تركّز سورة الشورى على واجب من واجبات المسئولية عن المنهج ألا وهو أهمية الوحدة والحذّر من خطورة الفرقة. وأوضح أن الاختلاف وارد ومن طبيعة النفس البشرية ونتيجة اختلاف الناس وآرائهم لكنه تعالى يوضح ما هو واجب في حال الاختلاف ألا وهو التحكيم إلى الله تعالى وكتابه: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية 10، ففي الاختلاف يأمر الله تعالى بأن يرد الأمر لله أما في الفرقة فقد عاب على الأمم السابقة فرقتهم (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13. وحتى نتجنب أن تحصل أية فرقة يجب أن نأخذ ونطبق مبدأ الشورى وهذا واجب يجب الحرص عليه ، والشورى تكون في كل أمر ابتداء من تعامل البشر في بيوتهم إلى قضايا الحكم وغيرها. والشورى هي أصل من أصول الإسلام العظيمة وسياج لحماية المنهج في كل أمور الحياة لأن الخلاف حاصل ومتوقع وطبيعي. وعلى هذا المبدأ ولأهميته في الإسلام سميّت السورة بـ (الشورى) فلمنهج الشورى الأثر العظيم في حياة الفرد والمجتمع مصداقاً لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) آية 38.
السورتان الحادية والأربعون والثانية والأربعون فصلت والشورى. قال في خاتمة فصلت: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)) الكلام على القرآن وقال في بداية الشورى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)) القرآن. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)) – (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)) يؤكد أنه وحي من عند الله العزيز الحكيم (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)). (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)) أليس هذا هو العلي العظيم؟ بلى، ختم فصلت بقوله (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)) وهنا قال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)) والكلام في الموضعين على القرآن الكريم.
آية (1-2):
السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن: (د.حسام النعيمى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا 29 موضعاً، 24 منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول ابدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل 24 مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها 24 مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون 24 موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
سورة العنكبوت (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لم تذكر الكتاب والقرآن مباشرة لكن لما نمضي نجد أنه يقول (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)) وفي نهاية السورة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)) ما الحق الذي جاء به الناس؟ القرآن إذن إشارة إلى القرآن.
سورة الروم (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) لا يوجد قرآن ولا كتاب ولما نمضي نجد فيها (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)) وفي الختام (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
سورة الشورى (حم (1) عسق (2)) بعدها مباشرة (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3))) ماذا يوحي؟ يوحي القرآن. مع ذلك يقولون لم يذكر قرآن ولا كتاب وإذا جئنا إلى نهاية السورة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)) ذكر الكتاب.
سورة نون (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) ذكر القلم مباشرة (وما يسطرون) وفي الداخل (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)) وفي الآخر (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)) والذكر هو القرآن. ماذا سمعوا؟ الذكر والذكر هو القرآن.
فإذن السور الخمس جاء في داخلها القرآن وختمت بكلام على القرآن أو الكتاب إما صريح وإما بإعادة الضمير أو استعمال الذِكر فإذن ربط الأول والآخر.
القرآن مؤلف من هذه الأحرف ولا سيما في 29 موضعاً وهذا مذهبنا في ذلك اختيارنا لما قاله علماؤنا القدماء لأن القدماء عندهم أكثر من رأي وهذا رأي من آرائهم. الذي تكلمنا فيه هو مسألة ما كان آية وما لم يكن آية وهذا من جهدي، ولِمَ جاءت الكتاب هنا والقرآن هنا والعلاقة بين المقاطع هذا من الجهد الشخصي ولا يبعد أن نجد من قاله من القدماء كما قال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد توهّم
قد تقول وصلنا إلى هذا الأمر بجهد جهيد ثم تجد في حاشية من الحواشي أن أحد العلماء نبّه إلى هذه المسألة ولكن بقدر ما اطلعت عليه ما وجدته.
آية (1-2):
السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن: (د.حسام النعيمى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا 29 موضعاً، 24 منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول ابدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل 24 مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها 24 مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون 24 موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
سورة العنكبوت (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لم تذكر الكتاب والقرآن مباشرة لكن لما نمضي نجد أنه يقول (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)) وفي نهاية السورة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)) ما الحق الذي جاء به الناس؟ القرآن إذن إشارة إلى القرآن.
سورة الروم (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) لا يوجد قرآن ولا كتاب ولما نمضي نجد فيها (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)) وفي الختام (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)).
سورة الشورى (حم (1) عسق (2)) بعدها مباشرة (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3))) ماذا يوحي؟ يوحي القرآن. مع ذلك يقولون لم يذكر قرآن ولا كتاب وإذا جئنا إلى نهاية السورة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)) ذكر الكتاب.
سورة نون (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) ذكر القلم مباشرة (وما يسطرون) وفي الداخل (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)) وفي الآخر (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)) والذكر هو القرآن. ماذا سمعوا؟ الذكر والذكر هو القرآن.
فإذن السور الخمس جاء في داخلها القرآن وختمت بكلام على القرآن أو الكتاب إما صريح وإما بإعادة الضمير أو استعمال الذِكر فإذن ربط الأول والآخر.
القرآن مؤلف من هذه الأحرف ولا سيما في 29 موضعاً وهذا مذهبنا في ذلك اختيارنا لما قاله علماؤنا القدماء لأن القدماء عندهم أكثر من رأي وهذا رأي من آرائهم. الذي تكلمنا فيه هو مسألة ما كان آية وما لم يكن آية وهذا من جهدي، ولِمَ جاءت الكتاب هنا والقرآن هنا والعلاقة بين المقاطع هذا من الجهد الشخصي ولا يبعد أن نجد من قاله من القدماء كما قال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد توهّم
قد تقول وصلنا إلى هذا الأمر بجهد جهيد ثم تجد في حاشية من الحواشي أن أحد العلماء نبّه إلى هذه المسألة ولكن بقدر ما اطلعت عليه ما وجدته.
آية (11):
*(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) الشورى) ما دلالة الكاف في هذه الآية الكريمة؟(د.فاضل السامرائى)
النحاة يستشهدون بهذه الآية على زيادة الكاف. الكاف زائدة للتوكيد يعني ليس مثله شيء. ويقولون أن الكاف الداخلة على (مثل) زائدة، هذه يذكرها بعض النحاة أن الكاف الداخلة على (مثل) زائدة يقولون كمثل البدر الكاف زائدة للتوكيد لأن الكاف نفس معنى التشبيه. وقسم آخر يقول ليست زائدة وفيها كلام كثير لن نخوض فيه. لكن الذي يبدو أنها ليست زائدة. التشبيه درجات في البلاغة أعلى التشبيه أن تحذف وجه الشبه وأداة التشبيه مثل هو أسد أو هو الأسد، هي البدر،
هي الشمس مسكنُها في السماء فعزِّ الفؤاد عزاءً جميلاً
فلن تستطيع إليها الصعود ولن تستطيع إليك النزولا
هذا أعلى شيء ودونه هي كالبدر أو هي مثل البدر وهم يعتقدون أن (مثل) أعلى في التشبيه من الكاف لأن فيها معنى الموازنة، إذا جئت بأداة التشبيه ستكون دون الحذف فإن جئت بأداتي التشبيه سيكون دون ذلك أبعد، أداة تشبيه، أداتين ستكون أبعد في التشبيه. فربنا جاء بأداتي التشبيه يعني ليس كمثله شيء ولو من وجه بعيد. أداتي التشبيه أبعد وجاء بأداتي التشبيه الكاف ومثل إذن ليس له مثيل ولو من وجه بعيد فهي إذن ليست زائدة وإنما تؤدي معنى. الكاف حرف جر أبرز معنى لها وأظهر معنى هو التشبيه ولها معاني أخرى وبالتالي لا زيادة فيها وإنما جيء بها لأداء معنى. فإذن (ليس كمثله شيء) نفي المشابه ولو من وجه بعيد، لا يتبادر إلى الذهن أدنى شبه ولو من بعيد فجاء بأداتين ليس هناك شبه قريب فجاء بالكاف. لو قال خارج القرآن ليس مثله شيء تكون أقرب وليس فيها هذه الدلالة للتأكيد على نفي المثلية.
آية (11):
*(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) الشورى) ما دلالة الكاف في هذه الآية الكريمة؟(د.فاضل السامرائى)
النحاة يستشهدون بهذه الآية على زيادة الكاف. الكاف زائدة للتوكيد يعني ليس مثله شيء. ويقولون أن الكاف الداخلة على (مثل) زائدة، هذه يذكرها بعض النحاة أن الكاف الداخلة على (مثل) زائدة يقولون كمثل البدر الكاف زائدة للتوكيد لأن الكاف نفس معنى التشبيه. وقسم آخر يقول ليست زائدة وفيها كلام كثير لن نخوض فيه. لكن الذي يبدو أنها ليست زائدة. التشبيه درجات في البلاغة أعلى التشبيه أن تحذف وجه الشبه وأداة التشبيه مثل هو أسد أو هو الأسد، هي البدر،
هي الشمس مسكنُها في السماء فعزِّ الفؤاد عزاءً جميلاً
فلن تستطيع إليها الصعود ولن تستطيع إليك النزولا
هذا أعلى شيء ودونه هي كالبدر أو هي مثل البدر وهم يعتقدون أن (مثل) أعلى في التشبيه من الكاف لأن فيها معنى الموازنة، إذا جئت بأداة التشبيه ستكون دون الحذف فإن جئت بأداتي التشبيه سيكون دون ذلك أبعد، أداة تشبيه، أداتين ستكون أبعد في التشبيه. فربنا جاء بأداتي التشبيه يعني ليس كمثله شيء ولو من وجه بعيد. أداتي التشبيه أبعد وجاء بأداتي التشبيه الكاف ومثل إذن ليس له مثيل ولو من وجه بعيد فهي إذن ليست زائدة وإنما تؤدي معنى. الكاف حرف جر أبرز معنى لها وأظهر معنى هو التشبيه ولها معاني أخرى وبالتالي لا زيادة فيها وإنما جيء بها لأداء معنى. فإذن (ليس كمثله شيء) نفي المشابه ولو من وجه بعيد، لا يتبادر إلى الذهن أدنى شبه ولو من بعيد فجاء بأداتين ليس هناك شبه قريب فجاء بالكاف. لو قال خارج القرآن ليس مثله شيء تكون أقرب وليس فيها هذه الدلالة للتأكيد على نفي المثلية.
آية (13):
*ما الفرق بين استعمال (ما) و(الذي) في الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى)؟ (د.فاضل السامرائى)
كلاهما اسم موصول لكن (الذي) اسم موصول يسمونه مختص ويسمونه نصّ أيضاً لأنه يختص بالمفرد المذكر تحديداً، (ما) مشتركة هي و (من) يستعمل للمذكر والمؤنث ويستعمل للمفرد والمثنى والجمع. الفرق اللغوي بينهما أن (الذي) مختص أو نصّ (أي في معنى معين وهو المفرد المذكر) و(ما) مشترِك أو مشترَك وبهذا يقولون أن (الذي) أعرف من (ما) مع أن كلاهما معرفة لكن المختص أعرف. إذن الأسماء الموصولة كالضمائر بعضها أعرف من بعض. إذن (الذي) أعرف من (ما)، نقرأ الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) الذي أوحينا إليك هو معروف لمحمد (صلى الله عليه وسلم) كل ما جاء يعرفه، وهو القرآن الكريم أما ما وصى به نوحاً فهو غير معروف، (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) ما وصينا به إبراهيم وموسى غير معروف والتوراة ليست موجودة وكانت محرفة حتى في زمن الرسول ولا يعلم كل ما وصى به من كلمات فالقرآن أعرف مما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى ونوحاً، هذا تفسير عام وليس تحديداً نقول لا إله إلا الله كلمة عامة لكن دقائق الأمور والأحكام التي جاء بها إبراهيم موسى وعيسى ونوح لا يعرفها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فـ (الذي أوحينا) أعرف فجاء بما هو أعرف لما هو أعرف وجاء لمن دونه في المعرفة بما هو دونه بالمعرفة (ما وصى به) وكل كلمة في مكانها بحسب القاعدة.
الفرق بين الوحي والوصايا: الشريعة قد يكون فيها وحي وقد يكون فيها وصايا، مع نوح وعيسى وموسى وإبراهيم قال: (ما وصى) ومع الرسول (صلى الله عليه وسلم) استعمل (أوحينا إليك) لهذا استخدم الذي وما.
*ما الفرق بين تفرقوا وتتفرقوا في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)) وقال في سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) في الآية الأولى الوصية خالدة من زمن سيدنا نوح (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) فجاء الفعل (تتفرقوا) أما في الآية الثانية فهي خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل (تفرّقوا). السبب واضح لأن الأمة المحمدية هي جزء من الأمم الإسلامية المذكورة في الآية الأولى وآية آل عمران هي جزء والأمة المخاطبة فيها جزء من الأمم المخاطبة في آية سورة الشورى. وكذلك فالحدث ممتد في الأولى قال (تتفرقوا) والحدث محدد في الثانية فقال (تفرقوا). والملاحظ في الآية فالأولى وصية خالدة لأمة الإسلام على مدى الأزمان من زمن نزح إلى خاتم الأنبياء (ولا تتفرقوا فيه) لأن هذا هو المأتى الذي يدخل إليه أعداء الإسلام فيتفرقون به لذا جاءت الوصية خالدة مستمرة فنهاهم عن التفرّق، ونلاحظ أنه تعالى وصّى الأمم مرة ووصّى الأمة الإسلامية مرتين. والآية الأولى أشد تحذيراً للأمة الإسلامية (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك) لم يكتف بـ(شَرَع لكم) بل زاد (والذي أوحينا إليك). شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخصّ بالذي أوحينا إليك ثم خصّ الأمة الإسلامية في الآية الثانية. والحذف له سببان هنا الأول لأن الأمة المحمدية أصغر. ونهانا عن التفرّق مهما كان قليلاً وأراد ربنا تعالى أن نلتزم بهذا الأمر (لا تفرقوا) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعا) جاء بالحال المؤكِّدة (جميعاً) وأراد التشديد على الالتزام بهذا الأمر. أكد على الجمع الكامل وعلى سبيل العموم والاستغراق كأنه فرض عين على الجميع فلا يُعفى أحد من المسؤولية أن لا نتفرق وأن نعتصم بحبل الله الفرد قد يهدم أمّة كما أنه قد يبني أمة وأن لا نتفرّق هو فرض عين وليس فرض كفاية، وذكرهم بنعم الله عليهم ونهاهم عن التشبّه بمن تفرّق واختلف (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) وتوعدهم على الاختلاف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصره في الآخرة إنما قد يطالهم في الدنيا والآخرة. المصدر لا يعمل بعد وصفه وصِف بـ عظيم بمعنى اذكروا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ليست متعلقة بالعذاب العظيم. التفرّق يكون عذابه عظيماً في الدنيا والآخرة.
آية (13):
*ما الفرق بين استعمال (ما) و(الذي) في الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى)؟ (د.فاضل السامرائى)
كلاهما اسم موصول لكن (الذي) اسم موصول يسمونه مختص ويسمونه نصّ أيضاً لأنه يختص بالمفرد المذكر تحديداً، (ما) مشتركة هي و (من) يستعمل للمذكر والمؤنث ويستعمل للمفرد والمثنى والجمع. الفرق اللغوي بينهما أن (الذي) مختص أو نصّ (أي في معنى معين وهو المفرد المذكر) و(ما) مشترِك أو مشترَك وبهذا يقولون أن (الذي) أعرف من (ما) مع أن كلاهما معرفة لكن المختص أعرف. إذن الأسماء الموصولة كالضمائر بعضها أعرف من بعض. إذن (الذي) أعرف من (ما)، نقرأ الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) الذي أوحينا إليك هو معروف لمحمد (صلى الله عليه وسلم) كل ما جاء يعرفه، وهو القرآن الكريم أما ما وصى به نوحاً فهو غير معروف، (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) ما وصينا به إبراهيم وموسى غير معروف والتوراة ليست موجودة وكانت محرفة حتى في زمن الرسول ولا يعلم كل ما وصى به من كلمات فالقرآن أعرف مما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى ونوحاً، هذا تفسير عام وليس تحديداً نقول لا إله إلا الله كلمة عامة لكن دقائق الأمور والأحكام التي جاء بها إبراهيم موسى وعيسى ونوح لا يعرفها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فـ (الذي أوحينا) أعرف فجاء بما هو أعرف لما هو أعرف وجاء لمن دونه في المعرفة بما هو دونه بالمعرفة (ما وصى به) وكل كلمة في مكانها بحسب القاعدة.
الفرق بين الوحي والوصايا: الشريعة قد يكون فيها وحي وقد يكون فيها وصايا، مع نوح وعيسى وموسى وإبراهيم قال: (ما وصى) ومع الرسول (صلى الله عليه وسلم) استعمل (أوحينا إليك) لهذا استخدم الذي وما.
*ما الفرق بين تفرقوا وتتفرقوا في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)) وقال في سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) في الآية الأولى الوصية خالدة من زمن سيدنا نوح (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) فجاء الفعل (تتفرقوا) أما في الآية الثانية فهي خاصة بالمسلمين لذا جاء الفعل (تفرّقوا). السبب واضح لأن الأمة المحمدية هي جزء من الأمم الإسلامية المذكورة في الآية الأولى وآية آل عمران هي جزء والأمة المخاطبة فيها جزء من الأمم المخاطبة في آية سورة الشورى. وكذلك فالحدث ممتد في الأولى قال (تتفرقوا) والحدث محدد في الثانية فقال (تفرقوا). والملاحظ في الآية فالأولى وصية خالدة لأمة الإسلام على مدى الأزمان من زمن نزح إلى خاتم الأنبياء (ولا تتفرقوا فيه) لأن هذا هو المأتى الذي يدخل إليه أعداء الإسلام فيتفرقون به لذا جاءت الوصية خالدة مستمرة فنهاهم عن التفرّق، ونلاحظ أنه تعالى وصّى الأمم مرة ووصّى الأمة الإسلامية مرتين. والآية الأولى أشد تحذيراً للأمة الإسلامية (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك) لم يكتف بـ(شَرَع لكم) بل زاد (والذي أوحينا إليك). شرعه لنا في الوصية العامة لنوح وخصّ بالذي أوحينا إليك ثم خصّ الأمة الإسلامية في الآية الثانية. والحذف له سببان هنا الأول لأن الأمة المحمدية أصغر. ونهانا عن التفرّق مهما كان قليلاً وأراد ربنا تعالى أن نلتزم بهذا الأمر (لا تفرقوا) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعا) جاء بالحال المؤكِّدة (جميعاً) وأراد التشديد على الالتزام بهذا الأمر. أكد على الجمع الكامل وعلى سبيل العموم والاستغراق كأنه فرض عين على الجميع فلا يُعفى أحد من المسؤولية أن لا نتفرق وأن نعتصم بحبل الله الفرد قد يهدم أمّة كما أنه قد يبني أمة وأن لا نتفرّق هو فرض عين وليس فرض كفاية، وذكرهم بنعم الله عليهم ونهاهم عن التشبّه بمن تفرّق واختلف (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) وتوعدهم على الاختلاف بالعذاب العظيم وأطلق العذاب ولم يحصره في الآخرة إنما قد يطالهم في الدنيا والآخرة. المصدر لا يعمل بعد وصفه وصِف بـ عظيم بمعنى اذكروا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) ليست متعلقة بالعذاب العظيم. التفرّق يكون عذابه عظيماً في الدنيا والآخرة.
