سورة المعارج إحدى سور القرآن الكريم المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة أو نزلت قبل هجرته إلى المدينة المنورة سواء في مكة أو المدينة، تقع سورة المعارج في الحزب ذي الرقم سبعةٍ وخمسين وفي الجزء ذي الرقم تسعةٍ وعشرين، وأمَّا ترتيبها في المصحف الشريف فيحملُ الرقم سبعين، وهي بعد سورة الحاقة في الترتيب، يبلغ عدد آياتها أربعة وأربعين آية، وسمِّيَت سورة المعارج بهذا الاسم لأنها تصفُ عروجَ الملائكة إلى السماء، قال تعالى: {إلى الله ذي المعارج * تعرجُ الملائكةُ والروحُ إليهِ فِي يَومٍ كَان مِقدارهُ خَمسينَ ألفَ سنة}[١]، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول مقاصد سورة المعارج وسبب نزولها وفضلها.[٢]
تدور مقاصد سورة المعارج
في بداية السورة حول عصيان أهل مكة المكرمة واستهزائهم بالعذاب الذي توعَّد الله تعالى به الكافرين والمشركين، إضافةً إلى معاندتهم ومكابرتهم وعلى رأسهم النضر بن الحارث الذي دعا على نفسه وعلى أهله وقومه بالهلاك، قال تعالى في محكم التنزيل: {إنَّهمْ يرَونَهُ بعِيدًا * ونَرَاهُ قرِيبًا}[٥]، ومن مقاصد سورة المعارج أيضًا أنَّها تبيِّنُ مصير المجرمين والكفار والعذاب الذي أعده الله تعالى لهم، وذلك وعيد من الله، قال تعالى: {يبَصَّرُونهُمْ يوَدُّ المُجرِمُ لوْ يفتَدِي مِن عذَابِ يومِئِذٍ ببَنِيهِ * وصَاحبَتِهِ وأَخِيهِ}[٦]، وتصفُ بعد ذلك النار التي أعدَّها لهم الله تعالى، قال تعالى: {كلَّا إِنهَا لظَى * نزَّاعَةً للشَّوَى * تدْعُو منْ أَدبَرَ وتَوَلَّى * وجَمعَ فأَوعَى}[٧]، وهذه النار ستنادي على الكافر ليأتي وينالَ جزاءه يوم القيامة.[٨] ومن مقاصد سورة المعارج أنَّها توضِّح طبيعة الإنسان وتذكرُ صفاته الطبيعية من جزع عند المصيبة، وعدم شكر الله تعالى على نعمه، إلا من رحمَ الله، وهم المؤمنون الحقيقيون الذين ذكرَ الله صفاتهم بعذ ذلك، قال الله تعالى: {والَّذِينَ في أَموالِهِمْ حقٌّ معلُومٌ * للسَّائِلِ والمَحْرُومِ * والَّذِينَ يصدِّقُونَ بيَوْمِ الدِّينِ * والَّذِينَ همْ منْ عذابِ ربِّهِمْ مشفِقُونَ}[٩]، ثمَّ ختمت مقاصد سورة المعارج الحديث بالإشارة إلى الطمع الموجود عند الكفَّار والمجرمين لدخول الجنةِ رغمَ كفرهم وتكذيبهم للرسل والأنبياء، وفي النهاية تتوعدهم بعذابٍ أليم في ذلك اليوم الموعود، قال تعالى: {يَومَ يَخرُجُونَ منَ الأَجدَاثِ سرَاعًا كأَنَّهُمْ إلَى نصُبٍ يوفِضُونَ * خاشِعَةً أَبصارُهُمْ تَرهَقُهُمْ ذلَّةٌ ذلِكَ اليوْمُ الَّذي كانُوا يوعَدُونَ}[١٠]، والله تعالى أعلم.
السورة السبعون: ذكر العذاب الواقع الذي ليس له دافع قال تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) ثم ذكر اليوم (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)) وختم السورة أيضاً بذكر ذلك اليوم قال تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)) في الأول ذكر اليوم هذا وفي الآخر ذكر حالهم. قال تعالى: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)) هذا يوم القيامة ثم ذكر هذا اليوم في آخر السورة قال تعالى: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)) النُصُب يعني الأصنام.
سورة الحاقة كلها تتكلم عن يوم القيامة من بدايتها (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)) إلى آخرها (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) هي نفسها، فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة, هذا يوم القيامة؛ يوم تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، هذه نفسها.
ذكر في آخر المعارج: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)) وذكر قومه من الذين خاضوا ولعبوا وهم قوم نوح إلى أن قال تعالى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)) ضرب لنا مثلاً بهولاء الذين خاضوا ولعبوا قال تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)) هؤلاء قوم نوح الذين لعبوا واستهزأوا إلى أن لقوا يومهم الذي يوعدون مثل لمن خاض ولب حتى يكون التهديد واضحاً بما ضرب في المثل.
آية (2):
س- ما دلالة اللام في قوله تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟
ج- (د.حسام النعيمى): في ستة مواطن في القرآن ورد (وقع على) لأن الوقوع هو سقوط من أعلى، المناسب للوقوع هو (على)، في مكان جاءت (واقع بهم) استعمل الباء وهنا استعمل اللام (للكافرين) ولكل استعمال غرضه البياني.
من البداية (الباء) في قوله (بعذاب) عادة يقال سأل عن الشيء، سأل بالشيء فلا بد أن يكون لها لمسة بيانية. كان يمكن أن يقول: سأل سائل عن عذاب واقع على الكافرين والله تعالى لا يعجزه ذلك فلما يأتي بهذه الصيغة ينبغي أن نبحث. الباء (بعذاب) الباء للإلصاق كأنه ألصق الشيء يقال كتبت بالقلم كأنه إلتصق بيدك وقد تأتي للسببية (مررت على زيد بهذا الأمر) أي بسبب هذا الأمر. لما نبحث عن أسباب النزول – وليس شرطاً أن نعرف السبب وإنما من عموم اللغة- لكن السؤال هنا لم يكن سؤال مستفِهم وإنما سؤال طالِب. السؤال هو بمعنى الطلب، سأله أي يطلب إجابة وأحياناً يطلب شيئاً. أصل الآية عندما نزلت في إنسان كان عنده نوع من المجابهة ونوع العنجهية (إئتنا بعذاب) أي طلب عذاباً ويقال في الروايات أنه رُميَ بصاعق كما تقول الروايات وهو خارج، سأل العذاب فوقع عليه، فلما طلب هذا الطالب عذاباً (سأل سائل بعذاب) فالباء عند ذلك تكون زائدة – لا نعني أن وجودها كعدمه – لما نقول (وكفى بالله حسيباً) أو (وكفى بالله شهيدا) في غير القرآن يمكن أن نقول وكفى الله شهيداً، (وما ربك بظلام) وما ربك ظلام يقولون الباء زائدة لكن حقيقتها للتوكيد، حقيقة الباء للتوكيد. لما نقول هي زائدة فهذا مصطلح لا يعني أن وجودها كعدمه وإنما نعني أنها لا تتعلق وما بعدها بشيء لأن الجار والمجرور يتعلقان كما نقول (كتبت بالقلم) الجار والمجرور (بالقلم) يتعلقان بالفعل (كتب)، (زيدٌ في الدار) الجار والمجرور متعلقات بزيد أي زيد موجود في الدار. لما نقول (وما ربك بظلام للعبيد) لا نقول الجار والمجرور (بظلام) متعلقة فهي ليست متعلقة بشيء لذا يقال الباء مؤكدة وظلاّم خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها إشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد (الباء تعمل لكن لا تتعلق مع ما بعدها). (بعذاب) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة وجُرّ بالباء لفظاً (وإن كان بعض العلماء لا يجيزون هذه العبارة). سأل سائل كأنه قال طلب طالب عذاباً وجاءت الباء للتوكيد. ليس هذا فقط، صحيح فيها معنى التوكيد فقط وإنما فيها معنى الإلصاق أيضاً أي أن العذاب لاصق به وهذا العذاب فعلاً وقع. ومعاني الباء كثيرة وإبن هشام يذكر لها إثني عشر معنى. يقول العذاب (واقع) سيقع لكن أكبر من (سيقع) (واقع) لا محالة ولم يقل بعذاب سوف يقع فيها تراخي وإنما قال بعذاب واقع، واقع للكافرين إن لم يكن الآن فهو واقع في الآخرة لأن الآيات بعدها تتكلم عن الآخرة لذا قلنا المعنى ليس فقط منحصراً بسبب النزول.
(للكافرين): اللام أيضاً لها معاني من جملتها الملك كأن نقول: الكتاب لزيد أي يملكه. اللام فيها معاني متعددة، هذه اللام لما نقول واقعٌ له، ما الذي وقع له؟ ما الذي امتلكه من الآية؟ امتلك عذاباً، تخيّل أن هذا العذاب يرتبط به كأنه ملكية. وأحياناً تكون للتخصيص أي خاص به، ملكٌ له، مرتبط به. اللام فيها مجموعة من المعاني ولو قيل في غير القرآن: بعذاب واقع على الكافرين تفوت تلك المعاني ويبقى معنى نزول العذاب عليهم فقط. أصل المسألة كأن فيها نوع من المشادة كأنما فأراد أن يجمع لهذا ومن يكون على منهجه أن هذا العذاب سيلصق بكم إلتصاقاً و سيكون كأنه ملك لهم وهذه صورة مخيفة للعرب لأنها أشد لأن تأتي اللام بمعنى على. وهناك ارتباط بين اللام والباء وإبن هشام يقول في كتابه معاني الحروف يذكرإثنا عشر معنى لللام منها المِلك (لله ما في السموات) من معانيها إنتهاء الغاية (كلٌ يجري لأجل مسمى) كأن غاية العذاب ينتهي إليهم، صار ملكاً وغاية. وتنطبق على الآية، والإستعلاء (ويخرون للأذقان) تضمن معنى (على) وزاد عليها معنيين إنتهاء الغاية والملك، فإجتمعت كل هذه المعاني في كلمة (للكافرين).
س- ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟
ج- (د.حسام النعيمى): سؤال طريف حقيقة يدل على تنبّه أنه كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد. الآية الأولى استعملت(ما له من دافع) (ما) فالجملة الإسمية، (ليس له دافع) الجملة فعلية، فالآية التي في سورة الطور آكد يعني فيها تأكيد من الجملة التي في سورة المعارج. لكن يبقى السؤال: طبعاً هنا (ما له من دافع) (من) التبعيضية يعني فيها زيادة تأكيد حتى جزء دافع ما له. (ما و من) بدل (ليس). لو قال: (ماله دافع) ستكون مجرد تأكيد بينما (ما له من دافع) زيادة في التأكيد. يبقى السؤال: السياق الذي وردت فيه الآيتان: لما ننظر فيه نجد أن الآية الأولى التي في الطور فعلاً تنسجم مع شدة التوكيدات والآية الثانية أصلاً ليس فيها توكيد. نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات.
لكن لما نأتي إلى السورة الثانية سورة المعارج (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) هكذا تبدأ السورة فليس فيها جو توكيدات حتى يؤكد. هناك الجو بكامله جو تأكيد فاستعمل الصيغ التي تتناسب مع جو السورة ونحن دائماً نقول حقيقة الكلمة تناسب جو السورة ،الآية تناسب جو السورة هناك تناسب. لما ننظر هنا لاحظ (سأل سائل) كلام اعتيادي لماذا؟ هذا سائل والسائل هنا لا يعني المستفهم وإنما يعني الذي يدعو، هذا شخص لم يذكره القرآن الكريم من هو على عادته في إفال ذكر الأشياء التي لا أهمية لها. (سأل سائل) يعني دعا على قومه ونفسه بالعذاب وهذا معنى سأل والعذاب واقع ، العذاب سيقع سواء هو سأله أو لم يسأله واقع على الكافرين لا محالة. هذا الروح روح سؤال العذاب تتكرر عند العرب في أكثر من موضع. انظر في سورة الأنفال آية 32 و33 (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)) يعني الإنسان ماذا يتوقع؟ العرب كانت تعرف الله عز وجل ويقولون يا الله واللهم (وإني إذا حدثٌ المّ أقول ياللهم ياللهم) يعني حينما يقول إذا أصابنا شيء ندعو، إذا حدثٌ المّ يقول ياللهم يجمع بين يا والميم. فماذا نتوقع من قوم يقولون: يا رب إذا كان ما يقول محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الحق من عندك فما الجواب؟ المنطق: إذا كان هذا هو الحق فاشرح صدورنا له، إذا كان هذا هو الحق فاجعلنا نتّبعه لكن لاحظ هذه القسوة في قلوبهم وأن تأخذهم العزة بالإثم، هذه الشدة فقالوا (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) يا مساكين أنتم تقولون إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة؟ يعني كيف؟ هذا يدل على انفعالهم الوقتي. يعني هم منفعلون لأن القرآن الكريم بعد ذلك وضّح لنا حالتهم النفسية كيف قال لاحظ وهذه صورة عجيبة في البيان القرآني (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وجودك يا محمد (صلى الله عليه وسلم) في هؤلاء مانع من العذاب. مانع أوّل و(وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) معناه أنهم بعد هذا القول بلحظات صاروا يستغفرون: اللهم اغفر لنا، يخشون أن ينزل عليهم العذاب.
هل أفادت التعدية بالباء معنى التكذيب؟ التعدية بالباء في (بعذاب) حقيقة سأل بالشيء يعني كأنه دعا به لبيان أن هذا الفعل قد استُخدم في معنى آخر غير المعنى الأساسي الذي هو الاستفهام لكن هذا السؤال هو دعاء أيضاً أو طلب فهو طلب هذا العذاب لكن حمّله معنى الدعاء أنه طلب بدعاء فدخلت الباء كما تدخل على الفعل دعا (دعا بكذا على قومه).
آية (4):
س- ما اللمسة البيانية في ترتيب الملائكة والروح في القرآن (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج) (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) ما اللمسة في تقديم وتأخير الملائكة؟
ج- (د.فاضل السامرائى): يقدم الملائكة في الحركة لأن حركة الملائكة في الصعود والنزول كثيرة قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ (210) البقرة) (أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) آل عمران) وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ (111) الأنعام) فيما كان فيه حركة يقدم الملائكة وفيما كان فيه الحركة قليلة أو ليس فيه حركة يقدم الروح كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) هذه ليست حركة وليست صعوداً أو نزولاً. الروح: قسم قالوا: هو جبريل (عليه السلام) وقسم قالوا: خلق من الله عظيم. يقدم الملائكة ساعة الحركة وإذا جمعت الملائكة والروح في غير ما حركة يقدّم الروح.
س- ما الفرق بين اليوم في كلا الآيتين (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة) (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): هذان اليومان مختلفان: خمسين ألف سنة هو يوم القيامة كما في الحديث الصحيح وكما هو في سياق الآية: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)) هذا يوم القيامة وكل الكلام في يوم القيامة إذن ليس هو نفس اليوم، في سورة السجدة هذا الكلام في الحياة الدنيا قال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) الزمن الذي تأخذه الملائكة للصعود بأعمال العباد إلى السماء. يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة ويُخفّف على المؤمن كالصلاة المكتوبة كما في الحديث وعلى غير المؤمن خمسين ألف سنة والرسول (صلى الله عليه وسلم) بيّنه في حديث في صحيح مسلم. هو هكذا كما ذكر ربنا لكنه يُخفف على المؤمنين أما في آية السجدة هذا في الدنيا وهو ليس نفس اليوم.
