوا لله جميعا , فقال الضعفاء للذين استكبروا:إنا كنا لكم تبعا , فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ? قالوا:لو هدانا الله لهديناكم , سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص . وقال الشيطان لما قضي الأمر:إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم , وما كان لي عليكم من سلطان , إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي , فلا تلوموني ولوموا أنفسكم , ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي , إني كفرت بما أشركتمون من قبل , إن الظالمين لهم عذاب أليم . . وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم , تحيتهم فيها سلام). .
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون , إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء). .
(وقد مكروا مكرهم , وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله . إن الله عزيز ذو انتقام . يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات , وبرزوا لله الواحد القهار , وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد . سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار). . .
وهي كلها تشير إلى أنها معركة واحدة تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة , وتكمل إحداهما الأخرى بلا انقطاع ولا انفصال .
وتكمل الأمثال التي تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة كذلك إبراز معالم المعركة بين الفريقين , ونتائجها الأخيرة:مثل الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة:شجرة النبوة , وشجرة الإيمان , وشجرة الخير . والكلمة الخبيثة:كالشجرة الخبيثة:شجرة الجاهلية والباطل والتكذيب والشر والطغيان .
وأما الحقيقة الثانية المتعلقة بالنعمة والشكر والبطر فتطبع جو السورة كله , وتتناثر في سياقها .
يعدد الله نعمه على البشر كافة , مؤمنهم وكافرهم , صالحهم وطالحهم , برهم وفاجرهم , طائعهم وعاصيهم . وإنها لرحمة من الله وسماحة وفضل أن يتيح للكافر والفاجر والعاصي نعمة في هذه الأرض , كالمؤمن والبار والطائع:لعلهم يشكرون . ويعرض هذه النعمة في أضخم مجالي الكون وأبرزها , ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة:
(الله الذي خلق السماوات والأرض , وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ; وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره , وسخر لكم الأنهار . وسخر لكم الشمس والقمر دائبين , وسخر لكم الليل والنهار . وآتاكم من كل ما سألتموه , وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . إن الإنسان لظلوم كفار). .
وفي إرسال الرسل للناس نعمة تعدل تلك أو تربو عليها:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). .
والنور أجل نعم الله في الوجود . والنور هنا هو النور الأكبر . النور الذي يشرق به كيان الإنسان , ويشرق به الوجود في قلبه وحسه . . وكذلك كانت وظيفة موسى في قومه . ووظيفة الرسل كما بينتها السورة .
وفي قول الرسل مجتمعين:
(يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم). .
والدعوة لأجل الغفران نعمة تعدل نعمة النور , وهي منه قريب . .
وفي جو الحديث عن النعمة يذكر موسى قومه بأنعم الله عليهم:
(وإذ قال موسى لقومه:اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم).
وفي هذا الجو يذكر وعد الله للرسل:
(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد). .
وهي نعمة من نعم الله الكثار الكبار .
ويبرز السياق حقيقة زيادة النعمة بالشكر:
(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم , ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). .
مع بيان أن الله غني عن الشكر وعن الشاكرين:
(إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد).
ويقرر السياق أن الإنسان في عمومه لا يشكر النعمة حق الشكر:
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار). .
ولكن الذين يتدبرون آيات الله , وتتفتح لها بصائرهم يصبرون على البأساء ويشكرون على النعماء:
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
ويمثل الصبر والشكر في شخص إبراهيم في موقف خاشع , وفي دعاء واجف , عند بيت الله الحرام , كله حمد وشكر وصبر ودعاء .
(وإذ قال إبراهيم:رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . رب إنهن أضللن كثيرا من الناس , فمن تبعني فإنه مني , ومن عصاني فإنك غفور رحيم . ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم . ربنا ليقيموا الصلاة , فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون . ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن , وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء . الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء . رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي , ربنا وتقبل دعاء , ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). .
ولأن النعمة والشكر عليها والكفر بها تطبع جو السورة تجيء التعبيرات والتعليقات فيها متناسقة مع هذا الجو:
(وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). .
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). .
(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار). .
(اذكروا نعمة الله عليكم). .
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق). .
وفي رد الأنبياء على اعتراض المكذبين بأنهم بشر يجيء:
(ولكن الله يمن على من يشاء من عباده). .
فيبرز منة الله تنسيقا للرد مع جو السورة كله . جو النعمة والمنة والشكر والكفران. .
وهكذا يتساوق التعبير اللفظي مع ظلال الجو العام في السورة كلها على طريقة التناسق الفني في القرآن . .
وتنقسم السورة إلى مقطعين متماسكي الحلقات:
المقطع الأول يتضمن بيان حقيقة الرسالة وحقيقة الرسول . ويصور المعركة بين أمة الرسل وفرقة المكذبين في الدنيا وفي الآخرة , ويعقب عليها بمثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة .
والمقطع الثاني يتحدث عن نعم الله على البشر , والذين كفروا بهذه النعمة وبطروا . والذين آمنوا بها وشكروا ونموذجهم الأول هو إبراهيم . ويصور مصير الظالمين الكافرين بنعمة الله في سلسلة من أعنف مشاهد القيامة وأجملها , وأحفلها بالحركة والحياة . . ليختم السورة ختاما يتسق مع مطلعها:
هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب . .