سور القرآن الكريم

سُوَرِة النَّحْل

هدف السورة: الشكر على النعم

هي من السور المكية وهي سورة مليئة بنعم الله تعالى وبشكر النعم.

ونعم الله في الكون إما أن تكون نعم ظاهرة يراها الإنسان في حياته ويدركها بحواسه وهي صور حيّة مشاهدة دالة على وحدانية الله تعالى وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات من البحار والجبال والسهول والوديان والسماوات والأرض والمطر والزرع والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل والأنعام والخيل والبغال والحمير ونعمة خلق الإنسان ونعمة الغذاء ، وإما أن تكون نعم في الكون لا نراها ولا ندركها بأسماعنا وأبصارنا لكنها موجودة في الكون نستفيد منها بدون أن نلمسها مثل المخلوقات الموجودة في أعماق البحار وما تحويه الأرض من خيرات لا ندركها وقوانين الجاذبية وغيرها من القوانين التي يسير بها الكون أو تعمل بها أجسادنا أو ما حولنا من مخلوقات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * …* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآيات من 3 إلى 16. وهناك نعمة أخرى هي نعمة كيف يخرج الله تعالى هذه النعم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)آية 66 و (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آية 78. فنعم الله تعالى كثيرة جداً مصداقاً لقوله تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) آية 18. وأهم من هذه النعم كلها وهي ما ابتدأت به السورة هي نعمة الوحي (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) آية 2. وقد جاء ترتيب نعمة الوحي ثم نعمة نزول المطر لأن الوحي ينزل على القلوب فيحييها والمطر ينزل على الأرض فيحييها وهذا الربط بين سورة إبراهيم وسورة النحل، فسورة إبراهيم تحدثت عن نعمة الوحي والإيمان وسورة النحل تتحدث عن باقي نعم الله في الكون.

وتأتي في السورة آية محورية هي محور السورة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 18 وفيها تذكير بأن نعم الله على الخلق أكبر من أن تعد أو أن تحصى.

ثم تنتقل السورة إلى التحذير من سوء استخدام هذه النعم: فما أكثر ما يستخدم الإنسان نعم الله في معصيته أو فيما يعود عليه بالضر والإفساد له أو لغيره أو للكون (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) آية 26 و (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) آية 55 و(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) آية 58، 59 و(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آية 67 و(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) آية 83. وتأتي فواصل في السورة دائماً تذكر بأن النعم هذه هي من عند الله تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) آية 53. والنعمة قيدها الشكر لذا يجب أن يعرف الإنسان عظمة نعم الله عليه ثم يشكره عليها بأن يوجهها لطاعة الله ويحذر من استخدامها في معصيته كما في مثل القرية المطمئنة (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) آية 112.

سميت السورة بسورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) آية 68 – 69 وهي نعمة من الله تعالى أيضاً فقد أمر الله تعالى النحل (اتخذي، اسلكي، كلي) فلمّا نفّذت النحل أوامر الله تعالى أخرج سبحانه من بطونها غذاء نافع مفيد هو العسل. وهذا توجيه للعباد بأن عليهم أن ينفذوا أوامر الله تعالى ويتبعوا الوحي حتى يخرج الله تعالى للمجتمع خيراً نافعاً مثلما أخرج العسل من النحل. ولهذا نزلت آية النحل في هذه السورة خاصة لأنها من نعم الله تعالى. فلو استعملنا نعم الله في مرضاته أخرج لنا من الخير كله ويزداد الخير في المجتمع.

تناسب افتتاح النحل مع خاتمتها

قال تعالى في أولها: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) في آخرها: (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)). (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) وآخرها قال: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)) في تستعجلوه يعني اصبروا، وبعدها واصبر وما صبرك إلا بالله. فلا تستعجلوه حثٌّ على الصبر وطلبه صراحة في النهاية (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ). قال: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)) الله أعلم بالذين أشركوا. قال في الأول: (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) كيف ينذر؟ (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) علّمه كيف ينذر وكأن الإنذار هو الحكمة والموعظة الحسنة، توضيح كيفية الإنذار، بيّن كيفية الإنذار بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. نهاية الآية الثانية (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) أمرهم بالتقوى وفي الآخر قال: (اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) كأن الله تعالى أمرهم بالتقوى في أوائل السورة ليكون معهم في النهاية، هذا تناسب وترابط جميل.

تناسب خواتيم الحجر مع فواتح النحل

قال تعالى في خواتيم الحجر: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)) وبداية النحل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)). في خواتيم الحجر قال: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (85)) وفي بداية النحل: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)). في خواتيم الحجر (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ (85)) وفي بداية النحل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ (1)) ذاك إخبار أن الساعة لآتية في المستقبل والآن أتى أمر الله، آتية، ستأتي، أتى أمر الله فلا تستعجلوه. هنا تغيّر الصيغة الفعلية من فعل أو مصدر أو اسم مجرد طيّ للزمن وكأنها حدثت بالفعل ووقعت.

تناسب خاتمة النحل مع بداية الإسراء

خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال: (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم

في صحبة القرآن – سورة النحل

(أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71))

سورة النحل التي سُميت باسم هذا المخلوق العامل النافع الإيجابي المنتج الذي ينتج الأشياء الجميلة النافعة للناس ويُخرج الله من بطونه نعمة عظيمة فيها شفاء للناس وهي نعمة العسل. سورة النحل تحدثنا عن نعم الله عز وجل وتكاد تكون بمجملها كلاماً عن النعم المتعددة والمنوعة والمفصّلة فتعرض السورة أحياناً نعمة واحدة بشكل تفصيلي حتى نفهم معنى كلمة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) المعدود عادة يكون جمعاً (نِعم) ولكن سورة النحل فيها قول الله عز وجل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ). فيها كلام عن الأنعام، فيها نعم عديدة غير الأكل والركوب.

روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: “يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي”.

قال: “إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك ثنا لذة”.

قال: “هات يا أبا إسحاق”.

قال: “أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه”.

قال: “فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟!”.

قال له: “يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟!”.

قال: “لا، هات الثانية”.

قال: “وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده”.

قال الرجل: “هذه أعظم من الأولى يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟!”.

قال: “يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟!”.

قال: “لا، هات الثالثة”.

قال: “إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصِه فيه”.

قال: “يا إبراهيم كيف هذا وهو مطّلع على ما في السرائر؟!”.

قال: “يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!”.

قال: “لا، هات الرابعة”.

قال: “إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخرني حتى أتوب توبة نصوحا وأعمل لله عملا صالحا”.

قال: “لا يقبل مني”.

قال: “يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟!”.

قال: “هات الخامسة”.

قال: “إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك هذا إلى النار فلا تذهب معهم”.

قال: “لا يدعونني ولا يقبلون مني”.

قال: “فكيف ترجو النجاة إذًا؟!”.

قال له: “يا إبراهيم حسبي حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه”. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.

سورة النحل تعرض هذه النعم في مواجهة أمام نفسك (أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) بعد كل هذه النعم يجحدوها ويكفروها؟ أو ينسبوها إلى غيره أو يجعلون لأحد آخر فيها نصيباً؟! أو يستعملوها في معصية الله أو يقصّروا في حق شكرها. في حديث ضعيف “إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم (الودود الذي يتودد إلى عباده والتودد إظهار المحبة والودود غير المُحب فقد يحبك أحدهم لكن لم تره منذ سنوات ولم يسأل عنك أما الودود فيسأل عنك ويرسل لك رسالة) رب العالمين ودود ومحبته لخلقه تظهر في الأشياء، الله عز وجل يتودد إلى عباده بالنعم ويتبغضون إليه بالمعاصي.

سورة النحل باختصار هي استعراض لهذه النعم، سورة الأنعام تحدثت عن عظمة الله وعن معاني العظمة والخلق وكانت عبارة عن أشواط كل مجموعة آيات أو كل مقطع من السورة يتحدث عن عظمة الله وتجد مفاجأة أمام كل هذه العظمة والقدرة والملكوت تذكر من يجحد أو يرتكب جريمة. سورة النحل تسير بهذا النسق، استعراض للنعم:

(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) ثم ماذا يقابل هذا الإنعام؟ الجحود والشكر والطغيان والجرائم التي ارتكبت بهذه النعم. ولذلك سورة النحل أكثر سورة ورد فيها مادة (نعم) تكررت 12 مرة لأن النعم من أهم معاني السورة.

بعد استعراض النعم والمفاجأة المحزنة بعد كل نعمة وجحود بعض الناس بالنعمة تذكر السورة مآل من جحدوا ومآل من شكروا. تستعرض السورة في كثير من أجزائها وفي ختامها حق النعمة، النعم لها حق ينبغي على الإنسان أن يؤدي هذا الحق.

سورة النحل يمكن تقسيمها إلى أربعة مقاطع كبرى

المقطع الأول (الآيات 1-39)

نِعَم – مفاجأة جريمة ارتكبت بحق هذه النعم – مآل الجاحدين ومآل الشاكرين

أول نعمة تبدأ السورة بذكرها في أول السورة (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) إنزال الكتاب (عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴿٢﴾) الروح هنا هو القرآن (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) القرآن روح القلب والقلب بلا قرآن قلب ميّت قلب لا رجاء منه، أول نعمة تذكر نعمة الروح.

ثم تذكر نعمة الخلق (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٣﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴿٤﴾) تبدأ المفارقة خلقه من نطفة، من ماء مهين والمقابل (خَصِيمٌ مُبِينٌ).

ثم تذكر نعمة الأنعام مفصّلة ففيها الدفء والمنافع، يؤكل منها وفيها جمال وزينة وحمل أثقال وركوب ويخرج منها لبن وصوف وريش وخيم كل هذه النعم في نعمة واحدة (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ) كلمة (لكم) تظهر المودة من الله عز وجل لعباده خلقها لكم لتستفيدوا منها. (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿٦﴾) في السفر وفي الحضر تستمتعون بجمالها كما قال داوود عليه السلام (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ص) (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿٧﴾ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾) كله في نعمة واحدة.

ثم تذكر نعمة الماء (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) الماء تشربون منه وتخرج به الأشجار والنباتات حتى تأكل الأنعام (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النعمة الواحدة يخرج منها نعم كثيرة.

ثم نعمة التسخير (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٢﴾ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴿١٣﴾) كله مسخّر.

ثم نعمة البحر (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٤﴾) كل هذه النعم حتى تشكر

(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥﴾ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴿١٦﴾)

ثم يأتي فاصل (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ويبدأ الكلام يختلف، بعد استعراض النعم سؤال: أفمن يخلق كمن لا يخلق (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان)؟! (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)

ثم تأتي بعدها الجريمة (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) كيف تعبدونهم وتدعونهم وهم لا يخلقون شيئاً (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) لا يعرفون شيئاً! (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴿٢٢﴾ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴿٢٣﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾) جرائم متتالية (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٣٥﴾)

ثم يأتي المآل (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴿٢٥﴾) وتأتي بعدها آيات كثيرة تتحدث عن مآل هؤلاء قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٦﴾ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٢٧﴾ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) مآلهم (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٢٩﴾) وشتان بين مآلهم ومآل الشاكرين! الشاكرين قالوا (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴿٣٠﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴿٣١﴾ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٣٢﴾).

المقطع الثاني (الآيات 40 -63)

تتحدث الآيات عن عظمة الله وقدرة الله عز وجل وعن نعم الله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) النعمة سهلة على الله عز وجل إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.

وتذكر نعمة الوحي (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وسورة النحل يتكرر فيها نعمة الوحي ونعمة الذكر وهي أعظم النعم، نعمة القرآن أن الله عز وجل أنزل إلينا كلامه، هذه نعمة كبيرة وشرف عظيم جداً “لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل ورجل آتاه الله القرآن”.

عظمة عقوباته

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ)

عظمة وجمال خلقه

(أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) منظر الظل وهو يسجد لله منظر عظيم جداً. (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

الجرائم

وأمام هذه العظمة تفاجأ بجريمة الشرك (وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)

ثم تأتي جريمة أخرى جريمة النذالة (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) يدعون الله ليكشف عنهم الابتلاء (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بعد أن دعوا الله أن يكشف عنهم الابتلاء! (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ) نرزقكم ونعطيكم وتجعلوا لغيرنا نصيباً! أيُّ جحود هذا ؟!!!!!

جحد نعمة البنات وجعلها لله ويجعلون لله البنات (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ) (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) لا يرضاها هو لنفسه ولكن ينسبها لله سبحانه وتعالى! نقارن هذا بمعاملة النبي صلى للأنثى ومعاملته لبناته وترغيبه لتربية البنات إذا رزق أحدهم بابنتين أو ثلاثة ومن أحسن إليهن وربّاهن خير تربية فإنه يكون مع النبي في الجنة. أما هذا الجاحد (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ)

ثم المآل الشديد مقابل تلك الجرائم المخزية (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

المقطع الثالث (الآيات 64-77)

النعم

1-    نعمة الوحي لثالث مرة (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

2-    نعمة الماء( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)

3-    نعمة الأنعام (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً )

4-    نعمة الأشربة:

  • اللبن (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ)
  • العصائر (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
  • العسل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

5-    نعمة الخلق والتوفي (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)

6-    الرزق والتفضيل (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)

7-    الزواج والذرية. (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ)

ثم تأتي المفاجأة من جديد ويستمر الجحود و النكران (أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)

والشرك أيضاً (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ). وعدم استعمال النعمة في الطاعة كما سيأتي في الأمثال التي ذكرت في السورة:

مثال الأبكم

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الذي يستعمل نعمة الكلام في الدعوة إلى الله أم الذي اختار أن يكون أخرساً وأبكما؟

ومثال المملوك

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)

المقطع الرابع (الآيات 78-83)

النعم

1-    نعمة الإنشاء والسمع والبصر (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة البصر، نعمة الفؤاد، نعمة خلق الله لك.

2-    نعمة التسخير (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

3-    نعمة البيوت والسكن والراحة (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)

4-    نعمة الظلال والملابس (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)

ثم تأتي الجريمة (فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) كالذي يأكل ويُنكر! يعرفون نعمة الله سبحانه وتعالى لكنهم ينكرونها والعياذ بالله.

الخاتمة (من الآية 84 إلى نهاية السورة)

تأني خاتمة السورة لتركز على معنيين أساسيين:

أولاً: المآل النهائي: مآل في الدنيا ومآل في الآخرة. في الدنيا (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) قرية فيها كل النعم فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف كما حصل لقوم سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) سبأ) كان المطلوب منهم الشكر ولكنهم أعرضوا (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) سبأ) الذي يجحد نعمة الله. مآل الجاحد ليس في الآخرة فقط وإنما في الدنيا أيضاً.

في الآخرة ٨٤ إلى ٨٩ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ) لأنهم جحدوا (وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ) (وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)

و ١٠٤ إلى ١١١ (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

وتتكرر لفظة العذاب ٨ مرات في هذا الشوط: زدناهم عذابا، لهم عذاب أليم، عذاب عظيم. (وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ)

ثانياً حقوق النعمة

وهذا من أهم محاور السورة بشكل عام وليس فقط الخاتمة فكما أن النعم في هذه السورة كثيرة وعظيمة بشكل غير مسبوق فتجد أن التكاليف أيضا شريفة وعظيمة فالمسئولية تجاه النعم لا يستهان بها

الحق الأول: حق الإسلام والتوحيد فبعد كل شوط تجد تذكيراً بالوحدانية: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) تسلمون لله عز وجل وتطيعونه، (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾)، (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴿٢٢﴾)، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، (وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

الحق الثاني: حق الشكر، حق أن تستدلّ بالنعمة على المنعِم (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) فتعرف أن هذه النعمة من عند الله عز وجل فتشكره وتستسلم له وهذا حق الشكر، وهو من أكثر المعاني والألفاظ التي تكررت في السورة (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾) والشكر غير الحمد. الحمد معناه الشكر باللسان لكن الشكر يختلف بأنه شكر عملي (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا (13) سبأ) والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يكثر من الشكر والعمل الصالح قالوا له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. هكذا فَهِمَ الشكر، الشكر عمل، الشكر بذل ولذلك أمثلة السورة خطيرة جداً.

في سورة النحل فالتوجيهات عملية تدعو لاستعمال النعم بإيجابية:

مثال الرزق: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) الإنسان السلبي الذي لا يعمل شيئاً (وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ) (الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)

مثال نعمة اللسان: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ) الإنسان الضعيف (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) إنسان إيجابي يتكلم ويعمل ويأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولذلك نجد التوجيه في السورة بالدعوة إلى الله، الإيجابية في الشكر (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) تجادل وتدعو وتفعل ما تقدر عليه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ولهذا ضرب الله سبحانه وتعالى في السورة مثلاً مجتمع النحل، المجتمع العامل الذي يبذل جهده، مثال للعامل الإيجابي: الشغالات لها وظائف والملكة لها وظائف والذكور لهم وظائف، الكل يعمل، الكل له دور في الخلية والذي ليس له دور يخرج من الخلية ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: “مَثَلُ المؤمنِ مَثَلُ النَّحلةِ، إن أكلت طيِّبًا، وإن وَضعَتْ وضعتْ طَيِّبًا، وإن وقعتْ على عودٍ نَخِرٍ لم تَكسِرْه” (صحيح الجامع). هذه السورة تعلمنا أن المؤمن نحلة منتج نافع يترجم شكره بشكر عملي يعمل ويشكر لله عز وجل .

الحق الثالث حق الطاعة

في السورة أوامر، ونواهي

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)

(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)

(وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

(وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

(فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)

الحق الرابع المقامات العليا في الدين والأعمال العظيمة

الهجرة مرتين:

(وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42))

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110))

التقوى والصبر والإحسان آخر آيتين: تختم السورة بتوجيه للمقامات العليا في الدين

(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴿١٢٨﴾) يحسن كما أحسن الله إليه.

سورة النحل سورة النعم، تتعلم النعم ثم تشكر هذه النعم.

وقفات تدبرية رمضان 1442هـ / سمر الأرناؤوط

 

سورة النعم وشكرها: توحيد الله عزوجل

وشكر النعم يستوجب الاعتراف بها والرضا بها وطاعة الله بها والتقرب إلى الله بها وعبادته وحده بها والتحدث بها على وجه تعظيم المنعم لا من باب الاستكبار…

في السورة نعم عديدة أنعم الله تعالى بها علينا من نعمة الإيجاد والخلق إلى نعمة الإمداد وتسخير المخلوقات ليحيا الإنسان في الأرض وأعظم النعم هي نعمة القرآن فهي النعمة التي يحيا بها الإنسان في الدنيا حياة طيبة إيمانا وعملا صالحا وفي الآخرة يجزيه الله بأحسن ما عمل..

والنعم تستوجب الشكر “بالشكر تدوم النعم” والاستكبار عدو الشكر وهو وسيلة الشيطان التي توعد بها آدم وذريته (ولا تجد أكثرهم شاكرين) والشيطان إمام المستكبرين الجاحدين والوقاية منه تكون بالاستعاذة منه:

(فإذا قرأتَ القرآن فاستعذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100))

 

وفي السورة إمام الشاكرين إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، كان الشكر ديدنه كيف لا وهو الذي حطم الشرك وأصنامه وتوجه إلى الله وحده معترفا بفضله ونعمه منيبا إليه أوّاها

(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122))

(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123))

ونبينا صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع ملة ابيه إبراهيم ونحن نتّبعها من بعده موحّدين الله تعالى شاكرين لا مشركين معه شيئا فليس بين الشكر والشرك إلا اتباع الشيطان وخطواته وقد حفلت السورة بالحديث عن توحيد الله مقابل الشرك في أمثلة من مثال…

ولا بد لنا من وقفة محاسبة واعتبار مع القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ولو تأملنا حال كثير من بلادنا لوجدنا الإجابة عما يحدث لنا من سلب نعمتي الأمن والغذاء…

 

في السورة آية مكارم الأخلاق ليتنا نتدبرها ونهذب أنفسنا وفق أوامرها ونواهيها فمن شكر المنعم طاعته والوفاء بعهده والإحسان إلى خلقه والانتهاء عن كل منكر بهذا تصان الأجساد والقلوب التي هي نعمة من الله تعالى علينا.

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91))

 

نحن في شهر القرآن النعمة العظيمة والهدية النفيسة التي أتاها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، القرآن حياة الروح والقلب تملأهما بالغنى النفسي والروحي وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن أجود من الريح المرسلة والقرآن من صفاته أنه كريم فكأنه صلى الله عليه وسلم كلما تدارس القرآن عظمت قيمة النعمة به فتتعلق نفسه بالمنعم سبحانه فيجود بكل ما أنعم الله عليه به، يجود مالا، يجود خلقا كريما، يجود عطاء، يجود عبادة، يجود إحسانا، يجود حبا، يجود دعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجود تقوى، يجود صبرا، يجود وينفق عطاء من لا يخشى الفقر وكيف يخشاه وهو عبد الغني سبحانه الذي لا تنفد خزائنه…

سميت سورة النحل باسم تلك الحشرة الدؤوب العاملة المنتجة أوحى الله تعالى إليها:

(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69))

حدد لها مسيرها ومسكنها وطعامها وذلل لها  السبل فائتمرت وأطاعت فخرج من بطونها شرابا مختلف ألوانه فيه الشفاء وفيه النفع

والمؤمن كذلك إذا أطاع ربه وسلك صراطه المستقيم والتزم بما أمره به أحلّ ما أحلّه الله له وحرّم ما حرّمه عليه لا يعترض على نعمة أنعم الله عليه بها لا يضيق صدره من مولودة أنثى ولا يحاول على شرع الله كأصحاب السبت خرج منه ما ينفعه وينفع غيره فكان فردا فاعلا في مجتمعه يسعى ويعمل بجد لا فاسدا مفسدا ولا قاعدا متكاسلا..

رب أنعمت علينا فجعلتنا من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حنفاء على ملة أبينا إبراهيم فأعنّا ربنا لنكون لك شاكرين على نعمك معترفين بفضلك راجين عفوك ومغفرتك راغبين رضاك وجنتك..

