هدف السورة: الإستسلام لله وإن لم تفهم الأمر
سورة الصافات مكّية ابتدأت بالحديث عن الملائكة الأبرارواستعرضت السورة مجموعة من الأنبياء استسلموا لأمر الله من غير أن يعرفوا الحكمة من ذلك الأمر وأفضل مثال على ذلك قصة ابراهيم u (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) آية 99 إلى 103 ، الذي وهبه الله تعالى الولد الحليم (اسماعيل) بعدما كبر سنّه وفقد الأمل من الإنجاب وفرح به ابراهيم فرحاً شديداً ثم جاءه في المنام أمر بذبح هذا الولد بيده ولم يكن وحياً في اليقظة لكنه استسلم لأمر ربه وقال لابنه ماذا رأى وكأنما أراد أن يشاركه ابنه هذا الإستسلام لله حتى ينال الجزاء معه فما كان من اسماعيل إلا أن كان أكثر استسلاما وقال لأبيه افعل ما تؤمر ولم ينته الأمر هنا بل أن ابراهيم باشر بالتنفيذ فعلاً (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) آية 103 عندها تحقق من ابراهيم واسماعيل الإستسلام التام لله فجاء وحي الله بأن فدى اسماعيل بذبح عظيم. أطاع الله واستسلم له وهكذا نحن علينا بعد أن عرفنا منهج الله في عشرين جزء مضى من القرآن علينا أن نستسلم لله كما استسلم ابراهيم لربه عزّ وجلّ وهذه قمة العبودية والخضوع لله.
وفي السورة توجيه هام في الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة وهو أنه على الناس أن يستسلموا في الدنيا استسلام عبادة بدل أن يستسلوا في الآخرة استسلام ذل ومهانة.
سميّت السورة بـ (الصافات) تذكيراً للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار الذين يصطفّون لعبادة الله خاضعين مستسلمين له يصلّون ويسبحون ولا ينفكّون عن عبادة الله تعالى.
قال تعالى في البداية:(إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) وقال في الآخر (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)). رب العالمين أليس هو رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق؟ بلى. (العالمين أي المكلّفين). في الأولى ذكر المسكن وفي الآخر ذكر الساكن فهو رب المسكن ورب الساكن. في أولها قال (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)) وفي الآخر قال (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)).
قال تعالى في أواخر يس: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) وفي بداية الصافات:(إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) تصحيح للعقيدة لديهم. في أواخر يس قال (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) هذا الكلام نزل في أحدهم في قريش مسك عظماً بالياً وفتته وقال للرسول أتزعم أن ربنا سيعيد هذه العظام؟ فنزل قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) ذكر ما يراه هذا الكافر وفي الصافات قال على لسان الكفرة (أَئِذَامِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)) أصبحوا جماعة وعمموا القول (أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19))- (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يس). وقال في آخر يس: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) -(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات) الذي بيده ملكوت كل شيء أليس هو رب السموات والأرض؟ بلى.
قال في أواخر الصافات:(وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)) الذكر هو القرآن وفي بداية ص (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) جاءكم الذكر كله. (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)) هذا قَسَم يوضّح أن القرآن ذكر إذا أرادوه، (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170))- (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)) أرادوا الذكر وهذا الذكر. في أواخر الصافات قال (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177))- (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)) (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15))،(فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) الصافات)- (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) ص). في الصافات (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)) وفي ص (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)).
مقاصد السور
د. محمد عبد العزيز الخضيري
سورة يس، الصافات، ص
تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان جزاه الله خيرا لموقع إسلاميات حصريًا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد فسنتحدث الليلة بإذن الله عن ثلاث سور وهي السور التي سيقرؤها إمامنا جزاه الله خيرا في صلاة القيام التي كان بعض السلف يسميها صلاة التعقيب لأنها تأتي بعد صلاة أول الليل فيُعقبون في آخر الليل صلاة يسمونها صلاة التعقيب، بحيث أنهم يصلّون ثم يعودون مرة أخرى إلى الصلاة.
سورة يس
السورة الأولى هي سورة يس: وهذه السورة الكريمة تسمى في المشهور سورة يس، بعضهم يسميها قلب القرآن اعتمادًا على حديث “إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن سورة يس” وهذا الحديث ضعيف، وقد ورد في سورة يس أحاديث كثيرة غالبها ضعيف، ومن الأحاديث التي اختلف في صحتها قول النبي صلى الله عليه وسلم ” اقرأوا على موتاكم سورة يس “والمقصود اقرأوا على المحتَضرين سورة يس لأنها تكون سببًا في تخفيف سكرات الموت على المحتضَر، وأما باقي الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة فهي من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ويشيع بين الناس في العالم الإسلامي تعظيم هذه السورة وإفرادها بالقراءة في كل ليلة وهذا ليس عليه أثارة من علم معتبر. وتسمى أيضًا سورة حبيب النجار، سماها بعض المفسرين بهذا الاسم نظرًا للقصة التي وردت في هذه السورة في قول الله عز وجل (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وهو حبيب النجار. افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة وهي قوله (يس) ويس يظنها كثير من الناس اسمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا غير صحيح، بل (يس) مثل (ق) و (ص) و (ألم) فهي من الحروف المقطعة والسور التي افتتحت بالحروف المقطعة 29 سورة، وهذه واحدة منها. وهذه السورة تتحدث عن ما تتحدث عنه السور المكية من تأسيس العقيدة الإسلامية مع التركيز على الإيمان باليوم الآخر كما هو الشأن في سورة سبأ وفاطر، فتتحدث عن الإيمان باليوم الآخر بشكل مكثّف، ولذلك يقول الله عز وجل في هذه السورة في أولها (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) فذكر أنهم قد تحجّرت عقولهم فهم لا يؤمنون بالدلائل الكثيرة لليوم الآخر مع وضوحها وظهورها، ولما ذكر هنا (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ذكر في آخر السورة قصة ذلك الرجل وهو النضر بن الحارث في قوله (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا) جاء بعظْم وفتّه أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أيحيي ربك هذا بعد أن كان رميما؟؟ يعني حدّثنا بما نعقل!! يقول للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل يبعثك الله ثم يطرحك في النار، يقولها له، وقد فعلًا مات على الكفر.
ثم ذكر الله بعد ذلك قصة أصحاب القرية، ما هي هذه القرية ؟؟هذه أنطاكيا بإجماع المفسرين، يقولون أن أنطاكيا هذه بعث الله لها ثلاثة من الرسل. قال الله عز وجل (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) يعني أيّدناهما برسول ثالث (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي قدركم وما كتبه الله عليكم معكم (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ)أي أتقولون هذا بسبب أنكم ذكرتم؟ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ثم ذكر الله قصة حبيب النجار الذي جاء مؤيدًا لهؤلاء الرسل الثلاثة وداعيًا قومه إلى الإيمان بهم فقال (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) لاحظوا المواصفات: جاء هو داعيًا إلى الله عز وجل، ما جاء الناس إليه أو مروا به بل ذهب قاصدًا لأنه يريد ما عند الله، مع أن قومه كانوا كفارا ويُخشى من ضررهم. قال (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) وقدم الجار والمجرور (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) على كلمة رجل، لبيان أنه جاء من مكان بعيد ولإعلاء هذه الصفة من حال هذا الرجل. في قصة موسى في سورة القصص قبل البارحة قرأناها قال (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) فتلك قدّم الرجل وهنا قدّم (من أقصى المدينة) لماذا؟ لأن المراد من هنا الرفع من شأن من يأتي من مكان بعيد أو يسعى سعيا شديدا من أجل أن ينقذ الناس فهذا الرجل قد فعل فعلًا عجيبًا، وهو أنه جاء من مكان بعيد إلى قومه لينذرهم، فالله عز وجل قدّم الصفة التي ينبغي أن تُراعى وهو كونه يأتي من مكان بعيد لينذر قومه، ثم وصفه الله بقوله (يَسْعَى) بمعنى يأتي بهمّ وقصدٍ وإقبال شديد. (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)) ثم مات هذا الرجل، وقيل له بعد موته (ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) يتمنى أن قومه يرون ما هو الجزاء الذي حصل عليه بعد موته. قال الله عز وجل(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) أي أهلكهم الله عز وجل. ابن كثير رحمه الله يقول إن كانت أنطاكيا هذه هي التي نزل فيها العذاب فإننا لا نعلم أن فيها شيئًا من أثار العذاب أبدا، فإما أن يكون عذابا لا أثر له على الأرض وإما أن تكون أنطاكيا غير أنطاكيا التي نعرفها وهي التي تقع في شمال بلاد الشام.
ثم ذكر الله بعض الحجج لليوم الآخر قال (وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا) دلائل قدرة الله عز وجل إلى أن قال (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ). ثم يأتي إلى النقاش في اليوم الآخر (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال الله عز وجل (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي يختصمون حذفت التاء وهذه عملية معروفة عند أهل الصرف، (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ) أي القبور (إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يأتون مسرعين (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) تذكرون ما جاءكم به المرسلون في أول السورة؟ (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) في المرة الأولى (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) بسبب العذاب وهنا صيحة واحدة (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) قد جاؤوا ولكن الى ماذا جاءوا؟ إلى العذاب!!( فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ثم ذكر الصنفين (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) أهل الجنة في الجنة مشغولين، ولكن هل هم مشغولين بمكابدة العمل والبحث عن الرزق وإلا بماذا؟؟ مشغولين باللذائذ، الواحد ما عنده وقت من كثرة ما هو منهمك في اللذائذ، يعني هذا هو التعبير الذي يُراد أن نفهمه، من كثرة لذائذ الجنة هو مشغول بها، حور، وأبكار وأشجار وظلال وعيون وأزهار وورود وجلساء ونعيم لا يمكن أن يوصف ولا يقدر قدره ولا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى، فاستعدوا ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة، هذه السلعة العظيمة التي أعدها الله وهذه الفرصة الثمينة لن تنالوها بالراحة وطول النوم وبالتنعم والتلذذ وبالشهوات والأهواء، ما فيها إلا تعب، فإما أن تقدّم والإ فلن تُقدَّم، إما أن تدفع المهر وإلا فلا تتقدم، ومن يطلب الحسناء لن يغله المهر، لا ينظر إلى كم سيدفع! (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ) ليسوا وحدهم (فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) الرب نفسه يسلم عليهم من كرامتهم على الله.