آية (14):
*ما دلالة إسناد الفعل للمجهول أو للمعلوم في قوله تعالى: (أورثوا الكتاب)و(أورثنا الكتاب)؟(د.فاضل السامرائى)
عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه وما فيه ذم فنسبه للمجهول (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح. كما يستعمل القرآن الكريم أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح.
آية (14):
*ما دلالة إسناد الفعل للمجهول أو للمعلوم في قوله تعالى: (أورثوا الكتاب)و(أورثنا الكتاب)؟(د.فاضل السامرائى)
عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه وما فيه ذم فنسبه للمجهول (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح. كما يستعمل القرآن الكريم أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح.
آية (17):
*في مداخلة مع د.أحمد الكبيسى في برنامج أخر متشابهات :
قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾ الأحزاب) وفي سورة الشورى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴿17﴾ الشورى) في الآية الأولى بما معناه أن الكفار لا يهمهم سواء قامت الساعة أو لم تقم لأنهم من الأصل ليسوا مؤمنين وفي الآية الثانية يقول تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) هنا معلقة الساعة بالفعل أن الإنسان ينتظر أي وقت ممكن أنها تأتي الساعة فيكون مستعداً لها والله أعلم.
الإجابة: أحسنت بارك الله فيك. كلمة (لعل) في القرآن نحن في الدنيا للترجي ممكن يصير ممكن لا يصير أقول لعلني سوف أكل أو سوف أذهب لعلني أجد فلاناً أما بالنسبة لله عز وجل تدل على التأكيد (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾ الطلاق) يعني معناها قد أحدث أمراً فعلاً هكذا.
آية (17):
*ما دلالة استخدام قريب في الآية (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى)ولم يقل قريبة مع أن الساعة مؤنثة؟(د.فاضل السامرائى)
هذا السؤال أثير أكثر من مرة. أولاً من الناحية اللغوية نذكر أنه إذا كان القرب للنَسَب فهذا يذكر ويؤنث بحسب المذكر والمؤنث تقول هذا قريبي وهذه قريبتي أما إذا كان في غير النسب هذا يصح تذكيره وتأنيثه قال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى) الساعة مؤنثة هذه ليست قرابة النَسَب يجوز فيها الوجهين يجوز التأنيث والتذكير قريبة وقريب.
آية (17):
*في مداخلة مع د.أحمد الكبيسى في برنامج أخر متشابهات :
قال الله تعالى في سورة الأحزاب: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾ الأحزاب) وفي سورة الشورى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴿17﴾ الشورى) في الآية الأولى بما معناه أن الكفار لا يهمهم سواء قامت الساعة أو لم تقم لأنهم من الأصل ليسوا مؤمنين وفي الآية الثانية يقول تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) هنا معلقة الساعة بالفعل أن الإنسان ينتظر أي وقت ممكن أنها تأتي الساعة فيكون مستعداً لها والله أعلم.
الإجابة: أحسنت بارك الله فيك. كلمة (لعل) في القرآن نحن في الدنيا للترجي ممكن يصير ممكن لا يصير أقول لعلني سوف أكل أو سوف أذهب لعلني أجد فلاناً أما بالنسبة لله عز وجل تدل على التأكيد (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾ الطلاق) يعني معناها قد أحدث أمراً فعلاً هكذا.
آية (17):
*ما دلالة استخدام قريب في الآية (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى)ولم يقل قريبة مع أن الساعة مؤنثة؟(د.فاضل السامرائى)
هذا السؤال أثير أكثر من مرة. أولاً من الناحية اللغوية نذكر أنه إذا كان القرب للنَسَب فهذا يذكر ويؤنث بحسب المذكر والمؤنث تقول هذا قريبي وهذه قريبتي أما إذا كان في غير النسب هذا يصح تذكيره وتأنيثه قال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى) الساعة مؤنثة هذه ليست قرابة النَسَب يجوز فيها الوجهين يجوز التأنيث والتذكير قريبة وقريب.
آية (23):
*في سورة الشورى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)) يقترف عادة تأتي مع الذنب لكن هنا جاءت مع الحسنة فما دلالتها وهل لختام الآية (غفور شكور) علاقة مع الاقتراف؟(د.فاضل السامرائى)
الاقتراف يعني الاكتساب ويدخل في الحسنة والسيئة ولا تقتصر على السيئة فقط، الاكتساب يستعمل في للحسنات والسيئات.
آية (23):
*في سورة الشورى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)) يقترف عادة تأتي مع الذنب لكن هنا جاءت مع الحسنة فما دلالتها وهل لختام الآية (غفور شكور) علاقة مع الاقتراف؟(د.فاضل السامرائى)
الاقتراف يعني الاكتساب ويدخل في الحسنة والسيئة ولا تقتصر على السيئة فقط، الاكتساب يستعمل في للحسنات والسيئات.
آية (24):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)
نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فأتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة الطعام فقال: (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في مسألة معينة محددة. هذا التعريف.
التنكير: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة، كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى) لم يقل ما هو الشيء. إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
آية (24):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)
نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فأتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة الطعام فقال: (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في مسألة معينة محددة. هذا التعريف.
التنكير: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة، كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى) لم يقل ما هو الشيء. إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) الشورى) ولماذا لم يقل (من عباده)؟ (د.حسام النعيمى)
القبول هو أخذ الشيء برضى، أنت تعطي إنساناً شيئاً ما فإذا قبِله معناه أخذه وهو راضٍ، هذا الشيء الطبيعي.
التوبة هي الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. كلُ إنسان معرّض للخطأ وخير الخطائين التوابون، يعود بسرعة. فالتوبة هي الكفّ عن المخالفة والعودة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى لا أن يكون منغمساً في المخالفة ويقول تبت يا رب.
استعمال (عن) بدل (من): على سَنَن منهجنا في هذا الباب اني عدت إلى جميع الآيات التي فيها كلمة قبِل مع التوبة في القرآن الكريم فوجدت ملاحظة أن كلمة (عن) تستعمل حينما يكون الكلام هو عودة إلى الله سبحانه وتعالى والمتكلِم المباشر هو الله سبحانه وتعالى أو هو معلوم عن طريق الغيبة لما يقول (هو) يعني الله سبحانه وتعالى عبّر عنها بصيغة الغيبة لرفع الشأن والمقام من حيث اللغة. المواطن الأخرى جميعاً ليس فيها هذه الظاهرة.
أذكِّر في الفرق بين (عن الشيء) و(من الشيء)، ما الفرق بين (يقبل التوبة عن عباده) و(يقبل التوبة من عباده)؟ ثم نعود إلى الآيات ونقف عندها حتى تتضح الصورة ويتبين لنا كيف أن هذا الكتاب ليس من عند بشر.
مثال: عندما نقول: “فلان كان يمشي بسيارته وخرج من الطريق السريع” معناه وجد منفذاً وخرج وهذا المنفذ متصل بالطريق السريع. لكن لو قيل لك: “فلان بسيارته خرج عن الطريق السريع” معناه انحرف كأنما انقلبت سيارته. هذه الصورة الآن نحن نفهمها بعد ألف عام فكيف كان العربي يفهم الفرق بين من وعن؟.(عن) لمجاوزة الشيء، (من) لابتداء الغاية كأنه ابتدأت غايته من الطريق.
مع (من) كأنه تبقى الصِلة هناك شيء ولو صلة متخيلة أما (عن) ففيها انقطاع (يضلون عن سبيل الله) أي لا تبقى لهم صلة. فما فائدة هذه القطيعة؟ القطيعة مقصودة مرادة. التوبة ترتقي إلى الله سبحانه وتعالى ولو قيل في غير القرآن (يقبل التوبة من عباده) كأن الإثم الذي تاب عنه يبقى متصلاً به. وهذه التوبة يتخيل الإنسان صورة مادية للصلة بالله سبحانه وتعالى والصلة المادية بالله عز وجل منهيٌ عنها لا ينبغي أن تتخيل ذلك – ليس كمثله شيء ، كل ما خطر ببالك فالله عز وجل بخلاف ذلك-.
لما تقول (من عباده) كأنه يبقى ذلك الخيط لكن هذا ينبغي أن يُقطع كأن هذا الإثم انقطع عنك تماماً والتوبة ترتفع إلى الله سبحانه وتعالى أنت تبت وهي ارتفعت ولم تعد موصولة بك ففيها صورة انقطاع من الإثم وانفصال، بينما (من عباده) كأنه بقي الربط بالعباد، هذه الصورة المتخيلة. علماؤنا يقولون (عن عباده) يعني (من عباده) ويقولون الحروف يستعمل بعضها مكان بعض. صحيح يستعمل بعضها مكان بعض لكن هناك غاية. لما يقول تعالى على لسان فرعون (لأصلبنكم في جذوع النخل) يقولون لا يوجد صلبٌ (في) وإنما الصلب (على) بمعنى أشدكم وأربطكم على جذوع النخل ويقولون (في) هنا بمعنى (على). كان يمكن أن يقال (على جذوع النخل) – حتى في الشعر العربي يقولون استعمل الشاعر حرفاً مكان حرف للضرورة لكن الحقيقة أن الشاعر متمكن –.
