سورة الأنفال سورة مدنية نزلت عقب غزوة بدر التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام المجيد وبداية النصر لجند الرحمن حتى سمّاها بعض الصحابة بسورة بدر وسمّاها الله تعالى في القرآن الكريم بـ(الفرقان). لأنها تناولت أحداث هذه الموقعة بإسهاب ورسمت الخطة التفصيلية للقتال وبيّنت ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من البطولة والوقوف في وجه الباطل بكل جرأة وشجاعة وصمود. وقد كان عدد المسلمين 313 مقابل 1000 من المشركين لكن المسلمين على قلة عددهم انتصروا بعون الله تعالى وباستعدادهم للحرب على المشركين مع كثرتهم, وكانت أول المعارك بين الحق والباطل في التاريخ الإسلامي.
وقد سبق في السور الطوال التي سبقت الأنفال أن عرض الله تعالى لنا المنهج وكيف نثبت عليه بالتوحيد الخالص لله وبالعدل وحسم المواقف, ثم جاءت سورة الأنفال ليبّين لنا أنه حتى ينتصر المنهج يجب أن يكون له قوانين للنصر, فالنصر لا يأتي صدفة ولا فجأة وإنما يحتاج إلى قوانين، فسورة الأنفال تتحدث عن قانوني النصر في غزوة بدر والتي يمكن أن تكون عامة لكل الغزوات والمعارك بين الحق والباطل.
1. قوانين ربّانية (النصر من عند الله)
2. قوانين مادية (الاستعداد للقتال بالعدة والتهيئة النفسية والعسكرية)
والسورة تنقسم إلى قسمين بارزين كل منهما يتناول أحد هذه القوانين. والسورة تحتوي على توازن بين القانونين، النصر من عند الله فبعد التوحيد الخالص لله في سورة الأنعام وأن كل شيء لله تعالى كان النصر من عند الله أمراً طبيعياً، ولكن لا بد من التخطيط والاستعداد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، آية 53 بمعنى نبذل كل الجهد ونتوكل على الله حتى ينصرنا.
وسميّت السورة بالأنفال لورود كلمة الأنفال فيها وهي لغة تعني الغنائم وكان المسلمون بعد انتصارهم قد اختلفوا كيف توزع الغنائم عليهم والله تعالى أراد أن ينبههم إلى أن الغنائم هي من الدنيا والاختلاف عليها خلاف على الدنيا, والله تعالى يريد أن يرسّخ في قلوب المسلمين قوانين النصر بعيداً عن الدنيا ورموزها، والأنفال قضية فرعية أمام القضية الهامة التي هي تقوى الله ولذا فإن السورة ابتدأت بالسؤال عن الأنفال في الآية 1 (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ولم تأتي الإجابة على السؤال إلا في الآية 41 (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولهذا حكمة من الله تعالى. إذن فالمعنى أن سورة الأنفال تتحدث عن قوانين النصر وأكثر ما يؤثر على قوانين النصر الدنيا والأنفال هي من الدنيا فكأن الأنفال هي التي تضيّع النصر، وفي السورة تحذير للمسلمين من الفرقة من أجل الدنيا وتوجيه لهم بالوحدة والأخوّة والتخطيط والرجوع إلى الله لتحقيق النصر.
القسم الأول: وما النصر إلا من عند الله: (الآيات في الربعين الأولين) تذكير أن الله تعالى هو الذي نصرهم فعلينا أن نثق بالله تعالى ونتوكل عليه لأنه صانع النصر. ودليل ذلك:
· الترتيب للمعركة من الله تعالى (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ* يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ* وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) الآيات 5 – 6 – 7 – 8
· الإعداد النفسي للمعركة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) آية 11، و (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آية 41، و (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) آية 44
· نزول الملائكة (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) آية 9، و (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) آية 12
· موعد ومكان المعركة بترتيب من الله تعالى (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) آية 42. لمّا أنزل الله تعالى المطر جعل الأرض عند المسلمين صلبة تعينهم على خفة الحركة وجعل الأرض عند المشركين طينية أعاقت حركتهم في المعركة وهذا بتدبير الله عز وجل.
· نتيجة المعركة (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) آية 10، و(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آية 17
كل هذه الآيات تدل على أن الله تعالى هو الذي صنع النصر في غزوة بدر.
القسم الثاني من السورة: تناوله الربعين الأخيرين من السورة ويتحدث في القوانين المادية للنصر.
· أهمية التخطيط (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) آية 60
· موازين القوى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ* الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) آية 65 – 66، الأسباب المادية مهمة أيضاً حتى أن هزيمة الكفار تعود إلى الأسباب المادية لأنهم لم يكونوا يفهمون الحرب جيداً ولم يعرفوا عدوهم.
· الأخوّة: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) آية 46، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) آية 63 و64. فقضية الأخوّة هي من أهم الأسباب المادية التي تصنع النصر فالمؤمنون مهما اختلفت أجناسهم أمة واحدة. ونلاحظ ارتباط هذه السورة بسورة آل عمران من منطلق الأخوّة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آية 103 و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 105 في آل عمران تعين على الثبات كما هو هدف السورة وآية 46 في سورة الأنفال وهي من قوانين النصر المادية.
وفي سورة الأنفال لفتة كريمة في صفات المؤمنين. نلاحظ أن الآيات في بداية السورة وصفت المؤمنين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) آية، 2-4 وفي ختام السورة جاء وصف المؤمنين أيضاً (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) آية 74، لكن هناك بين فرق بين الصفات في الآيتين وهذا الفرق هو إثبات لقانوني النصر في السورة، فصفات المؤمنين في الآية 4 هي صفات إيمانية يتحلى بها المؤمنون الذين يثقون بالله وبقدرته وبأن النصر من عنده وجاءت في القسم الأول (القوانين الربّانية) . أما الآية 74 فأعطت صفات المؤمنين المناسبة للأمور المادية والقوانين المادية وجاءت في القسم الثاني للسورة (القوانين المادية) وهكذا مثلت صفات المؤمنين في السورة التوازن بين قوانين النصر الربانية والمادية.
وجاءت في سورة الأنفال نداءات إلهية للمؤمنين ست مرات بوصف الإيمان (يا أيها الذين آمنوا) كحافز لهم على الصبر والثبات في مجاهدتهم لأعداء الله وتذكير لهم بأن هذه التكاليف التي أمروا بها من مقتضيات الإيمان الذي تحلوا به وأن النصر الذي حازوا عليه كان بسبب الإيمان:
النداء الأول: التحذير من الفرار من المعركة والوعيد للمنهزمين أمام الأعداء بالعذاب الشديد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) آية 15
النداء الثاني: الأمر بالسمع والطاعة لأمر الله وأمر الرسول r (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) آية 20.
النداء الثالث: بيان أن ما يدعو إليه الرسول r هو العزة والسعادة في الدنيا والآخرة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) آية 24
النداء الرابع: بيان أن إفشاء سر الأمة للأعداء هو خيانة لله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) آية 27
النداء الخامس: التنبيه إلى ثمرة التقوى (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) آية 29
النداء السادس: بيان طريق العزة وأسس النصر بالثبات والصبر واستحضار عظمة الله تعالى والإعتصام بالمدد الروحي الذي يعين على الثبات. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) آية 45
سورة الأنفال تبدأ بقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ (1)) ما يتعلق بالحروب والأموال والغنائم ويأتي بعدها ما يتعلق بمعركة بدر (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)) وتستمر وتنتهي بمعركة بدر (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70)) إذن بدأت بالأموال التي تؤخذ في الحروب وتنتهي بالأسرى وهم المحاربون والحروب فيها أموال وأسرى. في أول السورة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)) والأسرى هي إحدى الطائفتين (أموال أو أسرى). فذكر الأموال التي تؤخذ في الحروب وتنتهي بالأسرى الذين أيضاً يؤخذون في الحروب وفي الحروب أسرى وأموال وهذا كله يدخل تحت منظومة الجهاد وقال في خواتيم السورة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)) الجهاد، إذن كلها تنتظم تحت الجهاد كنسق عام للسورة.
قال تعالى في أواخر الأعراف: (وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)), وفي بداية الأنفال قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)) كأنما تأتي بعد آية الأعراف كأنها امتداد لها، هذا ترابط وكأنها مكملة لما ينبغي أن يكون عليه الحال. وفي آخر الأعراف قال: (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)) وفي الأنفال: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)) الملائكة يسجدون في الملأ الأعلى وهؤلاء يقيمون الصلاة في الأرض.
في أواخر الأنفال الحديث عن القتال وقسم قال هما سورة واحدة لأن موضوعهما متشابه وكلاهما في الجهاد والقتال. الأنفال قسم يقول هي الغنيمة والأموال التي تؤخذ لكنهم يفرقون بين الغنائم والأسلاب قسم يقول الغنائم في الحرب. أواخر الأنفال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (65)) وفي أول التوبة (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (5)) شرح لكيفية التحريض: حرض المؤمنين على القتال فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. في أواخر الأنفال (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ (72)) وفي أول التوبة (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا (4)) هذا ميثاق، نفس الاستثناء. آخر الأنفال في الجهاد (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ (75)) وسورة التوبة هي عموماً في الجهاد من أولها إلى آخرها.
تدبر سورة الأنفال
د. رقية العلواني
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بين أيدينا اليوم سورة عظيمة من سور القرآن، سورة الأنفال، تلك السورة التي نزلت بعد غزوة بدر مباشرة حتى سماها بعض المفسرين “سورة بدر”. هذه السورة العظيمة نزلت تعالج أحداث غزوة بدر والنتائج المترتبة عليها. ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل تدبر سورة الأنفال علينا أولاً أن نستحضر قاعدة مهمة من قواعد التدبر أن هذا القرآن العظيم بكل سوره وآياته لا يتنزل على قلوب لاهية لا يتنزل على قلوب أنهتكها هموم الحياة وصراعات الحياة ومتاعب الحياة وأبعدتها الدروب عن كتاب الله العظيم. القرآن الكريم لا يتنزل إلا على قلوب قد أقبلت عليه قلوب أقبلت تستنطقه، تستهديه، تريد منه إجابات تريد منه حلول تريد منه مخرجاً لما يحل بها وينزل، هذا هوالقرآن العظيم. لذا ربنا عز وجل نبّه نبيه صلى الله عليه وسلم ونبّه عباده ليس فقط الأصحاب الذين نزل فيهم القرآن أولاً جيل التنزيل وإنما لكل جيل ولكل وقت إلى قيام الساعة إن القرآن لا يتنزل إلا على القلب (نزله على قلبك) قلب أقبل على الله بكليته قلب يؤمن بأن القرآن له القدرة على الشفاء من كل مرض أن هذا القرآن له القدرة على أن يعالج مشاكل الفرد والمجتمع والأمة والعالم بأسره، قلب يؤمن بأن القرآن الكريم نور وهداية وشفاء وبصائر لكل ما في القلوب ولكل ما يمر به الإنسان من إحن ومسائل ومشاكل. القرآن الكريم أنزله الله عز وجل ليكون كتاب هداية حين أقرأه وأنا أمر على أحداث تاريخية كغزوة بدر كتلك التي تناولتها سورة الأنفال لا أنظر إلى الحدث وكأنه حدث تاريخي مر وانتهي، فترة تاريخية انتهت بكل ما فيها، وإنما أقرأه وأتلوه بتدبر وتمعن وكأنه يتنزل عليّ الآن أتعلم منه كيف أربط ما مضى وما مر به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالواقع الذي أعيش فيه، بالأزمة التي أعاني منها، بالأسئلة التي أطرحها وتُطرح عليّ اليوم، فيأتي العلاج من كتاب الله عز وجل شافياً كافياً وافياً. نقطة أوقاعدة أخرى من قواعد التدبر في القرآن أن أحاول بقدر ما استطيع أن أتعايش مع الأجواء التي نزلت فيها السورة، الأنفال نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر في تلك الأثناء وفي تلك الأوضاع التي مر بها المسلمون في غزوة بدر كان المسلمون قد خرجوا من مكة مهاجرين بأنفسهم تركوا كل شيء وراء ظهورهم ترك الكثير منهم المال والولد والأسرة والعمل والتجارة وكل ما لهم في الدنيا وراء ظهورهم في مكة وخرجوا فقط بدينهم خرجوا بإيمانهم خرجوا مهاجرين من أوطان كانت تعز عليهم فكلنا نعلم ما لمكة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن مع ذلك عندما اقتضى الأمر أن يخرج ويترك خرج وترك لله ولدينه وللحقّ الذي آمن به وللحقّ الذي سار عليه وتبناه. في تلك الأثناء عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأ بحياة جديدة بدأ ببناء دولة فتيّة دولة صغيرة دولة بكل الحسابات والمقاييس المادية لا تسمى دولة مجموعة من الأشخاص لا أموال لا عشيرة لا أولاد كل ما يمتلكونه إيماناً صادقاً يقيناً بالله عز وجل يستطيع أن يبني على الجبال الراسيات ويؤسس وفعلاً هذا الملك العظيم لهذا الإيمان وهذا اليقين هوالمحرك الأول والدافع الأول لبناء الدولة الأولى في تاريخ الإسلام. في تلك الأثناء كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه لأن يتعقبوا ويترصدوا في السرايا المختلفة تحركات قريش، قريش تلك القبيلة الدولة الحقيقية ليس بمعنى مقومات دولة ولكن بمعنى العناصر المادية المتوفرة لها في مكة. كانت لها رحلات تجارية بين مكة وبين الشام واليمن وهذه الرحلات كانت كعادة قريش وعادة القبائل لا تعود إلى مكة ننحر الجِمال ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتفرّق علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وبجمعنا فلا يزال العرب يهابوننا أبداً بعدها، إذن أبوجهل لم يخرج به الحق لم يخرجه العدل لم يخرجه نصرة مظلوم وإنما أخرجه التباهي والتكبر والتعجرف والتفاحر. وهنا فقط نستطيع أن نحدد بداية الهزيمة التي وقعت مع قريش في غزوة بدر بداية الهزيمة بدأت في النفس في نفوس المشركين وبداية النصر جاءت مع المسلمين في الجهة المقابلة. بداية الهزمية بدأت مع قريش عندما أخرج أبوجهل تكبره وتعجرفه وعنجهيته وتصوره بأن النصر لا يكون إلا من قبيل امتلاك القوة المادية. دعونا نرى على الطرف المقابل كيف كانت بدايات النصر في قلوب المؤمنين في قلوب اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه وقف بهم الحال أطلعهم النبي عليه الصلاة والسلام على الوضع وبدأت تضاريس المعركة تتغير، لم يكن هناك معركة، النبي صلى الله عليه وسلم خرج بأصحابه إلى بدر لا لأجل معركة ولا لأجل قتال ولم يكن هناك عُدّة ولم يكن هناك استعداد لقتال المشركين. الأمر كان للخروج لأخذ القافلة والتربص بها ثم العودة لم يكن هناك استعداد لم يكن هناك تهيئة نفسية لمواجهة عدو. أطلع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الوضع فقال لهم ما ترون؟ ودعونا نتأمل أوننظر في كيفية معالجة هذا القرآن العظيم لأن من أنزله هوالله الذي يعلم من خلق وهواللطيف الخبير. أظهر هذه الحقيقة الكامنة التي لم يبح بها المسلمون أصلاً هي كانت في صدروهم لم يبوحوا بها لأحد أطلعها الله عز وجل وقال في آية، يقول الله عز وجل (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَكَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوكَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)) هذه الآيات تبين الحقيقة التي كانت في نفوس وفي صدور المؤمنين آنذاك لم يكونوا متأهبين فلم يريدوا الخروج للقتال ليس خوفاً ليس جبناً ليس خشية على شيء في تلك الأثناء تلك النفوس العظيمة نفوس الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة بدر كان قد عالجها اليقين والإيمان بالله كانوا يخافون على هذا الدين من هزيمة تلحق بهم وهم لا يزالون في بداية بناء الدولة الإسلامية، الخوف لم يكن على أنفسهم هم ضحوا بالغالي والنفيس، هم خرجوا من مكة وتركوا كل شيء وراء ظهورهم ما كان الخوف على النفوس ولا كان على أموال ولا كان على شيء من متاع الدنيا الزائل كل الخوف والمشاعر كانت على هذا الدين فجاءت هذه الآيات لتخرج هذا الخوف من القلوب وتبين أن خروج المؤمنين للقتال في غزوة بدر وتحول المسألة من قضية خروج لأخذ العير إلى مسألة مواجهة وقتال ومعركة مع المشركين، ما كان إلا لأجل إحقاق الحق وإبطال الباطل وهذه هي الرسالة العظيمة التي ينبه عليها القرآن ليس فقط لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لكل جيل لكل فرد لكل مؤمن لكل مجتمع لكل جماعة لكل العالم أن البدايات لا بد أن تكون صحيحة، خروجك لا بد أن يكون لله، خروجك لا بد أن يكون لقضية، لهدف عظيم، لا بد أنا حين أدخل اوأخرج حين أدخل من صفقة أوأخرج من صفقة لا بد أن يكون لإحقاق الحق وإبطال الباطل ليس لأي شيء آخر من متاع الدنيا، عالجت القضية. الآن نبدأ نقارن الغاية التي لأجلها خرج المشركون الدنيا والتباهي والتفاخر بمتاع الدنيا الزائل وإظهار التكبر والعنجهية وأنني صاحب قوة عظمى وأمتلك القرار وأستطيع أن أسير العالم كما اشاء عنجهية الإنسان المغرور الذي لا يعلم أنه لا يساوي ولا حتى جناح بعوضة في قيمته الحقيقية عندما ينتكس انتكاسة الكفر والباطل، هذه العنجهية كان يقابلها يقين وإيمان بالله ولذلك ربي عز وجل قال (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) أنت خرجت حين خرجت من مكة لم تخرج بنفسك. قام سعد بن معاذ من الأنصار لأنه شعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يسمع منهم على اعتبار أن الأنصار قد عاهدوا النبي عليه الصلاة والسلام على حمايته وعلى نصرته في حدود المدينة والآن هناك معركة الآن هناك خروج الآن المسألة خارج نطاق المدينة فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: لعلك تريدنا يا رسول؟ قال أجل، فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هوالحق وأعطيناك عل ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ يا رسول الله لما أردت فوالله لا يتخلف عنك اليوم منا رجل واحد ولواستعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصبرٌ في الحرب صدقٌ عند اللقاء ولعلّ الله أن يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله. حُسمت معركة بدر في قلوب هؤلاء المؤمنين الذين حملوا الغاية والإيمان واليقين بالله عز وجل. النبي عليه الصلاة والسلام سُُرّ بهذا القول فقال لسعد وأصحابه من حوله سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. حُسمت المعركة، انتهي الأمر عندما تأكد أول قانون من قوانين النصر أن النصر الحقيقي في الإيمان في اليقين في قوة الإرادة في الهدف الذي يخرج الإنسان لأجله والغاية العظمى.
قبل أن نسترسل في أحداث غزوة بدر دعونا نتوقف عند البداية، أول آية في سورة الأنفال ربي عز وجل يقول فيها (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) الأنفال الغنائم، السؤال كان عقب غزوة بعد الانتهاء من غزوة بدر تساءل المسلمون عن الغنائم عن قسمة الغنائم، إنتهت المعركة بفوز المسلمين فوزاً ساحقاً وكان هناك غنائم أي شيء من متاع الدنيا فكان الصحابة يتساءلون عنها ولذلك هناك حديث جميل رواه الترمذي يقول فيه عن أبي أمامة يقول: فينا نزلت هذه السورة، كيف نزلت هذه السورة؟ عندما تساءلنا عن قسمة الغنائم بعد أن ساءت فيها أخلاقنا – انظر إلى التعبير ساءت أخلاقنا، هؤلاء النخبة هؤلاء الصفوة من البدريين الذين قال عنهم النبي عليه الصلاة والسلام لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم قد غفرت لكم اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم – نزلت في هؤلاء وهم يقولون قد ساءت أخلاقنا. وهنا لا بد أن ننتبه إلى مسألة حساسة جداً أن المؤمنين على درجات. المؤمنون منهم المقربون أعلى الدرجات، منهم الأبرار ومنهم أصحاب اليمين. سيئات المقرّبين هي حسنات الأبرار، يعني سوء الخلق الذي تحدث عنه الصحابي هنا ليس سوء الخلق من حيث أخلاق بذيئة أوكذب حاشاهم أومما يمكن أن يتبادر إلى اذهاننا اليوم عندما نصف شخصاً فنقول سيئ الخلق، سوء الخلق الذي يتحدثون عنه في هذا الكلام أوفي هذا الموقع أنه كيف يتساءلون عن قسمة الغنائم بعد غزوة بدر؟! الله! يلومون أنفسهم كيف نطقت السنتهم بالسؤال عن قسمة الغنائم بعد غزوة بدر، يلومون أنفسهم، النفس اللوامة، كيف؟ هكذا كانوا يلومون أنفسهم لا ينبغي أن أسأل عن قسمة الغنائم وإنما أترك الموضوع للنبي صلى الله عليه وسلم يقسّمه ويراه كيفما يشاء فيه، أنا لا ينبغي أن أسأل. انظروا عزة الإيمان! لنا أن نتخيل عندما أربط اليوم بالواقع لي أن أتخيل إلى أيّ مرحلة من الإيمان والشموخ وصل هؤلاء النفر؟ إلى أي مرحلة؟ أنهم يعتبرون أن مجرد التفكير بمتاع الدنيا الزائل هومن سوء الخلق بعد نصر مؤزر في غزوة بدر!. ودعونا نتأمل كيف أن الإجابة في سورة الأنفال، سورة الأنفال من خمس وسبعين آية، السؤال عن قسمة الغنائم جاء في الآية الأولى والإجابة عن قسم الغنائم جاء بعد أربعين آية من سورة الأنفال يعني بعد أكثر من نصف السورة. هذه الأربعين آية عن أي شيء كانت تتحدث؟ ربي عز وجل في الآية الأولى قال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ) لم يجب قال أول شيء (قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ) الدنيا والغنائم وبكل ما فيها لمن؟ لله والرسول r، لا تسأل عن القسمة، الإجابة عن القسمة جاءت في الآية الأربعين، أربعون آية ربي عز وجل يؤدب ويعلّم ويوجه فيها البدريين المنتصرين وليس فقط البدريين المنتصرين ولكن كل الأجيال يوجهنا نحن اليوم أن النصر لا ياتي من خلال التركيز على القضايا المادية النصر له قوانين الفوز له قوانين وهذه القوانين وإن كان منها الأخذ بالأسباب المادية ولكن التركيز الأول والتفاعل مع الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، هذا الإيمان العظيم هوالذي تحدثت عنه سورة الأنفال في أول قانون من قوانين النصر فيها. ويا سبحان الله العظيم الآيات الأولى بعد الآية الأولى تأتي أربع آيات تتحدث عن هذا النوع من الإيمان يقول الله عز وجل فيها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)) إذن الإيمان الذي اعتبرته الآية أنه بالفعل هوأول قانون من قوانين النصر له دلائل وله علامات، هوليس أيّ إيمان، هوليس مجرد إدّعاء، هوإيمان له مقاييس له موازين وكلمنا يعلم أن الإيمان يزيد وينقص في نفس المؤمن في قلبه ولذلك يستطيع الإنسان المؤمن أن يقيس درجة الإيمان لديه. أول درجة من درجات هذا الإيمان والمقياس وهوتنبيه -كما ذكرنا قبل قليل- لكل ما أراد أن يواجه أحداً من الناس، لكل مجتمع يريد أن يواجه فئة من الكفار أوممن ابتعدوا عن منهج الله عز وجل، قبل أن تبدأ بالمواجهة عليك أن تقيس درجة الإيمان لديك، ألا نرى تدريبات الجيوش يقومون ببعض التدريبات وبعض الطلعات قبل المواجهة الحقيقية، هكذا ولله المثل الأعلى على المؤمن والمجتمعات كما تعتني بتدريب الجيوش تدريباً عسكرياً واستراتيجياً على حمل العتاد وحمل الأسلحة والمواجهات عليها كذلك أن تتأكد من قضية مقياس وميزان الإيمان في النفوس، عليها أن تهتم بعناية الجيوش بالتربية الإيمانية باليقين بما أنا قد خرجت إليه واليوم العلم المعاصر يرى ويؤكد أن أعظم دافع لنجاح الجيوش هوالقوة المعنوية أعظم دافع أن يتأكد هذا الجندي الذي يحمل العدّة ويحمل السلاح ويتيقّن بعدل القضية التي لأجلها خرج إذا لم يكن لديه ذلك الإيمان بالقضية التي خرج لأجلها مهما بلغت القوى المادية التي يمتلكها ومهما بلغ التدريب الاستراتيجي الذي تعرض له وهويحمل السلاح ستصبح اليد التي تحمل السلاح يد ضعيفة يد واهية خائرة القوى لا تستطيع أن تمسك ولا حتى بعصى من خشب ولذلك ربي عز وجل عندما وضع قانون الإيمان وأكّد أن هذا أول قانون من قوانين النصر أعطى للمؤمنين وأعطى للقادة العسكريين كيفية قياس هذا الإيمان. وأنا أرى والله أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام حين عرض الأمر على المهاجرين والأنصار أراد بذلك أن يتأكد ويوجه القادة العسكريين أنه عليهم قبل الاستنفار وقبل البدء بالمعركة التحدث إلى جنودهم التحدث إلى جيوشهم وجهاً لوجه، النظر في قضية الإيمان التي هم قد خرجوا لأجلها, النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك مع أصحابه، أراد أن يتأكد من هذه القضية وقد فعل حينما خرج المقداد من المهاجرين وخرج سعد بن معاذ ليقول القولة المعروفة في ذلك ليتأكد من هذا، ما أعظمه اليوم من توجيه! أنا هنا أتساءل، قلنا قبل قليل أن من أهم قواعد التدبر والإفادة من هذا الكتاب العظيم أن أتأكد تماماً أني على قدرة وأنا أقرأ هذا القرآن العظيم أني على قدرة أن أربط ما أقرأ من القرآن بالواقع الذي أعيش وأنا اقول وأوجه هذه الكلمة لكل القادة العسكريين لأصحاب الجيوش لمن يوجه الجيوش ويقود الجيوش ويُخرِج الجيوش قبل أن تخرج مع الجيش إجلس مع هؤلاء الجنود وجهاً لوجه تساءل معهم وتحدث معهم عن إيمانهم بالحقيقة التي لأجلها يخرجون، تأكد أن الذي يخرجهم ليس متاع الدنيا الزائل، ليس السيطرة على مقدرات الشعوب ليس نهب مقدرات الشعوب والسيطرة عليهم وإظهار أنني أنا القوة العظمى، تأكد أن الذي يخرجهم هوالإيمان بالعدل، تأكد أنهم لا يخرجوا إلا إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ونصرة للحق إذا تأكدت من هذا إعلم أن النصر معقود بأول قانون من قوانين النصر ولذلك ولله درّ النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال “سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين”، تحقق النصر المسلمون آنذاك لم يذهبوا إلى بدر بعد، لم يواجهوا أحداً من المشركين بعد، ولكن المعركة حسمت من البداية، متى حسمت. ولذلك جاءت الآية التي بعد في نفس الآية (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) الإيمان يزداد حينما تتلى عليه آيات القرآن. نحن الآن ونحن نتذاكر ونتدبر هذا القرآن إيماني يزداد ولكن الشرط لأجل أن يزداد الإيمان عليّ أولاً أن أصفّي أوعية الإدراك الموجودة عندي عليّ أن أنقي القلب الذي هومحل تنزّل هذه الآيات من الحقد من الغش من الحسد من البغضاء من كراهية الآخرين ونتأمل مع بعض كيف ربطت الآية الأولى عندما يقول الله عز وجل (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) كيف تنتصر الجيوش وقلوب الأفراد وقلوب الجنود متنازعة متنافرة متباغضة قد فرّقتها أودية الدنيا وتفاهات الدنيا؟! النصر لا يأتي من خلال هذا، الإيمان يزداد زيادة عندما يكون القلب بالفعل قد رسخت فيه معاني الإيمان وازدادت وضوحاً (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) جاء بالتوكل من قوانين النصر إيمان وتوكل، توكل أن القوة المادية التي في يدي مهما كانت متواضعة أوبسيطة أنا عليّ أن أعدّ العدّ’ ولكن مهما كانت متواضعة أوبسيطة عليّ أن أتأكد تماماً بأن هذه القوى المادية لوحدها لا تستطيع أن تفعل فعلها في الفوز والنصر أحتاج إلى جانبها الإيمان، التوكل بأن من يمتلك أسباب النصر وتأثير أسباب النصر هوالله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
ثم جاء الآيات التي بعدها مكمِّلة للقانون الأول قانون الإيمان (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) هؤلاء الذين خرجوا جنود وأفراد استطاعوا أن يقيموا الإيمان في حياتهم اقاموا الصلاة بخشوعها بهيبتها بأركانه بواجباتها بشروطها، ولنا أن نتدبر في هذه الوقفة ما علاقة الصلاة وإقامة الصلاة بالنصر في المعركة؟ من أعظم أسباب النصر وتأكيد الإيمان الصلاة، إقامة الصلاة ليس بمعنى فقط القيام والركوع والسجود، لا، إقامة الصلاة كعنصر هام من عناصر تغذية الروح وتقوية النفس وتقوية القلب الذي به وعليه مدار الفوز والخسارة. الصلاة المقصودة هنا هي التي ذكرتها سورة البقرة عندما يقول الله سبحانه وتعالى (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)) من أعظم عوامل الاستعانة في مواقف كتلك التي تتحدث عنها سورة الأنفال هي إقامة الصلاة، شعور الجندي أو الفرد أو القائد بأن لديه محطة يتزود منها بوقود الإيمان، بالصلاة، بالتوكل على الله، بالاستعانة به، يا رب لم يخرجني من مكاني إلا الحق فأعطني وهبني وزدني من هذا الإيمان والتوكل عليك.
وهكذا تتسلسل الآيات في تدرج رائع لتقدم للمؤمنين قانوناً بعد آخر من قوانين النصر في غزوة بدر. وهنا مرة أخرى نتساءل ما الذي أخرج المؤمنين أول مرة قبل أن تتقرر غزوة بدر؟ هل أخرجتهم العير؟ هل كان الذي أخرجهم الحصول على العير وقافلة قريش؟ هل الذي أخرجهم الماديات؟ أبداً، هم تركوا كل شيء وراء ظهورهم، خرجوا بدون أي شيء سوى الإيمان واليقين بالله لم يكن الذي أخرج المؤمنين من المدينة ومن يثرب للقاء عير قريش الماديات ولا التجارة ولا الأسباب المادية ولا الحرص على مال أو جاه أو سلطة أو تباهي وتفاخر أمام العرب وقبائل العرب، الذي أخرجهم إحقاق الحق وإبطال الباطل. حتى العير التي خرجوا في البداية قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام “لعل الله أن ينفلكموها ويهبها لكم” إنما أرادوا بها قوة وزيادة وعزة للإسلام وللمسلمين.
يأتي بعد ذلك في الاية التاسعة من سورة الأنفال قانون جديد من قوانين النصر، يقول ربي عز وجل (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) ما زال الكلام عن قوانين النصر واحدة تلو الأخرى لا يكفي فقط إيماني بالله ولا يكفي تفقدي للحق وللعدل في نفسي وحياتي وأسرتي ومجتمعي ولا يكفي فقط أن أتأكد أن الغاية التي لأجلها خرجت هي الحق وإحقاق الحق وإنما احتاج أن اقف وقفة صدق مع نفسي ووقفة استغاثة بالله عز وجل. ولكن ما معنى الاستغاثة هنا؟ ما معنى قول الله عز وجل (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)؟ الإستغاثة عمل من أعمال القلوب. من يستطيع أن يحرك جيوش الملائكة سوى الله عز وجل؟ أنا كمؤمن اليوم حين اقف في جيش ألا أحتاج أن أقف مع نفسي وأفكر كيف أستطيع أن أجعل من يمدني بجيوش الملائكة الله عز وجل؟ ألا أفكر؟ كيف أستطيع أن استمد هذه المعية من الله عز وجل؟ ما هو المحرك والدافع الذي يحرك هذه الجيوش؟ لا تحركها إلا استغاثتي بالله عز وجل. ولذلك قبل أن أوجه نداء استغاثة للشرق أو للغرب عليّ أن أوجه نداء استغاثة للحق للواحد الأحد الذي يمتلك أن يحرك جيوش الملائكة نصرة وتأييداً للمؤمنين ولذا ربي عز وجل أردفها بالآية الأخرى (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قانون من قوانين النصر أن أؤمن بأن النر لا يأتي قبيل تحالفي مع الشرق والغرب، النصر لا يأتي من قبيل مرضاة واستجداء مرضاة من جيوش الشرق والغرب، النصر لا يأتي من قبيل تحالفي مع القوى العظمى، لا والله! النصر لا يأتي إلا من قبيل تحالفي مع من يملك النصر وهو الله سبحانه وتعالى. النصر يأتي حين أدخل في عهد وميثاق مع الله، النصر يأتي حين أستجدي وأسنغيث بمن يملك القوة والنصر وهو الله سبحانه وتعالى وحده شريك له. وأنا أتساءل هنا وهذا من قواعد التدبر أن نربط ما بين القرآن وما بين الواقع الذي نعيش فيه، كيف أتوقع أن يكون مستوى الإيمان لديّ قد وصل إلى حد النصر وأنا حين أوجه الاستغاثة وأوجه الاستعانة أوجهها أول ما أوجهها شرقاً وشمالاً وغرباً وجنوباً! ولم أفكر ولم يدر بخلدي أن أوجه الاستغاثة أولاً لمن يملك النصر وهو الله سبحانه وتعالى، أين إيماني؟ أين حقيقة إيماني؟ أليس لكل شيء حقيقة؟ فأين حقيقة إيماني؟! أنا أؤمن بأن الله واحد أنا أؤمن بأن الله عزيز أنا اؤمن بأن الله قوي أنا أؤمن أنه ما في هذا الكون من ورقة على شجرة إلا وهو الذي يحركها إن شاء ويوقفها ويُسْكنها إن شاء. لما أنا آمنت بهذا الرب لما أنا تيقنت بصفاته سبحانه ألا يكون لهذا الإيمان صداه في حياتي؟! ألا يكون لهذا الإيمان مردود في واقعي في حياتي؟! ألا أتوجه الوجهة الصحيحة وأدرك قبل أن يفوت الأوان أن النصر بيد الله أن النصر ليس بيد قوة عظمى ولا بقوة غير ذلك أن القوة الحقيقية هي بيد الله (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ).
تتوالى الآيات مؤكدة قوانين النصر، سورة الأنفال نستطيع أن نقول أنها جمعت وحوت كل قوانين النصر وكذلك أكدت على قوانين الهزيمة لتجنبها وعدم الوقوع في براثنها. القانون الآخر الذي تناولته سورة الأنفال من قوانين النصر قانون الثبات. الآن أنا كمؤمن وكجيش أدركت أن قوانين النصر في إيماني بالله وتوكلي عليه وإيماني بالحق وإيماني بالعدل وإيماني بأني لم أخرج رياء ولا سمعة ولا تباهياً ولا حفاظاً على سلطة ولا على حكم ولا علي أيّ شيء من متاع الدنيا وإنما للحق فقط للحق وإحقاق الحق، القانون الآخر أن اثبت على ما أنا فيه، الثبات، الاستمرار، التواصل، يقول الله عز وجل في الآية الخامسة عشر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) إثبت، إرسخ، مهما تكشفت لك من القوة وأسباب القوة المادية التي يمتلكها الطرف الآخر الذي تواجهه إياك أن توليه الأدبار، غياك أن تنهزم، إياك أن تحسر المعركة، إياك أن تعتقد ويدور بخلدك أن الذي يمتلك أمامك الأسباب المادية وهي أكثر مما تمتلك سيهزمك بهذه الأسباب، الهزيمة والنصر بيد الله. لو نأتي ونريد أن نربط بين هذه الآية وما وقع في غزوة بدر. غزوة بدر سال النبي عليه الصلاة والسلام بعض العيون والأخبار عن عدد قريش فتأكد له بأن عدد الفرسان الذين خرجوا من قريش قاربوا الألف بالعدة والعتاد وهم مستعدون وعلى أتم الاستعداد للمواجهة والقتال، نفر إلى أصحابه فوجد أن أصحابه لا يتجاوز عددهم الثلاثمائة بدون عدّ’ ما فيهم إلا فرس واحد بدون عدّة للقتال هم لم يكونوا أصلاً مهيئين للقتال ليس هناك عدة ليس هناك أسلحة وليس هناك شيء، ألف مقابل ثلاثمائة، ألف بكل العدة، صحيح أنتم أمسكتم بها ورميتم بها وكانت أشياء بسيطة عدّة بسيطة لم تُحدث أثر القتل بيد نفسها، من الذي قتل؟ الله عز وجل. من الذي جعل الحجارة حين يرميها طفل صغير صاحب حق في وجه مُعتدٍ أو غاصبٍ أثيم من الذي يجعل هذه الحجارة تبلغ ما لا تبلغه الدبابات والصواريخ! من الذي يجعل لهذه الحجارة والصدور العارية المواجهة وهي تحمل إيماناً ويقيناً وحقاً من الذي يجعل لها أثراً أعظم من أثر الدبابات والصواريخ ذات المدى والأثر البعيد؟ مَنْ؟ الله سبحانه وتعالى. (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) أنت أُثبت أنت كجندي أنت صاحب حق كل ما هو مطلوب منك أن تثبت في ساحة المعركة وألا تخشى الأدوات ووسائل القتال الموجودة أمام عينيك وأمام ناظريك لا تخشى دبابة ولا تخشى صاروخاً ولا تخشى أي شيء كل ما تخشاه هو الله وحده، أُثبت في المعركة هذا دورك، دورك هو الثبات لكن تأثير الثبات وتأثير الفعل الذي ستقوم به اتركه على الله اتركه على من اتخذته وكيلاً وكفى به وكيلاً وكفى به حسيبا نعم المولى ونعم النصير (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى) يا سبحان الله العظيم! الثبات على الطاعة هو ما نحتاج إليه اليوم. وهناك قصة معروفة حدثت مع الإمام أحمد بن حنبل تذكرنا بقضايا الثبات على الحق لأن هناك كثير من الناس يبدأ بالحق لكن يصعب عليه أن يثبت خاصة عندما يرى قوى الباطل من حوله قد تكاثرت خاصة عندما يرى الظلمات ظلمات الباطل وهي تتراطم ظلمة بعد ظلمة ظلمة فوق ظلمة فيبدأ الإنسان يحدث عنده شيء من الزعزعة يحتاج إلى قوة من الإيمان وقة من القرآن لكي تثبت به. الإمام أحمد يروى عنه بأنه كان يذكر ويترحم شخصاً من الأشخاص أمام ابنه كثيراً يذكر هذا الشخص كثيراً ففي يوم من اليام ساله ابنه يا أبت أراك تذكر فلاناً كثيراً فمن هو هذا الشخص؟ أهو أحد العلماء؟ أهو أحد الناس الذين تدين لهم بالفضل؟ فقال الإمام أحمد بن حنبل: هذا الشخص الذي أذكره كثيراً لص سارق قاطع طريق، فتعجب ابن الإمام أحمد بن حنبل وقال أتذكر سارقاً ولصاً هذا الذكر الذي أرى؟! فما قصته؟ قال يا بني عندما كنت في المحنة “محنة خلق القرآن” التي نعلمها جميعاً في التاريخ والتي كان الإمام أحمد قد تعرض لصنوف العذاب لأجلها وثبت فقال هذا اللص جاء عليّ وأنا أعذّب وأنا أُضرب بالسياط وكان وقع السياط عليه وهو بجسمه وقدرته الجسمية شديد يقول: فجاء اللص وقال لي يا إمام أنا لص وقاطع طريق ولأجل جرائمي والباطل الذي أنا فيه -يعترف بأنه على باطل- أُعذّب وأٌضرب وأٌسجن وأنا على باطل أجد نفسي أثبت على ما أنا فيه لأجل الباطل فأما أنت يا إمام وأنت على الحق إثبت على ضرب السياك وعلى ما أنت فيه. فيقول الإمام أحمد: تعلمت من هذا اللص. وأنا أقول في عالمنا المعاصر نرى أهل الباطل ثابتين على ما هم عليه وهم على باطل.