ثم (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) تتحدث الآيات عن يوم القيامة وعن مشاهدها إلى أن تصل في آخرها إلى قوله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) اسمعوا كيف يحتج الله على إحياء الموتى فيقول (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) ما قال قل يحييها الله، لا، يأتي بدليل فيقول (الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) هو القادر على أن يعيدها مرة أخرى، فإذا كنتم تثبتون له المرة الأولى فما الذي يمنعكم من أن تثبتوا له المرة الثانية؟! قال (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ألستم تعلمون أنه يعلم؟ وأنه يعلم كل شيء؟ سر الخلق والإيجاد هو العلم والقدرة، فإذا اجتمعتا كان الخلق، وإذا كان الرب عنده العلم وعنده القدرة ما الذي يمنع أن يخلقنا ثم يعيدنا ثم يبيدنا ثم يعيدنا ثم يبيدنا، ما الذي يمنع؟! لأن القدرة والعلم موجودان. قال (لَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) يعني يخرج الشيء من ضده، ففي نوع من الشجر يسمى المرخ والعِفار كانت العرب تضرب إحداهما على الآخر فيخرج النار، الشجر أخضر يعني رطب بارد، تخرج منه نار حارة يابسة فأخرج الضدّ من ضده، كذلك أنتم تكونون موتى فيجعلكم أحياء ويخرج الحي من الميت والميت من الحي، ما الذي تستغربونه على الله؟! قال (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ثم يحتج بحجة رابعة وهي خلق السماوات والأرض يا أيها العرب يا أيها المشركون، من الذي خلق السماوات والأرض؟ إجابة واحدة ومتفق عليها هي الله، الآن ما أعجب عقولكم وما أشد سفاهتكم! تثبتون أن الله خلق السماوات والأرض وتجادلون رسول الله في خلقكم أنتم أو في إعادة خلقكم بعد موتكم؟! أين عقولكم؟! قال (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ) قبل قليل جاء بالعلم والآن جاء بالقدرة، هما دليلا الخلق أوالإعادة، قال (بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ثم قال (بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) يعني الذي يخلق بكثرة لا منتهى لها، أيعجزه أن يعيد خلقكم مرة أخرى؟! يعني ربنا في الثانية الواحدة يخلق ما لا يمكن أن يُقادر أو يعلم. قرأ الإمام أمس قول الله عز وجل (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) انظروا لو تحولت كل أشجار الأرض أقلاما (وَالْبَحْرُ) هذا الذي عندنا الذي يساوي 75% من اليابسة (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) يعني مثله سبع مرات (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ما هي كلمات الله؟ هي أوامره ونواهيه وقوله للأشياء كوني فتكون وخلقه وتدبيره لأمر العالم لأن الله يدبر كل هذا سبحانه وتعالى، فهو في كل ثانية يخلق ما لا يمكن أن يطيق العقل تصور الرقم فيه، يعني لو قلنا ما هو أعظم رقم موجود عندنا الآن؟ دعنا نقول تريليون تريليون، هذا شيء لا يكاد يُذكر مما يخلقه الله في الثانية الواحدة، لا يكاد يُذكر ولا شيء، قال (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هذه سورة يس .
سورة الصافات :
وهي أيضا تركز على الإيمان باليوم الآخر وعلى قضايا العقيدة بشكل عام، لكن تبرز شيئا مهمًا وهو سبيل الخلاص من عذاب الله عز وجل، ولذلك يأتي في كل آية أو في كل مقطع من مقاطعها قوله سبحانه وتعالى (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) هذا واضح جدًا في السورة، فالسورة افتتحت بقول الله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) هذا قسم بالملائكة وتسمى هذه السورة سورة الملائكة وهي الصافات، وأقسم الله بها وبيّن أنها من خلقه وأن نسبتها إليه -أي نسبة الولد إليه وأنهن بنات الله – أنها منكرة جدًا، ولذلك جاء التأكيد في آخر السورة على أن ما تدّعيه العرب من أنهن بنات الله، أنه منكر من القول وزور. استمرت السورة تتحدث عن قضايا العقيدة وقضية الإيمان باليوم الآخر بشكل ظاهر، ولولا ضيق الوقت لوقفنا عند كل مقطع من مقاطعها لكن ذكرت فيها قصة نوح وبيّن الله عز وجل فيها فقال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ) كيف خلُص نوح من العذاب بأي شيء؟ ثم قال (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) حتى ذكر نجاته، كيف نجا؟ نجا بالتوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر. ثم ذكر قصة إسماعيل الذبيح مع أبيه وبيّن كيف أن الله سبحانه وتعالى نجاه وفداه بذبح عظيم، قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا هو سبيل الخلاص أن تحسن في عبادتك لله عز وجل (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ). ثم ذكر قصة إسحاق ثم قصة موسى وهارون ثم من بعد ذلك قصة إلياس عليه السلام وعلى نبينا ثم قصة لوط كيف أن الله سبحانه وتعالى نجاه من هؤلاء القوم ثم قصة يونس وهي قصة عجيبة في الخلاص أيضًا كيف أن الله نجّا الأمة كلها لما عادت إلى الله، قال (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) هذا هو سر الخلاص من العقوبة التي حلت بيونس (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) هذا بالنسبة له هو، بالنسبة إلى أمته التي نجت من العذاب قال (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) هذا سر الخلاص من عذاب الله في الدنيا.
ثم ذكر الله عز وجل ما ختمت به السورة من التأكيد على ما نزلت فيه السورة، لكن أحب أن أنبه إلى آية وهي قول الله عز وجل (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) والجنّة هل هم الجنّ؟ هل هناك أحد من العرب جعل بين الله عز وجل وبين الجن نسبا؟ إذا فالجِّنة هنا هي الملائكة، السورة أصلا هنا في الملائكة وتسمى سورة الملائكة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) وهنا قال (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) لماذا سميت جنة لأنها مُجتنة أي خفية مثل الجن، هي خفية لا ترى، قال (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي الملائكة (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا) لا زالوا يتحدثون! (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ)أي مشركو مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) فالسورة كلها تتحدث عن سبيل الخلاص من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة.
سورة ص
نختم بسورة ص وقد افتتحت بالحروف المقطعة وعُظِّم فيها أمر القرآن بقوله (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ) هذه السورة العظيمة أنا أسميها سورة الخصومات لأن الله ذكر فيها أربع خصومات:
الخصومة الأولى خصومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) يعني انظروا كيف يكذب محمد عليكم، يقول أن الآلهة التي تعبد هي آله واحد فقط، والثلاثمائة وستون؟؟؟ ماذا نفعل بهم؟ هؤلاء كلهم آلهة! (أجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) إن هذا الذي يقوله محمد (لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ) ما سمعنا أحد قال الكلام الذي قاله محمد صلى الله عليه وسلم (إنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) هذه الخصومة الأولى.
والخصومة الثانية هي خصومة الخصمين اللذين دخلا على داود عليه الصلاة والسلام وهو يتعبد في محرابه (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) تسوروا عليه المحراب يستفتونه، (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) ما هي الفتنة التي حصلت لداود؟ حَكَم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر وهذه فتنة، لأنه لا يجوز للقاضي أن يحكم لأحد الطرفين حتى يسمع من الطرف الآخر. (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) يعني هذه التي حصلت له فتنة من الله، ماذا فعل؟ ما قال واحدة وتكّفر بعمرة أو غيرها، لا، استغفر به في نفس اللحظة التي اكتشف فيها أنه خالف أمر الله (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) ثم أعطاه الله توجيهًا فقال (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
ثم ذكر الله الخصومة الثالثة بين المشركين في قوله (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ) هذه الآن خصومة بين أهل النار (قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ) أي في الدنيا (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا) أي سخرنا بهم (أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ) أي القرآن (نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).
ثم ذكر الله الخصومة الرابعة وهي خصومة الملأ الأعلى، أشار إليها إشارة فسّرتها السُنّة (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
ثم ذكر الله الخصومة الخامسة بين إبليس وبين الله عز وجل عندما قال الله له (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) ما الذي منعه؟ الكِبْر (اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) قال الله له (يا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) الله خلقه بيده تكريمًا (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أنا خير منه أنا أسجد لواحد أقل مني؟! لا يمكن! (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) كذب عدو الله! هذا الدليل ليس دالّا على أنه خير منه (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) المُخلصين عاد إلى سورة الصافات، سبحان الله! السور فيها حلقات تربط بينها ربطًا شديدًا بطريقة غاية في العجب، لاحظوا مثلا في سورة فاطر ذكرت قضية الشيطان، في سورة يس ذكرت قضية الشيطان، وقضية الإيمان باليوم الآخر وهكذا في هذه السور. قال (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ ) نعوذ بالله من هذه الحال(مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).
في فاتحة الصافات فالتاليات ذكراً وفي ختامها وتول عنهم حتى حين وفي أول ص تاليتها والقرآن ذي الذكر وفي ختامها ولتعلمن نبأه بعد حين وفي كليهما قصة 9 رسل.
د. أحمد نوفل
تصميم صفحة إسلاميات
————————–
إضافة من صفحة إسلاميات:
سورة الصافات وسورة ص من السور المكية التي تعني بأصول العقيدة الإسلامية “التوحيد والوحي والبعث والجزاء ” شأنها كشأن سائر السورة المكية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان .وقد افتتحت السورتان بالذكر إشارة إلى الوحي واختتمتا بما يدل على البعث والجزاء بإمهال المكذبين إلى يوم الدين، يوم الجزاء حيث سيعلمون حقيقة ما كانوا به يكذّبون وعنه يعرضون في الدنيا.
مضمون سورة الصافات:
سورة تعنى بأصول العقيدة الإسلامية : ( التوحيد ، الوحي ، البعث والجزاء ) وتثبت دعائم الإيمان .