هل الزمن في التعبير القرآني له نفس مقدار الزمن كما في حياتنا عموماً؟ ذكرنا هذا سابقاً وقلنا: إن الله تعالى لما يذكر الأحكام الشرعية يذكرها بما نعلم من أيامنا، شهر رمضان، كفارة اليمين، عشرة كاملة، شهرين، فأماته الله مائة عام يعني مائة عام، ثلاثمائة سنين، فهي كما ذكر تعالى. هذه على زمننا نحن, ولما يقول تعالى (مائة عام) فهي كما ذكر. اختلفوا في بعض المسائل, قال تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ (80) التوبة) يبدو لي هذا على الحقيقة لأن الرسول قال: (أرى ربي قد أذن لي بالإستغفار فلأزيدنّ على السبعين) فأنزل الله تعالى: (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (6) المنافقون) يبدو لي أن السبعين على الحقيقة أيضاً. في معلوماتنا الأولية أن سنة المشتري غير سنة الأرض, ويوم المشتري غير يوم الأرض, وكل كوكب يختلف أيامه وسنواته عن أيامنا, فلماذا نستغرب من طول يوم القيامة؟!.
آية (9):
س- من سورتي المعارج والقارعة قال تعالى في سورة المعارج 🙁 وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9))وقال في سورة القارعة 🙁 وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5))فزاد كلمة (المنفوش) في سورة القارعة على ما في المعارج ، فما سبب ذاك؟
ج- (د.فاضل السامرائى):الجواب – والله أعلم :
1- أنه لما ذكر القارعة في أول السورة ، والقارعة من (القَرْعِ) ، وهو الضرب بالعصا ، ناسب ذلك ذكر النفش ؛ لأن من طرائق نفش الصوف أن يُقرعَ بالمقرعة. كما ناسب ذلك من ناحية أخرى وهي أن الجبال تهشم بالمقراع – وهو من القَرْع – وهو فأس عظيم تحطم به الحجارة ، فناسب ذلك ذكر النفش أيضاً.
فلفظ القارعة أنسب شيء لهذا التعبير. كما ناسب ذكر القراعة ذكر (الفراش المبثوث) في قوله :(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) أيضاً ؛ لأنك إذاقرعت طار الفراش وانتشر. ولم يحسن ذكر (الفراش) وحده كما لم يحسن ذكر (العهن) وحده.
2- إن ما تقدم من ذكر اليوم الآخر في سورة القارعة ، أهول وأشد مما ذكر في سورة المعارج . فقد قال في سورة المعارج :(تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبراً جميلاً * إنهم يرونه بعيداً* ونراه قريباً). وليس متفقاً على تفسير أن المراد بهذا اليوم ، هو اليوم الآخر. وإذا كان المقصود به اليوم الآخر فإنه لم يذكر إلا طول ذلك اليوم ، وأنه تعرج الملائكة والروح فيه. في حين قال في سورة القارعة :(القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة) فكرر ذكرها وعَظَّمها وهوَّلها. فناسب هذا التعظيم والتهويل أن يذكر أن الجبال تكون فيه كالعهن المنفوش. وكونها كالعهن المنفوش أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفش كما هو ظاهر.
3- ذكر في سورة المعارج أن العذاب (واقع) وأنه ليس له دافع (سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع) ووقوع الثقل على الصوف ، من غير دفع له لا ينفشه بخلاف ما في القارعة ، فإنه ذكر القرع وكرره ، والقرع ينفشه وخاصة إذا تكرر ، فناسب ذلك ذكر النفش فيها أيضاً.
4- التوسع والتفصيل في ذكر القارعة حسَّن ذكر الزيادة والتفصيل فيها ، بخلاف الإجمال في سورة المعارج ، فإنه لم يزد على أن يقول :(في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة).
5- إن الفواصل في السورتين تقتضي أن يكون كل تعبير في مكانه ، ففي سورة القارعة ، قال تعالى :(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش). فناسبت كلمة (المنفوش) كلمةَ (المبثوث).
وفي سورة المعارج ، قال :(يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن*). فناسب (العهن) (المهل).
6- ناسب ذكر العهن المنفوش أيضاً قوله في آخر السورة :(نار حامية) لأن النار الحامية هي التي تذيب الجبال ، وتجعلها كالعهن المنفوش ، وذلك من شدة الحرارة ، في حين ذكر صفة النار في المعارج بقوله :(كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) . والشوى هو جلد الإنسان. والحرارة التي تستدعي نزع جلد الإنسان أقل من التي تذيب الجبال ، وتجعلها كالعهن المنفوش ، فناسب زيادة (المنفوش) في القارعة من كل ناحية. والله أعلم.
7- كما أن ذكر النار الحامية مناسب للقارعة من ناحية أخرى ، ذلك أن (القَرَّاعة) – وهي من لفظ القارعة – هي القداحة التي تقدح بها النار.
فناسب ذكر القارعة ، ذكر الصوف المنفوش ، وذكر النار الحامية ، فناسب آخر السورة أولها.
وبهذا نرى أن ذكر القارعة حسَّنَ ذكر (المبثوث) مع الفراش ، وذكر (المنفوش) مع الصوف ، وذكر النار الحامية في آخر السورة. والله أعلم.
آية (11-14):
س- ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس)؟ ولماذا اختلف الترتيب مع آية سورة المعارج (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14))؟
ج- (د.فاضل السامرائى): أولاً في (سورة عبس) قال: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) إذن هو مشهد الفرار وليس مشهد العذاب مشهد الفرار يخلو بنفسه والفرار عادة يكون من الأباعد ثم ينتهي بالأقربين. المذكورون هم الأخ والأم والأب والصاحبة أي الزوجة والأبناء، الأبعد هو الأخ قد نكون في مدينة واحدة ولا يرى أحدنا أخاه لسنة بينما يأوي الإنسان كل يوم إلى بيته وزوجه وأولاده. الأب أقدر على الدفع من الأم، الأم تبكي وتصرخ بينما الأب يعين ويدفع وينفع هذا مشهد فرار فلكون الأم لا تستطيع أن تفعل له شيء فهي أبعد من الأب في هذا المشهد هو يحتاج إلى الإعانة فالأب قريب للنجدة، الأعرابي إذا ما بُشّر بمولودةٍ قال: والله ما هي بنعِم الولد نصرُها بكاء وبِرُّها سرقة، تريد أن تنصره تبكي, وبرها صدقة؛ تأخذ من مال زوجها وتعطي. الأب أقدر على المنع والدفع في الفرار. ثم الصاحبة والأبناء، الأبناء أقرب من الزوجة لأن الزوجة يمكن أن يطلقها لكن الأبناء أقدر على الزوجة من النفع والإعانة قد يستعين بأبنائه ولا يستعين بالزوجة. فلما كانت الآية تصور مشهد الفرار والفرار يكون من الأبعد إلى الأقرب فأبعدهم الأخ وأقربهم الأبناء فرتبها هكذا.
في آية المعارج مشهد آخر، هذا مشهد عذاب، مجرم أدركه الجزع والأمر ليس فيه مساومة فأراد أن يفتدي بأثمن ما لديه. أولاً ربنا قال مجرم والمجرم يود النجاة بكل سبيل ويضحي ببنيه لأنه يصنع أيّ شيء. ذكر القرابات (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)) فبدأ بأقرب القرابة ثم ربنا قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)) فبدأ بالأقرب. لكن الملاحظ أنه ذكر الأخ والأبناء والصاحبة ولم يذكر الأب والأم في الفداء لعظيم منزلتهما عند الله لا يجرؤ أن يفتدي بهما لأنه عندما يفتدي الشخص يفتدي بمن يحبه الشخص المقابل صاحب الشأن. لو أراد شخصاً أن يفدي نفسه عند حاكم يفتدي بما يريده الحاكم لا بما يرضيه هو فلو افتدى بهما يقال له: هذا ما وصيتك به؟! تفتدي بهما وأنا أوصيتك بالإحسان إليهما وأنت تضعهما في النار؟!، لا يجرؤ مع أنه مجرم أن يفتدي بأبيه وأمه لعظيم منزلتهما عند الله لا يستطيع أن يقول أنا أفتدي بأمي وأبي، يقال له تعصي أمري الآن؟
*د.فاضل السامرائى : ربنا لما ذكر (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) المعارج) لم يذكر الأب والأم بينما في سورة عبس ذكر في الفرار الأم والأب. في الفداء قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) يفتدي من العذاب، يفدي نفسه من العذاب فلا بد أن يقدم شيئاً ما فيقدّم بنيه بدلاً منه وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه أي عشيرته ومن في الأرض جميعاً ولم يذكر الأم والأب لأنه لا يستطيع أن يقدمهما لأن ذلك سيغضب ربه. يقول أنا أمرتك بالإحسان إليهما فكيف يفتدي بهما؟ هذا لعظيم منزلة الأبوين عند الله المجرم لا يجرؤ أن يفتدي بالأم والأب والله تعالى أمر بالإحسان إليهما وكأن هذا الإحسان دنيا وآخرة. أنت عندما تفتدي عند صاحب الأمر والنهي تفتدي بما يحب لا بما يكره، فربنا يكره أن تفتدي بالأب والأم لا يحب ذلك وإنما ينبغي الإحسان إليهما. فهذا يدل على عظيم مكانة الأبوين عند الله.
