البشائر

البشائر – الحلقة 28

اسلاميات

البشارة الثامنة والعشرون:

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر) جميعاً بدون استثناء. لماذا استثنى تعالى في آية أخرى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) النساء) ؟ ليس هناك تناقض بينهما فالآية الأولى تتحدث عن ذنوب المؤمنين وليس من ذنوبهم الشِرك لأنهم لا يشركون فالمؤمن قد يُخطيء خطأ أو يرتكب معصية أو يرتكب ذنباً لكنه لا يُشرك بالله تعالى أما الشِرك فهو ذنب الذي لم يؤمن أصلاً وهو أخطر جريمة على وجه الأرض. المشرك لا يُحسب عليه عمل لأن التوحيد شرط قبول العمل من أجل هذا رب العالمين يغفر للمؤمن حميع ذنوبه ولا يغفر للمشرك شركه.

فالآية الثانية تتعلق بالمشركين والله تعالى يغفر للمؤمني كل شيء (كما في الآية الأولى) ولا يغفر للمشركين (إن الله لا يغفر أن يشرك به).

والله تعالى في قوله (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) فإياك أن تقنط من رحمة الله تعالى أو تيأس ولا يوجد بشارة أهم من هذه البشارة فمهما عظم ذنبك أو ارتكبت من المعاصي حتى لو عصيت الله تعالى ألف عام عليك أن تفِرّ الى الله تعالى فسيغفر لك ذنوبك جميعاً ونذكر قصة الرجل الذي قتل مئة نفس وقبل الله تعالى توبته لمجرد أنه توجه ليتوب ولم يصل الى موقع التوبة ولكنه كان صادقاً في توجهه فمات في الطريق فغفر الله تعالى كل ذنوبه. ونذكر أن الله تعالى غفر لبغيّ بسقيا كلب. والرسول r لنا أن الله تعالى يغفر الذنوب حتى ولو كانت مثل قراب الأرض. ولقد مًنِعنا منعاً باتاً من اليأس والقنوط فالقنوط ذنب عظيم فإذا قلت كيف يغفر الله كل هذه الذنوب فتكون قد اتهمت الله تعالى في كرمه وسخائه والحديث القدسي: عبدي لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً جئتك بمثل قرابها مغفرة. ويقول r: إن منكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.

هذا كرم الله تعالى وهذه بشارة عظيمة (لا تقنطوا من رحمة الله) هذا يدلنا على سخف من يتهم مذنباً أو خطّاء ويحتقره إلى أن يقنطه من رحمة الله تعالى فيعاديه ويشتمه ويشنّعه وحينها يتدخل الله تعالى ويضع أحدهما مكان الآخر كما ذكرنا في حديث سابق “من ذا الذي يتألى عليّ؟ وعزتي وجلالي لأغفرن له وأدخله الجنة وأدخلك النار”.

ما دام باب التوبة مفتوحاً وما دام رب هذا الباب بهذا الكرم فعلام تُحقّر مذنباً ولو شاء لجعلك الله تعالى مكانه وابتلاك بمثل ما ابتلاه فعلينا أن نُحسن التعامل مع الخطائين ولنعلم أننا جميعاً سندخل من باب التوبة المفتوح هذا الباب الذي لولاه لما نجا منّا أحد.