هذا الثبات على الحق وعلى إرادة الحق الذي يريده الله سبحانه وتعالى الثبات على الطاعة الذي يعتبر من أهم قوانين النصر الذي تقدمه لنا سورة الأنفال تعالجه السورة في عدد من الآيات تقريباً من الآية العشرين إلى الآية الرابعة والعشرين تتحدث عن نتائج الثبات. النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث يقول عرفت فالزم، عرفت الآن أن القضية التي أؤمن بها هي الحق عرفت أن الغاية التي لأجلها خرجت هي الحق إذاً بقي عليّ الثبات والله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى بقية النتائج. في الآية يقول الله عز وجل (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) خطط الكافرين تدابير الكافرين برتوكولات الكافرين كل ما يدبرونه في الظلام كل ما يقومون به من أعمال لا تلتفت إليها لا من حيث عدم الوقوف عليها أو الأخذ بالأسباب ولكن لا تكون هي مصدر إضعاف بالنسبة لقوتك أنت كبشر. نحن اليوم هذا القانون بحاجة إليه في العالم المعاصر الذي نعيش فيه الدسائس المكائد الخطط الأشياء التي تكاد وتقاد من وراء الظلام ومن وراء الكواليس، هل المؤمن صاحب الحق صاحب العدل صاحب القضية التي يؤمن بها صاحب القضية التي لم يخرجه فيها إلا الله ورسوله وحبه للحق هل يلتفت إلى هذه الدسائس وتكون مصدر إضعاف بالنسبة له أم تكون مصدر قوة؟
سورة الأنفال توجه نظر المؤمنين في كل زمان وفي كل وقت أنه لا تلتفت إليها، إلتفت إلى إحكامك لقضية الثبات للإيمان الذي في صدرك واليقين الذي في صدرك ولذلك ربي قال (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) لا عليك من كيدهم لا عليك من دسائسهم لا عليك من عدّتهم لا عليك من كل هذا، عليك فقط إحكام العدة في قلبك ويقينك بالله عز وجل وما أعظم الآية (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ) تهديد (فَهُوخَيْرٌ لَّكُمْ) للكافرين، لم تعد المعركة هي بين مؤمنين وكافرين المعركة كما تأتي عليها سورة الأنفال أصبحت بين الكافرين وبين الله عز وجل وهذه قاعدة من أعظم القواعد التي نحتاج أن نستحضرها اليوم. أنا حين أدافع عن الحق الذي أنزله الله عز وجل فالقضية لم تعد بيني وبين الكافر، القضية أصبحت بين كافر وبين رب المؤمن والكافر. ودعونا نتخيل للحظات كيف سيكون ميدان معركة الذي يقودها شلة من الكافرين أمام من؟ أمام مسبب الأسباب أمام رب الوجود أمام محرك الجيوش أمام من يرمي أمام من يقتل أمام من يعطي أمام من الدنيا والسماوات والأرض بقبضته سبحانه، لا شيء يتحرك في الكون بدون إذنه، هذا الإحساس هذا الشعور يعطي الجيوش التيتخرج إحقاقاً للحق وإيماناً بالحق قوة لا يمكن أن تدانيها قوة على وجه الأرض أبداً ولذا يقول الله عز وجل بكل عزم للمؤمنين (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَو كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) إنصب ما شئت من الجيوش سيّر ما شئت من القوافل والجيوش وحاملات الطائرات والصواريخ عُدّ العدة كما تشاء (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَو كَثُرَتْ) ولو سيّرت جيوش الأرض لن تغني عنك أمام قوة من؟ ليس قوة الثلاثمائة الذين خرجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وهم لا عدة لهم ولا قتال لا، القضية لم تعد بينهم وبين المؤمنين المسألة أصبحت بين هؤلاء الجيوش من الكفار وبين رب العباد سبحانه، لماذا؟ أنا يكفيني كمؤمن أن أؤمن بالله عز وجل أن أدافع عن الحق الذي أمر به أن أدافع عن الكلمات التي أنزلها أن يخرجني الحق الذي أنزله سبحانه فأصبح جندياً في جيش الذي يقوده ويحركه رب العباد سبحانه وتعالى له المثل الأعلى في كل شيء ولذا قال (وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الله ليس هو سبحانه مع المؤمنين في غزوة بدر فحسب الله مع كل مؤمن الله مع كل صاحب حق الله مع كل يد حق إرتفعت وأرادت أن تحق الحق وتبطل الباطل هذا الجزء من الآية هذا قانون، قانون أزلي خالد، الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين ، ما الذي حدث في واقعنا المعاش؟ ما الذي حدث وجعلنا جعل المؤمنين في كثير من الأحيان يتزعزعون أو يخضعون لضغوط معينة؟ ما الذي فقدوه؟ فقدوا هذا الإتصال الرائع العظيم بينهم وبين كتاب الله. ولذلك من أهم قواعد التدبر في الآيات وفي القرآن أن أستحضر القرآن في حياتي من جديد أن أستدعيه أجعل القرآن يفعل فعله العظيم في حياتي في قلبي في نفسي يعطيني الإجابة. سماع الآذان هو ما نقوم به اليوم في حياتنا هو الطريقة التي إخترناها لنتعامل بها مع القرآن أسمع الآيات بأذني ولكنها لا تغادر أُذني لا تغادر أذني أبداً لا تصل إلى قلبي وإن وصلت إلى القلب لا تجعل من القلب دافعاً ومحركاً ليقوم بالفعل في الواقع ولذلك عاب عليهم فقال (وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) لا يسمعون سماع الإجابة، إذا سمعت آيات القرآن عليّ أن أطبق على أن أسمع سماع المستجيبين الذين قال عنهم الله في سورة البقرة (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) أنا سمعت أين الطاعة؟ يقول في الآية التي تليها (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ {22} وَلَوعَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوأَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ {23} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) خطاب محبب للمؤمنين (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم (24) الأنفال) دعاكم لأي شيء؟ (لِمَا يُحْيِيكُمْ) أيّ حياة يا رب التي تحدثني عنها؟ الحياة الحقيقية ليست الحياة الجافة الناشفة التي نعيش، ليست حياة الأبدان التي نعيشها في واقعنا المعاصر حياة حفلت بكل ألوان البهرجة والكماليات والزخرفة والرفاهية ولكنها حياة بلاستيك حياة جافة كأنها حياة لا حياة فيها بالضبط بالضبط كتلك الزهور البلاستيك أو الإصطناعية شكلها جميل منظرها جميل يسر الناظرين ولكنها لا طعم ولا رائحة ولا أثر للحياة فيها. هذه الحياة يريد الله عز وجل أن ينتشل المؤمنين منها يريد لهم حياة حقيقية وهذا النوع من الحياة لا تكون بالحصول على مباهج الدنيا مهما قلّت أوزادت وإنما تكون بالإلتصاق والإقتراب واللجوء والرجوع إلى هذا القرآن العظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ولذا يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا مقلب القلوب حول قلبي على طاعتك ثبت قلبي …
ملاحظة: أرجو التأكد من نهاية الجزء السادس وبداية الجزء السابع لأنه يبدو هناك انقطاع بسيط في الصوت حدث قطع في التسجيل وانتقلت إلى نقطة أخرى عند الدقيقة 6:37
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ولذا يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا مقلب القلوب حوّل قلبي على طاعتك ثبّت قلبي على طاعتك، ثبّت قلبي على الإستمرار في الحق الذي آمنت به وعرّفتني إياه.
ثم يأتي القانون الرابع الذي هو من مستلزمات هذا الدين. نحن قلنا أن من قوانين النصر في سورة الأنفال الثبات على الإيمان وأي إيمان، إيمان فاعل، إيمان قوي، إيمان محرِّك، الآن يعطيني قانوناً آخر هو من مستلزمات الإيمان ولا معنى للإيمان بدونه ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما معنى الثبات على الحق وعلى الإيمان وأنا أرى هذا الحق يُنتهك فلا أحرّك ساكناً! ما معنى الثبات على الحق وأنا أرى الحق الذي أُحِبّ يُنتهك ويداس ويغتصب ولا يتحرك قلبي ولا تتحرك مشاعري حزناً وألماً وبغضاً وكراهية للباطل الذي أرى! هذا ليس بإيمان. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هنا كقانون هو ليس قانوناً أن يحمل الإنسان عصاه ويجوب في المجتمع يمنة ويسرة يضرب هذا ويقتل هذا ويصفع هذا ويوجه كلمة لهذا لا، لا، أبداً، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تحرّكه قلوب صقلها الإيمان وحب الإيمان بالله واليوم الآخر، قلوب أصبحت تحب الحق فحين ترى أيّ إنتهاك لهذا الحق مهما كان بسيطاً في كل ما حولها تتحرك تفزع تغضب، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب لنفسه قط أبداً لا يغضب إلا حين تنتهك محارم من محارم الله عز وجل، أمر من أوامر الله عز وجل، ما الذي يفزعه؟ ما الذي يغضبه؟ ما الذي يحرك قلبه الهادئ المطمئن إنتهاك الحق، الحق الذي أحب. هذا هنا معنى العلاج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قوانين النصر الله لا ينزِّل النصر على مجتمع وعلى أفراد يرون الحق ينتهك فلا تتحرك سواكنهم ولا تتحرك سواعدهم لإقامة الحق وإحقاق الحق ولا تنطق ألسنتهم لأجل أن يتغير الخطأ ولا تتحرك أيديهم وأقدامهم وأرجلهم لأجل أن يعيدوا الحق إلى نصابه والمعروف إلى مكانه، هذا النوع من الناس لا ينزِّل الله عز وجل النصر عليهم بل بل يقول لهم (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) إذاً هي الفتنة هي العذاب الذي يعمّ الذي يحذِّر الله عز وجل منه الناس، إذا أنت لم تتحرك عواطفك ولم تتحرك مشاعرك لحق ينتهك أو لمنكر يحدث أمامك فاعلم بأن الفتنة العامة قد جاءت، الفتنة التي لا تفرق بين مؤمن وكافر لأن العذاب يعمّ والرحمة تخصّ ولذا قال (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً). العذاب حين ينزل والعياذ بالله لا ينزل هكذا على أقوام دون أقوام، حين ينزل على مجتمع إنتهكت فيه محارم الله، إنتهك فيه الحق سلب فيه (هنا انقطاع بسيط في الصوت أيضاً أرجو التأكد من النص المكتوب إن كان هناك ما هو ناقص فيه) هل تستطيع السفينة أن تواصل المسير هل تستطيع السفينة أن تسير بأمان؟ مستحيل.
