ابتدأت السورة بالقسم بالنجم الذي هوى ويفسّر المفسرون هوى بمعنى سجد ليتناسب مع جلال الموقف في قصة المعراج ويتناسب مع خواتيم سورة الطور والله أعلم. وهذه السورة تعرض لنا أن العلوم والمعرفة بالله وبخالق الأكوان لها طريقان: طريق الظنون والأوهام وطريق الوحي الذي جاء به النبي وهو الكلام الصادق وما عندكم من غير طريق الوحي هو الظن والوهم.
وقد أسهبت الآيات في عرض أن الوحي صدق من الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) آية 3 و4، و(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) آية 11، و (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) آية 17 وكلها تؤكد على أن العلم والمعرفة هي من الله تعالى. فإياكم أن يكون في النفس شك أو ريب في صدق هذا الوحي الذي هو من علم الله تعالى وإياكم أن تكونوا كالأمم السابقة فيصيبكم ما أصابهم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) آية 23، و(وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) آية 28، و (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) آية 30 و (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) آية 35.
وعلينا أن نقارن من أين نستقي العلم والمعرفة عن الله تعالى. فالنجم وهو يهوي أو يسقط هو ظاهرة مادية واضحة ومع وضوحها فكذلك الوحي الذي نزل على النيي صادق وواضح والنبي لا يضل ولا يهوي وهذا دليل وثوق الوحي والقرآن.
قال في البداية: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)) الله تعالى لا يحتاج إلى قسم وإنما هو يقسم بمخلوقاته تعظيماً لما يخلق ثم مناسبة لجواب القسم. وقد كُتِبت في أقسام القرآن (التبيان في أقسام القرآن) يذكر المناسبة بين القسم وما أقسم عليه. (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) الضلال سقوط والغواية سقوط وهوى يعني سقط، إذن ليس قَسَماً عشوائياً وإنما لغرض معين وحكمة ومتناسبة مع ما ورد في السورة من قَسَم. (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) وفي الآخر (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)) لا ضلال ولا غواية، هذا نذير مما ذكره الأنبياء السابقون والرسل وما أنذروا به أقوامهم إذن هو ليس ضلالاً ولا غواية ولا نطقاً عن الهوى وإنما هو وحي يوحي، هذا النذير واحد من النذر الأولى وليس ضلال ولا غواية ولا نطق عن الهوى، هذا نذير من النذر الأولى. (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)) هو في أول السورة ذكر المعراج (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)) (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) فكانوا يضحكون ولا يصدقون، أفمن هذا الحديث أي المعراج تعجبون، أفتمارونه على ما يرى أي تجادلونه، المراء من الجدل، هو يرى فهل يجادَل على ما يرى؟!. (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)) ذكر لهم أهل الجنة وأهل النار والذي حصل لهم وكأن المفروض أنهم يروا أنفسهم أين هم والنار وما فيها تهددهم؟ ينبغي أن تبكوا على أنفسكم ولا أن تضحكوا وأنتم سامدون عابثون! انظروا أين مصيركم أفتضحكون من هذا الحديث؟! هم يضحكون سخرية والحريّ بهم أن يبكوا. آخر آية (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا {س}(62)) الآيات الأخيرة مرتبطة بسياقها هي في المكان الذي وردت فيه وهي مرتبطة أيضاً بالأول وكلٌ له دلالة، في سياقها بما ورد من سياق فتكمل سياقها وتبيّنه وترتبط بأوائل السورة بدلالة أوائل السورة. في الأول قال (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) هذه آلهة هم يعبدونها (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) يعني دعكم من هذه الآلهة. (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)) ذكر معتقداتهم كأنه يصور الله تعالى ما حالهم عليه من الضلال ثم يقطع بالصواب (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) أي دعكم من هذه الآلهة. إما قد يكون تبيان وتوضيح أو إضافة أو تفصيل بعد إجمال.
سؤال: ماذا ينبغي على المسلم أن يفعل حينما يستمع إلى هذا الكلام أو يقرأه؟
عليه أن يزداد من التدبر والتفكير ومن العبرة والاتعاظ. أن يعتبر ويتعظ ويبادر إلى الزيادة في طاعة الله سبحانه وتعالى.
ختم سورة الطور بقوله سبحانه: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)) ما بعدها في سورة النجم قال (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)). إدبار النجوم والنجم إذا هوى أي إذا سقط وغرب، إدبار النجوم هو النجم إذا هوى. في خاتمة الطور (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) وأوائل سورة النجم في المعراج (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10))، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) لأنه بداية للذهاب إلى موطن التسبيح والتحميد وهو السماء العُلا. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ستذهب إلى الملأ الأعلى وهو المملوء بالتسبيح والتحميد. هذا ارتباط ظاهر: إدبار النجوم – والنجم إذا هوى، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) كأنه توجيه له للاستعداد للذهاب إلى السموات العُلا.
في خاتمة النجم (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)) الكلام عن الساعة وفي القمر (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1))، أزفت الآزفة الكلام عن الساعة و(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)) (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)) الكلام عن الساعة، الآزفة هي ما ذكرها وبيّنها في بداية سورة القمر، الآزفة هي الساعة وأزفت الآزفة يعني اقتربت وقال اقتربت الساعة.
(أزفت الآزفة) (اقتربت الساعة) أليس يعتبر هذا صورة من صور التكرار؟ الدلالة واحدة لكن الأسلوب في التعبير مختلف؟ كلا، هو ذكر في سورة القمر ما لم يذكره في النجم، هناك إشارة وهنا توضيح، هناك لم يقل (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) وهنا بيّنها، هناك لم يقل وانشق القمر ذكر أموراً لم يذكرها، هناك ذكر كلاماً عاماً وهنا ذكر توضيحاً لما ذكره فيما تقدم كأنها مقدمة (أزفت الآزفة) هذه مجرد إشارة، إذن في النجم إشارة وفي القمر توضيح (يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)) هذه لم تذكر في النجم، كأنه تبيين لما ذكره، كأنما هي بعدها في التوضيح وكأنها من سورة واحدة متصلة.