1- ابتدأت بالحديث عن الملائكة الأبرار ، الصافات قوائمها في الصلاة أو أجنحتها في ارتقاب أمر الله ، الزاجرات للسحاب يسوقونه حيث شاء الله ، ثم تحدثت عن الجن وتعرضهم للرجم بالشهب الثاقبة وعن البعث والجزاء و إنكار المشركين له، قال تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفّاً {1} فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً {2} فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً {3} ) إلى قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ {10})
2- بينت جحود المشركين وعنادهم واستكبارهم وأن العذاب الشديد ينتظرهم يوم القيامة ، من قوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ {11}) إلى قوله تعالى : (مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ {25} بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ {26})
3- تأكيدا لعقيدة الإيمان بالبعث ذكرت قصة المؤمن والكافر والحوار الذي دار بينهما في الدنيا ، ثم العاقبة : بخلود المؤمن في الجنة والكافر في النار، من قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {27} ) إلى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ {68})
4- استعرضت قصص بعض الأنبياء بدءًا بنوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل ثم موسى وهارون ثم إلياس ولوط عليهم السلام ، وذكرت بالتفصيل قصة الإيمان و الابتلاء في حادثة الذبيح إسماعيل عليه السلام ، تعليما للمؤمنين كيفية الانقياد والاستسلام لأمر الله تعالى ، من قوله تعالى : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70}) إلى قوله تعالى : (فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ {148})
5- بينت بالحجة والبراهين عناد الكافرين بتمييزهم البنات على البنين وقولهم ولد الله ، وردّت عليهم ، تُكذّبهم وتستنكر قولهم ، ثم ختمت ببيان نصرة الله لأنبيائه و أوليائه في الدنيا والآخرة فالعاقبة للمتقين ، من قوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ {149}) إلى قوله تعالى : (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {180} وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182})
مضمون سورة ص:
تعالج هذه السورة أصول العقيدة الإسلامية .
1- ابتدأت بالقسم بالقرآن المعجز المنـزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، المشتمل على المواعظ البليغة على أن القرآن الكريم هو حق ، وأن محمدا نبي مرسل ،كما تحدثت عن الوحدانية و إنكار المشركين لها ، ومبالغتهم في العجب من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إلى توحيد الله ، من قوله تعالى : ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ {2}) إلى قوله تعالى : (جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ {11})
2- انتقلت لتضرب الأمثال لكفار مكة بمن سبقهم من الطغاة الذين كذبوا ، وما حل بهم من عذاب بسبب إجرامهم فتناولت قصص بعض الرسل الكرام تسلية للرسول الكريم وتخفيفا عن آلامه ، فذكرت قصة داود وسليمان ثم أيوب و إسحاق ويعقوب و إسماعيل وذا الكفل عليهم السلام في عرض سريع ، لبيان ابتلاء الله لأنبيائه وصبرهم على ذلك الابتلاء ، وللتأسي بهم ، من قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ {12}) إلى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ {48})
3- بيّنت جزاء المتقين في جنات النعيم ، وعاقبة المشركين نار الجحيم ، وذكرت تخاصم أهل النار في جهنم ترهيبا وتخويفا ، من قوله تعالى : (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ {49} جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ {50}) إلى قوله تعالى : (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ {64})
4- ذكرت قصة إبليس وامتناعه عن السجود لآدم عليه السلام وتعهده بإغواء الخلق إلا المخلصين من عباد الله ووعد الله له بأن يملأ جهنم منه ومن أتباعه ، من قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {65}) إلى قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85})
5- ختمت ببيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ دعوة الله ولا يبتغي لعمله هذا أجرا ، فهذه مهمته التي وكل بها ، فالدين للجميع ، دين الله الحق حيث سيعلم المعاندون بأنه حق ولكن بعد فوات الأوان ، قال تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ {86} إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {87} وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {88} ).
(من موقع المصحف الإلكتروني)
موافقات بين سورتي الصافات والذاريات
إعداد موقع إسلاميات
(أرسلناه) وردت فحسب في الصافات والذاريات أول وثاني سور القسم في القرآن وفيهما وحدهما بشارة إبراهيم بالولد (فبشرناه بغلام حليم) الصافات (وبشروه بغلام عليم) الذاريات وفيهما قصة قوم لوط
د. أحمد نوفل
- الافتتاح بالقسم
- (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴿١﴾ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴿٢﴾ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴿٣﴾ الصافات)
- (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿١﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿٢﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿٣﴾ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴿٤﴾ الذاريات)
- (أرسلناه)
- (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾ الصافات)
- (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٣٨﴾ الذاريات)
- بشارة إبراهيم بالولد
- (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿١٠١﴾) (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٢﴾ الصافات)
- (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴿٢٨﴾ الذاريات)
- قصة لوط
- (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٣﴾ الصافات)
- (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ﴿٣٢﴾ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ ﴿٣٣﴾ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴿٣٤﴾ الذاريات)
————————————-
قال صاحب الظلال عن سورة الصافات:
” تعالج صورة معينة من صور الشرك التي كانت سائدة في البيئة العربية الأولى، وتقف أمام هذه الصورة طويلا وتكشف عن زيفها وبطلانها بوسائل شتى .. تلك هي الصورة التي كانت جاهلية العرب تستسيغها، وهي تزعم أن هناك قرابة بين اللّه – سبحانه – وبين الجن وتستطرد في تلك الأسطورة فتزعم أنه من التزاوج بين اللّه – تعالى – والجنة ولدت الملائكة. ثم تزعم أن الملائكة إناث ، وأنهن بنات اللّه! هذه الأسطورة تتعرض لحملة قوية في هذه السورة تكشف عن تهافتها وسخفها. ونظرا لأنها هي الموضوع البارز الذي تعالجه السورة ، فإنها تبدأ بالإشارة إلى طوائف من الملائكة”
وقال عن سورة الذاريات:
هذه السورة بافتتاحها، ثم بسياقها كله ، تستهدف أمراً واضحاً .. وهو ربط القلب البشري بالسماء ، وتعليقه بغيب الله المكنون ، وتخليصه من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله ، والانطلاق إليه جملة ، والفرار إليه كلية ، استجابة لقوله في السورة : { ففروا إلى الله } وتحقيقاً لإرادته في عباده { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
————————–
إضافة تدبرية من موقع إسلاميات:
السورتان تدعوان إلى إبطال كل تعلّق بغير الله تعالى وكل وهم باطل زائف أن أحدًا غير الله تعالى يملك لمخلوق شيئًا، الخلق خلقه سبحانه وتعالى والأمر أمره وهو الخالق الرزاق ذو القوة المتين، بيده مفاتيح كل شيء فهو مستحق العبودية وحده عز وجل لا إله غيره ولا معبود بحق سواه ولا رازق سواه مهما توهّم المتوهمون غير ذلك ومهما اعتمدوا على الأسباب المادية إلا أن الأمر من قبل ومن بعد هو لله وحده فالأولى للناس أن يعوا هذه الحقيقة فيعيشوا في هذه الدنيا بمقتضاها وأن يخلصوا عبادتهم لله تعالى وحده ويوقنوا أن لا ملجأ لهم إلا إلا الله فليفرّوا إليه في كل أمرهم ويعبدوه كما أمرهم فينجيهم في الآخرة فكما أنه لا ملجأ لهم ولا مفر إلا إلى الله في الدنيا فكذلك لا منجي لهم في الآخرة إلا هو سبحانه وتعالى.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
من لطائف سورة الصافات
د. أحمد نوفل
إعداد وتصميم صفحة إسلاميات
* فواصل الصافات التي فيها صفات المؤمنين كالتالي المخلصين 5 المصدقين مرة المحسنين 5 المؤمنين 4 الصالحين 4 الصابرين مرة المسبحين مرة المسبحون مرة ومجموعها 20 مرة.
المخلَصين:
1. (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾)
2. (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٧٤﴾)
3. (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿١٢٨﴾)
4. (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿١٦٠﴾)
5. (لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿١٦٩﴾)
المصدقين:
1. (يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾)
المحسنين:
1. (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٠﴾)
2. (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾)
3. (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٠﴾)
4. (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٢١﴾)
5. (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣١﴾)
المؤمنين:
1. (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨١﴾)
2. (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١١١﴾)
3. (إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٢﴾)
4. (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٣٢﴾)
الصالحين:
1. (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠٠﴾)
2. (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٢﴾)
الصابرين:
1. (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾)
المسبحين:
1. (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾)
المسبحون:
1. (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴿١٦٦﴾)
* من أنساق سورة الصافات أنه وردت فيها صيغة (إلا عباد الله المخلصين) في الآية 40 و74 و128 و160 وورد في الآية 169 قوله تعالى (لكنا عباد الله المخلصين)
🔸سورة الصافات دورة تدريبية للدعاة لتعريفهم بصفات الرسل الذين اصطفاهم الله عزوجل لمهمة التبليغ:
عباد مخلَصين
محسنين
مؤمنين
لذا تتكرر في السورة (إلا عباد الله المخلصين) (كذلك نجزي المحسنين*إنه من عبادنا المؤمنين)
الله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ويؤيد وينجي الرسل ومن آمن معهم ويهلك الآخرين.
📮رسالة السورة: يا من تحمل لواء الدعوة هذه صفات أهل الدعوة مهما اشتد الكرب كن واثقا بتأييد الله وإنجائه لك، تعلم أن تكون صابرا كنوح، مستسلما لله كإبراهيم، مسبّحا لله كيونس..
الحلقة 131 – 7 رمضان 1432 هـ
ضيف البرنامج في حلقته رقم (131) يوم الأحد 7 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن مبارك الوهبي الأستاذ المساعد بجامعة طيبة .
وموضوع الحلقة هو:
– علوم سورة الصافات.
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين.
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن مبارك الوهبي أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة طيبة. سوف نتحدث في هذا اللقاء حول سورة الصافات.