هذه سفينة المجتمع كل واحد منا خرق فيها خرقاً بأخطائه وعيوبه وسكوته عن الخطأ في نفسه في بيته في المؤسسة التي يعمل فيها في المجتمع الذي يعمل فيه بين أقاربه، كلنا خرق خرقاً، مع هذه الخروق الكثيرة المتعددة هل تقوى سفينة المجتمع فينا على الثبات؟ هل تستطيع سفينة المجتمع هذه أن تبحر بنا في بحر من الأمواج والأهواء والأعاصير والشدائد والمحن التي نواجهها ثم نتساءل بعد ذلك ونقول لماذا لا ينصرنا الله!! كم من خرق في سفينة المجتمع خرقت؟ كم من خرق خرقت؟ كم من خطأ رأيته بأم عيني ولم أصححه كم من خطأ؟ كم من خطأ تغاضيت عنه؟ كم من منكر رأيته فلم أنكره؟ كم من معروف رأيته يداس فلم أنتفض له؟ كم من حق رأيته ينتفض وينتهك فلم أغضب لأجله؟ كم من كلمة حق سمعتها بأذني فلم أنتصر لها؟ كم من مظلوم رأيته أمامي يُظلم فلم أنتصر له؟ لأنه ليس له ظهر قوي يسنده ويعينه؟ كم من مظلوم رأيت؟ كم من ضعيف رأيت فلم أهب لنجدته ومساعدته خوفاً من ظالم أو من قوي أوأو!! كم مرة بررت فيها أخطائي وأخطاء الآخرين؟ كم من مرة تقاعست فيها عن قول الحق وبررت لذلك بعشرات المبررات. من أعظم قوانين النصر أن يعاد لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوره وأهميته في المجتمع. البعض (الكلمة هنا غير مفهومة عند الدقيقة 6:18 أظنها أخطأ) في فهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخرج عن أمر شخص بأداء الصلاة في وقتها أو بارتداء لباس معين للمرأة أو ما شابه وهي أمور عظيمة في الدين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له فقهه له أوامره له قواعده له ضوابطه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الضمانة الوحيدة وقارب من قوارب النجاة في العالم الذي نعيش فيه في مواجهة الأعاصير التي نمر بها في مجتمعاتنا في بيوتنا. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضمن لي حقوقي يضمن لى نصر الله عز وجل. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعني أن أحمل عصا وأجوب في أروقة المجتمع، أبداً، الأمر بالمعروف (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (125) النحل) الأمر بالمعروف يقتضى أننى حينما أرى الخطأ مهما كان ذلك الخطأ أسهم في تصحيحه أسهم في تصويبه، ما بالنا لو رأينا في مجتمع أو في شارع أو في أحد المساكن أو الأحياء التي نعيش بها نرى حريقاً شبّ في بيت من البيوت والبيت يفصل عن البيت الذي أسكنه بخمسة أو بعشرة بيوت أأسكت؟ أأسكت عن النار التي أضرمت في هذا البيت البعيد عني حتى تصل إلى النار؟ إن سكت وقلت بأن النار بعيدة ولن تصلني فهذا يعني أنني أعيش حالة من حالات غياب الوعي بل الإغماء لأن النار ستصل ستصل إلي، هذا ما نفعله نحن في مجتمعاتنا حين أرى الخطأ وأرى المنكر ولا أنكره ولا أسهم في تصحيحه كمن ينتظر أن تصل النار إلى بيته ليقوم في محاولة بائسة يائسة لإخمادها وإطفائها. وعندئذٍ قطعاً سيكون الأوان قد فات وستكون الأمور قد تغيرت ولم تعد بالمكان الصح الذي يجب أن تكون فيه. ولكن ثمة سؤال يطرحه القرآن عليّ ، القرآن هكذا يعالج الأزمات التي أعانيها في عصري في زماني وليس فقط في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا أصبحنا اليوم نتوقف عن إنكار المنكر؟ ربي عز وجل في الآية السادسة والعشرين بعد هذه الآية مباشرة يذكّر المؤمنين (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) من أعظم الأسباب التي تجعلني اليوم في حياتي في واقعي المعاصر أعيش حالة السلبية التي تكلمنا عنها والسكوت عن الإنحرافات وعن الخطأ الفردية والجماعية الخوف من الناس، الخوف من الآخرين، أخاف من قريبي وأخاف من أهلي وأخاف من هنا وأخاف من مسؤولين وأخاف من رئيسي في العمل وأخاف وأخاف وأخاف. دعونا ننظر لقول الله عز وجل (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ) كنتم تخافون، من الذي منع الخوف عنكم؟ من الذي رفع الخوف والهيبة من نفوسكم وقلوبكم من الناس؟ من الذي أيدكم؟ من الذي رزقكم؟ من الذي أعطاكم يا مهاجرين يا من تركتم المشركين؟ من الذي جعل في قلوبكم هؤلاء المشركين من قريش وصناديد قريش من أمثال أبي جهل وغيره من الذي جعلهم كالأصنام التي من ورق؟ من جعلهم هكذا؟ من جعلهم لا يساوون شيئاً في نظركم؟ الله عز وجل. إذاً هل بقي مبرر للخوف؟ هل بقي أي شيء يبرر خوفي وتقاعسي عن إحقاق الحق عن أمري بالمعروف ونهيي عن المنكر. ثم تأتى الآية (بأيدينا) هناك عامل آخر الموال والأولاد، وإلا بالله عليكم ما الذي يجعلني أصمت وأسكت وألوذ بالصمت المرير وأنا أرى الحقوق وهي تغتصب وتنتهك ما الذي يجعلني أسكت؟ خوفي على رزقي؟ خوفي على وظيفتي؟ خوفي على بيتي؟ خوفي على ماذا؟ من الذي أعطاني البيت والمال والأولاد ؟ ألم أخرج من الدنيا وأنا طفل ضعيف لا أملك شيئاً من حطامها، من الذي أوكل حتى وأنا جنين في بطن أمي من الذي أوكل إلى أمي تغذيتي؟ من الذي أوكل إليها العناية بي؟ من الذي أعطاني، من الذي ألبسني، من الذي سقاني، من الذي أطعمني؟ من الذي فتح عليّ؟ من الذي جعل لي عينين ولساناً وشفتين؟ من الذي جعلني أسير على قدمي؟ أليس هو الله؟ من الذي أعطاني ما أنا فيه؟ أليس هو الله؟ كيف أشكك في قدرته؟! كيف أشكك؟! أنا أدّعي أني مؤمنة إن كنت مؤمنة حقاً على أن أؤمن أن الرزق بيد الله وأن الأولاد بيد الله وأن الأموال بيد الله وأن الوطن بيد الله وأن الأرض بيد الله، عليّ أن أقوم بما أمرني به الله عز وجل في كل هذا في كل ما أمتلك إن كنت أمتلك شيئاً على وجه الحقيقة لكي يحفظها الله عز وجل لي. أما أن لا أراعيه في شيء مما أعطاني وأنتظر منه النصر فهذا محض توهّم وضحك على العقول وعلى الأنفس لا زلنا إلى اليوم نعيش فيه. ولذلك جاءت الآية وهذه من عظمة القرآن آية ترتبط بالآية التي تليها، عمل يرتبط بالجزاء (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ) إن تحقق كإنسان وكفرد بمعنى التقوى تقوى الله عز وجل في حياتك، إتق الله في نفسك، إتق الله في أولادك، إتق الله فيمن تعول، إتق الله في الوظيفة التي وكلت إليك، إتق الله في الكرسي الذي تجلس عليه، إتق الله في الناس الذين قد توليت الحفاظ على مصالحهم، إتق الله، إن لم يستطع أحد من البشر أن يحاسبك لأنك وزير ولأنك سفير ولأنك أمير ولأنك كائن من تكون فهناك من يحاسبك، هناك رب هو الحسيب عليك في كل شيء. هذا هو الرب الذي عليك أن تتقيه وليس الناس. إن تحققت بهذه التقوى في نفسك فاعلم بأن الله هو الذي سيجعل لك فرقاناً فرقان يفصل بين الحق والباطل، ولذلك يوم بدر سمي يوم الفرقان في نفس السورة سورة الأنفال فرق الله به بين الحق والباطل، بين باطل قد أُعدّت له العدة وسُيِّرت لأجله الجيوش وسار معه صناديد قريش بكل عدّتهم وعتادهم وبين حقٍ من حمله كانوا ضعفاء من حيث القوة المادية ولكن كانت القلوب نقية قوية، قوية بأي شيء؟ قوية بالتقوى، لم تكن جيوش المؤمنين التي خرجت في غزوة بدر مسلّحة بأي سلاح أو عتاد سوى سلاح التقوى أو الإيمان وأنا أقولها وأقولها وأنا أتدبر هذه السورة العظيمة التي لم تنزل فقط على أهل بدر وإنما تنزل علينا اليوم ونحن نعيش ما نعيش فيه من أحوال في مجتمعاتنا، من أراد النصر عليه بالتسلح بالتقوى إن أردت تسلحاً حقيقياً لجيوشك وحماية حقيقية لوطنك عليك أولاً أن تعدّ عدّة التقوى وأسلحة التقوى لا تستورد لا من قوة عظمى ولا من دول من اليمين ومن الشمال وإنما ليس لها مصدر إلا هذا الكتاب العظيم. نريد أن نعد جيوشاً عدّتها هي التقوى عدّتها هي الإيمان بالله، هذه الأسلحة لا أستطيع إستيرادها من أي مكان على وجه الأرض أبداً. ولذا جاءت الآية التي تليها (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَويَقْتُلُوكَ أَويُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) تخاف من مكر الغرب والشرق؟ تخاف من خطط القوى العظمى ماذا تفعل بك؟ تخاف وتهاب المنظمات الدولية ماذا يمكن أن تقر عليك من قوانين؟ دعهم يمكرون ما يمكرون إن كنت حقاً على تقوى من الله وخوف منه ومعاملة صحيحة لله ولرسوله ومراعاة لحقه إعلم إنهم ما يمكرون إلا ويمكر الله بهم، ألا يكفيك مكر الله لك؟ أتريد مكراً أعظم من مكر الله لك؟! وما معنى أن يمكر بك هؤلاء وأنت معك الله ما معنى هذا كله؟ ألا تؤمن بالله؟ ألا تؤمن بأن الله بيده كل شيء؟ ألم تتخذه وكيلاً؟ ألا تقول رضيت بالله رباً أليس ربك هو من يقول هذا الكلام؟ يقوله لنبيه، نعيد الآية مرة أخرى. دعونا نقرأها دع الآية تتنزل على القلب لا تتنزل على السمع فقط، ربي يقول لك (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) أنت معك رب هو الذي يمكر لك معك رب هو الذي يخطط لك، دع عنك صفقات من يمكر يميناً وشمالاً، صحح علاقتك بالله أعد التقوى لقلبك لجيوشك لبلدك لأرضك لكي تُحفظ فيه آياته وهو عظيم لا شك في ذلك ولكني لا أحفظه في تصرفاتي لا أحفظه في سلوكي لا أحفظه في بيوتنا لا أحفظه في مؤسساتنا لا أحفظه في كل ما أقوم به، ما معنى الحفظ؟ وهل هذا القرآن العظيم الذي أقرأه اليوم وأنا أتدبر غزوة بدر وكأنه يتنزل الساعة. ما معنى الحفظ؟ هل هو حفظ الحروف فقط؟ أهو هذا الحفظ الذي أراده وربي عز وجل يؤكد ويبين بأن هذا القرآن أنزلناه مباركاً ليتدبروا آياته، ما معنى هذا؟ هذا كتاب أنزله الله عز وجل فيه كل هذه القوانين، فيه كل هذه الحلول لما أعانيه من أزمة لكي أتدبر فيه وليتذكر أولو الألباب أصحاب العقول أصحاب التفكير الإستراتيجي والتخطيط يتفكروا يا ربي في أي شيء؟ في أن يربطوا بين ما يقرأونه والواقع الذي يعيشون فيه، لا تغرنّهم الحياة الدنيا ولا يقولون أن هذه قوة عظمى لا نستطيع الوقوف في وجهها، لا، لو قال المسلمون في غزوة بدر هذه الكلمة وقالوا بأن المشركين لا نستطيع أن نقف في وجوههم فقد خرجوا بعدة وعتاد للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان قد قام قائم للإسلام والمسلمين. ما كنا أنا وأنتم اليوم نتحدث باسم هذا الدين أليس كذلك؟ لو قال المسلمون غير الكلمة التي قالها إبن المنذر وقالها المقداد وقالها سعد بن معاذ إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما قامت للإسلام قائمة، فما بالنا اليوم إن لم تقولها وتتفوه بها أفواهنا وألسنتنا، نقولها بقلوبنا، نقول نحن لا نقوى على مواجهة الدول العظمى نعم حقاً لا نقوى إن لم تكن قلوبنا قد ملئت بالتقوى، نحن أضعف من أن نقف في مواجهة أحد من الناس إن كانت قلوبنا لم تملأ بالتقوى لم تزوّد بوقود التقوى والإيمان ومخافة الله عز وجل دون الناس، لم تزود بالإستغفار لم تزود أصبح الإيمان مجرد شكل أصبحت التقوى مجرد إدّعاء، إدعاء لا يثبت أمام ما نراه من أعاصير الباطل والكذب الذي نعيش فيه.