إذا كان الله تعالى يحب الأبوين هكذا فلم لا نقدمهما فداء؟
يقدمهم فداء حتى يدخلوا النار مكانه؟! هل هذا جزاء الإحسان إليهما؟ وهل يدخلهما النار مكانه؟!
س- ما دلالة صيغة المبني للمجهول في قوله تعالى (يُبصّرونهم) في سورة المعارج؟
ج- (د.فاضل السامرائى): قال تعالى في سورة المعارج: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)). ليس فيها ما يدعو للغرابة. يُقال في العربية بصُر به وهو فعل لازم غير متعدي (كل صيغة فَعُل فهي لازمة).
أبصَرَ: متعدي (وأبصرهم فسوف يبصرون).
بصّره: معناه أراه يتعدى إلى اثنين أو بالباء يُقال: بصّرته زيداً أي أريته إياه.
وقوله تعالى يبصّرونهم بمعنى أنه يوم القيامة يُري بعضهم بعضاً فهذه صيغة مضارع مبني للمجهول.
س- وردت (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ (66) هود) كلمة (يومِئذ) الميم مكسورة غير يومَئذ؟
ج- (د.فاضل السامرائى): يومِئذ هذه مضاف إليه، كلمة يوم مجرورة مكسورة. فكلمة يومِئذ مضاف ومضاف إليه (من خزي يومِئذ).
س- لما قال تعالى (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) المعارج) ثم ينجيه لم يقل ينجّيه.لماذا؟
ج- (د.فاضل السامرائى): تلك من نجّى تلبُّث يرد أن ينتهي من العذاب بأي صورة أما هذه إشارة إلى أن العذاب لا يمكن أن يُحتمل يفتدى بكل شيء وينجو بسرعة لا أن يمكث لا أن يتلبث (وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) المعارج) لا يحتاج إلى تمهل وتلبث لأن العذاب لا يطاق ولا يستطيع الصبر عليه طويلاً حتى يمكث فيه وإنما يريد أن ينتهي بأي شكل ويبتعد عنه فقال (ينجيه).
آية (19-35):
لمسات بيانية من سورتي المؤمنون والمعارج (من موقع موسوعة الاعجاز):
من سورة (المؤمنون):قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة المؤمنون].
من سورة (المعارج): (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ {23} وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25} وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ {26} وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {27} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ {28} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {29} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {30} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {31} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {32} وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ {33} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{34} أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ )[سورة المعارج].
هناك تشابه كبير بين النصين، كما أن هناك اختلافاً بينهما كما هو ظاهر:
1ـ فقد قال في سورة المؤمنون : (الذين هم في صلاتهم خاشعون ). وقال في سورة المعارج:(الذين هم على صلاتهم دائمون).
2ـ وقال في سورة المؤمنون: (والذين هم عن اللغو معرضون). ولم يذكر ذلك في سورة المعارج.
3ـ وقال في سورة المؤمنون: (والذين هم للزكاة فاعلون). وقال في سورة المعارج: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).
4ـ وقال في سورة المعارج: (والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون). ولم يذكر مثل ذلك في آيات المؤمنون.
5ـ وقال في سورة المعارج: (والذين هم بشهادتهم قائمون) ولم يذكر نحو ذلك في سورة المؤمنون.
6ـ وقال في سورة المؤمنون:(والذين هم على صلواتهم يحافظون)، بالجمع.وقال في سورة المعارج: (والذين هم على صلاتهم يحافظون)، بالإفراد
7ـ وقال في سورة المؤمنون: (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس). وقال في سورة المعارج: (أولئك في جنات مكرمون) .
8ـ قال في سورة المؤمنون: (هم فيها خالدون). ولم يقل مثل ذلك في سورة المعارج.
فما سبب ذلك؟
نعود إلى هذين النصين، لنتلمس سر التعبير في كل واحد منهما.
إن آيات النص الأول، هي مفتتح سورة (المؤمنون) (انظر ملف سورة المؤمنون).
ثم نأتي إلى سورة المعارج, قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ {23} وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25} وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ {26} وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {27} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ {28} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {29} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {30} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {31} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {32} وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ {33} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{34} أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ )[سورة المعارج].
قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا)
بنى الفعل (خلق) للمجهول، ذلك أن المقام مقام ذم لا تكريم مقام ذكر جانب مظلم من طبيعة البشر. والله سبحانه لا ينسب الفعل إلى نفسه في مقام السوء والذم.
قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن قويم) [التين] فنسب الفعل إلى ذاته في مقام المدح وقال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم) و (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) [الأعراف] في حين قال: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) [النساء] و(خلق الإنسان من عجل) [الأنبياء] و(إن الإنسان خلق هلوعاً) [المعارج]
والهلع فسره ربنا بقوله: (إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً)، فهو الجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير.
جاء في (الكشاف): “الهلع سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير و(الخير): المال والغنى و(الشر): الفقر، أو الصحة والمرض إذا صح الغني منع المعروف وشح بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصي”
وجاء في (تفسير ابن كثير): “أي: إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير.
(وإذا مسه الخير منوعاً) أي: إذا حصلت له نعمة من الله، بخل بها على غيره، ومنع حق الله ـ تعالى ـ فيها” .
وجاء في (فتح القدير): “قال في الصحاح: الهلع في اللغة: أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه أي: إذا أصابه الفقر والحاجة، أو المرض ونحو ذلك، أي كثير الجزع وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك، فهو كثير المنع والإمساك” .
والجزع ضد الصبر ونقيضه، وقد قابله الله بالصبر فقال: (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) [إبراهيم] وجاء في (لسان العرب): “الجزوع ضد الصبور على الشر، والجزع نقيض الصبر وقيل: إذا كثر منه الجزع، فهو جزع وجزاع” .
وقد بدأ بالشر قبل الخير، فقال: (إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً) وذلك لأن السياق يقتضي ذلك، فقد بدأت السورة بالعذاب، وهو قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع) وذكر قبل هذه الآية مشهداً من مشاهد العذاب، فقال: (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه كلاً إنها لظى نزاعة للشوى).
فالمناسب إذن هو البدء بالشر، وهو الذي يقتضيه السياق وجو السورة فالإنسان خلق هلوعاً لا يصبر إذا م سه الشر بل يجزع وذكر الجزع ههنا وهو عدم الصبر مناسب لقوله تعالى في أوائل السورة: (فاصبر صبراً جميلاً) فهو يأمر نبيه بالصبر الجميل. والصبر طارد للجزع المقيت الذي طبع عليه الإنسان وتحرر منه من أراد الله له بالخير.
واستثنى من الاتصاف بصفة هذه بشقيها: الجزع والمنع للخير، من ذكرهم بعد هذه الآية بقوله: (إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون)
والدوام على الصلاة معناه المواظبة عليها والانهماك فيها حتى تنتهي، وعدم الانشغال عنها، وليس المراد أنهم يصلون أبداً.