اسم السورة
د. فهد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين والمرسلين وإمام المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم. هذه إحدى السور المكية في القرآن الكريم وطابع السور المكية أنها تتحدث دائماً عن العقيدة إثبات العقيدة الصحيحة ونفي العقائد الباطلة. اسم السورة الصافات وهذا الاسم له دلالة كبيرة على مقصود السورة ولم تسمى غالباً إلا في كتاب الاتقان أشار أنها سورة الذبيح ولا يوجد سند يدل على ذلك لكن الأثر غير ثابت
د. الشهري: باعتبار هذه القصة لم ترد إلا فيها
د. فهد: لكن الاسم الدارج في كتب التفسير وعلوم القرآن هو اسم الصافات. الذي يظهر لي والله أعلم أن موضوع السورة هو “تعظيم الله سبحانه وتعالى” الذي إذا أيقن العبد به ساقه بعد ذلك إلى توحيد الألوهية، إلى أثبات ألوهية الله سبحانه وتعالى وانفراده بالعبادة وأنه لا يوجد إله سواه سبحانه وتعالى. عندما اختير هذا الاسم اسم الصافات معلوم أن الصافات جمع صافة والطائفة هي التي تصطف وتقف صفوفاً والمقصود بها هنا هو الملائكة فإذا نظرنا إلى هذا المنظر وأن الملائكة العظام الكرام هذه المخلوقات العظيمة تصطف بين يدي الله سبحانه وتعالى صفوفاً وهذه الصفوف تدل على التعظيم، إذا نظرنا إلى جبريل عليه السلام وهذا الملك العظيم له ستمائة جناح وبجناح واحد يستطيع أن يهلك قرى، ومدن بأمر الله سبحانه وتعالى ثم إذا نظرنا إلى ميكائل وإسرافيل وملائكة موكلة بأمور العباد النازلة إلى الأرض والملائكة الطوافة في الأرض وملائكة الجنة وملائكة النار ثم تأملنا في عظمة خلق هذه الملائكة كما أخبر القرآن والسنة ثم رأينا أن هذه الملائكة تصطف صفوفاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يسدون الصف الأول فالأول ثم يتراصون لله تعالى إذن هذا تعظيم (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ). إذا كان الملائكة وهم هؤلاء الخلق العظيم يقفون بهذه الطريقة بين يدي الله عز وجل يدل على تعظيم الله عز وجل لأن عظم الصافّ يدل على عظم المصفوف له وهو الله سبحانه وتعالى. فإذن هذه السورة من بدايتها تدل بهذا الاسم على المقصود بالسورة وهو تعظيم الله سبحانه وتعالى وقد دلّت السنة وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن نصطف نحن كاصطفاف الملائكة في الصلاة نسوي الصفوف ونسد الصف الأول فالأول. أيضاً إشارة أخرى من اسم السورة أنه يدل على النظام، الصف عادة هو دليل على النظام إذا رأيت الجيوش والجنود عندما يصطفون بصفوف منتظمة أمام رؤسائهم يدل على نظام هذا الجيش وقوة هذا الجيش وهذه الصفوف في الملكوت الأعلى تدل على نظام هذا الملكوت وهذا الخلق والله سبحانه وتعالى قد أخبر في عدد من الآيات على أن هذا الحلق خلق بنظام وأن هذا الخلق خلق بسُنة قال الله عز وجل في عدة آيات (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) الحجر) (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) الرحمن) (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس) لما قلنا الصافات تدل على أن اُلملائكة لما اصطفت أنها تسير بنظام وهذا النظام هو سمة الكون لا يخرج عن هذا النظام إلا عباد قليلون هم من كفر بالله عز وجل ولم يعبدوا الله وأما باقي الكون هو عبد لله تعالى وسائر في هذا النظام الكوني الذي جعله الله عز وجل في هذا الكون. مما يدل على موضوع السورة أن الله سبحانه وتعالى ذكر في مطلعها بعدما ذكر الملائكة العظام ذكر المخلوقات العظيمة قال (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) لم يقل المشرق يدل على الكثرة والعظم أيضاً وذكر أيضاً حمايته سبحانه وتعالى لسلطانه ذكر الجن التي تريد أن تسترق السمع يرميها بشهاب ثاقب (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) مما يدل على أنه سبحانه وتعالى يحمي سلطانه من استراق السمع. أيضاً مجيء عبارات قوية في السورة لا تخرج إلا من عظيم كما قال (دُحُورًا) وقال (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا) وقال جل وعلا (دَاخِرُونَ) أي ذليلون (زَجْرَةٌ) والزجرة فيها قوة وواحدة يعني يسيرة على الله عز وجل وإن كان لا يوجد شيء يكون ثقيلاً عليه. ومن الآيات التي تدل على العظمة (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) احشروا الذين كفروا وأشركوا ومثلهم وأيضاً أصنامهم الذين عبدوهم في الدنيا (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) هذا تهكم بهم، هل الهداية تكون إلى النار؟!. الهداية تكون إلى شيء حسن فهذا تحكم بهؤلاء الذين عصوا. المشهد الذي ذكره عن هؤلاء الذين كانوا يتكبرون في الدنيا ثم أصبحوا في الآخرة مستسلمين (مُسْتَسْلِمُونَ) أين ذهبت النصرة؟ أين جاه أبو جهل وأين جاه فلان وعلان قال (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) هذا يدل على عظمته سبحانه لا يستطيعون أن يهمسون ولا يتكلمون ولا يتحدثون فيما بينهم. ثم قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)) وهذا تعظيم له سبحانه وتعالى قال و ذكر كلمة العظيم في أكثر من موطن قال (ونجيناه وأهله العظيم) ولا ينجي من العظيم إلا من هو عظيم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)) (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)). ثم بعدما ذكر الآيات الكثيرة الدالة على عظمه جاء في نهاية السورة بما يدل على العظم وهو التنزيه قال (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)) يعني هذا العظيم سبحانه وتعالى لا يليق به أن يتحدث أولئك الكفار بتلك العقائد الباطلة أن ينسبوا له الجن أو الملائكة أو غير ذلك. ثم أخبر في ثنايا التسبيح عن وصف الملائكة قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)) ليس لنا قوة ولا سلطة ولا نسب إنما نحن عباد ذليلون لله سبحانه وتعالى. ثم تأتي صفة التعظيم وقوة الحديث في قوله (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)) ثم ختم السورة بقوله (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٨٠﴾ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴿١٨١﴾ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٢﴾) فما يدل عليه التسبيح من نفي النقائص بالمفهوم يدل عليه بالمنطوق قوله (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وجاءت كلمة العزة بينهما دالة على ارتفاع الإله سبحلنه وتعالى وسلطانه وقوته وعزته. هذا الذي يظهر لي أن موضوع السورة هو تعظيم الله سبحانه وتعالى وهذا التعظيم يستلزم توحيده بالألوهية وإفراده بالعبادة، إذا آمن الناس بأنه هو الملك العظيم لن يعبدوا غيره لكن المشركين كانت الصورة عندهم ليست صورة الإله الحق ولذلك سيأتي في ثنايا السورة ما يبطل عقائدهم الباطلة.
د. الشهري: أحسن الله إليك د. فهد. أنا دائماً عندما أنتظر من الضيوف الكرام عند الحديث عن موضوع السورة أتمنى أن يكون بهذه الطريقة التي عرضتها، يعني قضية أن تحدد موضوع واحد ثم تحاول أن تجمع الأدلة حول أن هذا هو الموضوع وتلاحظ كيف أن الأدلة تتكاثر بين يديك عندما تستطيع أن تضع يدك على الموضوع الصحيح للسورة تتكاثر الأدلة حتى أحياناً بمفهوم المخالفة مرة. ننتقل موضوعات السورة واحداً واحداً من أولها.
د. فهد: قبل أن نبدأ في هذا الموضوع أنبه إلى أن قضية السور المكية، نحن نقول هذه السورة موضوعها العقيدة كل السور المكية موضوعها العقيدة لكن تختلف من سورة إلى سورة بالطريقة التي وصلت له السورة في الجانب العقدي هنا سلكت السورة جانب التعظيم ويمكن تأتي في سورة أخرى تسلك جانب التنزيه، بيان دليل الأدلة العقلية، الأدلة الفطرية، فكل سورة هناك دليل لا بد أن نقف عليه ونصل من خلاله إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: هل ظهر لك دكتور فهد وقت نزول السورة بدقة في أي مرحلة من العهد المكي نزلت؟
د .فهد: ذكروا أنها نزلت بعد سورة الأنعام وقبل سورة لقمان.
د. الشهري: يعني ربما في المرحلة الثالثة
د. فهد: نعم تقريباً. سورة الصافات يمكن تقسيمها إلى ثلاث أجزاء رئيسية، الجزء الأول هو تأصيل قضية تعظيم الله عز وجل يؤصل فيها قضية التعظيم التي توصل إلى إفراده بالألوهية. الجزء الثاني ضرب الأمثلة لمن أطاع ومن لم يطع، الجزء الثالث هو نفي النقائص عنه سبحانه وتعالى. إذن بهذا الترتيب في البداية يؤصل قضية توحيده سبحانه وتعالى ثم يضرب الأمثلة من الرسل الذين جاهدوا في إثبات هذه العظمة والتوحيد له سبحانه وتعالى ثم في الأخير يأتي إلى العقائد التي لا تناسب صفاته سبحانه وتعالى. تبدأ السورة المقطع الأول يمكن تجزئته إلى أجزاء، الجزء الأولة من القسم بالملائكة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴿١﴾ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴿٢﴾ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴿٣﴾) والمقصود بهم الملائكة على الصحيح، الصافات التي تصطف بين يدي الله والزاجرات التي تزجر بأمر الله السحاب وغيرها مما تؤمر به والتاليات ذكرا التي تتلو آيات الله سبحانه وتعالى وتبلغها للرسل وهذه الصفات الثلاث دالة على العظمة فالصافات دالة على الخضوع والعبودية لله تعالى والزاجرات دالة على القوة إذا كان هذا المأمور قوياً فكيف بالله سبحانه وتعالى، والتاليات ذكراً دالة على أنها عظمتها لا تستنكف عن عبادته وتبليغ رسالته. وجاء مباشرة بعد هذه الصفات الثلاثة جاء مقصود السورة الذي هو جواب القسم (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) يعني إن معبودكم الحق هو معبود واحد لا يجوز أن يعبد غيره لا بالقلب ولا باللسان ولا بالعمل هو الله سبحانه وتعالى المتفرد في هذا الكون بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ينبغي أن يكون متفرداً بالعبادة والألوهية. ثم جاء الاستدلال بما هو مقرر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) استدل القرآن بما هو مثبت وهذا من قواعد الاستدلال أن تستدل بما هو متفق عليه تخرج إلى النتيجة، تأتي بمقدمة متفق عليها وتخرج إلى نتيجة مختلف عليها لتثبت هذه النتيجة. قال (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) أنت يا أبا جهل ألا تؤمن أنه هو رب السموات والأرض؟ يقول بلى، إذن لم لا تعبده؟! إذا كان هو رب السموات والأرض وما بينهما من الخلق ورب المشارق وهذا فيه إثبات العظمة لله سبحانه وتعالى فينبغي أن يكون هو وحده المستحق للعبادة.