كل هذا ثم تأتي الآيات آية بعد أخرى إلى أن تصل (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ (39) الأنفال) الله من جديد لا تقاتل من أجل منصب لا تقاتل لأجل مال لا تقاتل لأجل منفعة مادية لأن هذه قضية خاسرة قضية باطلة قاتل حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. إن كانت القضية التي أخرجتك وأخرجت جيوشك قضية عدل قضية إحقاق حق فَسِرْ على بركة الله (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {39} وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {40} الأنفال)، نوقّع على محالفات وتحالفات مع من؟ نوقع مع من؟ متى سنصحوا من هذه الغفلة التي نعيش ونوقع تحالفاً مع الله ورسوله متى؟! متى نوقع معاهدة ولاء لله ولرسوله؟! متى نوقع بأيدينا معاهدة ولاء ووفاء لله ولرسوله حتى يأتينا النصر نعم المولى ونعم النصير؟.
بعد أربعين آية من كل هذا الكلام، الآن وبعد أن تكرّست وتعزّزت قوانين النصر في قلوب البدريين وفي قلوب كل المؤمنين في كل زمان ومكان الآن يأتي الحديث عن قسمة الغنائم والدنيا. قسمة متاع الدنيا في آية واحدة فقط (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) وانظروا معي وتدبروا عظمة القرآن (من شيء) ليس شيء (من شيء) تصغيراً واستخفافاً وإعطاءً لكل ما في الدنيا من حجم حقيقي كل ما يتقاتل عليه الناس اليوم يتصارعون عليه من متاع الدنيا الزائل ولا يساوي حتى شيء (من شيء)، نحن نتصارع ونتنازع على هواء إن كنت أتصارع وأتنازع مع الآخرين لأجل منصب فالمنصب زائل والمتاع زائل والمال زائل والدنيا زائلة ولا تساوى عند الله شيئاً. ما الذي بقي اليوم بعد أن قسمت الغنائم وانتهت غزوة بدر؟ ما الذي بقي؟ ما الذي يذكره القرآن؟ هذا القرآن الذي بقي، ماذا أخذ البدريون من الغنائم معهم بعد مئات السنين ما الذي أخذوه؟ أخذوا شيئاً؟ بقي منه شيئاً؟ أصحاب الأموال بقيت من أموالهم شيئاً؟ هل بقي من كنوز قارون شيئاً؟ هل بقي من ملك فرعون شيئاً؟ ما بقي شيء، ما الذي بقي؟ إيماني بالله عز وجل فقط، هذه الذي سآخذه معي، أي شيء آخر من متاع الدنيا الذي أنا الآن أنازع لأجله وأخرج إليه فهو باطل وهو زائل ولا قيمة له (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) بدأ التوزيع وفي نفس الآية بعد ما قسّم الغنائم (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ) إن كنت آمنت بالله الإيمان الحقيقي إعلم بأن هذه الدنيا لا تساوي شيئاً فلا تغرنك الدنيا وما ..
هنا إنقطع التسجيل عند الدقيقة 5:26 من الجزء التاسع
إيماني عطائي منعي نومي صحوتي لله (لعلكم تفلحون) قانون آخر من قوانين النصر أما أني أنا ألاقي فئة وأنا قلبى لاهي ولا أذكر الله إلا قليلاً فكيف أستجلب النصر؟! وكيف أطلب منه النصر؟! سبحانه. ثم يأتي القانون الذي يليه مباشرة، التسلسل في القرآن قاعدة من قواعد التدبر كل آية ترتبط بالآية التي تليها والتي قبلها (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ (46) الأنفال) وهذا دليل على أن الذكر – الركن الأساس في الذكر – طاعة الله عز وجل، أنا أقول أن الله قوي، عليّ أن أثبت في أفعالي بأن الله قوي، أنا أقول بأن الله غني على أن أتصرف في حياتي وفي سلوكي تصرف من يؤمن ويتيقن بأن أسباب الغنى بيد الله وليس بيد البشر (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (46) الأنفال) عندما تدافع عن قضية دافع وأنت مع الجماعة التي أنت فيها على قلب رجل واحد لم تتشتت به أهواء النفس ولا المصالح الدنيوية ولا أي نوع من أنواع التفرقة ونحن اليوم نحن كمسلمين كم من عوامل التفرقة والنزاع نعيش؟! كم من عوامل التفرقة صنعتها بيدي هاتين؟ كم من أمور أنا أنشأتها وقمت بإنشائها ولا أعلم أنها ستفرق وتشقّ وحدة المسلمين؟! هل أصبحت قلوبنا قلوب واحدة؟ هل أستطيع أن أجمع القلوب من جديد على قلب رجل واحد؟ على أي شيء؟ لأي شيء؟ أنا أؤمن بقضية لا ينبغي أن تشتتني أبداً أهواء الدنيا لا الخوف على الكراسي ولا طلب المناصب ولا ولا ولا خلاص الحق أغلب، هذا ما نحتاج إليه اليوم ولذلك ربي عز وجل قال (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الأنفال) الأمر يحتاج إلى صبر أن أنزع وأنتزع من نفسي حب الدنيا والمطامع والمناصب والجاه والذكر الحسن أمر يحتاج لصبر لمصابرة لمكابدة جهاد نفس جهاد حقيقي. ولذلك معركة بدر الحقيقية كانت في النفوس ليس في ميدان المعركة فقط، ميدان المعركة كان تحصيل حاصل، وأي معركة اليوم تدار في عالمنا المعاصر مهما اختلفت السيناريوهات لا تدار في ميادين المعارك الإدارة الحقيقية في النفوس في القلوب، إذا نجحت حقاً وصدقاً في إصلاح النفوس والفوز بالقلوب فقضية النجاح في ميادين المعارك تحصيل حاصل مهما بلغ العدو الذي أواجهه من القوة المادية. لا ترهبني القوة المادية الشيء الذي أخاف منه فقط هو نفسي التي بين جنبي إذا نجحت فيها فعلاً أكون نجحت لهذه المعركة وفي هذه المعركة. ولذلك ربي عز وجل يقول (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ (47) الأنفال) ما الذي يخرجني؟ ما الذي يدفع بي؟ ما الذي يقودني إلى ما أنا فيه؟ ما الذي يقودني؟ أهو الدنيا أم الآخرة ؟ أهو الباطل أم الحق؟ الله عز وجل في الآية التي تليها الآية الثامنة والأربعين يعطي نتيجة من النتائج فيقول (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ (48)) هذه قاعدة من القواعد قواعد الهزيمة في الطرف الآخر. الطرف الآخر يزين له الشيطان يحسن له الخروج يحسِّن له القضية التي فيها فيقول لهم لا غالب لكم اليوم وهكذا فعل الشيطان مع أبي جهل ومع المشركين قال لهم لا أحد يستطيع اليوم أن يغلبكم وبالفعل قوة مادية عظيمة أمام قوة ضعيفة ثلة من المستضعفين لا عتاد لا أموال لا قتال ولا أي شيء من الذي سيغلب؟ الشيطان أقنع المشركين بأنهم هم الغلبون قال لا غالب لكم اليوم، الشيطان شياطين الجن وشياطين الإنس، من الذي يستطيع أن يغلب قوة عظمى كقوة قريش؟ لم يتخيل ولم يدر بخلد المشركين أن من سينتصر هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المستضعفون هؤلاء بإيمانهم بيقينهم بتقواهم وأن من سينتصر في كل معركة حتى قيام الساعة القوة التي تؤمن بأن الله حق، القوة التي يخرجها الحق، القوة التي تواجه الباطل ليس لأجل الدنيا ولا لمتاعها ولا لغنائم ولا لأنفال وإنما لأجل الله ولرسوله، ولذا يقول الله عز وجل في تتمة الآية (فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) الأنفال) تغيّرت المواقف، والموقف الذي وقفه الشيطان مع المشركين في غزوة بدر يقفه كل شياطين الإنس والجن في كل آن وزمان عندما تبدأ المعركة تدور على الآخرين على حلفائهم أول كلمة يقول إني بريء منكم. أين قوة فرعون حين كفر بآيات الله؟ فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب. أما آن للمؤمنين أن يدركوا أن القوة الحقيقية هي قوة الله؟ أما آن لهم أن يجروا مقارنة وإن كانت مقارنة مجحفة بين هذه القوة العظيمة وبين ما يطلق عليه ويسمى قوى عظمى ولله المثل الأعلى؟! ذلك بأن الله عز وجل (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) الأنفال) هذه هي القضية الحقيقية وليست ما يهيأ لنا اليوم، يعني أنا أريد هنا أن أتساءل مرة أخرى تعود الآية الرابعة والخمسون (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ (54) الأنفال) الهزيمة محتومة على كل ظالم، القضية منتهية، كل ظالم مهما طالت سلامته ومهما بلغت قوته سيهزم سيهزم، وكل صاحب حق وإن لم تظهر نتيجة الحق في الدنيا سينتصر سينتصر. متى سندرك نحن المؤمنين؟ متى سندرك نحن من نؤمن بهذا الكتاب العظيم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ متى سندرك أن التغيير الحقيقي مناط بالعودة الصادقة إلى كتاب الله؟ وأنا أهيب بكل قائد معركة وبكل مسؤول وبكل قائد في قلبه ذرة من إيمان بالله ورسوله أن يعلِّم أتباعه وأن يعلِّم نفسه أولاً هذه السورة، أن يقرأ هذه السورة العظيمة ويتدبر فيها ويعيها ويطبقها في حياته قبل أن يمسك بيديه ولا حتى قلماً ولا حتى سيفاً ولا حتى آلة من الآت القتال متى؟ متى يعي المسلمون هذه الحقيقة؟!
الله سبحانه وتعالى في الآيات التي تليها (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ {58} وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ {59} وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ {60} الأنفال) بعد ستين آية بالضبط بعد ستين آية من أصل خمسة وسبعين آية في سورة الأنفال ربي عز وجل يأتي لأول مرة على ذكر القوة المادية! وأنا اقول كم أنفقت شعوب العالم اليوم المسلمة غير المسلمة لا علينا منها، المسلمة كم تنفق من ميزانيات الدول على إعداد القوة المادية شيء جيد ممتاز ولكنى أتساءل كم تنفق هذه الدول على إعداد الجيوش إعداداً روحانياً إيمانياً، كم؟ كم تؤهل جيوشها للإيمان بحق يدافعون عنه، كم؟ آيات القرآن ليست لأجل أن تحفظ وتذكر في البيوت وفي المساجد وفي دور تحفيظ القرآن فحسب وإن كانت مهمة. هذه السورة العظيمة ينبغي أن تتلى وتقرأ وتدرس ويتدبر فيها أصحابها في الكليات العسكرية في المعاهد العسكرية ينبغي أن تقرأ لا على علماء الدين فقط والأطفال وفي المساجد ينبغي أن تقرأ وتتلى ويتم تدبرها في هذه الكليات التي تعد الجيوش. نحن عندنا سلاح لم نحسن التعامل معه إلى اليوم، نحن عندنا قوة، قوة حقيقية للأسف وبكل مرارة لم نستطع أن نتعلم منها ولم نستطع أن ننهل من معينها. إن جنحوا يا محمد للسلم فهو سلم الأقوياء وليس سلم الضعفاء (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال) لا تخشى من مكر ولا تخشى من صفقات غائبة عنك ولا تخشى من أي شيء يُكاد لك لماذا؟ لأنك آمنت بالسميع العليم يسمع الدسائس ويسمع المؤامرات ويعلم بها ويدافع عنك.