إذن (عن عباده): مقصودة. وكان يمكن أن يقول (من عباده) لكن المعنى يختلف والصورة الذهنية ستختلف عند ذلك.
(ويعفو عن السيئات): العفو فيه معنى الصفح وفيه معنى المحو والعرب تقول عفا عنه أي صفح عنه كأنه مسح لأن أصل العفو هو المحو ويقال: (عفت الريح الآثار أي محت). يمكن أن يقال: ويعفو السيئات أي يمسحها ويمكن أن يقول : ويعفو سيئات أو ويعفو سيئاتهم أو ويعفو عن سيئاتهم فلماذا جاءت بالألف واللام (السيئات) ولم تأت نكرة ولا جاءت مضافة؟ ولا جاءت من غير (عن)؟
يقال : عفا عن أخيه وعفا عن ذنبه. العرب تستعمل الاثنين معاً. عفا عن أخيه بمعنى صفح، وعفا عن ذنبه أيضاً بمعنى محى ذنبه ويبقى فكرة الانفصال هذه، عفا عن السيئة بمعنى فصل السيئة عنه أي أبعدها عنه ومحاها.
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ): الفعل (قبِل) استعمل باستعمالات متعددة في القرآن الكريم بهذه الصور بعده حرف الجرّ : إما تأتي اللام جاءت مرة واحدة (لا يقبل له) بمعنى قبل له وقبل منه، وقبل عنه وقبِله بدون حرف جر. والفعل متعدٍّ يقال قبل الشيء وقبل لك الشيء وقبل منك وقبل عنك. في القرآن استعمل في موضع (قبل له) واللام للملك، ومواضع أخرى متعددة استعمل (منه) وثلاثة مواضع استعمل (عنه) هذه المواضع الثلاثة التي استعمل (عن) كلها يجمعها أن الكلام فيها من الله تعالى عن نفسه إما بصيغة الغائب أو المتكلم أما المواطن الأخرى تكون بالبناء للمجهول أو على لسان أحد من عباده.
مسألة (السيئات): الفعل عفا يعفو تستعمل للذات، للأشخاص وللأشياء. يقال عفا عن ديْن زيد أي تنازل عن الدَيْن ويقال عفا عن زيد فيم ارتكب، بمعنى سامحه. فإذن هي تستعمل للاثنين بـ (عن) التي فيها صورة الانقطاع كأنه يقطعه عما كان فيه، يتجاوز عنه. لو استعمل التنكير (ويعفو عن سيئات) بالنكرة، النكرة يفترض أنها عامة لكن أحياناً في مثل هذا الموضع يتخيل الإنسان أنه تخصيص أي أنه سبحانه يعفو عن سيئات ولا يعفو عن سيئات أخرى سيكون بهذا المعنى فما قال سيئات وإنما ذكر جنس السيئات فقال: (ويعفو عن السيئات) يعفو عن السيئات بكل جنسها. ولو قال في غير القرآن : ويعفو عن سيئاتهم كما قال: (يقبل التوبة عن عباده) أي سيئات عباده قد تعني سيئات هؤلاء فقط لكن سِمة العفو العام منسوبة لله سبحانه وتعالى فهو عفو مطلق ويعفو عن السيئات بإطلاق ولا ينحصر عفوه في جهة معينة. ولو قيل في غير القرآن ويعفو عن سيئاتهم كان يفهم أن العفو لهؤلاء فقط. فالعفو صفة عامة لله تعالى صفة العفو عن السيئات فهو عفو غفور والعفو عن السيئات هي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى لذلك لما يرتكب الإنسان سيئة ويتوب إلى الله تعالى يكون مطمئناً أن العفوّ عن السيئات سيعفو عنه. عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول إنني لا أحمل همّ الإجابة ولكنني أحمل همّ الدعاء، أي أن يكون قلبه حاضراً وهو يسأل الله تعالى أن يعفو عن سيئاتي لأنه يجب أن يكون القلب حاضراً عند الدعاء وعند سؤال الله تعالى أن يعفو عنه لأنك تخاطب ذا صفات عظيمة سبحانه وتعالى، تخاطب كريماً مطلق الكرم، تخاطب عفواً مطلق العفو. المهم أن يحضر قلبك هذا الحضور الذي يتجه إلى الله سبحانه وتعالى بما تريد ولذلك كلمة السيئات لا تصلح مكانها كلمة سيئات ولا كلمة سيئاتهم.
الفعل عفا متعدِّ بحد ذاته فيقال عفا عنه ويقال عفاه أي محاه. لو قال يعفو السيئات كأنما يكون هناك نوع من الصلة التي تزيلها (عن) (يعفو عن السيئات) كأنه يجعلها منفصلة يقال: (عن) للمجاوزة، تتجاوز السيئات فلما يقول يعفو عن السيئات أي يعفو عن أصحاب السيئات.
ما دلالة استخدام (الذي) في قوله (وهو الذي يقبل التوبة)؟ لما يتكلم سبحانه وتعالى عن ذاته بصفة الغيبة للتفخيم وإعطاء الفخامة في ذهن العربي وهو يسمع أو يقرأ. هو الله سبحانه وتعالى هذه صفته، هو الذي يقبل التوبة كأنها صفة خاصة به سبحانه كأن هذا القبول خاص به سبحانه فهو الذي يقبل التوبة وهو الذي يعفو عن السيئات ولو قيل : هو يقبل التوبة فكأنها تعني أنه هو يقبل التوبة وغيره يقبلها أيضاً لكن المراد أن هذا شأنه سبحانه وتعالى: (هو الذي يقبل التوبة). لهذا العلماء عندما يبحثون في وجود كلمة في مكان معين ليس فيه شيء من التكلف إنما هو بمقدار فهم لغة العرب لذا قلنا سابقاً العربي لا يقبل منه إلا الإسلام أو يقاتَل.
لماذا لم يقل (ويعفو عنهم) مثلاً؟ لو قال يعفو عنهم سيكون مبهماً، ماذا يعفو عنهم؟ لكن لما ذكرت السيئات لأن الإنسان يرتكب السيئات.
( وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) لم يقل (ما يفعلون) الانتقال من ضمير الغيبة إلى المتكلم والإلتفات فيه نوع من تنشيط ذهن السامع إنتقال من الغيبة إلى المخاطب وفيه إشارة أن الخطاب لكم أنتم. هو ذكر المبدأ العام (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ثم قال تعالى (وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) أي أنكم بحاجة إلى توبة ولديكم سيئات فهو يعلم ما تفعلون لذا تتوبون إلى الله تعالى لأنه يعلم فعلكم. كان الكلام عاماً لم يواجههم أنهم يعملون السيئات، هذه لمسة القلب لهؤلاء المؤمنين. التفات وخطاب معناه أن هذا فيكم “كل ابن آدم خطّاء” لكنه لم يخاطبهم مباشرة أنهم يفعلون السيئات. هذا الأسلوب في الالتفات من صورة الخطاب إلى صورة الغيبة مضطرد في القرآن كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) لم يقل وجرين بكم، أخذهم ووضعهم في السفينة ويتكلم عن غائبين يشعر الإنسان أنه يركب في السفينة وهناك من يتحدث عنه وهو غائب. القرآن الكريم فيه تصوير رائع للأحداث مثلاً المشهد في سورة الشعراء (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يخاطبه الله تعالى على حبل طور ثم ينتقل من مناجاة موسى لربه إلى قصر فرعون وفرعون يتكلم (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) وهذا الانتقال فيه لمسات بيانية في البنية الإيقاعية للقصة القرآنية إن شاء الله نتحدث عنها في حلقات قادمة كأن هناك كاميرا تصور المشاهد في القرآن أحد المفسرين قال طوي الزمن والمكان في المشهد بدل أن يفصل أنه ذهب إلى فرعون ودخل القصر إلى آخر الأحداث. المناظرة بين موسى (عليه السلام) وفرعون يوقف أمامها وقفة طويلة كما كان يقول أحد أساتذتنا في البلاغة.
(يقبل التوبة عن عباده): وردت (يقبل عن) في ثلاثة مواضع (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) الأحقاف)، (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) التوبة)، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) الشورى) هذه الآيات الثلاث فيها نسبة قبول التوبة إلى الله سبحانه وتعالى إما بالحديث مباشرة (نتقبل عنهم) أو على سبيل الغيبة وهو سبحانه المتحدث فقال (عن) حتى تنفصل لأنها تعود إلى الله تعالى مباشرة.
آية (25):
*ما دلالة ذكر الواو وحذفها في قوله تعالى في سورة الشورى (يعف) و(يعفو)؟ (د.فاضل السامرائى)
ورود الواو وعدم ورودها: الواو في (يعفو) ليست واو الجماعة حتى لو شاهدناها في القرآن ومعها ألف بعدها لا تدل على الجماعة. هي واو الفعل وليست للجماعة (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {25} الشورى) (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {30} الشورى). أما الأولى (يعف) فهي معطوفة على الشرط لذا جاءت مجزومة بحذف الواو (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ {34} الشورى) .
*في قوله تعالى: (يقبل التوبة عن عباده) هل معناها يمكن أن يكون دعائك لأخيك بظهر الغيب تعني (عن) بمعنى إذا دعوت لأخي بظهر الغيب (عن) تأتي عوضاً عن شخص آخر؟(د.فاضل السامرائى)
هي توبة وليست دعاء في الدعاء ممكن لكن التوبة يجب أن يتوب الشخص نفسه. التوبة هي الرجوع إلى الله.