جاء في (البحر المحيط): “ديمومتها، قال الجمهور: المواظبة عليها وقال ابن مسعود: صلاتها لوقتها.
وقال عقبة بن عامر: يقرون فيها ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً”.
وجاء في (فتح القدير): “أي لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبداً”.
وجاء في (روح المعاني): “أخرج ابن المنذر عن أبي الخير أن عقبة قال لهم: من الذين هم على صلاتهم دائمون؟ قال: قلنا الذين لا يزالون وأما ارتباطها بقوله: (إن الإنسان خلق هلوعاً) فهو أجمل ارتباط وأحسنه ذلك أن الدوام الصلاة علاج للجزع، وعلاج لمنع الخير. فإن الجزوع شخص لا يصبر.
وعلاج هذه الصفة أن يتعلم الصبر ويتعوده، والدوام على الصلاة والمواظبة عليها والاستمرار عليها من أحسن ما يعود على الصبر، فإن هذه الأعمال تقتضي صبراً متواصلاً، ولذا لا يدوم، عليها كثير من النسا، فهم يصلون ولمكن لا يدومون على صلاتهم، بل ينشغلون عنها بأنفسهم وقلوبهم وتسرح في دواخلهم صوارف تنال كثيراً من صلاتهم. فالدوام عليها علاج من أنجع الأدوية للتعويد على الصبر والمعافاة من الجزع.
وهي كذلك علاج لمنع الخير ذلك أن الدائم في صلاته يتعود أن يعطي من نفسه ووقته لربه، بل يعطيه نفسه كلها ووقته في الصلاة، وأم يتحرر من العبودية لرغبته وشهوته فيدوم على أمر ليس في مصلحة دنيوية ظاهرة له، بل قد يفوت عليه شيئاً علاجاً كما ذكر ربنا في قوله في صلاة الجمعة”: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) [الجمعة]
فالدوام على الصلاة علاج ناجع لهذه النفوس الجاسية لتسمح من وقتها ومالها وكل ما يربطها برغباتها وشهواتها ولذا لمك يكف بقوله: (إلا المصلين) بل قال: (الذين هم على صلاتهم دائمون).
ثم قال بعد ذاك: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
قيل: إن المراد بالحق المعلوم الزكاة لأنها مقدرة معلومة، وقيل غير ذلك
وعلى أية حال فإن هؤلاء وضعوا في أموالهم حقاُ معلوماً لمستحقه.
وهذه الآية مرتبطة بقوله تعالى في أصحاب جهنم: (وجمع فأوعى) ومرتبطة بقوله تعالى: (وإذا مسه الخير منوعاً).
أما ارتباطها لقوله تعالى: (وجمع فأوعى) فهو ظاهر، ذلك أن الله وصف أصحاب جهنم بقوله: (تدعوا منة أدبر وتولى وجمع فأوعى) ومعنى جمع فأوعى: أنه جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي: فجعله في وعاء وكنزه ومنع حق اله الواجب فيه من مستحقيه أما هؤلاء المعافون من النار، فقد جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، فهم لم يمنعوا حق الله، فلم يكونوا ممن أدبر وتولى وجمع فأوعى.
وأما ارتباطها بقوله تعالى: (وإذا مسه الخير منوعاً) فهو ظاهر أيضاً ذلك أم معنى (وإذا مسه الخير منوعاً) أنه إذا أصابه الخير والمال والغنى بخل ومنع حق لله تعالى فيه كما ذكرنا وهؤلاء جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم فهم معافون مستثنون من صفة الهلع، المذكورة بل إنهم مستثنون من صفة الهلع بشقيها: الجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير ذلك أم قسماً من البخلاء إذا خرج شيء من مالهم، جزعوا وحزنوا كأنما حلت بهم مصيبة، وكان المال ألصق بقلوبهم من أي شيء آخر، هؤلاء جعلوا في أمالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، لم يجزعوا عند خروج المال منهم ولم يعقبوه أنفسهم، ولم يمنعوا السائل والمحروم منه، فإخراج المال إلى الفقراء والمساكين علاج وشفاء لهذا الداء الوبيل.
وهناك لمسة فنية لطيفة في اختيار نوع العذاب في هذا السياق، ذلك أنه قال: (كلا إنه لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى)
ومن معاني (الشوى) جلد الإنسان فهي، أي: جهنم تنزع جلد الإنسان وتبقي الأحشاء بلا جلد. والجلد للأحشاء بلا جلد. والجلد للأحشاء كالوعاء للمال يحفظ ما في داخله، فإن هذا الشخص كما أوعى ماله ومنعه حقه، سيمزق الله وعاء جسمه ويخرج ما في داخله. ولاشك أن جلده ووعاء نفسه أحب إليه من المال ومن كل شيء، ألا ترى أنه يقال للمطلوب: (انج بجلدك)؟ فانظر التناسق الجميل بين المعصية والعذاب، والجزاء من جنس العمل.
ثم قال بعد ذلك: (والذين يصدقون بيوم الدين)
ويوم الدين يوم القيامة، واختيار ذكر التصديق بيوم الدين دون غيره من أركان الإيمان ههنا له سببه، ذلك أن جو السورة في الكلام على هذا اليوم، فقد قال في أوائل السورة: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدار خمسين ألف سنة وهذا اليوم هو يوم القيامة)، كما جاء في الحديث الصحيح.
وقال عن هذا اليوم: (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً) أي: أن الكفار يستبعدون وقوعه ويرونه محالاً، في حين أن هؤلاء المعافين يصدقون به.
وقال: (يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن).
وقال: (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).
فجو السورة والسياق في الكلام على يوم الدين، وختم السورة بالكلام عليه، فكان مناسباً لأن يخصه بالذكر من بين أركان الإيمان الأخرى، فقال: (والذين يصدقون بيوم الدين)
ثم قال: (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون).
وذكر الإشفاق من العذاب مناسب لجو السورة أيضاً، فإن السورة مشحونة بذكر العذاب والكلام عليه فقد بدئت السورة به وختمت به، فقال في أول السورة: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)، وقال في خاتمتها: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة) كما ذكر فيها مشهداً آخر من مشاهد العذاب، فقال: (يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤيه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى).
فاختيار الإشفاق من العذاب أنسب اختيار ههنا.
ولا شك أن الذين يصدقون بيوم الدين، ويخشون عذاب ربهم مستثنون معافون من صفة الهلع. فالتصديق بيوم الدين مدعاة للطمأنينة والأمن في النفوس، فهو يصبر إذا مسه الشر احتساباً لأجر مما فقد أو مما ابتلي به، وإذا مسه الخير، لا يمنع، لأن الله سيعطيه أضعاف ما يعطي.
ثم قال بعد ذلك: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)
وقد مر تفسير ذلك في آيات سورة (المؤمنون) فلا حاجة إلى إعادة ما مر.
غير أن الذي نقوله ههنا: إن هذه الآيات مرتبطة بما قبلها أجمل ارتباط وهي مع ما ذكر معها من الأوصاف منجاة من الهلع وعلاج له.
ذلك أن الذي يصبر على شهوته ولا يندفع وراء رغبته يعود نفسه على الصبر، فلا يجزع إذا رأى ما يستثير ثم لا يهلث وراءها حتى يهتبل هذه الفرصة للتلذذ بها.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية إن حفظ الفروج وعدم إرسالها إلا على مستحقيها، أولى من حفظ المال وكنزه ومنع مستحقه منه.
ثم قال: (والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون)
وقد مر ذلك في آيات سورة (المؤمنون)
وهذا علاج للهلع أيضاً، ذلك أن الأمانة والعهد ربما يلحقان بالمؤتمن ضرراً من سلطة أو متنفذ، ذلك لأن صاحب الأمانة قد يكون مطلوباً لهما فالمؤتمن كأنه يعينه على ما هو عليه أو لغير ذلك من الأسباب وقد يفوتان عليه خيراً كبيراً، وهو مع ذلك يفي بالعهد ويؤدي الأمانة موطناً نفسه على الصبر على ما سيحيق به محتسباً أجر ما يفوته من الخير العاجل عند الله ولا شك أنة هذا مما يكسر الهلع ويضعفه ويعافي منه.