ثم جاء إثبات حفظه سبحانه وتعالى لملكوته قال (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) الكواكب السيارة في السماء الدنيا هذه جعلها الله عز وجل لعلل منها الهداية ومنها جمال الكون ومنها أيضاً رمي المخالفين من الشياطين والجن (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) الجن). قال (وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ) والمارد هو العاصي الذي لا يردع ولا يتوب ولا يؤوب و هذه حال الشياطين الذين يستمعون إلى الملأ الأعلى، قال (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ) وهذه تدل على الاحاطة والقدرة والعلم علمه سبحانه وتعالى بكل دقيقة، كم عدد الجن؟ كم عدد الذين يتصنتون الآن ويريدون أن يعرفوا ماذا يوجد في الملكوت الأعلى؟ هو سبحانه ويحيط بكل هؤلاء ويرميهم من كل جانب هذا يدل على عظمته سبحانه وتعالى فكمال العلم يدل على كمال العظمة. قال (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) من أخذ كلمة فإنه لن يُترك سيأتيه شهاب محرق ثاقب مضيء يحترق الشيطان حتى لا يصل شيء إلى من خلفه.
انتهى المقطع الأول في إثبات عظمة الله عز وجل. ثم جاء الحديث مع المشركين الذين يخالفون في هذه القضية (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا) الملائكة السموات الأرض المشارق الجن هل هم أعظم؟ ليسوا بأعظم قال (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) لازب يعني يتلصق، أنت مخلوق من طين وهذا مخلوق من نار وهذا مخلوق من نور وهذه السموات والأجرام لست أعظم منها ألا تأمن أن يعذبك الله كما عذب هؤلاء الشياطين بالشهب الحارقة؟!. ثم قال (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) عجبت يا محمد من هؤلاء الذين يكذبونك وأنت تدعوهم إلى الرسالة ويسخرون مما تدعوهم إليه وفي قراءة بل عجبتُ ويسخرون فيها إثبات صفة العجب لله سبحانه وتعالى وهي قراءة سبعية صحيحة. (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) إذا أصبح الإنسان في حالة من الغواية أنه إذا ذُكِّر لا يذكر فهذا لا يُرجى إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى له التوبة. هذا المشهد الثاني أثبت أيضاً أن هؤلاء المشركون لم يفهموا تعظيم الله عز وجل حق تعظيمه وهم يقولون (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) هذا تشويه في قدرة الله، تشكيك في قدرة الله سبحانه وتعالى (أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) هل يخرج الآباء والأجداد؟ (قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ) في هذا إثبات العظمة لم يقل فقط نعم ستبعثون كما جاء في آيات أخرى، لا، ستخرجون ذليلون من قبوركم وتسيرون إلى الموقف. ثم قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) ليس الأمر يحتاج إلى مشقة وإلى تعب والله عز وجل ليس عليه تعب ولا نصب لا يمسه نصب سبحانه وتعالى إنما هي زجرة فيها قوة وواحدة لأنه لا يحتاج الله عز وجل أن يفعل أكثر من ذلك لإخراج الخلق من قبورهم. ثم انتقلت الآيات مباشرة إلى أنهم خرجوا من قبورهم، هم الآن أمام الله عز وجل وينتقل بين التكذيب والاستهزاء والسخرية قبل قليل إلى هذا المشهد المؤلم لهم في الآخرة عبرة لهؤلاء الذين يسمعون الآية (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)
د. الشهري: هذا أسلوب طيّ المراحل في القرآن الكريم، قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ) طوى كل المراحل التي بعدها وقال (يا ويلنا)
د. فهد: طوى ما بينهما ووصل إلى الحشر (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) هذا فيه حسرة وفيه ألم، المؤمنون لا يقولوا يا ويلنا، (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) وأكدوا (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) يعني سيبتعد المؤمنون عن الكافرين وسيكون هناك فصل بين الحق والباطل وسنلاقي ما كنا نكذب به، هذا إيمان منهم الآن لكن بعد فوات الأوان. ثم يجيئهم الصوت (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)) ما ترك لهم مجالاً ليتحدثوا.
د. الشهري: بعض الناس يظن أن المقصود هنا بأزواجهم يعني احشروا الذين ظلموا وزوجاتهم والصواب هو ما ذكرته أن وأزواجهم يعني
د. فهد: بعض المفسرين ذكر أن أزواجهم يعني زوجاتهم وخرّجها بعضهم على أنها الكافرات وبإجماع العلماء لا يمكن أن يحتمل أن زوجة مؤمنة تدخل النار مع زوجها هذا لا يمكن أن يقبله لا عقل ولا عدل لأن المؤمن مهما كان هو في الجنة سواء كان رجلاً أو امرأة. قال (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) رجعنا إلى النظام والصفوف أحياناً إيقاف الرجل وإخباره أنه سيسأل أكثر عذاباً عليه من السؤال نفسه قال (مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ) هذا فيه إهانة لهم أنتم كنتم تقولون في الدنيا أنكم سننصر بعضنا وأبو جهل يقول أنا زعيم بكذا من ملائكة النار (تسعة عشر) أنا علي كذا وأنتم عليكم كذا قال (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) هذا المنظر وحده لو الإنسان قرأ هذه الآية وتصور يوم القيامة ونظر إلى تلك الصفوف من البشر ومن الكفار أنهم ساكتون ومطئطون لا يتحدثون (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (111) طه) (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) هذا الهمس ذكر الله عز وجل هنا بعض الأحاديث قال (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ) هؤلاء في الموقف لم يروا النار ولا عرفوا ماذا سيصير بهم. يقول الضعفاء للأقوياء (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) وجهة اليمين قال العلماء هي الجهة التي يوسوس بها الانسان وبعضهم قال عن اليمين يعني يأتون من جانب الخير والنصح وأنهم يفعلون لهم الخير. قال (بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ) (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ (166) البقرة) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) رجعوا إلى كلمة ربنا عرفوا كلمة ربنا التي ذكرها في بداية السورة (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) قال (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ) يعني أن العذاب متحقق ولا شك. (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) الآن لا يفيد النصح ولا يفيد التلاوم هؤلاء الذين كانوا قبل قليل يسخرون (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٤﴾ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾) كلمة الاستكبار ضد الانقياد والخضوع والاستكبار الحقيقي والتعظيم الحقيقي يكون لله وهذه إشارة أيضاً إلى مقصود السورة.
د. الشهري: فائدة في قوله في صفة هؤلاء (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ﴿١٣﴾ وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴿١٤﴾) لا يكتفوا بأنهم يسخرون فقط وإنما يدعون الآخرين أيضاً إلى السخرية والاستهزاء.
د. الشهري: توقفنا عند قوله سبحانه وتعالى (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) العجيب وهذه عبرة لنا ولمن يقرأ هذه الآيات العظيمة كيف أنه يتخلى كل من عُبد من دون الله سبحانه وتعالى عمن عبده في الآخرة ويتخلى المستكبرون الظالمون الذين يغوون الناس ويسولون للناس يتخلون بكل بساطة وهذه الآيات وغيرها في سورة ابراهيم وغيرها سور أخرى واضحة ينقل الله سبحانه وتعالى لنا هذه الصور كما تقع مائة بالمائة ولكننا لا نتعظ ما هو السبب؟
د. فهد: السبب هو الإلف مثل ما قال عز وجل (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ) وكثير من الناس لا يتفكر حق التفكر لأنه لو تدبر التدبر الصحيح ونظر في العواقب بشكل صحيح لرجع إلى الإيمان والتقوى لكن كثير من الناس لا يتفكر، كثير من الناس يقرأ هذه الآيات لكن لا ينظر إلى المعاني، أنت لو قرأت هذه الآية مرة ومرتين وثلاث سيظهر لك المعاني بشكل آخر غير لما نحن نقرأ السورة الآن نختم القرآن ونمر عليه بشكل سريع.
د. الشهري: نقطة مهمة في قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى هي هداية من الله سبحانه وتعالى وتوفيق وأذكر في قصة جبير بن مطعم أنه يقول عندما أُسِر في بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب سورة الطور فسمع قول الله تعالى (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)) قال فكاد قلبي يطير وكان أول ما وقع الاسلام في قلبي فمثل هذه الآيات عندما يقرأ هذه الآيات ويقبل عليها إذا أراد الله سبحانه وتعالى به الخير فإنه سيهتدي بدون شك.
د. فهد: الآيات انطلقت بعد ذلك إلى الحديث عن استكبار الكفار وهذا يناسب موضوع السورة وأن الكبرياء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴿٣٦﴾) حتى أيام الكفر حتى أيام الجاهلية النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه وجده هو أفضل قريش نسباً وقوة وجاه وهم يقرون بذلك فكيف يقلبون تلك الحقائق كونه شاعر أو مجنون وكلتا الصفتين لا تنطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ليس بشاعر ولا مجنون عليه السلام.