هذا  والله أعلم

تأملات تدبرية /النعم في سورة النحل

النِعَم في سورة النحل


حاشية في ختام تفسير سورة النحل
من كتاب التسهيل في علوم التنزيل للإمام الغرناطي
بملاحظة ودراسة آيات السورة تظهر لنا في حدود الأربعين نعمة من النعم الكبيرة والصغيرة متوزعة بين طياتها وسنذكر فهرساً لهذه النعم مع التأكيد على أن الهدف من ذكرها إنما هو لأمرين.والنِعَم هي:
1. (خلق السموات)
2. (والأرض)
3. (والأنعام خلقها)
4. الإستفادة من صوفها وجلدها (ولكم فيها دفء)
5. (ومنافع)
6. (ومنها تأكلون)
7. الاستفادة من جمال الاستقلال الاقتصادي (ولكم فيها جمال)
8. (وتحمل أثقالكم) (والخيل والبغال والحمير لتركبوها)
9. الهداية إلى الصراط المستقيم (وعلى الله قصد السبيل)
10. (وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب)
11. إنشاء المراعي (ومنه شجر فيه تسيمون)
12. (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات)
13. (وسخر لكم الليل والنهار)
14. (والشمس والقمر)
15. (والنجوم)
16. (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه)
17. (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا حلية تلبسونها)
18. (وترى الفلك مواخر فيه)
19. (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)
20. (وأنهاراً)
21. (وسبلاً)
22. (وعلامات) لمعرفة الطريق
23. (وبالنجم هم يهتدون) في معرفة الطرق ليلاً.
24. (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها)
25. (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين)
26. (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً)
27. العسل (فيه شفاء للناس)
28. (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً)
29. (والله جعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)
30. (ورزقكم من الطيبات) بمعناها الواسع
31. (وجعل لكم السمع)
32. (والأبصار)
33. (والأفئدة)
34. (والله جعل لكم من بيوتكم سكناً) وهي البيوت الثابتة
35. (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً) وهي البيوت المتحركة
36. (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين)
37. نعمة الظلال (والله جعل لكم مما خلق ظلالاً)
38. نعمة وجود الملاجئ الآمنة في الجبال (وجعل لكم من الجبال أكناناً)
39. (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر)
40. (وسرابيل تقيكم بأسكم) أي في الحروبوجاء في خاتمة هذه النعم (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون)الهدف من ذكر النعم:
لا حاجة للتنبيه على أن ذكر النعم الإلهية الواردة في القرآن الكريم لا يقصد منها إلقاء المنّة أو كسب الوجهة وما شابه ذلك، فشأن الباري أجلّ وأسمى فمن أسلوب تربوي مبرمج يهدف لإيصال الإنسان إلى أرقى درجات الكمال الممكنة من الناحيتين المادية والمعنوية. وأقوى دليل على ذلك ما جاء في أواخر كثير من الآيات السابقة من عبارات والتي تصب مع كثرتها وتنوعها، تصب في نفس المجال التربوي المطلوب.
1. فبعد أن ذكر نعمة الجبال تسخير البحار، يقول القرآن في الآية 14 (لعلكم تشكرون)
2. وبعد بيان نعمة الجبال والأنهار والسُبُل، يقول في الآية 15 (لعلكم تهتدون)
3. وبعد بيان أعظم النعم المعنوية (نعمة نزول القرآن) تأتي الآية 44 لتقول (لعلهم يتفكرون)
4. وبعد ذكر نعمة آلآت المعرفة المهمة (السمع والبصر والفؤاد) تقول الآية 78 (لعلكم تشكرون)
5. وبعد الإشارة إلى إكمال النعم الإلهية، تقول الآية 81 (لعلكم تسلمون)
6. وبعد ذكر جملة أمور في مجال العدل والإحسان ومحاربة الفحشاء والمنكر والظلم، تأتي الآية 90 لتقول (لعلكم تذكّرون).

والحقيقة أن القرآن الكريم قد أشار إلى خمسة أهداف من خلال ما ذكر في الموارد الستة أعلاه:

1. الشكر
2. الهداية
3. التفكّر
4. التسليم الحق
5. التذكّر

ومما لا شك فيه أن الأهداف الخمسة مترابطة فيما بينها ترابطاً لا انفكاك فيه، فالإنسان يبدأ بالتفكير وإذا نسي تذكّر ثم يتحرك فيه حسن الشكر لواهب النعم عليه فيفتح الطريق إليه ليهتدي وأخيراً يسلّم لأوامر مولاه.
وعليه فالأهداف الخمسة حلقات مترابطة في طريق التكامل وإذا سلك السالك فمن الضوابط المعطاة لحصل على نتائج مثمرة وعالية.
وثمة ملاحظة: هي أن ذكر النعم الإلهية بشكلها الجمعي والفردي إنما يراد بها بناء الإنسان الكامل.
————————–—————-
إضافة تدبرية بقلم موقع إسلاميات:

وسورة النَّحل سُورة النِّعَم، ومن النعم ما هو ظاهر واضح لنا ومعروف نلمسه في حياتنا ومنها ما هو خفي عنا فكل نعمة هي في حد ذاتها مجموعة من النعم لا نعرفها ولا نحصيها فالحمد لله رب العالمين على نعمه الظاهرة والباطنة. ربنا أوزعنا أن نشكر نعمك التي أنعمت علينا.
وكلما تأملنا في آيات السورة سنكتشف فيها نعمًا لم نتنبه لها في السابق ففي بداية السورة حديث عن إنزال الملائكة بالروح (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴿٢﴾) وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى أن أنزل علينا القرآن على رسولنا صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام..