ثم قال: (والذين هم بشهاداتهم قائمون)
“والشهادة من حملة الأمانات وخصها من بينها، إبانة لفضلها لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها وفي زيها تضييعها وإبطالها”.
والقيام بالشهادة معناه: إقامتها على “ومن كانت عليه من قريب أو بعيد، أو رفيع أو وضيع، ولا يكتمونها ولا يغيرونها” ولا يخفون ما علموه منها.
والإتيان بها مجموعة إشارة “إلى اختلاف الشهادات وكثرة ضروبها، فحسن الجمع من جهة الاختلاف”.
والقيام بالشهادات من أنفع الأشياء في علاج الهلع يشقه، ذلك أن القيام بالشهادة، قد يعرض صاحبها للأذى والنيل منه أو قد يفوت عليه فرصة من فرص الخير المادي، والنفع العاجل، فالقيام بها توطين للنفس على استقبال الشر والصبر عليه، وتوطين لها على السماح بالخير، وبذله وعدم منعه.
ثم قال بعد ذلك: (والذين هم على صلاتهم يحافظون)
فختم بالمحافظة على الصلاة، كما افتتح بالدوام عليها، وهذا نظير ما جاء في سورة (المؤمنون) منن الافتتاح بالصلاة والختم بها.
والمحافظة على الصلاة غير الدوام عليها: “فإن معنى الدوام هو أن لا ينشغل عنها بشيء من الشواغل” ، وأن ينهمك بها وتواظب على أدائها.
أما المحافظة عليها فتعني مراعاة شرائطها وإكمال فرائضها وسننها وأذكارها، كما سلف بيان ذلك.
وارتباط هذه الآية بما قبلها واضح فهي مرتبطة بقوله: (وجمع فأوعى) ذلك أن القصد من جعل المال في وعاء، هو المحافظة عليه والصلاة أدعى وأولى بالمحافظة عليها.
ومرتبطة بصفة الهلع أيضاً ذلك أنها علاج لهذه الصفة المستهجنة بشقيها فالمحافظة على الصلاة في مختلف الأوقات وتباين الأزمان في أوقات الرخاء والشدة، والعسر واليسر، والمرض والعافية، والشر، والخير من المنجيات من هذه الصفة، ذلك أن المحافظة عليها تحتاج إلى الصبر الطويل، لذلك قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه]، وتحتاج إلى البذل والسماح بالخير، وقد وصف الله تعالى رجالاً من المؤمنين بقوله: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) [النور]. فالصلاة إذا حضرت أهم من التجارة والبيع، فهم يفرطون بالصفقات واحتمال الربح في جنب الصلاة.
إن الصفات المذكورة أنفع علاج لصفة الهلع المقيت، وإن القائمين بهذه الصفات إنما هم ناجون منها مستثنون من أهلها معافون من بلواها.
ثم قال بعد ذلك: (أولئك في جنات مكرمون).
وقد تقول: ولماذا قال في آيات (المؤمنون): (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وقال ههنا: (أولئك في جنات مكرمون)
فذكر هناك أنهم يرثون الفردوس، والفردوس أعلى الجنة وربوتها، وأفضلها، ومنه تتفجر أنهار الجنة. وثم ذكر أنهم فيها خالدون في حين قال هنا أنهم في جنات، ولم يقل أنهم في أعلى الجنان، كما لم يقل أنهم فيها خالدون كما قال في الأولين.
ونظرة إلى ما في النصين توضح سبب ذلك.
إن آيات سورة (المؤمنون) في ذكر فلاح المؤمنين وآيات سورة المعارج في ذكر المعافين من الهلع وقد جعل كل صفة في مواطنها.
1ـ فقد قال في سورة (المؤمنون): (قد أفلح المؤمنون) فذكر صفة الإيمان على وجه العموم.
وقال في آية (المعارج): (والذين يصدقون بيوم الدين) فذكر ركناً من أركان الإيمان، وهو التصديق بيوم الدين وثمة فرق بين الحالين.
جاء في (روح المعاني) في قوله: (قد أفلح المؤمنون) “والمراد بالمؤمنين قيل: إما المصدقون بما علم ضرورة أنه من دين نبينا rمن التوحيد والنبوة، والحشر الجسماني والجزاء ونظائرها”
فذكر في آية (المؤمنون) المؤمنين بيوم الدين وغيره، وذكر في سورة المعارج التصديق بيوم الدين. فما ذكره في سورة (المؤمنون) أكمل
2ـ قال في آية (المؤمنون): (الذين هم في صلاتهم خاشعون).
وقال في آية (المعارج): (والذين هم على صلاتهم دائمون)
والخشوع أعم من الدوام ذلك أنه يشمل الدوام على الصلاة، وزيادة فهو روح الصلاة، وهو من أفعال القلوب والجوارح من تدبر وخضوع وتذلل وسكون وإلباد بصر وعدم التفات. والخاشع دائم على صلاته منهمك فيها حتى ينتهي.
3ـ قال في (المؤمنون): (والذين هم عن اللغو معرضون) وهو كل باطل من كلام وفعل وما توجب المروءة إطراحه كما ذكرنا.
ولم يذكر مثل ذلك في سورة المعارج، فهذه صفة فضل لم ترد في المعارج.
4ـ قال في (المؤمنون): (والذين هم للزكاة فاعلون)
وقال في سورة (المعارج): (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
وما في سورة (المؤمنون) أعم وأشمل غذ الزكاة تشمل العبادة المالية كما تشكل طهارة النفس فهي أعلى مما في المعارج وأكمل فإنه ذكر في المعارج أنهم يجعلون في أموالهم حقاُ للسائل والمحروم. أما الزكاة فإنها تشمل أصنافاً ثمانية وليس للسائل والمحروم فقط، هذا علاوة على ما فيها من طهارة النفس وتزكيتها كما سبق تقريره.
5ـ قال في سورتي (المؤمنون) و (المعارج): (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فغنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون واذلين هم لأماناتهم وعهدهم راعون).
6ـ قال في آية المعارج: (والذين هم بشهادتهم قائمون)
ولم يذكر ذلك في آيات (المؤمنون) ذلك أنه في سياق المعاناة من الهلع وقد ذكرنا مناسبة ذلك وعلاقته بالنجاة منه. فاقتضى ذلك ذكره وتخصيصه من بين الأمانات.
7ـ قال في آلات (المؤمنون): (والذين هم على صلاتهم يحافظون) بالجمع
وقال في (المعارج): (والذين هم على صلاتهم يحافظون) بإفراد الصلاة.
والصلوات أعم من الصلاة واشمل والمحافظة على الصلوات أعلى من المحافظة على الصلاة لما فيها من التعدد والفرائض والسنن.
فما كانت الصفات في آيات سورة (المؤمنون) أكمل وأعلى كان جزاؤهم كذلك، فجعل لهم الفردوس ثم ذكر أنهم خالدون فيها، في حين قال في سورة (المعارج): (أولئك في جنات مكرمون) ولم يذكر أنهم في الفردوس، ولم يذكر الخلود، فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه.
ثم انظر كيف ذكر في سورة (المؤمنون) المؤمنين وهم المصدقون بيوم الدين وزيادة، وذكر الخشوع في الصلاة، وهو الدوام عليها وزيادة، وذكر فعلهم للزكاة وهي العبادة المالية وزيادة ومستحقوها هم السائل والمحروم وزيادة، وذكر الإعراض عن اللغو وهو زيادة وذكر الصلوات وهي الصلاة وزيادة، ثم ذكر الفردوس وهي الجنة وزيادة في الفضل والمرتبة، وذكر الخلود فيها وهو والإكرام وزيادة.
فانظر ما أجمل هذا التناسب والتناسق، فسبحان الله رب العالمين.