*ما اللمسة البيانية في استخدام حروف الجر في القرآن: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) ولم يقل من عباده؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا تعالى مرة استعمل (عن) ومرة استعمل (من)، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (104) التوبة) ومرة قال: (تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ (92) النساء) إذن مرة استعمل عن ومرة استعمل من. لما يقترن بالعباد يعني التوبة الصادرة عن عباد وهو يتجاوز عنهم ويعفو عنهم لذلك قال بعضهم هو نوع من التجاوز يعني يتجاوز عن عباده ويعفو عنهم، يقبل التوبة عنهم أي يعفو عنهم بهذا المعنى وقسم قال الصادرة عن عباده. أو التوبة عن عباده أي يعفو عنه من باب التضمين تاب عنه أي عفا عنه هذا من باب التضمين تضمين فعل دلالة فعل آخر. (من) مع الجهة التي تتوب أي مع الله هو الذي يتوب، توبة من الله أي هو التائب، عن العباد هم يتوبون وهذه (من الله) هو الذي يتوب الجهة التي تقبل التوبة، يستعمل من مع الجهة التي تقبل التوبة فيقول (تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ (92) النساء) يتوب عنهم أي يعفو عنهم والتوبة من الله. إذن (عن عباده) أي الصادرة عنهم والتائب هو الله فمع الجهة التي تقبل التوبة يستعمل (من) مثل (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة). يتقبل من وليس يقبل عن ويوجد (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا (16) الأحقاف) قال مع العمل نتقبل عنهم والله تعالى قال (الله يتقبل) بنفسه.
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) الشورى) ولماذا لم يقل (من عباده)؟ (د.حسام النعيمى)
القبول هو أخذ الشيء برضى، أنت تعطي إنساناً شيئاً ما فإذا قبِله معناه أخذه وهو راضٍ، هذا الشيء الطبيعي.
التوبة هي الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. كلُ إنسان معرّض للخطأ وخير الخطائين التوابون، يعود بسرعة. فالتوبة هي الكفّ عن المخالفة والعودة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى لا أن يكون منغمساً في المخالفة ويقول تبت يا رب.
استعمال (عن) بدل (من): على سَنَن منهجنا في هذا الباب اني عدت إلى جميع الآيات التي فيها كلمة قبِل مع التوبة في القرآن الكريم فوجدت ملاحظة أن كلمة (عن) تستعمل حينما يكون الكلام هو عودة إلى الله سبحانه وتعالى والمتكلِم المباشر هو الله سبحانه وتعالى أو هو معلوم عن طريق الغيبة لما يقول (هو) يعني الله سبحانه وتعالى عبّر عنها بصيغة الغيبة لرفع الشأن والمقام من حيث اللغة. المواطن الأخرى جميعاً ليس فيها هذه الظاهرة.
أذكِّر في الفرق بين (عن الشيء) و(من الشيء)، ما الفرق بين (يقبل التوبة عن عباده) و(يقبل التوبة من عباده)؟ ثم نعود إلى الآيات ونقف عندها حتى تتضح الصورة ويتبين لنا كيف أن هذا الكتاب ليس من عند بشر.
مثال: عندما نقول: “فلان كان يمشي بسيارته وخرج من الطريق السريع” معناه وجد منفذاً وخرج وهذا المنفذ متصل بالطريق السريع. لكن لو قيل لك: “فلان بسيارته خرج عن الطريق السريع” معناه انحرف كأنما انقلبت سيارته. هذه الصورة الآن نحن نفهمها بعد ألف عام فكيف كان العربي يفهم الفرق بين من وعن؟.(عن) لمجاوزة الشيء، (من) لابتداء الغاية كأنه ابتدأت غايته من الطريق.
مع (من) كأنه تبقى الصِلة هناك شيء ولو صلة متخيلة أما (عن) ففيها انقطاع (يضلون عن سبيل الله) أي لا تبقى لهم صلة. فما فائدة هذه القطيعة؟ القطيعة مقصودة مرادة. التوبة ترتقي إلى الله سبحانه وتعالى ولو قيل في غير القرآن (يقبل التوبة من عباده) كأن الإثم الذي تاب عنه يبقى متصلاً به. وهذه التوبة يتخيل الإنسان صورة مادية للصلة بالله سبحانه وتعالى والصلة المادية بالله عز وجل منهيٌ عنها لا ينبغي أن تتخيل ذلك – ليس كمثله شيء ، كل ما خطر ببالك فالله عز وجل بخلاف ذلك-.
لما تقول (من عباده) كأنه يبقى ذلك الخيط لكن هذا ينبغي أن يُقطع كأن هذا الإثم انقطع عنك تماماً والتوبة ترتفع إلى الله سبحانه وتعالى أنت تبت وهي ارتفعت ولم تعد موصولة بك ففيها صورة انقطاع من الإثم وانفصال، بينما (من عباده) كأنه بقي الربط بالعباد، هذه الصورة المتخيلة. علماؤنا يقولون (عن عباده) يعني (من عباده) ويقولون الحروف يستعمل بعضها مكان بعض. صحيح يستعمل بعضها مكان بعض لكن هناك غاية. لما يقول تعالى على لسان فرعون (لأصلبنكم في جذوع النخل) يقولون لا يوجد صلبٌ (في) وإنما الصلب (على) بمعنى أشدكم وأربطكم على جذوع النخل ويقولون (في) هنا بمعنى (على). كان يمكن أن يقال (على جذوع النخل) – حتى في الشعر العربي يقولون استعمل الشاعر حرفاً مكان حرف للضرورة لكن الحقيقة أن الشاعر متمكن –.
إذن (عن عباده): مقصودة. وكان يمكن أن يقول (من عباده) لكن المعنى يختلف والصورة الذهنية ستختلف عند ذلك.
(ويعفو عن السيئات): العفو فيه معنى الصفح وفيه معنى المحو والعرب تقول عفا عنه أي صفح عنه كأنه مسح لأن أصل العفو هو المحو ويقال: (عفت الريح الآثار أي محت). يمكن أن يقال: ويعفو السيئات أي يمسحها ويمكن أن يقول : ويعفو سيئات أو ويعفو سيئاتهم أو ويعفو عن سيئاتهم فلماذا جاءت بالألف واللام (السيئات) ولم تأت نكرة ولا جاءت مضافة؟ ولا جاءت من غير (عن)؟
يقال : عفا عن أخيه وعفا عن ذنبه. العرب تستعمل الاثنين معاً. عفا عن أخيه بمعنى صفح، وعفا عن ذنبه أيضاً بمعنى محى ذنبه ويبقى فكرة الانفصال هذه، عفا عن السيئة بمعنى فصل السيئة عنه أي أبعدها عنه ومحاها.
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ): الفعل (قبِل) استعمل باستعمالات متعددة في القرآن الكريم بهذه الصور بعده حرف الجرّ : إما تأتي اللام جاءت مرة واحدة (لا يقبل له) بمعنى قبل له وقبل منه، وقبل عنه وقبِله بدون حرف جر. والفعل متعدٍّ يقال قبل الشيء وقبل لك الشيء وقبل منك وقبل عنك. في القرآن استعمل في موضع (قبل له) واللام للملك، ومواضع أخرى متعددة استعمل (منه) وثلاثة مواضع استعمل (عنه) هذه المواضع الثلاثة التي استعمل (عن) كلها يجمعها أن الكلام فيها من الله تعالى عن نفسه إما بصيغة الغائب أو المتكلم أما المواطن الأخرى تكون بالبناء للمجهول أو على لسان أحد من عباده.
مسألة (السيئات): الفعل عفا يعفو تستعمل للذات، للأشخاص وللأشياء. يقال عفا عن ديْن زيد أي تنازل عن الدَيْن ويقال عفا عن زيد فيم ارتكب، بمعنى سامحه. فإذن هي تستعمل للاثنين بـ (عن) التي فيها صورة الانقطاع كأنه يقطعه عما كان فيه، يتجاوز عنه. لو استعمل التنكير (ويعفو عن سيئات) بالنكرة، النكرة يفترض أنها عامة لكن أحياناً في مثل هذا الموضع يتخيل الإنسان أنه تخصيص أي أنه سبحانه يعفو عن سيئات ولا يعفو عن سيئات أخرى سيكون بهذا المعنى فما قال سيئات وإنما ذكر جنس السيئات فقال: (ويعفو عن السيئات) يعفو عن السيئات بكل جنسها. ولو قال في غير القرآن : ويعفو عن سيئاتهم كما قال: (يقبل التوبة عن عباده) أي سيئات عباده قد تعني سيئات هؤلاء فقط لكن سِمة العفو العام منسوبة لله سبحانه وتعالى فهو عفو مطلق ويعفو عن السيئات بإطلاق ولا ينحصر عفوه في جهة معينة. ولو قيل في غير القرآن ويعفو عن سيئاتهم كان يفهم أن العفو لهؤلاء فقط. فالعفو صفة عامة لله تعالى صفة العفو عن السيئات فهو عفو غفور والعفو عن السيئات هي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى لذلك لما يرتكب الإنسان سيئة ويتوب إلى الله تعالى يكون مطمئناً أن العفوّ عن السيئات سيعفو عنه. عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول إنني لا أحمل همّ الإجابة ولكنني أحمل همّ الدعاء، أي أن يكون قلبه حاضراً وهو يسأل الله تعالى أن يعفو عن سيئاتي لأنه يجب أن يكون القلب حاضراً عند الدعاء وعند سؤال الله تعالى أن يعفو عنه لأنك تخاطب ذا صفات عظيمة سبحانه وتعالى، تخاطب كريماً مطلق الكرم، تخاطب عفواً مطلق العفو. المهم أن يحضر قلبك هذا الحضور الذي يتجه إلى الله سبحانه وتعالى بما تريد ولذلك كلمة السيئات لا تصلح مكانها كلمة سيئات ولا كلمة سيئاتهم.