وقد ورد لفظ (نعمة) في السورة في آيات عدة هي:
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٨﴾)
(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿٥٣﴾)
(وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴿٧١﴾)
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴿٧٢﴾)
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴿٨١﴾)
(يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾)
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾)
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿١١٤﴾)
وذكرت في السورة صفة خاصة لإبراهيم عليه السلام وهو شكره لنعم الله تعالى لتتناسب مع سياق النعم في السورة قال تعالى:
(شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾)

وقد ورد في السورة موقف الناس من النعم:
فمنهم الشاكر كإبراهيم عليه السلام
ومنهم الجاحد بها (أفبنعمة الله يجحدون)
ومنهم المنكر (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)
ومنهم الكافر (وبنعمة الله هم يكفرون) (فكفرت بأنعم الله)

اللهم اجعلنا من الشاكرين لأنعمك الذين يذكرون المنعِم ولا ينشغلون بالنعمة عن المنعِم.
موقع إسلاميات

التفسير المباشر – رمضان 1431 هـ – سورة النحل

سورة النحل

إسم السورة، دلالة هذا الإسم، وهل لها أسماء أخرى؟

د. إبراهيم: سورة النحل من السور المكية ذوات المئين وسميت سورة النحل لذكر النحل فيها ولم يرد ذكر النحل في القرآن الكريم إلا في هذه السورة ولذلك سميت سورة النحل وهذا إسم مجمع عليه ومتعارف عليه وهو إسم من الأسماء التوقيفية. ولها إسم آخر يورده بعض المفسرين وقد ورد عن بعض السلف أنه سماها سورة النعم وذلك لورود النعم في كثير من آياتها ولورود لفظ (نعمة) في عدد من آياتها.

هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل هناك مناسبة بين إسم السورة ومضمونها؟ بعض أهل العلم يقول إن إسم السورة دالٌ على مضمونها وكان أول من قال ذلك – حسب علمي- الإمام البقاعي في نظم الدرر وقال إنه اكتشف ذلك بعد دراسة لما وصل سورة فاطر أو سبأ وأن كل إسم سورة مترجم عن معناها وتابعه بعد ذلك من ألّف في التفسير الموضوعي. ولكن عند التأمل نجد أن هذا غير منطبق على جميع السور، غير مضطرد والقواعد ينبغي أن تكون مضطردة ومنضبطة وإلا لا يصح. هناك سور سميت بأسماء الحروف مثل ن وق وص فهل يقال أن لفظ ص أو ن أو ق يدل على مضمون السورة؟ كذلك هناك سور لها أكثر من إسم فعلى أيها نبني؟ ولكن بعض السور قد يكون بعض الأسماء قد يكون فيه دلالة على أمر بارز في السورة كالنعم مثلًا فهذا موضوع ظاهر في السور وتكرر في أولها وآخرها

د. عبد الرحمن: تبقى هناك نقطة في هذا الموضوع وهو موضوع استخراج مقاصد السورة أو استخراج عمود السورة -إن صح التعبير- كما سماها عبد الرحمن الفراهي رحمه الله وهي أنها مسألة اجتهادية فتجد بعض العلماء دقيق النظر وعنده قدرة على استخراج الخيوط التي تربط آيات السور مع بعضها البعض مثل الفراهي وأنا أعتبره من العلماء الذين عندهم دقة في النظر والبقاعي نفسه يقول في مقدمته “البعض يظن أنني استخرجت هذه المقاصد أو هذه الموضوعات بسهولة مع أن بعضها قد استغرق مني سنوات حتى استطعت أن أتعرف على موضوعها” فلعل سبب إنكارك دكتور إبراهيم الآن اضطراد مثل هذا قد يكون لتفاوت النظر بين الذين ينظرون في الموضوعات ولذلك تجد بعض الباحثين اليوم يُخرج سورة النحل فيسميها سورة النعم ويأتي آخر ويقول سورة النحل ويصر على أن النحل أدل على المقصود من قضية النعم، تجد تفاوت بين الباحثين كثير في سورة واحدة أو النظر في موضوعها ومقصدها

د. إبراهيم: ولذلك ينبغي للإنسان أن يتأدب في العبارة ويتلطف لا نجزم فنحن لا نقول هذا باطل ولكن نقول لا يظهر لنا أن هذه قاعدة يبنى عليها وقد يكون الله ألهم بعض الناس ما لم يلهمه غيره

د. عبد الرحمن: ننتقل إلى مناسبة السورة هل هناك مناسبة بين السورة مع سورة الحجر التي سبقتها؟

د. إبراهيم: أورد بعض المفسرين مناسبة بين السورتين ومنهم السيوطي رحمه الله وأيضاً قبله أبو الزبير الغرناطي الثقفي قال أنه في نهاية سورة الحجر قال (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) يعني الموت ثم قال في بداية سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) فكأن هناك تناسب بين نهاية سورة الحجر وبداية سورة النحل وعلم المناسبات هو اجتهادي.

موضوع سورة النحل الأساسي

د. إبراهيم: قبل أن نذكر الموضوع الأساسي يحسن بنا أن نؤكد ما يسمى بالمحور أو الوحدة الموضوعية في السورة هي أمر اجتهادي وليس متفق عليه بين أهل العلم فهناك من قال كل سورة لها محور واحد تدور جميع الآيات عليه وهناك من قال لا، ما نستطيع أن نقول هناك محور واحد ولا سيما السور الطويلة لها موضوعات متعددة وهناك قول وسط يجمع بين الأمرين وهو أنه إذا كانت السورة قصيرة كأواخر سور القرآن الكريم نستطيع أن نقول أن لها محور واحد وإذا كانت السور طويلة كالسبع الطوال والمئين فهذه من الصعب أن نقول أن لها محور واحد وآياتها كلها من أولها لآخرها تخدم وتدور وتفسر محورًا واحدًا لكن نقول أن هذا أمر ظاهر وموضوع أساس فيها وهناك آيات قد لا تكون مشتقة من هذا الموضوع الأساس.