د. الشهري: وبالأمس تحدثنا في سورة يس (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ (69))
د. فهد: هو أرقى من الشعر وأعظم من الشعر وأبلغ من الشعر عليه الصلاة والسلام. قال (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٧﴾ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴿٣٨﴾) ثم ينتقل بعد ذلك بعد هذا المشهد المؤلم للكفار إلى المشهد الجميل والرائع لأولئك المؤمنين الذين أطاعوا النبي صلى الله عليه وسلم والفقراء الذين كانوا يهزأون بهم في الدنيا وقال (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) وعباد الله إذا جاءت فيها تشريف لأنه سبحانه وتعال نسبهم إليه ومخلَصين فيها زيادة انتقاء لهم من دون الناس. (أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ) عندنا معلوم، أنت لا تسأل الله ما هو الرزق لأنه يقول رزقهم معلوم عندنا لا ينبغي للعباد أن يسألوا في التفاصيل لأن الله هو الذي وضع هذا الرزق. (فواكه) فصّل قال (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٤٣﴾ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿٤٤﴾ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿٤٥﴾) والكأس في القرآن يقصد بها الخمر ومن معين يعني من مكان لا ينضب لا ينتهي ثم قال (بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ) إما يكون للكأس وإما للخمر لأن ألوان الدنيا ليست كألوان الآخرة، (لَا فِيهَا غَوْلٌ) ليس فيها صداع
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
كأس الدنيا تسبب لك صداعاً وأما كأس الآخرة لا فيها غول و(وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) تذهب عقولهم شبّه العقول بالدماء (النزف)
سؤال: (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) توضيح الآية مع سبب فتح ينزفون
د. فهد: اسم مفعول مبني للمجهول.
د. فهد: قال (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) الحور العين الزوجات (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) قالوا بيض النعام هو المقصود في هذه الآية لأنه أجمل البيض من حيث اللون وفي حفاظ تلك البيضة على ما فيها. قال (عين) عين يعني جميلات العوين كبيرات العيون، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ) هناك يتساءلون (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) وهنا يقول (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) وهم جالسون على سرر يأكلون ويتفكهون يقول أحدهم لآخر (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) كان لي صديق في الدنيا قديم ويريد أن يعرف الآن أين هذا الصديق ولكن هذا الصديق يدعوه إلى الشر (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52)) وهو من جملة المكذبين المستكبرين الساخرين (يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾) مدانون يوم القيامة. قال له الملك أو قال هو (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ) انظروا أين هو هذا الرجل (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ) يعني في وسط الجحيم وهذا من تمام السعادة أن ينظر الإنسان إلى مكان كان يمكن أن يصير إليه وقد حجب عنه وحتى في القبر يفتح له إلى النار فيقال هذا مكانك لو لم تؤمن وهذا من كمال السعادة. قال (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ) فأصبح الحوار بينه وبين الذي في جهنم، الثاني لم يتحدث (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾) محضر معك في العذاب، ترك الحديث ولم يتحدث معه وتحدث هذا المؤمن مع من بجواره (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) الموت ذهب في الدنيا يعني هل سنبقى في هذا النعيم إلى أبد الآبدين؟ وهذا من تمام النعيم أن أهل الجنة لا يموتون (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) (إلا) يعني لكن (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى) يعني هي موتة واحدة سبقت هذا في النار وهذا في الجنة (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ثم جاء الحديث الذي خرج من قلبه (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
د. الشهري: العجيب لما يسمع المشاهدون قوله (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾) يظنون أنه شخص قد مات وانتهى لكن الحقيقة أن هذا القرين موجود حتى في زماننا هذا أنت تقرأ الآن في كثير من الكتب الإلحادية ومواقع الانترنت التي تروج الإلحاد وتفسد الشباب والشابات والقراء وكلها تشكك في البعث وتشكك في الله وتشكك في الرسول صلى الله عليه وسلم وتشكك في القرآن تماماً نفس الفكرة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) هذه قصة تتجدد
د. فهد: كثير من الناس الذين انحرفوا وضلوا سواء ضلال فكري أو عقيدة إذا سألتهم عن سبب الضلال تجد أنهم يرجعون إلى رؤوس وإلى أناس غير معروفين يعني يضلون بسبب أنهم اتبعوا ناس لم يعرفوا ونحن منهج أهل السنة والجماعة العالِم يُعرَف عندنا وذكر هذا العلماء في كتب الاعتقاد أن العالِم يعرف إما بعلمه أو بكتبه أو بشهادة العلماء له وهذا موجود في تاريخ الأمة
د. الشهري: ويصدق كلامك آية في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69) المؤمنون) دلالة على أن معرفة الرسول ومعرفة من تأخذ عنه
د. فهد: يجب، لا يجوز للإنسان أن يأخذ من شخص لا يعرف من هو. إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وقد جاءني قديماً أحد الناس بمذكرة انتقادات أحد الناس لفلان عالِم سألته من الكاتب؟ قال لا أعرف، ما يعرف من كتب، قلت له أن الشخص الذي كتب فيه مزكّى وزكاه من هو معروف وتأتي بشخص لا يعرفه الناس وتتبعه؟! والذي أضل الناس اتباع عبد الله بن سبأ، من هو عبد الله بن سبأ؟ مجهول في نسبه، اتبعوه فضلوا وكذلك بولس اليهودي. نحن إذا ركزنا على اتباع الأعلام والرجوع إلى كبار العلماء فإننا بغذن الله سنهتدي لأن هؤلاء أعلام الهدى كما يقول عدد من السلف.
د. الشهري: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ)
د. فهد: يعني لمثل هذا المصير الذي هو الجنة فليعمل العاملون، كل عمل عملوه حتى لو كان مضنياً ومتعباً حتى هذا الشخص الذي رأى صاحبه في النار لو كان من حين ما خلق إلى أن مات في سجدة هل يستسخر هذه السجدة؟ لا والله. والله عز وجل لم يطلب منا شيئاً يطلب خمس صلوات في اليوم والليلة فمن أدّاها فقد دخل الجنة مع الإيمان والتقوى وهذا يدل على أن الإسلام وأن الأعمال المكلف بها العبد لا يكلف إلا بما يطيق (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) البقرة) وإذا عجز لأي سبب من الأسباب سييسر له الشرائع. وعلماء الأصول يقولون إن الله عز وجل لا يكلف ما لا يطاق وإذا كلف بأمر وعرض عارض للعبد لا يطيقه يجعل له تيسيرات مثل في الصوم والصلاة أو في الحج وفي كل عباداته. ثم رجع مرة أخرى جعل المؤمنين بين مصيرين
د. الشهري: يبدو لي هذا الأسلوب يتكرر في القرآن يزاوج بين ذكر الترغيب وذكر الترهيب، ذكر البشارة وذكر النذارة.
د. فهد: هذا السؤال لا يمكن للإنسان الإجابة عنه إلا بجواب واحد (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) ذلك المكان والنزل والفاكهة والحور العين خير نزلاً أم شجرة الزقوم؟ أسوأ ما في النار هذه الشجر حتى لا يعرف عند العرب شكلها ولذلك شبه لهم بما لا يعرفونه أصلاً قال (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ) كيف فتنة؟ خبر هذه الشجرة فتن الناس مثل خبر الإسراء يقولون كيف يجعل الله شجرة في النار؟ النار تحرق الشجر فازدادوا تكذيباً (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) يعني وسط النار، هذه عظمة، كيف نار تنبت فيها شجرة؟! هذا من جوانب العظمة في هذه السورة (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) غير معروفة عند العرب لكن رؤوس الشياطين شيء بشع شيء لا ينظر إليه ويخوف به فإذا كنا نحن نخوف به ولا نعرفه فكيف لو رأيناه ولم نره على حقيقته رأيناه في شجرة أيضاً هذا كله تبشيع للمنظرين.
د. الشهري: يذكرون قصة في ترجمة أبي عبيدة وإن كان بعضهم يشكك فيها في هذه الاية يقولون إن العرب تشبه الشيء المجهول بالشيء المعلوم لكي تعرف الشيء المجهول لكن في القرآن الكريم تشبيه لشيء مجهول بشيء مجهول عندما قال (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) فقال أبو عبيدة هذا صحيح لأن العرب استقر في أذهان العرب وفي لغتهم أن الشيطان يضرب به المثل في البشاعة فقالوا رؤوس الشياطين تخيلوا أنها أشد أوجه البشاعة
د. فهد: مثل الغول العرب تخوف بالغول وما رأت الغول. طرأ لي أن أنبه على قضية التفسير وعلم السلف بالتفسير لأن كثير من الناس يقول أن السلف علموا كل شيء وبعضهم يقول لم يعلموا كل شيء وصار جدل بين علماء أهل التفسير في هذه القضية إذا قسمنا القرآن إلى أقسام نستطيع أن نحل هذه الإشكالية، السلف والعرب لا يخفى عليهم شيء في لغة القرآن هذه لغتهم كل كلمة لا يوجد في القرآن كلمة ليس لها معنى يعرفون معناها ويعرفونمعاني الجمل، الشيء الثاني نأتي للحقائق بعضها يعلمها الناس حقيقة الأرض حقيقة السماء حقيقة المطر، ينظرون إليها إذا قلت أرض يعرفون حقيقة الأرض وإذا قلت مطر يعرفون حقيقة المطر وبعضها لا يعرفونها مثل حقائق صفات الله عز وجل باجماع الأمة أن السلف والخلف لا يستطيعون أن يصلوا إلى حقيقة صفات الله يعرفون المعنى يعرفون معنى الحي معنى القيوم معنى السميع معنى البصير معنى الاستواء على العرش لكن كيف؟ لا يستطيعون أن يصلوا إلى هذه المرحلة وهذه لا يمكن لإنسان أن يقول أنهم وصلوا إليها. كذلك حقائق الظواهر الكونية حقائقها لم يصل إليها السلف، لم يصل السلف إلى كيف تجمعت السموات هذه تحتاج إلى وحي وتحتاج إلى علم الآن مثل علم البحرا والظلمات الثلاث السلف لم ينظروا إلى الظلمات التي في البحار لكنهم علموا معناها وفهموا معناها ولو جاء وأثبتها العلم الحديث الآن نقول لا يضر السلف أن يعلموها على الحقيقة وإن كانوا علموا معناها، هذا يحل مشكلة هل علموا أم لم يعلموا. (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا)هذه الشجرة ليست للنظر (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا) إلى أي حد؟ (فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)
د. الشهري: سبحان الله! مع مرارتها لكن لا بديل عندهم
د. فهد: يقول بعض المفسرين أن امتلاء البطن بسرعة أنهم لا يهضمون مباشرة يأكلون، إشارة إلى أنهم لا يستطيعون أن يهضموا هذا الأكل (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ (17) إبراهيم) قال (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ) مشوبة بالحميم مخلوطة بالحميم الذي هو صديد أهل النار الحار هل هذا يساوي فاكهة أهل الجنة؟! لا يساوي ذلك النعيم. وإذا انتهوا من الأكل (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) لو انتهوا من الأكل لا يخرجون وإنما يرجعون إلى المصير الأول فهم من سيء إلى أسوأ، ما هو السبب في هذا كله؟ (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ) وجد أباه على أمة واتبعه، وكثير من الأمم الاسلامية تجد اب كافر وولد مسلم وتجد في مجتعات كبيرة لو دعوا إلى الاسلام ووضح لهم الدين لاتبعوا الدين مباشرة لكن يوجد بعض الرؤوس الذين يقولون للناس أن هذا هو الدين الحق كما يوجد عند الشيعة الرافضة الآن الرافضة لو دعي العامة لآمنوا لأنهم ينظرون ويرون الحقائق اليقينية لكن زعماؤهم يلبسون عليهم، الأئمة المضلين يحولون بينهم وبين الهداية وهم الذي سيتبرأون منهم يوم القيامة كما أخبر القرآن.