الفعل عفا متعدِّ بحد ذاته فيقال عفا عنه ويقال عفاه أي محاه. لو قال يعفو السيئات كأنما يكون هناك نوع من الصلة التي تزيلها (عن) (يعفو عن السيئات) كأنه يجعلها منفصلة يقال: (عن) للمجاوزة، تتجاوز السيئات فلما يقول يعفو عن السيئات أي يعفو عن أصحاب السيئات.
ما دلالة استخدام (الذي) في قوله (وهو الذي يقبل التوبة)؟ لما يتكلم سبحانه وتعالى عن ذاته بصفة الغيبة للتفخيم وإعطاء الفخامة في ذهن العربي وهو يسمع أو يقرأ. هو الله سبحانه وتعالى هذه صفته، هو الذي يقبل التوبة كأنها صفة خاصة به سبحانه كأن هذا القبول خاص به سبحانه فهو الذي يقبل التوبة وهو الذي يعفو عن السيئات ولو قيل : هو يقبل التوبة فكأنها تعني أنه هو يقبل التوبة وغيره يقبلها أيضاً لكن المراد أن هذا شأنه سبحانه وتعالى: (هو الذي يقبل التوبة). لهذا العلماء عندما يبحثون في وجود كلمة في مكان معين ليس فيه شيء من التكلف إنما هو بمقدار فهم لغة العرب لذا قلنا سابقاً العربي لا يقبل منه إلا الإسلام أو يقاتَل.
لماذا لم يقل (ويعفو عنهم) مثلاً؟ لو قال يعفو عنهم سيكون مبهماً، ماذا يعفو عنهم؟ لكن لما ذكرت السيئات لأن الإنسان يرتكب السيئات.
( وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) لم يقل (ما يفعلون) الانتقال من ضمير الغيبة إلى المتكلم والإلتفات فيه نوع من تنشيط ذهن السامع إنتقال من الغيبة إلى المخاطب وفيه إشارة أن الخطاب لكم أنتم. هو ذكر المبدأ العام (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ثم قال تعالى (وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) أي أنكم بحاجة إلى توبة ولديكم سيئات فهو يعلم ما تفعلون لذا تتوبون إلى الله تعالى لأنه يعلم فعلكم. كان الكلام عاماً لم يواجههم أنهم يعملون السيئات، هذه لمسة القلب لهؤلاء المؤمنين. التفات وخطاب معناه أن هذا فيكم “كل ابن آدم خطّاء” لكنه لم يخاطبهم مباشرة أنهم يفعلون السيئات. هذا الأسلوب في الالتفات من صورة الخطاب إلى صورة الغيبة مضطرد في القرآن كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) لم يقل وجرين بكم، أخذهم ووضعهم في السفينة ويتكلم عن غائبين يشعر الإنسان أنه يركب في السفينة وهناك من يتحدث عنه وهو غائب. القرآن الكريم فيه تصوير رائع للأحداث مثلاً المشهد في سورة الشعراء (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يخاطبه الله تعالى على حبل طور ثم ينتقل من مناجاة موسى لربه إلى قصر فرعون وفرعون يتكلم (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) وهذا الانتقال فيه لمسات بيانية في البنية الإيقاعية للقصة القرآنية إن شاء الله نتحدث عنها في حلقات قادمة كأن هناك كاميرا تصور المشاهد في القرآن أحد المفسرين قال طوي الزمن والمكان في المشهد بدل أن يفصل أنه ذهب إلى فرعون ودخل القصر إلى آخر الأحداث. المناظرة بين موسى (عليه السلام) وفرعون يوقف أمامها وقفة طويلة كما كان يقول أحد أساتذتنا في البلاغة.
(يقبل التوبة عن عباده): وردت (يقبل عن) في ثلاثة مواضع (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) الأحقاف)، (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) التوبة)، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) الشورى) هذه الآيات الثلاث فيها نسبة قبول التوبة إلى الله سبحانه وتعالى إما بالحديث مباشرة (نتقبل عنهم) أو على سبيل الغيبة وهو سبحانه المتحدث فقال (عن) حتى تنفصل لأنها تعود إلى الله تعالى مباشرة.
آية (25):
*ما دلالة ذكر الواو وحذفها في قوله تعالى في سورة الشورى (يعف) و(يعفو)؟ (د.فاضل السامرائى)
ورود الواو وعدم ورودها: الواو في (يعفو) ليست واو الجماعة حتى لو شاهدناها في القرآن ومعها ألف بعدها لا تدل على الجماعة. هي واو الفعل وليست للجماعة (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {25} الشورى) (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {30} الشورى). أما الأولى (يعف) فهي معطوفة على الشرط لذا جاءت مجزومة بحذف الواو (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ {34} الشورى) .
*في قوله تعالى: (يقبل التوبة عن عباده) هل معناها يمكن أن يكون دعائك لأخيك بظهر الغيب تعني (عن) بمعنى إذا دعوت لأخي بظهر الغيب (عن) تأتي عوضاً عن شخص آخر؟(د.فاضل السامرائى)
هي توبة وليست دعاء في الدعاء ممكن لكن التوبة يجب أن يتوب الشخص نفسه. التوبة هي الرجوع إلى الله.
*ما اللمسة البيانية في استخدام حروف الجر في القرآن: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) ولم يقل من عباده؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا تعالى مرة استعمل (عن) ومرة استعمل (من)، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (104) التوبة) ومرة قال: (تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ (92) النساء) إذن مرة استعمل عن ومرة استعمل من. لما يقترن بالعباد يعني التوبة الصادرة عن عباد وهو يتجاوز عنهم ويعفو عنهم لذلك قال بعضهم هو نوع من التجاوز يعني يتجاوز عن عباده ويعفو عنهم، يقبل التوبة عنهم أي يعفو عنهم بهذا المعنى وقسم قال الصادرة عن عباده. أو التوبة عن عباده أي يعفو عنه من باب التضمين تاب عنه أي عفا عنه هذا من باب التضمين تضمين فعل دلالة فعل آخر. (من) مع الجهة التي تتوب أي مع الله هو الذي يتوب، توبة من الله أي هو التائب، عن العباد هم يتوبون وهذه (من الله) هو الذي يتوب الجهة التي تقبل التوبة، يستعمل من مع الجهة التي تقبل التوبة فيقول (تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ (92) النساء) يتوب عنهم أي يعفو عنهم والتوبة من الله. إذن (عن عباده) أي الصادرة عنهم والتائب هو الله فمع الجهة التي تقبل التوبة يستعمل (من) مثل (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة). يتقبل من وليس يقبل عن ويوجد (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا (16) الأحقاف) قال مع العمل نتقبل عنهم والله تعالى قال (الله يتقبل) بنفسه.
آية (29):
*(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ (29) الشورى) كلمة فيهما هل تدل على أن هناك دواب في السموات أو الكون ؟(د.فاضل السامرائى)
نعم . القدامى قالوا أن هذه الآية تدل على ذلك، قالوا تدل على وجود دواب والدابة هو كل حيوان له حركة وقسم فسرها على أنها الملائكة وقالوا أن هناك فعلاً في مكان ما في السموات فيه دواب وهكذا نص القرآن والدابة هو كل حيوان له دبيب وحركة، يجوز أن يكون هناك مخلوقات في السموات والأرض والآية تدل على ذلك والقدامى فهموا ذلك ولا ندري إذا كان هناك حيوانات في مكان آخر في السموات.
آية (29):
*(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ (29) الشورى) كلمة فيهما هل تدل على أن هناك دواب في السموات أو الكون ؟(د.فاضل السامرائى)
نعم . القدامى قالوا أن هذه الآية تدل على ذلك، قالوا تدل على وجود دواب والدابة هو كل حيوان له حركة وقسم فسرها على أنها الملائكة وقالوا أن هناك فعلاً في مكان ما في السموات فيه دواب وهكذا نص القرآن والدابة هو كل حيوان له دبيب وحركة، يجوز أن يكون هناك مخلوقات في السموات والأرض والآية تدل على ذلك والقدامى فهموا ذلك ولا ندري إذا كان هناك حيوانات في مكان آخر في السموات.
آية (30):
*انظر آية (25).↑↑↑
*في الحديد قال تعالى(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ) وفي الشورى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30)) ما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
(أصاب) مطلق لم يقيدها بمصاب معين، (ما أصاب) لا قيّدها في مكان ولا في شخص، بينما (ما أصابكم) هناك مخاطبين لا تتعلق بالأرض فهي للمخاطبين تحديداً لأنه قال (فبما كسبت أيديكم) لما قال فبما كسبت أيديكم خصصها فذكر المصائب التي تصيبنا بما كسبت أيدينا, لما قال ما أصابكم عندما خصص قال بما كسبتم أيديكم لما خصص خصص وفي الثانية أطلق فقال أصاب لم يقل بما كسبت أيديكم (ما أصاب) وعندنا في آية أخرى في التغابن (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (11)). (ما أصابكم) خاصة و(ما أصاب) عامة مطلقة.