د. إبراهيم: الأمر البارز في هذه السورة النعم. الله عز وجل من بداية السورة حينما ذكر الأنعام والخيل والبغال والحمير وإنزال الماء من السماء وتسخير البحار والفلك فيه وثم يذكر الأنعام والنحل إلى آخر السورة وعاقبة من يكفر بالنعم ثم في آخر السورة يذكر عن ابراهيم عليه السلام (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)) كلمة (نعمة) تكررت بضع مرات في السورة وأيضًا ذكر الله عز وجل صنوفًا من المطعومات والمشروبات والملبوسات فكأن أبرز موضوع في هذه السورة النعم نعم الله عز وجل سواء كانت النعم الظاهرة الحسية أو كانت النعم المعنوية نعمة الإيمان والإسلام.

د.عبد الرحمن: برأيك يا دكتور السورة مكية نزلت في مكة والحديث عن إبراز هذه النعم التي أنعم الله بها على خلقه عمومًا خاصة في قوله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)) كلها نِعَم يشترك فيها الجميع المؤمن والكافر ما علاقة مثل هذا بدعوة المشركين؟ لا سيما أن بحثك في الماجستير كان عن منهج القرآن الكريم في محاربة الشرك هل تدخل ضمن المنهجية التي درستها؟

د. إبراهيم: نعم، قد يكون من منهج القرآن ووسائله في محاربة الشرك ذكر مظاهر عظمة الله في الكون فإن من أبصر هذه المظاهر العظيمة فإنه لا يليق به أن يعبد غيره بل أن يتجه لهذا الخالق الرازق صاحب هذه النعم، كيف يعبد الإنسان إلى آلهة ضعيفة لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا ويعرض عن عبادة الخالق المنعم الرازق المدبر لا شك أن هذه الآيات في بداية سورة النحل تهز الإنسان هزًا وتجذبه إلى الإيمان جذبًا، كيف ينصرف الإنسان عن هذا الخلّاق العظيم الذي سخر الأنعام وأنزل المطر وسخر الليل والنهار والبحار هذا هو المستحق للعبادة سبحانه؟!.

د. عبد الرحمن: وجاءت بأسلوب (هو) (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)) الذي يشاهد الآن الأفلام الوثائقية عن الجبال والبحار والأنهار وما فيها من العظمة يوقن فعلًا بعظمة هذا الإله

د. إبراهيم: ثم إن الله تعالى نوّعها فإذا لم تؤثر فيه آية ينظر إلى غيرها، إذا لم تؤثر فيه آيات الكون والفضاء فلينظر إلى الأرض وما فيها من عجائب أو ينظر إلى المشروبات والأشجار والثمار

د. عبد الرحمن: سؤال سألته إحدى الأخوات في الملتقى يتعلق بالآيات التي في المقدمة في قوله (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)) يختم كل آية وأنا أذكر قديماً أحد الإخوان نبّه إلى مسألة التعقيبات القرآنية وأنها تحتاج لجمع ودراسة وتدبر حتى يستطيع أن يخرج منها الباحث بشيء عام- (يتفكرون- يعقلون – يذكرون – تشكرون) لو لمحة حول أسرار الاختلاف في هذه التعقيبات؟

د. إبراهيم: بعد تأمل بسيط لم يظهر لي السر واضحًا في هذا ولكن لعله من باب التنويع وأيضًا رأيت كثيرًا من المفسرين لا يتوقف عند هذا خاصة من المتقدمين، بعض المتأخرين ربما يهتم بهذه الأسرار البيانية وهو أمر اجتهادي ليس قطعيًا يبدو أنه من باب التنويع

د. عبد الرحمن: والتنويع  مقصد من مقاصد البلاغة

د. عبد الرحمن: في قوله سبحانه وتعالى (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (18)) ما علاقة الآية بالموضوع الذي تحدثت عنه وأنها سورة النعم؟

د. إبراهيم: الله عز وجل ذكر صنوفًا من النعم في هذه السورة لكنه لم يذكر جميع النعم والإنسان إذا تأمل في نعم الله عز وجل عليه لا يمكن أن يحصيها فالله عز وجل يقول هذه جزء مما أنعمت عليكم وهناك نعم كثيرة في نفس الإنسان، في الكون في الطعام والشراب وفي الأورد لا يمكن لأحد من البشر أن يحصيها وكل نعمة من هذه النعم تستحق الشكر وتستحق أن تكون دليلا بنفسها على عظمة الله واستحقاقه للعبودية دونما سواه.

د. عبد الرحمن: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (18)) هناك سؤال يتكرر دائماً كيف يقول (نعمة الله) فيفردها ثم يقول (لا تحصوها)، النعمة الواحدة تحصى

د. إبراهيم: هذه مضافة (نعمة الله) تشمل جميع النعم، المقصود بها نعم الله، الإضافة تقتضي هنا جميع النعم كل نعمة من نعم الله عز وجل داخلة في هذا.

د. عبد الرحمن: أذكر أبيات جميلة لمحمود الوراق يذكر هذا المعنى

إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةٌ عليّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ولو طالت الأيام واتّصل العمر

حتى توفيق الإنسان إلى أن يشكر هذه النعمة في حد ذاته نعمة تستوجب الشكر والإنسان يتقلب في نعم الله ليل نهار نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ويوزعنا جميعا أن نشكر نعمه.