آية (20-21):
س- يأتي الضر مع فعل مسّ ومع الرحمة يأتي الفعل أذقنا ، فما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟
ج- (د.فاضل السامرائى): أولاً هذا التفريق غير دقيق فالذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (23):
س- في سورة المعارج قال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)) ما الفرق بين دائمون و يحافظون؟ وكيف نوفق بينهما؟
ج- (د.فاضل السامرائى): ليس هناك تعارض حتى نوفق بينهما وإنما لكل واحدة مدلول. الدوام يعني المواظبة عليها لا يشغلهم عنها شاغل إذا صلّوا لم يلتفتوا عن يمين وشمال يعني هم ينهمكون فيها حتى تنتهي، يداوم في الصلاة يعني ينهمك فيها فقط ولا يتلفت ولا ينشغل عنها هذه دائمون. أما يحافظون يحافظون على أوقاتها يراعون أوقاتها وإسباغ الوضوء وإقامة أركانها ويحفظونها من الإحباط باقتراف الآثام لأنه إذا اقترف المآثم يحبط عمله إذن يحافظ عليها ويبقيها لكيلا يحبط عمله، يحافظون في مواعيدها ودائمون منهمكون فيها لا ينشغلون بغيرها، الديمومة هنا يعني لا ينشغل عنها.
آية (23):
س- قال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴿23﴾ المعارج) (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿9﴾ المؤمنون) لماذا في الأولى صلاتهم والثانية صلواتهم؟ وفي الأولى دائمون والثانية يحافظون؟ الصلاة واحدة أو إسم جنس جنس الصلاة وهنا يؤكد على أنها خمسة، لماذا؟
ج- (د.أحمد الكبيسى): رب العالمين عز وجل فرق بين يحافظون وبين دائمون يحافظون لا يعني يؤديها تلك دائمون إنما يحافظون يعني يحافظون عليها من الإسقاط والإحباط أنت تصلي مثلاً شخص عنده خزينة يخاف عليها من اللصوص أن يكسروها فرب العالمين أعظم عمل يوم القيامة الصلاة كما تعرفون أول ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة الصلاة هذه الصلاة برغم عظمتها سريعة الإلغاء والإحباط تُحبَط يعني أحاديث كثيرة عن من لا تقبل لهم لا صلاتهم ولا صيامهم مثلاً يقول صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ينفع معهن عمل) من ضمنها الشرك بالله والتولي يوم الزحف وعقوق الوالدين فأنت صلاتك ليست مقبولة بل أصلاً ليست معتبرة أنت لم تحافظ عليها على الصلاة من الإحباط. التهاجر (اثنان لا ترتفع صلاتهما فوق رأسيهما شبراً أخوان متصارمان وعاقٌ لوالديه) فهذا ما حافظ على صلاته صلى وصلى بخشوع لكنه عاقٌ لوالديه خلاص لا تقبل صلاته فما حافظ عليها. القاتل (لا تقبل لقاتل صلاة) طبعاً القاتل بغير حق حينئذ القاتل كان يصلي ويصوم (لن يزال المؤمن بخير ما لم يصب دماً حراماً) فلتكن صحابياً أو ولياً مهما كنت صالحاً مجاهداً عظيماً عالماً لكنك أسلت دماً بغير حق ليس لك عمل، مُحبَط عملك كله. وكذلك شارب الخمر (من شرب خمراً ما تقبل الله له صلاة أربعين يوماً فإن عاد عاد الله لا يتقبل له صلاة أربعين يوماً) كلما يشرب لا تقبل له صلاة أربعين يوماً وبالتالي في النهاية ما يقبل له ولا صلاة إذاً يحافظون على الصلاة من أن تُحبَط وهناك أسباب أخرى ما أحببت أن أسردها كلها. أما دائمون دائم يعني يداوم الموظف أين يداوم؟ يداوم في الدائرة الرسمية والذي لا يداوم في دائرته لا يعطونه مرتباً يعتبرونه غائباً يسجلونه غائباً عن كذا من أجل هذا الصلاة أساسها في المسجد أنت إذا كنت تصلي لماذا قال (صَلَوَاتِهِمْ) لأن خمسة تكون تصليها في المسجد وصلاتك في المسجد أكثر من صلاتك في البيت خمسة وعشرين مرة ولهذا المداومة على الصلاة في المسجد يعني هي التي تجعل الصلاة متجلية بحيث تكون يوم القيامة فيها قوة أن يغفر الله لك بها كل ذنوبك فإن حسنت (أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة الصلاة فإن حسنت حسن سائر عمله) وحينئذٍ كيف تحسن وأنت لا تصلي في المسجد والمسجد بجوار بيتك مثلاً إلا من عذر كما قال صلى الله عليه وسلم والعذر خوفٌ أو مرضٌ هكذا.
س- قال تعالى فى المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ومرة قال سبحانه: (دَائِمُونَ)وقال: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴿23﴾ المعارج) ما الفرق؟
ج- (د.أحمد الكبيسى): دائمون يعني يصليها في مكان الدوام, أنت أين تداوم في الوظيفة؟ في بيتكم؟ تداوم في الدائرة، الصلاة تصلى في المسجد. المحافظون يعني لا يقطع صلاته على أركانها وشروطها وخشوعها لكن دائم لا تعني كل يوم هذه يحافظ، الدائم يؤديها في مكان أدائها في المكان الذي يداوم فيه كما يداوم الموظف في الدوام الرسمي في مكان الوظيفة، ولهذا يا أيها السعودي الكريم خذ أطفالك وصلي بهم في المسجد وسوف تدمن أربعين يوماً إذا صليت بهم كتبت لك براءتان من النار ومن النفاق.
آية (43):
س- وردت كلمة أجداث في القرآن ثلاث مرات, والقبور ثماني مرات, فهل هناك فرق بين الجدث والقبر؟
ج- (د.حسام النعيمى): حقيقة هم يقولون لما نأتي إلى معجمات اللغة أي معجم يعني من اللسان إلى الصحاح الواسعة والموجزة يقول لك: الجدث القبر فالأجداث القبور. لكن السؤال لماذا استعمل القرآن الأجداث هنا ولم يستعمل القبور؟ صحيح الأجداث هي القبور لكن نريد أن نعرف حقيقة كان بإمكان القرآن أن يقول: (يخرجون من القبور) بدل ما يقولون (من الأجداث) طبعاً علماء اللغة يقولون: القبر عام عند العرب كلمة قد يستعملها قبائل اليمن قبائل العرب وما بينهما وقبائل الشام. أما الجدث فالأصل فيه أنه لهذيل. هذيل قبيلة في وسط الجزيرة يعني من القبائل التي اُخِذ منها العربية وتميم أيضاً في وسط الجزيرة لكن الفرق أن الهُذلي يقول جدث بالثاء والتميمي يقول حدف بالفاء. لاحظ تقارب الثاء والفاء، قريش أخذت من هذيل وصارت تستعملها ونزل القرآن بها. هؤلاء الذين في وسط الصحراء أرضهم رملية فتخيل عندما ينشق القبر تتشقق هذه القبور وكلها رمال ماذا سيكون؟ سيكون نوع من طيران الرمال في الجو لتشققها هذا يتناسب مع صوت الثاء بما فيه من نفث. لما نقول جدث وأجداث الثاء فيه نفخ بخلاف قبر وقبور فيها شدة، فيها حركة لكن فيها شدة ليس فيها هذه الضوضاء ولذلك لم يستعمل الأجداث إلا في بيان مشاهد يوم القيامة بينما كلمة قبر وقبور استعملت في الدنيا والآخرة (إذا القبور بعثرت) يعني ما صوّر لنا الصورة. لاحظ الصور أنا جمعت الآيات الثلاث: هي في ثلاثة مواضع وكلها في الكلام على النشور يوم القيامة وعلى الخروج من القبور أو من الأجداث،
الآية الأولى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) يس): يعني جماعات جماعات أفواج ينسلون يتجهون يسرعون في الخروج.
