سور القرآن الكريم

سُوَرِة الرَّحمن

هدف السورة: التعرف إلى الله تعالى من خلال النعم

سورة الرحمن مكّية وهي تعرف بـ (عروس القرآن) كما ورد في الحيث الشريف: (لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن). وقد ابتدأت بتعداد نعم الله تعالى على عباده التي لا تحصى ولا تعد وفي طليعتها تعليم القرآن. ثم أسهبت الآيات في ذكر نعم الله تعالى وآلائه في الكون وفي ما خلق فيه (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) آية 7، و (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) آية 10، و (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) آية 12، و (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) آية 19. ثم عرضت السورة لحال المجرمين (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) آية 41 وحال المتقين السعداء (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) آية 46 وتكرر فيها ذكر (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وردت 31 مرة في السورة. وقد ورد في الحديث عن ابن عمر أن رسول الله قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا فقال: ما لي أسمع الجنّ أحسن جواباً لربها منكم؟ ما أتيت على قول الله تعالى (قبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا: لا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.

فكيف نختار بعد أن تعرّفنا على كل هذه النعم من الله تبارك وتعالى؟

وهذ السورة هي أول سورة في القرآن موجهة إلى الجنّ والإنس معاً وفيها خطاب مباشر للجن (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) آية 31 إلى 33.

وختمت السورة بتمجيد الله تعالى والثناء عليه لأن النعم تستحق الثناء على المنعم وهو أنسب ختام لسورة سميّت باسم من أسماء الله الحسنى (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) آية 78 وهذا الختام يتناسب مع البداية في أروع صور البيان.

تناسب فواتح سورة الرحمن مع خواتيمها

السورة الخامسة والخمسين في أولها (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) إذن ذكر أولاً خلق الإنسان وفي نهايتها ذكر نهاية الإنسان. هنا بداية الخلق وهناك نهاية الخلق (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)). ذكر المجرمين (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44)) وذكر المتقين في آخرها (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)) (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)) (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)). بدأت باسمه الجليل (الرَّحْمَنُ (1)) وانتهت (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78))، الرحمن علم القرآن تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، تعظيم لصفاته سبحانه وتعالى. إذن ذكر خلق الإنسان أولاً ذكر نهاية الإنسان المتقي والمشرك، ابتدأ بالرحمن ثم انتهى بتعظيمه سبحانه وتعالى: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)).

تناسب خواتيم القمر مع فواتح الرحمن

قال في خاتمة سورة القمر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)) وفي بداية الرحمن قال: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) الرحمن هو المليك المقتدر وكأنها تكملة لها. فبدأ بالرحمن لأنه رحم عباده عند مليك مقتدر فرحمهم الرحمن. (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)) المليك المقتدر هو الرحمن الذي علّم القرآن فيكون مقعد صدق لمن أطاع ما في القرآن.

تناسب خواتيم الرحمن مع فواتح الواقعة

خاتمة سورة الرحمن في اليوم الآخر (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقبلها يتكلم عن أصحاب النار (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)) ومن خاف مقام ربه (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)) (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)) وفي الواقعة (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)) نفس المشهد ثم ذكر جزاء أصحاب اليمين والسابقين وأصحاب الشمال وقد ذكرهم أيضاً في سورة الرحمن.

سؤال: إذا كان هذا الأمر حتى هذه السورة مرتبط خواتيم السور ببدايات السور التي تليها فلم كانت الحاجة إلى الفصل بين السور وبعضها في القرآن الكريم طالما أنه وحدة واحدة كما يقول المستشرقون؟

السورة لها مقصد وكُتب عن وحدة السورة وهناك رسالة عن وحدة السورة والسورة لها أهدافها ومقاصدها ووحداتها مثلاً سورة البقرة ليست كسورة الرحمن وسورة النساء ليست كسورة الكهف كل سورة لها وحدة غير السورة التي تليها لكنها مرتبطة في أوائلها وأواخرها كأنها واحدة والآيات مرتبطة بعضها ببعض، الآيات داخل السورة نفسها متناسبة لكن السور ليست متشابهة لأن بعضها أحكام فالرحمن ليست مثل سورة التحريم أو الطلاق لكن هناك ارتباط وتناسب.

سؤال: هل أسماء السور توقيفية من عند الله سبحانه وتعالى؟ هكذا قرأنا في الأحاديث “فبدأ بالبقرة وآل عمران”، وسورة براءة تسمى براءة والتوبة.

في خاتمة الرحمن ذكر (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) الجنة وفي الواقعة قال (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)) تكلم في اليوم الآخر ثم ذكر جزاء السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال وذكرهم بصورة أخرى في خواتيم سورة الرحمن.

سؤال: إذا جمعنا مشاهد الجنة من القرآن كله ومشاهد النار من القرآن كله ألا نجد هنالك تكراراً أو تعارضاً؟ أبداً وقد جربت شخصياً أن آخذ قصصاً من القرآن الكريم التي هي مظنة التكرار جربت أن آخذ القصص من القرآن الكريم وأنظرها في كل ما ورد من مواطن فرأيتها أن كل واحدة تضيف معنى ولا يوجد تكرار في أي ملمح وأخذت أكثر من قصة وتابعتها في جميع ما ورد من القرآن الكريم. يمكن أن نضرب مثالاً على هذا في حلقات سابقة.

سؤال: إذن كيف نرد على من يهاجم القرآن؟ هنالك أمران إما أن الذي يهاجم القرآن يكون جاهلاً أو يكون مدفوعاً لغرض وكلامه مردود عليه وباطل. وقد كنت أرى سابقاً في الماضي أن القرآن كلام عادي وقد ذكرت هذا في مقدمة كتابة “نبوة محمد من الشك إلى اليقين” وذكرت معاناتي في هذا الأمر واتصالي بالقرآن لم يأت من فراغ.