آية (30):
*انظر آية (25).↑↑↑
*في الحديد قال تعالى(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ) وفي الشورى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30)) ما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
(أصاب) مطلق لم يقيدها بمصاب معين، (ما أصاب) لا قيّدها في مكان ولا في شخص، بينما (ما أصابكم) هناك مخاطبين لا تتعلق بالأرض فهي للمخاطبين تحديداً لأنه قال (فبما كسبت أيديكم) لما قال فبما كسبت أيديكم خصصها فذكر المصائب التي تصيبنا بما كسبت أيدينا, لما قال ما أصابكم عندما خصص قال بما كسبتم أيديكم لما خصص خصص وفي الثانية أطلق فقال أصاب لم يقل بما كسبت أيديكم (ما أصاب) وعندنا في آية أخرى في التغابن (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (11)). (ما أصابكم) خاصة و(ما أصاب) عامة مطلقة.
آية (31):
* ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة الشورى؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)) وقال في سورة العنكبوت (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)) والأمر الذي يوضح السياق هو آية سورة هود أيضاً (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة الشورى ففي الكلام على نِعم الله تعالى في الأرض وفي شؤون أهل الأرض (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)) أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)) وهذا هو الذي يوصل إلى السماء، سيكون البخث والنظر والتدبر للعلم سيجعله يصعد للسماء وحتى عند ذلك لن يكون معجزاً. وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء. ثم إن كلمة السماء نفسها لم ترد في سورة الشورى أبداً لكنها وردت في سورة العنكبوت 3 مرات وفي هود مرتين وبهذا فإن سورة العنكبوت هي التي ورد فيها ذكر السماء أكثر من السورتين الباقيتين ولهذا ذُكرت السماء في آية سورة العنكبوت ولم تُذكر في آية سورة الشورى أو آية سورة هود. فالسمة التعبيرية للسورة أنه سوف تصعدون إلى السماء لكنكم لا تكونوا معجزين هناك.
*متى تستعمل (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) البقرة) ومتى (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) الشورى)؟ (د.فاضل السامرائى)
(من دون الله) يعني من غير الله، أما من الله أي ليس لكم ولي من الله ينصركم، لم يهيء أحداً ينصركم ليس هنالك نصير من الله ينصركم، نصير من الله لم يهيء لكم نصيراً أولياً ينصركم من الملائكة أو من غير الملائكة لكن يهيئه الله تعالى من جهته. أما من دون الله فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً. ليس لكم من الله وليّ يعني ليس لكم من جهته وليّ، لم يهيء لكم وليّ.
آية (31):
* ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة الشورى؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)) وقال في سورة العنكبوت (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)) والأمر الذي يوضح السياق هو آية سورة هود أيضاً (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة الشورى ففي الكلام على نِعم الله تعالى في الأرض وفي شؤون أهل الأرض (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)) أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)) وهذا هو الذي يوصل إلى السماء، سيكون البخث والنظر والتدبر للعلم سيجعله يصعد للسماء وحتى عند ذلك لن يكون معجزاً. وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء. ثم إن كلمة السماء نفسها لم ترد في سورة الشورى أبداً لكنها وردت في سورة العنكبوت 3 مرات وفي هود مرتين وبهذا فإن سورة العنكبوت هي التي ورد فيها ذكر السماء أكثر من السورتين الباقيتين ولهذا ذُكرت السماء في آية سورة العنكبوت ولم تُذكر في آية سورة الشورى أو آية سورة هود. فالسمة التعبيرية للسورة أنه سوف تصعدون إلى السماء لكنكم لا تكونوا معجزين هناك.
*متى تستعمل (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) البقرة) ومتى (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) الشورى)؟ (د.فاضل السامرائى)
(من دون الله) يعني من غير الله، أما من الله أي ليس لكم ولي من الله ينصركم، لم يهيء أحداً ينصركم ليس هنالك نصير من الله ينصركم، نصير من الله لم يهيء لكم نصيراً أولياً ينصركم من الملائكة أو من غير الملائكة لكن يهيئه الله تعالى من جهته. أما من دون الله فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً. ليس لكم من الله وليّ يعني ليس لكم من جهته وليّ، لم يهيء لكم وليّ.
آية (33):
* ما دلالة استخدام صيغة صبّار شكور وما علاقة الفاصلة بصدر الآية في سورة الشورى ولماذا جاءت صبّار مقدّمة على شكور؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)) .
أولاً كلمة صبّار الصبر إما أن يكون على طاعة الله أو على ما بصيب الإنسان من الشدائد. فالصلاة تحتاج إلى صبر وكذلك سائر العبادات كالجهاد والصوم. والشدائد تحتاج للصبر.
أما كلمة شكور: فالشكر إما أن يكون على النعم (واشكروا نعمة الله) أو على النجاة من الشّدّة (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) فالشكر إذن يكون على ما يصيب الإنسان من النِّعَم أو فيما يُنجيه الله تعالى من الشِّدّة والكرب.
والآن نعود للسؤال لماذا قدّم الصبر على الشكر؟ ولننظر في الآيات التي وردت قبل الآية موضع السؤال وبعدها في سورة الشورى. قال تعالى في الآيات التي قبلها (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)) والآية فيها قنوط أولاً ثم إنزال الغيث والأول (القنوط) يحتاج إلى صبر والثاني (إنزال الغيث) يحتاج إلى الشكر لأن إنزال الغيث هو رحمة تحتاج إلى الشكر أما القنوط فكان عندما كان المطر محبوساً وهو أمر يحتاج إلى الصبر.
أما في الآية التي بعدها فقد قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)) وهذه الآيات فيها أمران أيضاً الأول وهو أن لا تجري السفن (فيظللن رواكد على ظهره) وهذا أمر يحتاج إلى الصبر والثاني إهلاكهن (أو يوبقهن) وهذا من المصائب.
و(يوبقهن) لها احتمالان:
ـ احتمال إرادة إهلاك من فيها، على المجاز المرسل ، فأطلق المحل وأراد الحالّ فقال تعالى السفن، والمُراد: من فيها، وهذا ما يُسمّى بالمجاز المُرسل وعلاقته محلية.
ـ أو احتمال إرادة البضائع التي فيها.
فهذه مصيبة سواء كانت في الأموال (أي السفن نفسها) أو في الأنفس (من في السفن) وكلمة يوبقهن تحتمل الإهلاك في السفن أو المال وكلاهما يحتاج إلى صبر . أما قوله تعالى (ويعف عن كثير) فهي تحتاج إلى شكر.
إذن ما تقدّم الآية موضع السؤال وما جاء بعدها يحتاج لصبر وشكر والصبر تقدّم على الشكر فيها وعليه فإن نهاية الآية (صبّار شكور) جاءت واضحة ومتلائمة مع السياق.
إضافة إلى هذا فإنه إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) وفي سورة الشورى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)) .
أما في سورة الروم فقد قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)) فجاء بالشكر فقط وكذلك في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وفي سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)) وفي سورة الجاثية (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) وفي سورة فاطر (وقال : “وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (12)).
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) وفي سورة سبأ: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)).
والآن نسأل لماذا استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير.. فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار ، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة
صيغة فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثر ما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وبزّاز وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب. والنجّار حرفته النجارة. إذن هذه الصيغة هي من الحِرفة وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. وقد وردت هذه الصيغة في القرآن الكريم في صفات الله تعالى فقال تعالى: (فعّال لما يريد) قوله تعالى غفّار بعدما يقول (كفّار) ليدلّ على أن الناس كلما أحدثوا كفراً واستغفروا غفر الله تعالى لهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح).
صيغة فعول: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والسفوف وهو ما يُسفّ، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير. فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاصة به. وصيغة فعول يستوي فيها المؤنّث والمذكر فنقول رجل شكور وامرأة شكور. ولا نقول شكورة ولا بخورة ولا وقودة مثلاً. وكذلك صيغة فعول لا تُجمع جمع مذكر سالم أو جمع مؤنّث سالم فلا نقول رجال صبورين أو نساء صبورات وإنما نقول صُبُر وشُكُر وغُفُر. وعليه فإن كلمة شكور التي هي على وزن صيغة فعول منقولة من المادة . فإذا قلنا صبور فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة ولذلك قالوا أن أرجى آية في القرآن هي ما جاء في سورة الزُمر في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)).
وهنا نسأل أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة صبور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الصبر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة. ونسأل أيضاً أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة والشكر يكون على نعم الله تعالى علينا وهي نعم كثيرة وينبغي علينا أن نشكر الله تعالى عليها في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظة. وقد امتدح الله تعالى إبراهيم عليه السلام بقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) واستعمل كلمة (أنعُم) لأنها تدل على جمع القِلّة لأنه في الواقع أن نِعم الله تعالى لا تُحصى فلا يمكن أن يكون إنسان شاكرا لنعم الله، والإنسان في نعمة في كل الأحوال هو في نعمة في قيامه وقعوده ونومه .. الخ كما جاء في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل). وعليه فإن الشكر يجب أن يكون أكثر من الصبر فالصبر يكون كما أسلفنا إما عند الطاعات وهي لها أوقات محددة وليست مستمرة كل لحظة كالصلاة والصيام أو الصبر على الشدائد وهي لا تقع دائماً وكل لحظة على عكس النِّعم التي تكون مستمرة في كل لحظة ولا تنقطع تنقطع لحظة من لحظات الليل أو النهار، وتستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى.
ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكور بصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّاراً ولا يحتاج لأن يكون صبوراً. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.
