هي سورة المتعلقين بالمظاهر المادية. وفيها تحذير من الانخداع بالمظاهر المادية. لأن الانخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الأمور فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة (لاحظ تكرار ذكر الذهب والفضة وبريقها في الآيات) لأن الأمم السابقة انخدعت واعتبرت أن متاع الحياة الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي وغاب عنهم أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي. (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آية 71، فالزخرف الحقيقي ليس زخرف الدنيا الزائل.
وتتحدث السورة عن أن مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) آية 31 في قصة إبراهيم، و(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون. وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) آية 44، (الذكر هنا بمعنى الشرف) وتحدثت الآيات عن عيسى لأنه رمز الزهد وعدم الانخداع بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63 جاء بالحكمة بدل المظاهر المادية الزائلة.
السورة كلها تتحدث عن خطورة المظاهر المادية (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) آية 67 لأن سر اختيار الصحبة في الدنيا يتوقف على المظاهر المادية لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة في الدنيا على أسس صحيحة من التقوى والحكمة لا ننخدع بالمظاهر المادية الزائفة التي ليس لها وزن ولا قيمة في الآخرة.
وقد سميّت السورة بهذا الاسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي ينخدع به الكثيرون مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولهذا فالدنيا يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار وينالها الأخيار والأشرار أما الآخرة فلا يمنحها إلا لعباده المتقين فالدنيا دار الفناء والآخرة دار البقاء.
في أولها قال: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)) هذا أولها، قال في آخرها (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)). نلاحظ: ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون كأنها متممة للآية الأولى. الإسراف في الآية أي في أعمالهم لا يرعوون بدون ضوابط يسرفون في المعاصي ويجاوزون الحدود (الإسراف مجاوزة الحد) ثم ذكر الاستهزاء (كانوا به يستهزئون) ثم قال: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)). قال في أولها أيضاً: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)) وفي أواخرها: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)) كأنها استكمال للآية الأولى من خلق السموات والأرض؟ من خلقكم؟.
سؤال: ما دلالة اختيار صفتي العزيز العليم؟
اختار صفتي العزيز العليم في الآية، هو الله بلا شك (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)) (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)) يؤفكون بمعنى يُصرَفون عن الحق. هو كأنه هو استكمال سؤال ثم ترقى للسؤال عن أنفسهم، كأنما هو سؤال آخر في موطن واحد في سياق واحد.
قال تعالى في أواخر الشورى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)) وفي أوائل الزخرف (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)). قال في الزخرف: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)) وفي الشورى: (الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) من خلق السموات والأرض؟ الذي له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم.
قال في خواتيم الزخرف: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)) وفي أوائل الدخان قال: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)) هذا تعميم. في خاتمة الزخرف قال: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)) وفي الدخان قال: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)) أكدت وحدانية الله سبحانه وتعالى.
سؤال: قد تصنع هذه الآية لبساً لمن عنده جهل باللغة العربية أن هنالك في السماء إله وفي الأرض إله؟
هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، عيّنت واحداً فيهما، هو فيهما واحد لا يتغير وضحها في الدخان (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ونسميه الاستغراق.
قال في أواخر الزخرف: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)) في الدخان قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)) اتركهم وانظر نهايتهم.