الآية الثانية (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) القمر): ايضاً يوم القيامة وأيضاً فيه هذا الانتشار وسرعة الحركة للجراد كأنهم جراد منتشر.
الآية الثالثة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) المعارج): هذا كله في مشهد يوم القيامة في الحركة والانتفاض. لم تستعمل كلمة جدث وما استعمل أي اشتقاق من اشتقاقاتها استعمل فقط أجداث.وفي هذه الصورة صورة مشهد يوم القيامة. بينما كلمة قبر لأنها عامة استعمل منها الفعل (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) عبس) واستعمل المفرد (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) التوبة) هذا في الدنيا، المقابر في الدنيا، القبور وردت خمس مرات.
آية (44):
س- ما الفرق بين خشعاً ابصارهم وخاشعة أبصارهم وأبصارها خاشعة (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) القمر)، (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) المعارج)، (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) القلم) (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) النازعات)؟
ج- (د.فاضل السامرائى): خُشّع هذا الجمع على وزن فُعّل. والخشوع هو الإنكسار والذلة ويكون للإنسان عموماً وللقلوب وللأبصار والوجوه قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) الغاشية) يظهر فيها الذلة والإنكسار، وقال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون) خشوع عام في القلب والجوارح. خُشّع جمع مفردها خاشع مثل سُجّد ساجد. قال خاشعة أبصارهم وخشّعاً أبصارهم، في الايتين في السؤال (خاشعة أبصارهم) (خشعاً أبصارهم) خشع جمع على وزن فعل هذا الوزن يفيد التكثير والمبالغة نظير قولنا في المبالغة مثل قُلّب، نقول هذا رجُل قُلّب أي كثير التقلب وسريع التقلب، وبَرْق خُلّب أي ليس فيه مطر، ورجُل حُوّل أي كثير التحوّل. هذه من صيغ المبالغة وهي أكثر من فُعَلة هُمزة لُمزة. في المفرد من صيغ المبالغة، هذه جمع خشعاً ابصارهم أي فيها مبالغة الخشوع. هذا المعنى اتضح الفرق بين خاشع وخُشّع، خاشعة إسم فاعل وخُشّع هي جمع يفيد التكثير ومفرده في الأصل على وزن فُعل يفيد المبالغة والتكثير مثل خُلّب وقُلّب. هذا الفرق في الدلالة، يبقى سبب الإختيار لماذا هنا قال خُشّعاً وهنا خاشعة؟ نقرأ الآية في سورة القمر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) أولاً قال (شيء نكر) نُكُر أي شديد النكارة غير مألوف ولا معروف صيغة فُعُل من صيغ المبالغة الدالة على شدة النكارة غير المألوفة وغير المعروفة، هذا واحد ثم تقديم الحال (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) وفي الآية الثانية كلها مؤخرة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)) الحال متأخرة بينما في القمر الحالة المتقدمة لشدة الأمر (خشعاً) حال دالة على الكثرة وشيء نكر ومتقدمة. (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) القلم) مهطعين أي مسرعين مادّي أعناقهم خائفين ولم يذكر في الآية الثانية مثل هذه الأشياء. (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) كلها تدل على الموقف والهول وشدة النكارة فقال (خشعاً أبصارهم) فجاء بالصيغة التي تدل على الكثرة والمبالغة وقدّمها. أقصى ما قال في الآية الثانية في سورة المعارج (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) هذه يشاهدونها، يسرعون إلى أصنامهم حالة مألوفة لكن لما قال (إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) هذا غير مألوف شديد النكارة غير معروف (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) أيها الإنسب لمن يعرف اللغة أين نضع خشعاً وخاشعة؟ يضعها في مكانها هذه موازين كالمعادلة الرياضية قدم خشعاً وخاشعة على الإبصار أما في آية (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) النازعات)هذه إخبار مبتدأ وخبر.
سُوَرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
- سُوَرِة الفَاتِحَة
- سُوَرِة البَقَرَة
- سُوَرِة آل عِمرَان
- سُوَرِة النِّسَاء
- سُوَرِة المَائدة
- سُوَرِة الأنعَام
- سُوَرِة الأعرَاف
- سُوَرِة الأنفَال
- سُوَرِة التوبَة
- سُوَرِة يُونس
- سُوَرِة هُود
- سُوَرِة يُوسُف
- سُوَرِة الرَّعْد
- سُوَرِة إبراهِيم
- سُوَرِة الحِجْر
- سُوَرِة النَّحْل
- سُوَرِة الإسْرَاء
- سُوَرِة الكهْف
- سُوَرِة مَريَم
- سُوَرِة طه
- سُوَرِة الأنبيَاء
- سُوَرِة الحَج
- سُوَرِة المُؤمنون
- سُوَرِة النُّور
- سُوَرِة الفُرْقان
- سُوَرِة الشُّعَرَاء
- سُوَرِة النَّمْل
- سُوَرِة القَصَص
- سُوَرِة العَنكبوت
- سُوَرِة الرُّوم
- سُوَرِة لقمَان
- سُوَرِة السَّجدَة
- سُوَرِة الأحزَاب
- سُوَرِة سَبَأ
- سُوَرِة فَاطِر
- سُوَرِة يس
- سُوَرِة الصَّافات
- سُوَرِة ص
- سُوَرِة الزُّمَر
- سُوَرِة غَافِر
- سُوَرِة فُصِّلَتْ
- سُوَرِة الشُّورَى
- سُوَرِة الزُّخْرُف
- سُوَرِة الدُّخان
- سُوَرِة الجاثِية
- سُوَرِة الأحقاف
- سُوَرِة مُحَمّد
- سُوَرِة الفَتْح
- سُوَرِة الحُجُرات
- سُوَرِة ق
- سُوَرِة الذَّاريَات
- سُوَرِة الطُّور
- سُوَرِة النَّجْم
- سُوَرِة القَمَر
- سُوَرِة الرَّحمن
- سُوَرِة الواقِعَة
- سُوَرِة الحَديد
- سُوَرِة المُجادَلة
- سُوَرِة الحَشْر
- سُوَرِة المُمتَحَنة
- سُوَرِة الصَّف
- سُوَرِة الجُّمُعة
- سُوَرِة المُنافِقُون
- سُوَرِة المُنافِقُون
- سُوَرِة التَّغابُن
- سُوَرِة الطَّلاق
- سُوَرِة التَّحْريم
- سُوَرِة المُلْك
- سُوَرِة القَلـََم
- سُوَرِة الحَاقّـَة
- سُوَرِة المَعارِج
- سُوَرِة نُوح
- سُوَرِة الجِنّ
- سُوَرِة المُزَّمّـِل
- سُوَرِة القِيامَة
- سُوَرِة الإنسان
- سُوَرِة المُرسَلات
- سُوَرِة النـَّبأ
- سُوَرِة عَبَس
- سُوَرِة التـَّكْوير
- سُوَرِة الإنفِطار
- سُوَرِة المُطـَفِّفين
- سُوَرِة الإنشِقاق
- سُوَرِة البُروج
- سُوَرِة الطّارق
- سُوَرِة الأعلی
- سُوَرِة الغاشِيَة
- سُوَرِة البَـلـَد
- سُوَرِة الشــَّمْس
- سُوَرِة اللـَّيل
- سُوَرِة الضُّحی
- سُوَرِة الشَّرْح
- سُوَرِة التـِّين
- سُوَرِة العَلـَق
- سُوَرِة القـَدر
- سُوَرِة البَيِّنَة
- سُوَرِة الزلزَلة
- سُوَرِة العَادِيات
- سُوَرِة القارِعَة
- سُوَرِة التَكاثـُر
- سُوَرِة العَصْر
- سُوَرِة الهُمَزَة
- سُوَرِة الفِيل
- سُوَرِة قـُرَيْش
- سُوَرِة المَاعُون
- سُوَرِة الكَوْثَر
- سُوَرِة الكَافِرُون
- سُوَرِة النـَّصر
- سُوَرِة المَسَد
- سُوَرِة الإخْلَاص
- سُوَرِة الفَلَق
- سُوَرِة النَّاس