د. الشهري: لعلنا ننتقل للقصص الذي ورد في السورة.
د. فهد: ابتدأ من قوله (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) ثم تبدأ ست قصص للأنبياء،
د. الشهري: أنت قلت أن الجزء الثاني يتحدث عن نماذج
د. فهد: انتهينا من قضية تأصيل قضية تؤمن بالله عز وحل وتعبده وتوحده والمصير. ثم جاءت الأمثلة لمن أطاع الله عز وجل من المؤمنين. يبدأ القرآن بنوح لأنه أول الرسل وهو أبو الانبياء (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴿٧٥﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴿٧٧﴾) الكرب العظيم هو الغرق، هل نجى أهله كلهم؟ لا، إلا من آمن ابنه ليس منهم. قال (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) لم يبق من ذرتهم إلا ذرية نوح فكل الموجودين الآن هم ذرية نوح (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) يعني تركنا له ذكراً حسناً يفسر بقوله (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)
د. الشهري: نوح عليه السلام أول الرسل ومنهم من قال آدم لكن أكثرهم على أن نوح أول الرسل ويبقى في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ولم يؤمن معه إلا قليل وزوجته وابنه لم يؤمنوا به والعجيب أنه كان في أول الخلق قد يقول قائل في ذلك الوقت لم يكن هناك شبهات ولم يرسخ الضلال ومع ذلك لاحظ المدة لكن الدعاة اليوم لا يجدون المشقة التي وجدها نوع في الدعوة بأي حال من الأحوال
د. فهد: وهم لا يدعون كفار وإنما يدعون مسلمين! فصة نوح هنا مختصرة لأنه مفصلة في مواضع أخرى ثم جاء إلى قصة إبراهيم عليه السلام – ونلاحظ النصرة في كل القصص- (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) يعني من شيعة نوح (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) على عقيدة صحيحة ليس فيه شوائب الشرك (مَاذَا تَعْبُدُونَ) ابراهيم عليه السلام مشكلته مع قومه الشرك وعبادة الاصنام وهم كانوا أهل فلك ونجوم وكواكب، قال لهم ابراهيم (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) أتكذبون وتضعون هذه الآلهة و تعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: (أَئِفْكًا) يعني تقلبون الحقائق
د. فهد: هذه الجملة عجيبة (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ما هذه العقيدة التي في صدوركم تجاه الله؟! تجاه رب العالمين؟ ما هذا الظن وهذا الاعتقاد الذي في داخكم تجاه رب العالمين هو رب العالمين هو خلق الكواكب والنجوم والأصنام فكيف تعبدونها من دون الله؟!. ثم قال (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) كثير من المفسرين قال أنه أراد أن يتفكر والعرب إذا أرادت أن تفكر تنظر في السماء قال (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) يفكر كيف يستطيع أن يبقى حتى يكسر الأصنام فوجد الحيلة فقال إني سقيم. وبعض العلماء قال نظر إلى النجوم ومرض بسبب هذا وهذا غير صحيح
سؤال: ما هي الحكمة في إلقاء ابراهيم عليه السلام النظر إلى النجوم؟
د. فهد: هذه عادة العرب والقرآن يسير على عادات العرب، عادة العرب في الكِبْر أن ينأى بجانبه هذا ورد في القرآن (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ (83) الإسراء) وإذا أرادوا أن يفكروا ينظروا إلى السماء هذا جاري على عادة العرب وليس هناك عله أن النجوم أصابته بمرض هذا لا يقوله إنسان فإبراهيم إمام الموحدين عليه السلام. (فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) هذه الحيلة حتى يتخلف عنهم ويبقى مع الأصنام ويكسر الأصنام وواضح أن إبراهيم عليه السلام يوم القيامة يعتذر عن الشفاعة بسبب هذه الجملة وسماها النبي صلى الله عليه وسلم الكذبة وقال كثير من العلماء أن المراد ليست كذبة كما يفهمها الناس أنها بخلاف الحقيقة وإنما تورية تورى عليهم أنه سقيم يعني أنا سأجلس كجلوس القيم أو سأتخلف عنكم كتخلف السقيم فهذا قد يكون من التورية. (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) صار الحديث الآن بين ابراهيم والآلهة إبراهيم عليه السلام من الأئمة الموحدين وهو يعلم أن هذه الأصنام لا تجيب فلماذا تحدث مع هذه الآلهة؟ قال (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ) هذا دليل على شدة غضبه أنت عندما تغضب تتحدث مع جماد تضربه لا يفهمك فإبراهيم عليه السلام كان غضباناً من هذه الآلهة التي أضلّت الناس ذكر جملتين (أَلَا تَأْكُلُونَ) مباشرة (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ). ثم قال (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) إما بيده اليمين أو بقوته عليه السلام فمباشرة علموا أن هذه الأصنام قد كسرت فأقبلوا إليه يزفون أي يسرعون قال (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهذا فيه شدة قلبه عليه السلام جابههم مباشرة هذه تنحتونها أنتم تحدونها بأيديكم ومع هذا تجعلونها أمامكم وتخضعون لها. (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) إما خلقكم وخلق أصنامكم أو خلقكم والذي تعملون كل الاحتمالات واردة في هذه الآية. قالوا (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) وذكر الله القصة وكيف أنجاه (يا نار كوني بردا) ثم هاجر ابراهيم وتركهم. وفي الهجرة بشره الله تعالى بغلام حليم وهذا الغلام الحليم اختلف العلماء من هو؟ أولاً أجمع العلماء على أن بكر ابراهيم هو اسماعيل وأمه هاجر وهذا ذكره ابن كثير وذكر الاتفاق عليه. الغلام الحليم عدد من العلماء قالوا هم اسماعيل عليه السلام وهو الذي بلغ معه السعي وهو الذي أمر بذبحه وهذا ذهب إليه ابن كثير وذهب إليه مجموعة من العلماء ابن حنبل وابن تيمية وأبو حاتم الرازي من المحدثين عدد من الصحابة ابن عمر وغيره وابن عاشور من المعاصرين على أن المقصود اسماعيل ابن ابراهيم عليه السلام. قال (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) بلغ الثانية عشرة الثالثة عشرة كما يقول البعض (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) لما جاءه الأمر بالمنام ولم يأتيه في اليقظة؟ قال بعض العلماء فيه ترفق بابراهيم عليه السلام لو كان جاءه ملك وقال اقتل ابنك لكان فيه شيء من الشدة والقوة لكن لما رآه في المنام وجلس ورؤيا الأنبياء وحي ثم عبرها ث جاء غلى ابنه هذا أخف من أن يقال له اقتل ابنك الآن. ثم نلاحظ في هذه الاية عظم تربية الابن الصالح اسماعيل النبي الرسول عليه الصلاة والسلام. كيف أجاب والده؟ قال العلماء إن ابراهيم أمر بأمرين أُمر بالذبح وأمر أن يشاور ابنه ولو عصى الإبن لصار مثل ابن نوح عليه السلام. (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) ما قال اذبحني لأنه أراد أن يثبت القضيتين أنه وحي مأمور ويثبت استجابته (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ) يعني استجبت (مَا تُؤْمَرُ) يعني هو وحي وليس لك طاقة فيه (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وهذا يدل على أن القضية حقيقة ما كان ابراهيم يعرف أن الأمر مشهد لا، كانت حقيقة كان هو حزيناً وابنه حزين(فَلَمَّا أَسْلَمَا) انتهى الموضوع وذهبا إلى مكان الذبح (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ابن عاشور قال المقصود الصفحة اليمين أو اليسار وأنكر أن يكون الجبين في المقدمة بعض العلماء يقولون هو المقدمة، المهم وضعه بحيث لا يريد أن يرى وجهه لأن الابن من أغلى الناس على الاب هل يتصور أن يؤذي الأب ابنه؟ لا يمكن. (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) وضع السكين جاء النداء وهو ما كان ينتظر هذا هو يريد أن يذبحه ويصدق الرؤيا (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿١٠٤﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾) كما ورد في القرآن (صدق رسوله الرؤيا بالحق) ورؤيا الأنبياء حق (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وأنت من المحسنين وهناك قال (إنا كذلك نجزي الظالمين). (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) يعني لسان صدق. الخلاف في قضية اسماعيل واسحق خلاف طويل ابن جرير الطبري ذهب إلى أنه إسحاق
د. الشهري: وهذا الشيء الذي أستغربه لكن لعلنا نشير إلى هذا. الآن في قولك أنه اسماعيل عليه السلام هذا يؤيد ما ذكرته في مقصد السورة تعظيم الله عز وجل، ابراهيم عندما يبتلى بذبح بكره ووحيده لا ينطبق البكر والوحيد إلا على اسماعيل والأمر الثاني أن الابتلاء هو أن تبتلى بابنك الوحيد والبكر وليس الثاني
د. فهد: هم ربطوا بين الذبح والكبش ومواطن ومواقيت الحج، اين مواقيت الحج؟ في مكة واسماعيل كان في مكة. وقرن الكبش كما هو موجود في كتب التفسير وكتب الحديث أنه كان مربوطاً بالكعبة وهم كانوا يفتخرون بالكبش لأنهم هم أتباع وأولاد إسماعيل كانوا يفتخرون أنهم أبناء الذبيح وربطوا هذا الكبش إلى وقت النبي صلى الله عليه وسلم حتى احترق في وقت عبد الله بن الزبير
د الشهري: بعضهم يشكك في هذا. ابن جرير الطبري رجّح أن الذبيح إسحاق لكنني أقول أن هذه المسألة تحتاج إلى بحث عند ابن جرير بالذات لأن اختياره وترجيحه لأسحاق في هذا الوموضع بالذات غريب على غير عادة ابن جرير، واستدل قال أن أول اتفاق على أن الغلام الذي بلغ معي السعي والذي بُشر به أنه هو الذي ذبح (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) والبشارة لم تكن في القرآن الكريم ظاهرة إلا بإسحاق كما في سورة الذاريات وغيرها، البشارة فعلاً بإسحاق وليست بإسماعيل لأنها كانت أثناء مرور الملائكة إلى لوط لكن هذا غير صحيح أنه لم يبشر بإسماعيل بدليل أنه في نفس الآيات قال بعد أن ابتلي (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)
د. فهد: هم يقولون هذه بشارة أخرى بالنبوة
د. الشهري: لكن هذا خلاف الظاهر
د. فهد: وأيضاً إسحاق لما بشر به إبراهيم عليه السلام بشر به وبابنه (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) هود) الآن لو قلت اذبح ولدك وسيأتيك منه ولد لا يمكن سيعرف إبراهيم عليه السلام أن هذا ليس
د. الشهري: هم يقولون أنه ليس بالضرورة أن يكون بشره بهما في وقت واحد لكن أفضل ما يمكن أن يستدل به أن ظاهر الآيات واضح أنه بشره بإسماعيل ثم لما نجح في هذا الابتلاء هو واسماعيل بشره بإسحاق
د. فهد: لماذا القرآن لم يذكر إسماعيل أو إسحاق؟ ذكر بعضا المفسرين ابن عاشور وغيره قال لا يريد أن يجعل هناك قضية يختلف عليها المسلمون مع اليهود في المدينة لأنهم كانوا سيذهوب إليهم وسيكون هناك إلف اليهود يقولون إنه إسحاق والمسلمون يقولون إنه إسماعيل فلا حاجة لأن يذكر الاسم حتى لا يقع الخلاف بينهما والمشكلة أن الخلاف أصبح موجوداً الآن وتركوا الفائدة من القصة الاستسلام والطاعة واليقين وغير ذلك وأصبحوا يبحثون من هو؟ إسماعيل أو إسحاق؟ النبيان إسماعيل وإسحاق في مرتبة عاليه كلهما في الجنة وكلاهما أنبياء صالحون وأتباعهم إلى يوم الدين، كلاهما خير ونور على نور ولكن الخلاف في هذه القضية جزئي لا يدخل في الأصول.
