هذه السورة تركّز على مظهر آخر من المظاهر المادية, ألا وهو مظهر التمكين والسلطة (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) آية 27 , وعرضت السورة قصة فرعون وقومه وما حلّ بهم من العذاب بسبب الطغيان والإجرام, وكيف تركوا كل آثارهم وقصورهم وحدائقهم بسبب ما حلّ بهم من ضياع وتشرد بسبب طغيانهم في الأرض وعصيانهم لأوامر الله بعد أن مكّنهم الله في الأرض فلم يحافظوا على الأمانة واستكبروا بما أعطاهم الله تعالى, فكان عاقبتهم الهلاك والضياع.
في أولها (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)) وفي آخرها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)) الكلام في البداية عن القرآن (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)) وآخرها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)) أيضاً عن القرآن. وفي أولها (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)) وفي آخرها (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)) صاحب الشك يترقب ماذا سيحصل له. ارتقب بمعنى انتظر. هم في شك فارتقب إنهم مرتقبون، الشك يترقب ماذا سيحصل؟. هم وهو، أخبر عنهم ثم أمره، هم في شك أنت ارتقب ماذا سوف يحصل في شكهم ما نتيجة هذا الشك؟ ما مآله؟ هم في شك فارتقب أنت.
قال تعالى في خواتيم الزخرف: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)), وفي أوائل الدخان قال تعالى: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)) هذا تعميم. في خاتمة الزخرف قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)) وفي الدخان قال تعالى:(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)) أكدت وحدانية الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى في أواخر الزخرف: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)) في الدخان قال تعالى:(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)) اتركهم وانظر نهايتهم.
في خاتمة الدخان قال تعالى:(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)) الكتاب, وفي الجاثية تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) الكلام عن الكتاب. قال تعالى في الدخان:(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وذكر في أول الجاثية ما يدعو إلى التذكّر (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)) بيّن وذكر أموراً تدعو إلى التذكّر؛ قال تعالى:(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) في خاتمة الدخان وبيّن في الجاثية ما يدعو إلى التذكر من الأمور التي ينبغي النظر إليها.
لماذا لم تأت هذه التكملة مع النسق الذي سبقها من آي القرآن الكريم في السورة السابقة؟
هي الآن في موطنها هي ترتبط من ناحيتين ترتبط في سياق السورة ذاتها بالآية التي قبلها والآية التي بعدها وفي سياق الآية هذا من ناحية وترتبط من ناحية أخرى بالسورة التي قبلها، إذن هنالك تناسب الآيات والسور الآيات متناسبة والسور أيضاً متناسبة وذكرنا سابقاً تناسب أول السورة مع خاتمتها لكن كل موضع يكون في سياقه. يعني الآية مترابطة مع الآية التي قبلها والتي بعدها والسورة كلها مترابطة مع بعضها ومترابطة مع السورة التي قبلها والسورة التي بعدها.