البشائر

البشائر – الحلقة 16

اسلاميات

البشارة السادسة عشرة:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) الاحزاب)

شلن مُفرِح للنفس أن يمدحك مادح فما بالك إن كان هذا المادح شاعراً يجيد الشعر ويمدحك مدحاً يُجلّي فيه صفاتك الكريمة أو ما بالك إن كان هذا المادح وجيهاً من وجهاء الأمة أو وزيراً أو ملكاً. تخيّل إذا كان الملك هو الذي يمتدحك أمام كل جلسائه وشعبه كله والشعب كله يسمع الملك وهو يمتدحك ويُثني عليك وخاصة إذا امتدحك الملك أمام عِلية القوم هكذا يقال صلّى الملك على فلان أي امتدحه أمام أرقى حاشيته ووجهاء قومه هكذا هي صلاة الملوك.

فرب العالمين يُثني عليك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) الاحزاب) أيُّ مجدٍ هذا أن يذكرك الله تعالى في الملأ الأعلى؟! جعل الله تعالى لكل العبادات سقفاً وزمناً وحدّاً تنتهي اليه كالصلاة محددة والحج محدد والزكاة محددة وهكذا كل العبادات حددها الله تعالى كمّاً وكيفاً ونُهينا عن الإفراط فيها إلا الذِكر هذه العبادة العظيمة لم يجعل الله تعالى له حدّاً معلوماً بل قال ادعوني حتى يقال مجانين (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) بالسِرّ والعلن مطلق الفعل بالكمّ والكيف.

هذه العبادة هي مدح الله تعالى وإذا امتدحت الله يمدحك وإذا مدحك الله تعالى وهي صلاته عليك يسّر لك أسباب الهداية وأخرجك من ظلمات الشرك والجهل والغفلة والضلال. وأصبحت من عباد الله الصالحين وأصبحت فيمن عنده سبحانه ويكفي أن تعلم أن الله تعالى يقول كما جاء في حديث الرسول r (عن ابي هريرة) : يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب اليّ شبراً تقربت اليه ذراعاً وإن تقرب مني ذراعاً تقربت اليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة . حيثما ذكرت الله تعالى بالكمّ والكيف فهو يُثني عليك مثل ذلك (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) وقوله تعالى كان بالمؤمنين رحيماً تعني أن رحمة الله تعالى الملك القادر تغطي النِعَم وتحصي لك كل ما تريد.

فرب العالمين يُثني على عباده تخيّل رجلً يصلي بالليل والناس نيام فالله تعالى عز وجل يُشهد ملائكته والملأ الأعلى حملة العرش ومن حوله والأنبياء الذين في السموات ويقول: انظروا الى عبدي هذا هجر فراش حبيبه من أجلي. ماذا تتخيل أن يعطي الله تعالى لهذا القائم في الليل يتهجد وقد أثنى عليه تعالى في الملأ الأعلى؟ عطاء لا يمكن أن تدركه العقول والله تعالى قال في من يقومون الليل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) السجدة) فجاء قوله تعالى بعدها (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)) هؤلاء أثنى عليهم الله تعالى والذي يُثني عليه الملك أمام الملأ لا بد أن تكون ثنيّة عظيمة لا تدركها عقول الحاشية والملأ.

أخبرنا r عن رجل كان يقاتل في سبيل الله وكان القتال شرساً والضغط عظيماًَ وهرب الجند وانسحبوا وهذا من حقهم إلا أنه هو بقي واحداً وصمد بنفسه فإما أن ينتصر وإما أن يُقتل فيقول تعالى: انظروا الى عبدي هذا صبر لي بنفسه ولو شاء لهرب.

وما أكثر ما يُني الله تعالى على عباده الذين يقومون بأعمال عظيمة غير قيام الليل والثبات في المعركة إن لم تكن قادراً على هذه الأعمال ومثال ذلك أن تبقى بين صلاة المغرب والعشاء في المسجد وهذا هو الرباط: رجل صلى المغرب وانتظر في المسجد لكي يصلي العشاء هذا الرجل في أشرف الأوقات وهو بين صلاتين يقول تعالى فيه: انظروا الى عبادي فرغوا من صلاة ينتظرون أخرى أُشهدكم أني قد غفرت لهم.

الأعمال التي يُني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى كثيرة وعلينا أن نتقصاها ولنعلم أن الله تعالى إذا أثنى علينا أعطانا أكثر مما يعطيه أي ملك في الأرض من رفعة درجة ومغفرة وعطاء وجنان لا حصر لها.

 ولذلك جاء الذِكر من أعظم العبادات فهو كما ذكرنا عبادة غير محددة كمّاً وكيفاً كباقي العبادات ويمكنك أن تذكر الله تعالى كما تشاء وقال تعالى: “أنا جليس من ذكرني” تأمل نزوله سبحانه بما يليق بذاته ليجلس مع من يذكره ولهذا قال r في الحديث: ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من انفاق الوِرق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال ذِكر الله. لأن ذكر الله تعالى سبب أن يصلي الله تعالى عليك ويُثني عليك فإذا أثنى عليك نظر إليك وإذا نظر إليك لا يعذبك ويقول افعل ما شئت فقد غفرت لك. وذِكر الله تعالى شأن الصالحين والذاكرين والذاكرات وعندما سُئل رسول الله r أن يعلّم الصحابة عبادة لا يسألوه غيرها قال: فليكن لسانك رطباً بذكر الله. وقال r : ذهب الذاكرون بكل خير.

فما عليك إلا أن يكون لك وردٌ يومي مثلاً من قال سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مئة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل رمل عالج، أو كما قال r لأبي هريرة : بشّر من تلقاه أنه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتبت له مئة حسنة ومحيت عنه مئة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وكذلك الصلاة على النبي فقد قال r: أولاكم بي يوم القيامة وأدناكم مني مجلساً أكثركم عليّ صلاة. فعليك أن تتبع هذه المأثورات وتختار لك عدداً من الأدعية والأذكار واختر منها ما يتناسب مع ظرفك ولا تنساها وتذكر أن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ.