البشارة التاسعة:
ان من اشدّ الساعات كآبة ورعباً على أي متهم يُحقق معه هو أن يحقق معه في غرفة مظلمة لا يدري من أين تأتيه الضربة. هذه الصورة هي ما يعانيه المتهون في كثير من السجون في العالم وشاءت مشيئة الله تعالى أن يكون التحقيق في ساحة المحشر على هذا النحو.
جاء يهودي الى رسول الله r قال: أين يكون الناس يوم القيامة؟ فأجابه رسول الله r في الظلمة دون الجشر فقال أشهد أنك رسول الله فإن هذا لا يعرفه إلا نبي. والجسر هو قبل الصراط ونحاسب قبل أن ندخل الصراط وساحة الحساب ظلام دامس ذلك من اسباب قوله تعالى (لا يحزنهم الفزع الأكبر) هم شريحة من عباد الله تعالى يهبهم الله تعالى نوراُ يسعى بين أيديهم وبأيمانهم (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الحديد) إذن الساعة والساحة يوم المحشر ظلمة وهذا فزع عظيم فالكون كما نعرف الأصل فيه الظلمة والنور طارئ هكذا الأمر يوم القيامة إلا أن بعض عباد الله تعالى يهبهم نوراً على قدر أعمالهم فمنهم من يغمره النور كله ومنهم من يغمر بعضه ومنهم من يأتي النور على ابهام قدمه هذا النور هو الذي يجعل الأمر محتملاً في تلك الساعة المظلمة حتى في تلك الساعة هذا النور يأتي بالدعاء ولا بد أن يكون هناك دعاء تستمطر به رحمة الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم) حتى هذا النور ولو أن له اسباباً من العبادات في الدنيا لكنه يأتي يوم القيامة بأن تدعو الله تعالى أن يُتم لك نورك.
إذا كان النور متفاوتاً يوم القيامة فما هي الأعمال التي تجعله تاماً؟ وإذا تم النور فقد رضي الله تعالى عنك ونظر اليك وإذا نظر الله تعالى للعبد لا يعذبه أبداً.
أسباب النور التام يوم القيامة سهلة لمن سهّلها الله تعالى عليه وهي:
-
أن تصلي الصبح والعشاء في جماعة في المسجد. يقول r :بشّر المشّائين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة” فصلاة الظلمة أو العتمة هما في الغالب تتمان في الظلمة وما زال في معظم ديار المسلمين الكثير من القرى والأرياف ليس فيها كهرباء حتى بعض المدن التي فيها حروب ليس فيها كهرباء ويعاني الناس من الوصول الى المساجد في الظُلَم حتى من عنده كهرباء. والحديث يدلّ على حرص الرسول r على حرص المسلم على تأدية صلاة الصبح والعشاء في المسجد وفي الحديث: من صلّى أربعين يوماً في الجماعة لا تفوته الركعة الأولى كُتبت له براءة من النار ومن صلى أربعين يوماً صلاة الصبح والعشاء في الجماعة لا تفوته الركعة الأولى كُتبت له براءتان من النفاق ومن النار. ويقول الصالحون لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحبُ إلي من أن أقوم كل الليل. ولو قمت كل الليل تهجداً ثم صليت الصبح في بيتك فهو أقل من أن تنام كل الليل وتصلي الصبح في جماعة في المسجد. هكذا هي صلاة الصبح وهي صلاة الأبرار قال تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) قرآن الفجر اي صلاة الصبح تشهده الملائكة والأحاديث في فضل صلاة الصبح والعشاء في المسجد كثيرة.
-
من اساليب النور التام يوم القيامة الفقراء الذين يموتون وحاجتهم في صدورهم. رجل فقير لا يكفيه رزقه ولكنه عفيف متعفف لا يستجدي ويدبر أموره بأقل التكاليف حتى و عاش سبعين سنة يموت ولم يحقق كثيراً مما يحتاجه فيموت وحاجته في صدره لا يستطيع تنفيذها ومن عفّته لا يستجدي الناس ولا يسألهم. هؤلاء يحمع بهم من آفاق الدنيا ثم يحشرون يوم القيامة على منابر من نور وجوههم نور وثيابهم نور.
-
ومن أسباب النور التام يوم القيامة القرآن فهو نور لأهله وأهله من استظهر البقرة وآل عمران ومن استظهر القرآن كله فهو من أهل الله وخاصته. والأحاديث في فضل حفظ سورة البقرة وآل عمران كثيرة منها: عليكم بالزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير يدافعان عن صاحبهما. فالحد الأدنى من القرآن الكريم يسبب لصاحبه نوراً يوم القيامة في ذلك المكان المظلم الذي يدعو المؤمنون ربهم باتمام النور.
-
ومن أسباب النور التام يوم القيامة المتحابون في الله كما قال r: قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء قالوا من هم يا رسول الله؟ قال المتحابون في الله. هذه المحبة في الله يدنون من الله تعالى دنواً يغبطهم عليه الأنبياء والشهداء وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله أخوان متحابان في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه.
هذه مجموعة من الأعمال علينا أن نتقنها ونحسنها حينئذ نأتي يوم القيامة برحمة الله تعالى وغفرته ورحمته التي وسعت كل شيء نأتي وجوهنا نور وعن أيماننا نور فلا نشعر بخوف ولا فزع ولا رهبة. أسأل الله تعالى أن يهدينا لأن نكون من أصحاب النور يوم القيامة.