آية (33):
* ما دلالة استخدام صيغة صبّار شكور وما علاقة الفاصلة بصدر الآية في سورة الشورى ولماذا جاءت صبّار مقدّمة على شكور؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشورى (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)) .
أولاً كلمة صبّار الصبر إما أن يكون على طاعة الله أو على ما بصيب الإنسان من الشدائد. فالصلاة تحتاج إلى صبر وكذلك سائر العبادات كالجهاد والصوم. والشدائد تحتاج للصبر.
أما كلمة شكور: فالشكر إما أن يكون على النعم (واشكروا نعمة الله) أو على النجاة من الشّدّة (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) فالشكر إذن يكون على ما يصيب الإنسان من النِّعَم أو فيما يُنجيه الله تعالى من الشِّدّة والكرب.
والآن نعود للسؤال لماذا قدّم الصبر على الشكر؟ ولننظر في الآيات التي وردت قبل الآية موضع السؤال وبعدها في سورة الشورى. قال تعالى في الآيات التي قبلها (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)) والآية فيها قنوط أولاً ثم إنزال الغيث والأول (القنوط) يحتاج إلى صبر والثاني (إنزال الغيث) يحتاج إلى الشكر لأن إنزال الغيث هو رحمة تحتاج إلى الشكر أما القنوط فكان عندما كان المطر محبوساً وهو أمر يحتاج إلى الصبر.
أما في الآية التي بعدها فقد قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)) وهذه الآيات فيها أمران أيضاً الأول وهو أن لا تجري السفن (فيظللن رواكد على ظهره) وهذا أمر يحتاج إلى الصبر والثاني إهلاكهن (أو يوبقهن) وهذا من المصائب.
و(يوبقهن) لها احتمالان:
ـ احتمال إرادة إهلاك من فيها، على المجاز المرسل ، فأطلق المحل وأراد الحالّ فقال تعالى السفن، والمُراد: من فيها، وهذا ما يُسمّى بالمجاز المُرسل وعلاقته محلية.
ـ أو احتمال إرادة البضائع التي فيها.
فهذه مصيبة سواء كانت في الأموال (أي السفن نفسها) أو في الأنفس (من في السفن) وكلمة يوبقهن تحتمل الإهلاك في السفن أو المال وكلاهما يحتاج إلى صبر . أما قوله تعالى (ويعف عن كثير) فهي تحتاج إلى شكر.
إذن ما تقدّم الآية موضع السؤال وما جاء بعدها يحتاج لصبر وشكر والصبر تقدّم على الشكر فيها وعليه فإن نهاية الآية (صبّار شكور) جاءت واضحة ومتلائمة مع السياق.
إضافة إلى هذا فإنه إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) وفي سورة الشورى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)) .
أما في سورة الروم فقد قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)) فجاء بالشكر فقط وكذلك في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وفي سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)) وفي سورة الجاثية (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) وفي سورة فاطر (وقال : “وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (12)).
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) وفي سورة سبأ: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)).
والآن نسأل لماذا استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير.. فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار ، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة
صيغة فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثر ما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وبزّاز وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب. والنجّار حرفته النجارة. إذن هذه الصيغة هي من الحِرفة وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. وقد وردت هذه الصيغة في القرآن الكريم في صفات الله تعالى فقال تعالى: (فعّال لما يريد) قوله تعالى غفّار بعدما يقول (كفّار) ليدلّ على أن الناس كلما أحدثوا كفراً واستغفروا غفر الله تعالى لهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح).
صيغة فعول: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والسفوف وهو ما يُسفّ، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير. فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاصة به. وصيغة فعول يستوي فيها المؤنّث والمذكر فنقول رجل شكور وامرأة شكور. ولا نقول شكورة ولا بخورة ولا وقودة مثلاً. وكذلك صيغة فعول لا تُجمع جمع مذكر سالم أو جمع مؤنّث سالم فلا نقول رجال صبورين أو نساء صبورات وإنما نقول صُبُر وشُكُر وغُفُر. وعليه فإن كلمة شكور التي هي على وزن صيغة فعول منقولة من المادة . فإذا قلنا صبور فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة ولذلك قالوا أن أرجى آية في القرآن هي ما جاء في سورة الزُمر في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)).
وهنا نسأل أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة صبور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الصبر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة. ونسأل أيضاً أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة والشكر يكون على نعم الله تعالى علينا وهي نعم كثيرة وينبغي علينا أن نشكر الله تعالى عليها في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظة. وقد امتدح الله تعالى إبراهيم عليه السلام بقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) واستعمل كلمة (أنعُم) لأنها تدل على جمع القِلّة لأنه في الواقع أن نِعم الله تعالى لا تُحصى فلا يمكن أن يكون إنسان شاكرا لنعم الله، والإنسان في نعمة في كل الأحوال هو في نعمة في قيامه وقعوده ونومه .. الخ كما جاء في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل). وعليه فإن الشكر يجب أن يكون أكثر من الصبر فالصبر يكون كما أسلفنا إما عند الطاعات وهي لها أوقات محددة وليست مستمرة كل لحظة كالصلاة والصيام أو الصبر على الشدائد وهي لا تقع دائماً وكل لحظة على عكس النِّعم التي تكون مستمرة في كل لحظة ولا تنقطع تنقطع لحظة من لحظات الليل أو النهار، وتستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى.
ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكور بصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّاراً ولا يحتاج لأن يكون صبوراً. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.
سُوَرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
- سُوَرِة الفَاتِحَة
- سُوَرِة البَقَرَة
- سُوَرِة آل عِمرَان
- سُوَرِة النِّسَاء
- سُوَرِة المَائدة
- سُوَرِة الأنعَام
- سُوَرِة الأعرَاف
- سُوَرِة الأنفَال
- سُوَرِة التوبَة
- سُوَرِة يُونس
- سُوَرِة هُود
- سُوَرِة يُوسُف
- سُوَرِة الرَّعْد
- سُوَرِة إبراهِيم
- سُوَرِة الحِجْر
- سُوَرِة النَّحْل
- سُوَرِة الإسْرَاء
- سُوَرِة الكهْف
- سُوَرِة مَريَم
- سُوَرِة طه
- سُوَرِة الأنبيَاء
- سُوَرِة الحَج
- سُوَرِة المُؤمنون
- سُوَرِة النُّور
- سُوَرِة الفُرْقان
- سُوَرِة الشُّعَرَاء
- سُوَرِة النَّمْل
- سُوَرِة القَصَص
- سُوَرِة العَنكبوت
- سُوَرِة الرُّوم
- سُوَرِة لقمَان
- سُوَرِة السَّجدَة
- سُوَرِة الأحزَاب
- سُوَرِة سَبَأ
- سُوَرِة فَاطِر
- سُوَرِة يس
- سُوَرِة الصَّافات
- سُوَرِة ص
- سُوَرِة الزُّمَر
- سُوَرِة غَافِر
- سُوَرِة فُصِّلَتْ
- سُوَرِة الشُّورَى
- سُوَرِة الزُّخْرُف
- سُوَرِة الدُّخان
- سُوَرِة الجاثِية
- سُوَرِة الأحقاف
- سُوَرِة مُحَمّد
- سُوَرِة الفَتْح
- سُوَرِة الحُجُرات
- سُوَرِة ق
- سُوَرِة الذَّاريَات
- سُوَرِة الطُّور
- سُوَرِة النَّجْم
- سُوَرِة القَمَر
- سُوَرِة الرَّحمن
- سُوَرِة الواقِعَة
- سُوَرِة الحَديد
- سُوَرِة المُجادَلة
- سُوَرِة الحَشْر
- سُوَرِة المُمتَحَنة
- سُوَرِة الصَّف
- سُوَرِة الجُّمُعة
- سُوَرِة المُنافِقُون
- سُوَرِة المُنافِقُون
- سُوَرِة التَّغابُن
- سُوَرِة الطَّلاق
- سُوَرِة التَّحْريم
- سُوَرِة المُلْك
- سُوَرِة القَلـََم
- سُوَرِة الحَاقّـَة
- سُوَرِة المَعارِج
- سُوَرِة نُوح
- سُوَرِة الجِنّ
- سُوَرِة المُزَّمّـِل
- سُوَرِة القِيامَة
- سُوَرِة الإنسان
- سُوَرِة المُرسَلات
- سُوَرِة النـَّبأ
- سُوَرِة عَبَس
- سُوَرِة التـَّكْوير
- سُوَرِة الإنفِطار
- سُوَرِة المُطـَفِّفين
- سُوَرِة الإنشِقاق
- سُوَرِة البُروج
- سُوَرِة الطّارق
- سُوَرِة الأعلی
- سُوَرِة الغاشِيَة
- سُوَرِة البَـلـَد
- سُوَرِة الشــَّمْس
- سُوَرِة اللـَّيل
- سُوَرِة الضُّحی
- سُوَرِة الشَّرْح
- سُوَرِة التـِّين
- سُوَرِة العَلـَق
- سُوَرِة القـَدر
- سُوَرِة البَيِّنَة
- سُوَرِة الزلزَلة
- سُوَرِة العَادِيات
- سُوَرِة القارِعَة
- سُوَرِة التَكاثـُر
- سُوَرِة العَصْر
- سُوَرِة الهُمَزَة
- سُوَرِة الفِيل
- سُوَرِة قـُرَيْش
- سُوَرِة المَاعُون
- سُوَرِة الكَوْثَر
- سُوَرِة الكَافِرُون
- سُوَرِة النـَّصر
- سُوَرِة المَسَد
- سُوَرِة الإخْلَاص
- سُوَرِة الفَلَق
- سُوَرِة النَّاس