وأنظروا معي للآية التي تليها (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُو الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) الأنفال) يريدون خداع الشعوب في كل زمان هذه حقيقة واقعة، يريدون الظلم، يحيكون الدسائس والمؤامرات، فليفعلوا ما يشاءون، أنت يا محمد ويا من يتبعك ويسير على نهجك في كل زمن وفي كل وقت حسبك الله، فإن حسبك الله. ألا أكتفي بالله حسيباً؟ ألا أكتفي بالله وكيلاً؟ متى سأعي هذه الحقيقة؟ متى سأتعلم كيف أقرأ القرآن قراءة حقيقية قراءة تنقذني وتنقذ مُلكي وتنقذ شعوبي وتنقذ من أعيش معهم ووسطهم؟ متى أقرأ القرآن هذه القراءة؟ متى أعيه؟ متى أسمع السماع الحقيقي سماع الإجابة؟ متى أقرأ القرآن لأصلح به ذاتي نفسي بيتي أبنائي أسرتي حياتي شعبي، متى؟ متى أنتظر أن يغير الله هذا الضعف بقوة وهذه الهزيمة والنكبات بنصر وأنا لا أغير ما بنفسي؟ وربي عز وجل قبل صفحة واحدة (فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الأنفال) الله مع الصابرين، إصبر وأبشِر النبي عليه الصلاة والسلام بشّر أصحابه قبل أن تبدأ المعركة أي نصر؟ نصر على قوة المشركين العظمى إنتصارهم بالحق إنتصارهم بالإيمان إنتصارهم بالثبات. (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الأنفال) لا يضرك يا محمد ويا مؤمن بتعاليم النبي وبرسالة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم لا يضرك خيانة من خان. نحن في المجتمعات وكأفراد نخشى الخيانة نخشى من الخونة دائماً لا تضرك خيانة الخائنين. من الذي يحفظك من خيانة الخائنين؟ الله عز وجل (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ (71) الأنفال) واحدة من قواعد هزيمة الأعداء أن يخونوا الله ورسوله كلما إزددنا نحن كمؤمنين حفاظاً على الأمانة بيننا وبين الله عز وجل كلما حفظني الله عز وجل من خيانة الخائنين، الخيانة من الخائنين لا أستطيع تجاوزها بكل الوسائل المادية التي يمكن أن تُمكّن لي إكتشاف المؤامرات والخيانات وإن كان هذا لا يعني إغفال هذه القضايا أو الأسباب المادية ولكن الضمان الحقيقي للتخلص من كل هذا أن أكون وأن أزداد أمانة وإيماناً وشموخاً وثباتاً على الحق الذي بين يديّ.
ثم الآيات إلى الأخير (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (72) الأنفال) ونضع مائة خط تحت في سبيل الله، ما الذي أخرج المؤمنين من مكة؟ سبيل الله. ما الذي جعلهم يجاهدون بأموالهم وأنفسهم؟ سبيل الله. لم يخرج لأجل مال، لم يخرج لأجل مُلْك، لم يخرج لأجل منصب، لم يخرج لأي شيء من متاع الدنيا لم يخرج إلا في سبيل الله، الإيمان غالي والوطن غالي والأرض غالية والمناصب غالية والجاه غالي والملك غالي وكل ذلك إذا كان في سبيل الله ففي سبيل الله والحق أغلى هذا هو الذي ينبغي أن يحركني. (وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ (72) الأنفال) ما الذي يريده الله عز وجل مني في هذه الآيات؟ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) فاطر) ماذا يريد مني؟ يريد مني إيماناً حقيقياً، يريد أن يكون خروجي به وله، يريد أن أبذل وأضحي الغالي والنفيس في سبيل الحق الذي آمنت به هذا هو الحق هذا هو الصح هذا هو الثبات الذي تقدمه لي سورة الأنفال. ولذلك آخر الآيات يختم بها الله عز وجل سورة الأنفال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) الأنفال) طيب والغنائم؟ لم يذكر الله عز وجل في هذه الآية الغنائم ولا الأنفال لماذا؟ المكسب الحقيقي المغفرة والرزق الكريم من عند رب العالمين (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (74) الأنفال) الإيمان، الإيمان ليس ادّعاء، الإيمان ليس كلمة تنطق باللسان، الإيمان ليس أن أعيش في صلاتي عيشة معينة وفي واقعي ومؤسساتي عيشة أخرى لا تمت إلى هذا الإيمان بصلة، الإيمان الحق أفعال سلوك تصرفات قوة، إذا وصلت إلى هذا الإيمان الحقيقي (لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) الأنفال) وهذا هو الفوز
سورة الأنفال
لكل أمة أعداء والمواجهة معهم حتمية ولا بد من إعداد جيل يستحق النصر والتمكين.
النبي صلى الله عليه وسلم ربى جيل الصحابة على منهج الله تعالى على مدى 13 سنة في مكة ثم سنتين في بداية الهجرة في المدينة قبل وقوع غزوة بدر أولى مواجهات الأمة مع عدوها وأول عناصر هذا الإعداد بعد الإيمان: طاعة الله وطاعة رسوله وحب نصرة الدين أكثر من حب الغنائم فما مكاسب الدنيا أمام مكاسب الآخرة وتجارتها الرابحة وقد اشترى الله تعالى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة؟!
افتتحت بالسؤال عن الأنفال ولم تأت الإجابة عنه إلا في آخر السورة في رسالة عتاب رقيقة لجيل النصر الأول جيل البدريين الكرام: لستم أنتم من يسأل ويسعى لغنيمة هي من لعاع الدنيا مهما كبرت فلا يلهكم التكاثر بالغنائم عن الهدف الأسمى في نصرة الدين.
وهنا السؤال لنا: ما الأنفال التي تصرفنا كل يوم عن تحقيق الهدف الأسمى الذي خلقنا لأجله الحياة في سبيل الله والموت في سبيله؟!
ما حظنا من هذه الآيات؟
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم
وأطيعوا الله ورسوله
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
واتقوا فتنة
لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم
وكم فينا من صفات المؤمنين حقا؟
هل توجل قلوبنا إذا تليت الآيات؟
هل تزيدنا إيمانا؟
هل نحن على ربنا متوكلون؟
هل نقيم الصلاة وننفق مما رزقنا الله؟
قبل أن نطلب النصر من الله الذي إنما النصر من عنده وحده علينا أن نستجيب له حتى إذا استغثنا به لضعف عدتنا وعتادنا استجاب لنا وأمدنا بمدد من عنده سبحانه هو نعم المولى ونعم النصير…
وأختم بهذا الحديث البديع:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه – قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا».
هذا والله أعلم
سورة الأنفال
هذه السورة العظيمة يقول ابن عباس هي في بدر كلها، يعني السورة نزلت في معركة بدر وما يشبه هذه المعركة من الأحكام أي في بدء عزّ الإسلام والمسلمين. فإذا أردنا أن نتعرف على أحكام هذه المرحلة من مراحل الأمم والشعوب والدول علينا أن نقرأ سورة الأنفال.
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١﴾ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾)
هذه السورة العظيمة حينما نقرأ في مطلعها ستلفت انتباهنا إلى شيء عظيم يدفعنا للتساؤل لِمَ بدأ الله عز وجل هذه السورة بهذا المطلع؟ الله عز وجل يقول (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) الأنفال هي الغنائم التي حصلت من دون معركة من دون قتال فالصحابة يسالون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأنفال فجاء الجواب (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ولم يبيّن الله سبحانه وتعالى حُكم الأنفال هنا في مطلع السورة وإنما قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لماذا هذا المطلع؟ لأن القضية الأهم والأكبر إذا أردنا أن ننتصر على أعدائا ليس هو في الغنائم ولا في حكم الأنفال وإنما إذا أردتم أن تنتصروا انتصاراً حقاً ترفع به راية المسلمين خفّاقة في العالمين فأول ما يكون من أمورنا (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) لا بد أن نصلح قلوبنا أن نصلح ذات بيننا إذا أردنا أن ننصر ديننا ولذلك جاءت سورة الأنفال وهي تؤكد هذه الحقيقة تأكيداً واضحاً في أولها وفي وسطها وفي نهايتها، كل ذلك يؤكد الله عز وجل على سلامة القلوب إذا أردنا أن ننتصر على أعدائنا.
سنحيا بسورة الأنفال وسننتصر بسورة الأنفال ولكن كيف؟ سورة الأنفال تدور على سلامة القلب وعلى الألفة بين المؤمنين. يقول سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) بأي شيء أيّده جلّ وعلا قال (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (63)) لو أنفقت ما في الأرض جميعاً يا محمد ما ألفت بين قلب أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة وأولئك الصحب الكرام (وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ما أعظم أن تكون القلوب متآلفة متصاحبة كل قلب يميل ويحنّ على القلب الآخر بين الفئةالمؤمنة المسلمة في الأسرة الواحدة في العشيرة الواحدة بل في الوطن الواحد بل في الأمة كلها أن تكون القلوب كل قلب ينظر إلى الآخر بشفقة ورحمة وتؤدة وطلب للخير والعافية والرحمة للقلب الآخر.
كيف كان السلف يعيشون مع هذه الآية؟ جاء عن الإمام مجاهد إمام التفسير وقد كان يتكلم عن هذه الآية العظيمة (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) فقال رجل كان عند مجاهد يا إمام ما أهون هذا! قال سبحان الله كيف تقول هذا سهال والله عز وجل يقول (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) ولذلك حينما يقول الرسول r صلى الله عليه وسلم في مسألة المصافحة: إذا تصافح المؤمنان تحاتت خطاياهما كما تتحات أوراق الشجر (والحديث مرسَل ولكن معناه صحيح) والناس تقول هذا سهل يصافح أحداًويقول تحاتت الخطايا ما بقي شيء. قبل أن تتصافح هذه اليدي لا بد أن تتصافح هذه القلوب، قبل أن تبيض وتُغسل هذه الأكفّ يجب أن نغسل وأن نبيض قلوبنا إن هذا الدين دين قلب قبل أن يكون دين جوارح فلا بد منهما معاً ولذلك لما نزلت هذه الآية العظيمة يمتن الله تعالى بها على نبيه وخليله محمداً صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن نستشعر أنه لن تصلح أحوالنا ولن ننتصر على أعدائنا حتى نحقق هذا المطلب العظيم (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
سورة الأنفال حياة وسورة الأنفال إنما هي في بدر كلها فإذا كان الأمر كذلك فتعال إلى شيء من أسباب النصر الذي بسببه الله عز وجل يجعل هذه الأمة منصورة، حينما ختم الله عز وجل سورة الأنفال قال في آخرها (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ (72)) من هؤلاء؟ أولئك المستضعفون أولئك الذين اعتدى عليهم جبار من جبابرة الأرض إما أنه اعتدى على دمائهم بالقتل وإما على أراضيهم بالسرقة وإما على أموالهم بالنهب وإما على أعراضهم بالاعتداء عليها بأي نوع من أنواع الظلم فهنا ما الذي يجب علينا وعلى حكام المسلمين وعلى عموم الناس وعلى علمائهم ومقفيهم وكل واحد منهم؟ لا بد أن ننصر إخواننا المستضعفين. بعض الناس إذا قلت له أولئك المسلمون حصل لهم شيء مصيبة من المصائب في غزة في أفغانستان في لبنان في تونس في اليمن لا بد أن ننصرهم فيقول ما علينا منهم، هذه دول هي المسؤولة عنهم لهم ظروفهم ونحن لنا ظروفنا ويبدأ يتعلل لئلا يفعل واجب الله بأن ننصرهم. هنا ثق أنك لن تُنصر إلا بنصرتهم ولن تُرزق إلا بالنفقة عليهم ولذلك صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم. إذا كان عندنا ضعفاء في بلادنا أو في بلاد المسلمين بل إن الظلم يجب أن يُرفع حتى عن الكافر إن استطعنا أن نرفع الظلم عنه. فجاءت الآية هنا في سياق أسباب النصر (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) تريدو النصر من الله؟! إذن اُنصر ذلك الضعيف، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ننام في بيوتنا مطمئنين آمنين ولنا إخوان من شرق وشمال وغرب وجنوب يعانون الأمرّين يعانون من الظلم يعانون من التخويف يعانون أحياناً من القتل والاعتداء والسجن، لا يجوز هذا أبداً! ولنعلم حكّاماً ومحكومين إن فعلنا ذلك والله لا ينصرنا الله!