د. الشهري: تحدثنا عن قصة ابراهيم عليه السلام وقصة اسماعيل وقصة الذبيح. هناك كتاب نفيس جداً أنفس ما قرأت في هذا الموضوع وهو كتاب العلامة عبد الله الفراهي “القول الصحيح في من هو الذبيح” وقد أثبت فيه أنه اسماعيل بن ابراهيم وقال هذه المسألة من أكثر المسائل التي حرفها أهل الكتاب في كتبهم في كتبهم لأنهم أرادوا أن يصرفوا هذا الفضل من بني إسماعيل إلى بني إسرائيل لذلك أكثروا فيها من التحريف حتى ذكر فائدة لطيفة قال تأملوا في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)) قال جاءت هذه الاية وعيداً بعد الآية التي ذكر فيها المروة (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ (158)) قال لأن المروة مذكورة في كتب أهل الكتاب وحرّفوها لأنها هي مربط الفرس في قصة الذبيح لأنه ذكرت المروة في قصة الذبح وهي موجودة في جبل المروة
د. فهد: ابن عاشور ذكر أيضاً أن الذي استدل بكتب التوراة أنه لم يأخذها في سياق واحد هو جمع النصوص في سياق يدل على أنه اسماعيل
د. الشهري: وننبه إلى دراسة ترجيح ابن جرير الطبري لإسحاق في هذه الاية لأنه فيه مخالفة لمنهج ابن جرير الذي تعودنا عليه في الترجيح والاختيار.
د. الشهري: نتجاوز إلى المحور الأخير من سورة الصافات
د. فهد: بعدما انتهت قصة ابراهيم جاءت قصة موسى وهارون باختصار وقصة إلياس ثم جاءت قصة لوط ثم انتهى المقطع الثاني بقصة يونس عليه السلام وهي من القصص العجيبة العظيمة وتبين عظمة الله عز وجل كيف أنجاه وكيف أمر الحوت جاء والتقمه وجلس في بطن الحوت يسبح “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” (سبحانك فيها تعظيم) حتى أنجاه الله عز وجل إلى العراء وأنبت عليه شجرة من يقطين (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (الدباء). قال (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) بل يزيدون. إلى أن بدأ المقطع الأخير قال (فَاسْتَفْتِهِمْ) بعد هذا كله بعدومعرفة العظمة ومن هم الملائكة ومن هم الجن الذين يرمون بالشهب قال (أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) ينسبون إليه الولد، قلنا أن المقطع الأخير يدفع ما يعارض العظمة يعني ينزه الله عن النقائص ومعلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة أن كل نقص يدفع عن الله فإنه يثبت له كمال فإذا نفينا الجهل نثبت كمال العلم وإذا نفينا المون نثبت كمال الحياة وإذا نفينا العجز نثبت كمال القوة وهكذا نفينا الولد ونثبت كمال الاستغناء الله عز وجل غني عن العباد لم يلد ولم يولد. الذي كان في ذهن الكفار أن هؤلاء الملائكة بنات الله وهم أنفسهم لا يريدون البنات (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) الزخرف) أليس هذا نقص في تعظيمهم لربهم أنهم عندما نسبوا خطأ نسبوا الخطأ المركب لم ينسبوا الذكر وإنما نسبوا الأنثى وهذا يدل على ضعف التعظيم لو عظموا الله حق التعظيم ما نسبوا الولد ولو كان عندهم شيء من التعظيم لنسبوا الذكر ولكنهم نسبوا الأنثى مما يدل على ضعف تعظيمهم وتصورهم للإله الحق سبحانه وتعالى. هذا لا يدل على أن الإناث ليس فيهم خير بل يدلع لى أن نظرتهم هم الإناث نظرة دونية نظرة الجاهلية وليست نظرة الاسلام. قال (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ما هذه الحكمة؟! أين العقول التي تدل على هذا؟ هي عقول سقيمة ومريضة ينبغي أن تصحح مفهوم الإيمان ومفهوم الإله الحق فيها. قال (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) تتذكرون تتأملون، لماذا الإنسان لا يعتبر؟ لأنه لا يتفكر ولا يتأمل لأن التأمل والتدبر هو بوابة من بوابات الخير العظمية
د. الشهري: مر معنا في سورة سبأ (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا (46)ٍ)
د. فهد: قال (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ) هل عندكم دليل؟ وهذا فيه منهج أن الانسان إذا قدم معلومة ينبغي أن يقدم لها دليل خصوصاً في العقيدة، في باب الاعتقاد لا يقبل الشك وإنما لا بد من إثبات الدليل لا نقول الدليل اليقيني لأن خبر الآحاد لا يقبل يقبل لكن لا بد من وجود الدليل الصحيح. (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هم ليس عندهم كتاب أصلاً فهذا دليل على أنه سقط في أيديهم وليس عندهم شيء يستدلون به. قالوا أسوأ مما نسبوه إلى الملائكة (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) محضرون في العذاب. مطلع السورة لما تحدث عن الملائكة وصفاتهم يدل على أنهم متذللون خاضعون هل هذه معاملة الوالد للولد؟ لا، هذه معاملة السيد للعبد هم عبيد عند الله عز وجل. ثم في مطلع السورة لما ذكر الشهب الحارقة للجن هل هذه معاملة الصهر لصهره أو النسيب لنسيبه؟ لو كان الجن نسباء لله تعالى الله عن هذا هل يعاملهم هذه المعاملة؟! لا أبداً، هم يشاهدون الواقع أماهم ويعرفون أن الجن لا تستطيع أن تصعد إلى السماء ويرون الشهب الحارقة ومع ذلك يقولون إن الجن أنسباء الله. (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في العذاب. ثم جاء نهاية المقطع ليؤكد قضية التنزيه والتعظيم لله عز وجل الذي يقود إلى الافراد بالعبادة والألوهية قال (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) هذه كلمة عامة كل ما يصفه الجاهلون به الله ينزه نفسه عنه سبحانه.
د. الشهري: والمفسرون كثيراً ما يقولون يصفون هنا يعني يكذبون وأن الوصف في القرآن يأتي بمعنى الكذب.
د. فهد: قال (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) هؤلاء يصفون الله بالحق (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) لن تفتنوا أحداً إلا من هو صال الجحيم. هذا تهديد لما تقول لشخص أنا معي فلان يقول سأعذبك وأعذب فلان هذا شيء عظيم. قال (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴿١٦١﴾ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴿١٦٢﴾ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴿١٦٣﴾) ثم رجع إلى قضية قالوا حديث الملائكة وحديث المؤمنين (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ) حدود، جبريل عندما صعد بالنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وقف وقال هذا مكاني وهو جبريل أعظم الملائكة الذي يسد الأفق كاملاً لا يتجرأ أن يتجاوز لهذا المكان، إذن هذا يدل على عظمة خالقه. قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴿١٦٥﴾ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴿١٦٦﴾) نحن عباد متذللون خاضعون خاشعون هذا هي صفة الإله الحق كيف تقولون نحن بنات الله. قال (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ) رجع إلى كفار مكة كانوا يقولون لو جاءهم كتب يؤمنوا قال (لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴿١٦٨﴾ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿١٦٩﴾). ثم قال (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٨٠﴾ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴿١٨١﴾ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٢﴾) تنزيه عن النقص وإثبات للمحامد لله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: نسأل الله تعالى أن يزيدنا تعظيماً له سبحانه وتعالى وأن يرزقنا كمال الإخلاص والتوحيد له سبحانه وتعالى واسال الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك دكتور فهد ويشكر سعيك فيما تفضلت به.