قصة آية – (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال)
اليوم سنتوقف عند آية في سورة الأنفال تتحدث عن الاستغفار وأن الاستغفار أمانٌ للمجتمعات المسلمة من وقوع عقاب الله تعالى وعذابه. قصة الاستغفار قصة جميلة في القرآن الكريم ولو أتينا نستعرض الآيات القرآنية التي أمر الله فيها بالاستغفار وذكر فيها فوائد الاستغفار وذكر فيها عاقبة المستغفرين لطال بنا الحديث. لكن من الآيات المشهورة في في هذا في قوله سبحانه وتعالى في قصة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾ نوح) وفي قوله سبحانه وتعالى (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (3) هود) فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمروا قومهم بالاستغفار والتوبة والرجوع والإنابة والله سبحانه وتعالى يحب المستغفرين، يحب أن عبده يستغفره “استغفر الله، أستغفر الله” الله سبحانه وتعالى يحب هذا. والاستغفار ليس بالضرورة أن يكون عن ذنب فإن الإنسان لتقصيره في حق الله سبحانه وتعالى لا يكاد ينفك عن الذنب لأنه لا يملأ كل لحظة من لحظات حياته بطاعة يتقرب بها إلى الله. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في المجلس الواحد ويستغفر في اليوم أكثر من مئة مرة وفي روايات يستغفر سبعين مرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للمؤمنين والملائكة عليهم السلام يستغفرون لمن في الأرض. فقصة الاستغفار قصة طويلة نسأل الله أن يغفر لنا جميعاً وأن يعيننا على الاكثار من الاستغفار.
هذه الآية في سورة الأنفال لها قصة، النبي صلى الله عليه وسلم واجه من المشركين شدّة لا يعلمها إلا الله وإهانات ومضايقات، يُراد له بأيّ وسيلة أن يتوقف عن هذه الدعوة ولكن لم تفلح كل المحاولات في صدّه عليه الصلاة والسلام واستمر، ولو حصل أنه توقف عليه الصلاة والسلام هذه الدعوة لما بلغنا نحن الإسلام! لكن صبر عليه الصلاة والسلام وأدّى الرسالة وجاهد وصبر ولذلك يقال لنا اليوم أنا وأنتم مسلمون والمسلمون في أنحاء الأرض بالملايين وكلهم في موازين حسنات النبي صلى الله عليه وسلم. أيّ استغفار حتى الكلام الذي أقوله للناس الآن عبر الشاشة في موازين النبي صلى الله عليه وسلم لأننا كلنا نأخذ منه عليه الصلاة والسلام بل المزية إن كان لنا مزية ولكلامنا مزية فهو لأننا أخذنا منه ولأننا تلاميذ في هذه المدرسة وهذا هو الفخر الحقيقي للمسلم أن يكون تلميذاً في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهذه السُنة (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿٤﴾ النجم) ولذلك نحن نشعر بالثقة نحن نتكلم ونحن واثقون من أنفسنا وواثقون مما نقول لأننا أخذناه من هذا المصدر الموثوق.
يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) يعني المشركين (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فجعل أمانين لهؤلاء: وجود النبي صلى الله عليه وسلم صمام أمان لا يمكن أن يأتي عذاب يستأصل الناس والنبي فيهم. ولذلك لم تعذّب أمة من الأمم ورسولها فيها وإنما يؤمر النبي بأن يخرج حتى يقع العذاب “فاخرج أنت وأسرتك أو أنت وأتباعك” ثم يأتيهم العذاب. ولذلك نوح عليه الصلاة والسلام أمره الله بأن يصنع السفينة وأن يركب فيها ومن معه من المؤمنين وأن يأخذ فيها من كل زوجين اثنين ثم جاءهم العذاب فهلكوا كلهم حتى زوجته وولده. هود عليه الصلاة والسلام أيضاً جاءتهم الصيحة، خرج، صالح، لوط، كلهم خرجوا فوقع العذاب ولو بقي النبي فيهم ما أصابهم العذاب لأن النبي أمَنَة لقومه والنبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك. ولذلك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قصة هذه الآية وقبلها البخاري ومسلم رووا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، انظر هذا المغفل!! بدل أن يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لكن خذلان والعياذ بالله! حتى يعلم الإنسان أن المسألة ليس فيها ذكاء ولا فيها وجاهة وإنما توفيق وهداية من الله سبحانه وتعالى وإلا أبو جهل بن هشام كان من شيوخ قريش الكبار فدعا بهذه الدعوة فقال الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهاجر إلى المدينة وجاء أبو جهل ومن معه من المشركين في معركة بدر قضى الله تعالى عليه بتلك المعركة ولذلك من اللطائف الجميلة أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لرجل من سبأ من اليمن فقال له من أين أنت؟ قال من اليمن، قال أنت من قوم سبأ؟ قال نعم، قال ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة – يقصد بلقيس رضي الله عنها بلقيس عندما آمنت وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، فردّ عليه الرجل اليمني رداً مفحماً فقال له: بل أجهل من قومي قومك قريش عندما قالوا (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) هلّا قالوا فاهدنا إليه.
الشاهد أن هذه الآية لها قصة وهي أن أبا جهل ومن معه كانوا يقولون (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فقال الله لا يمكن أن نفعل بهم ذلك يا محمد وأنت فيهم، حتى وأنت بين هؤلاء المكذبين المشركين أنت أمانٌ لهم فلما أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة وهاجر هزمهم الله في بدر وقتلهم. وانظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى وحلمه بالرغم من قولهم (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الأنفال) إلا أن الله لطف بهم وترك لهم مجالاً حتى يرجعوا إلى الحق ولذلك أسلم كثير منهم، أسلم كثير من كبار قريش وأيضاً أسلم كثير من أبنائهم وعلى سبيل المثال أبو جهل هذا يعتبر فرعون هذه الأمة مناصبة العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وتعذيباً لأتباعه ابنه عكرمة رضي الله عنه دخل في الإسلام وأصبح من قوّاد الإسلام الكبار عكرمة بن أبي جهل وهو من قوّاد الإسلام الكبار. خالد بن الوليد رضي الله عنه أبوه الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿١١﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿١٢﴾وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿١٣﴾ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ﴿١٤﴾ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴿١٥﴾ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا ﴿١٦﴾ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴿١٧﴾ المدثر) ولكن ابنه خالد بن الوليد رضي الله عنه هو سيف الله المسلول. فالله سبحانه وتعالى أخرج من أصلاب هؤلاء المشركين الكافرين صحابة كراماً رضي الله عنهم هم الذين فتحوا بلاد الإسلام. خالد بن الوليد كان له دور بارز في معارك الإسلام في معركة اليمامة وفي حروب الردّة نفع الله به نفعاً عظيماً وانتصر الجيش الإسلامي بوجود خالد وحنكته وخبرته فهو رجل قائد عسكري معروف. في معركة اليرموك كان له دور بارز رضي الله عنه في قيادة الجيوش الاسلامية وهزيمة الروم، في معركة القادسية أيضاً لكن لأن عمر رضي الله عنه رأى رأياً يدل على حكمته ورأى الناس كأنهم بدأوا يغترون بخالد ويقولون ما دام خالد موجوداً لا عليكم، فقال تعالى يا خالد اِرجع وابق في الجيش وتعال يا سعد بن أبي وقاص قُد الجيش فقاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه معركة القادسية وانتصر المسلمون. ولذلك يقولون قال عمر: خشيتُ أن يتعلق الناس بخالد. عمر رضي الله عنه ذكي ومُلهم، خالد بن الوليد نفع الله به مع أن والده هو الوليد بن المغيرة كافر مات على الكفر. فلذلك هذا يفتح الأمل للدعاة أنك لا تيأس بل إذا رأيت الإنسان رأساً في الشر فترفّق لعل الله سبحانه وتعالى يجعل له رأساً في الخير وقد حدث هذا كثيراً وهناك كثير من الدعاة الآن المشهورين كانوا رؤوساً في الضلال بل وبعضهم رؤوساً في الكفر في النصرانية وفي اليهودية ثم هداه الله للإسلام بدعوة أحد من المسلمين المترفقين الطيبين الذين استطاعوا أن يوصلوا الإسلام له بطريقة أو بأخرى فأصبح هذا الذي كان رأساً في الضلال أصبح من كبار الدعاة وأصبح يتحمس بشكل لا تتصوره. والله قد لقيت رجلاً من كبار الدعاة المعروفين الآن كان رأساً في الكفر وفي النصرانية وفي التثليث وصباح مساء يقول إن الله له ولد والله ثالث ثلاثة ثم هداه الله للإسلام، والله ربما ينام في اليوم ثلاث أربع ساعات على الأكثر وباقي وقته في الدعوة إلى الله بشكل، سألته كم لك منذ أسلمت؟ يقول سبع سنوات فقط والله إن له من الجهود والتأثير تقول أن له سبعين سنة. فالداعية البصير الموفق يستثمر مثل هذه الإشارات الموجودة في القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في التلطّف والترفّق بالناس (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ولذلك نذكر آية في قوله سبحانه وتعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران). في سورة الجمعة ذكر الله تعالى حال بعض الصحابة عندما قال (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا (11) الجمعة) كانوا مجتمعين ومتحلقين حول النبي صلى الله عليه وسلم ثم انفضوا كلهم. فالله سبحانه وتعالى يقول لولا أنك يا محمد لطيف مع الصحابة وطيب ومتواضع ولين الجانب تبتسم وتحسن القول لهذا، أحياناً بعض الأعراب يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل في الإسلام فيغلظ القول فيثور الصحابة فيقول الرسول r صلى الله عليه وسلم خلّوا بيني وبينه أنا أتفاهم وإياه. وجاء رجل أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم ودخل وبال في المسجد، موقف لا يُحتمل! تخيل الواحد الآن يترك المنطقة كلها ويتبول داخل المسجد، ضاقت عليك الدنيا! فالصحابة رضي الله عنهم قاموا عليه وأرادوا أن يضربوه فقال النبي لا تزرموه، اُتركوه حتى يقضي حاجته، ثم قال له يا أعرابي إن هذه البيوت ليست لهذا وإنما هي للصلاة وذكر الله وقرآءة القرآن وأمرهم أن يأتوا بدلو ماء ويرهقوا عليه وانتهى الأمر بكل بساطة. هذه المدرسة التي نريد أن نتعلم فيها ونجعلها قدوة ولا ننفّر الناس من الدين ونأخذ الناس بالتي هي أحسن. أولاً هذا هو أمر الله سبحانه وتعالى والأمر الثاني أن هذا هو الذي ينفع أما الشدة والقسوة والعنف ما تنفع خاصة أنك تدعو الناس لأن يعتنقوا شيئاً بقلوبهم والناس لا يعتنقوا شيئاً بقلوبهم بالعصا تضربه تقول له غصباً عنهم ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذه قاعدة (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) قد تبين والإنسان يختار ثم يصبر على ما يختار إن اختار الحق يبشر بالخير وإن اختار الباطل قيصبر على ما يترتب عليه. أيضاً قوله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) هي رسالة لكل من يقرأ القرآن الكريم أن يُكثر من الاستغفار وقتك لا بد أن تعمره بالاستغفار والنبي صلى الله عليه وسلم عظّم من شأن الاستغفار وقال والله إني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة والصحابة كانوا يرون هذا منه وعائشة رضي الله عنها تقول ما أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر وذكرت أنه منذ أن نزل عليه قول الله تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾ النصر) والله سبحانه وتعالى يقول (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ (43) الأنعام) الله يحب أن يرى العبد يتضرع ويستغفر ويلجأ ويُكثر من الاستغفار لكي يغفر له ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي أن رجلاً أذنب فقال استغفر الله، فقال الله سبحانه وتعالى عبدي وعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا اِشهدوا أني قد غفرت له. ولذلك الشيطان يريد أن يظفر منك يقول لك أنت استغفرت مرة وستستحي من ربي أذنب واستغفر ودّ الشيطان أن يظفر منا بهذا أن يقول الإنسان أنا أذنبت واستغفرت أكثر من مرة فلتستحي ما عدت أستغفر، لا تترك الاستغفار ولو أذنبت مليون مرة فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر. وفوائد الاستغفار (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾ نوح) الكل يطلب الخير والرزق فهو من نتائج الاستغفار وأيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً ووالله إنها مجرّبة، أحياناً تضيق على الإنسان بعض الظروف والإنسان لا ينفك عن كربات في الدنيا ما دمت تعيش في الدنيا تتوقع المصاعب والكربات والمشاكل في الاختبارات في الوظيفة في الزوجة في الولد الإنسان مبتلى لكن والله أن الاستغفار سبحان الله العظيم يفرّج الله به الكربات ويقضي به الحاجات وتشعر بتيسير الله سبحانه وتعالى من حيث لا تحتسب فصدق الله سبحانه وتعالى وصدق وعده ونسأله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الاستغفار وأن يجعلنا من المستغفرين وأن يكفينا شرور أنفسنا وشر النسيان ولذلك يلزم الإنسان الاستغفار حتى يقول الناس عنه موسوس من كثرة ما يستغفر الله خاصة وأنت في سيارتك، في مكان انتظار، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم اللهج ولزوم الاستغفار حتى نلقاه سبحانه وتعالى وقد غفر لنا ذنوبنا ولو كانت مثل زبد البحر فإنه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً والحمد لله على هذا الفضل العظيم.