د. عبد الرحمن: لفت نظري في أول السورة في قوله سبحانه وتعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) كيف يقول (أتى) وهو فعل ماضي ثم يقول (لا تستعجلوه) والاستعجال يكون لشيء مستقبل لا لشيء ماضي فما توجيه هذا؟

د. إبراهيم: قال المفسرون أنه عبّر بلفظ الماضي للدلالة على تحقق الموضوع وإلا هو مستقبل وهذا أسلوب بلاغي معروف وأيضًا ورد في القرآن (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) أتى أمر الله معناه سيأتي أمر الله لكن للتأكيد على تحققه وقربه عبّر بالماضي

د. عبد الرحمن: لعلنا نتوقف في قوله (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) هذه آية ملفتة للنظر، هل يمكن أن ندخل تحت هذه الآية ما يكتبه الآن كثير من الباحثين في الإعجاز العلمي؟

د. إبراهيم: نعم، هذه الآية من أوضح الآيات الدالة على الإعجاز العلمي المعروف. فالله عز وجل لما ذكر الخيل والبغال والحمير والفلك لم يكتف بذلك بل قال (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) للدلالة على أن هناك أولا مخلوقات لا يعرفها العرب المخاطبون بالقرآن في مكة وفي جزيرة العرب ربما هناك في مشارق الأرض ومغاربها مركبات أخرى كالفيلة كما قال بعض المفسرين وهناك مركوبات ستأتي في المستقبل مثل السيارات والطائرات والقطارات فلا شك أن هذه الاية فيها دلالة واضحة على ما استجد من المركوبات وهذا من الاعجاز العلمي أو الاعجاز الغيبي في القرآن الكريم.

د. عبد الرحمن: عندما تقارن قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8)) الآن أصبحت هذه المركوبات لا تذكر الآن مقارنة بالطائرات والسيارات والقطارات والسفن مع أنه ذكر السفن في هذه الآيات أيضًا ومن اللطائف في هذه الآية في تفسير الألوسي في روح المعاني ذكر عند قوله (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) قصة طريفة، الألوسي متوفى 270 هجرية، فيقول وقد بلغني أن أناسًا في الغرب يحاولون تقليد الطير في طيرانه فارتفعت بهم عن الأرض قليلاً ثم سقطت بهم إلى حيث ألقت رحلها أم قشامة قال ولا أظنهم يفلحون في هذا. الآن لما تقرأ كلام الألوسي تضحك لأنه أصبحت الطائرات الآن تحمل أثقالا ضخمة

د. إبراهيم: وهذه المركوبات وإن صنعها البشر فإن الله هو الذي ألهمهم وعلّمهم فهي في الحقيقة من نعم الله، وكذلك لاحظ قوله (وَزِينَةً) وهكذا السيارات اليوم الناس لا يتخذونها فقط للركوب بل يتخذون شيئا فوق الركوب يتفاخرون بها ويتزينون بها

د. عبد الرحمن: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)) في هذه الآيات إشارة إلى وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وهي وظيفة البيان

د. إبراهيم: أولًا الذكر المراد به القرآن الكريم (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن الكريم لتبين للناس ولتوضحه للناس وتفسره للناس فهذه من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه” فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه القرآن الكريم بيّن لهم ألفاظه ومعانيه اختلف العلماء هل بين جميع القرآن أو بعضه وهذه ليست قضيتنا لكننا نوقن أن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا القرآن الكريم الذي أنزل إليه وعلمه أصحابه وألفاظه ومعانيه فلم يتوفى عليه الصلاة والسلام وينتقل من هذه الدنيا إلا وقد بلّغ هذا القرآن الكريم الذكر الذي فيه تذكرة وموعظة لهم.

د. عبد الرحمن: هناك الآن ومن قديم أناس يخرجون الآن في الاعلام ويكتبون كتابات ويقولون نحن سنكتفي بالقرآن الكريم فقط ولسنا في حاجة إلى السنة النبوية لكي تبين لنا القرآن الكريم والقرآن بين بنفسه فلا حاجة إلى بيان النبي لهذا القرآن ولسنا بحاجة إلى مراجعة كلام المفسرين حول القرآن ويسمون أنفسهم بالقرآنيين رأيت من كتب عنهم بأنهم القرآنيون. أليس في كلام الله عز وجل (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44)) لتبين لهم القرآن، أليس في هذا رد على هؤلاء الذين يدّعون هذه الدعوى؟

د. إبراهيم: بلى وهذه الدعوى باطلة وعند التطبيق العملي يستحيل أن تطبق إلا عند أناس لا يؤمنون بهذا الدين وهذا الشرع فمن المعلوم أن هناك من الآيات في القرآن ما لا يمكن أن تفهم إلا عن طريق السنة مثلًا صفة الصلاة وشروط الزكاة  وكيف يصلي الإنسان وكيف يقيم أركان الصلاة وكيف يعرف أنصبة الزكاة إلا عن طريق السنة فلا بد من الرجوع إلى السنة ثم إلى فهم السلف رحمهم الله

د. عبد الرحمن: قرأت لأحدهم كتابًا بعنوان “القرآن وكفى” من أوله إلى آخره كلام فيه حق وفي باطل ملتبس وهذه مشكلة لأنهم عندما يقولون نحن القرآنيون نحن ندعو للإكتفاء بالقرآن هذا جميل ويروج على عامة المسلمين عندما يأتيك واحد ويقول أنا سأكتفي بالقرآن ولا حاجة إلى غيره من الكتب لأن فيها تحريف وفيها روايات لم يتثبت وروايات نسبة ثبوتها قليلة ومن هذا الكلام قد يروج على عامة الناس يقولون نحن عندما نكتفي بالقرآن نكتفي بالذي ثبت بدلالة قطعية، نكتفي بما اتفقت الأمة عليه لكن عندما تقرأ أدلته تجد أنه لا يورد دليلا صحيحا يحتج به أو قد يستدل بآية استدلالا خاطئا ويفهمها فهما خاطئا وهذه دعوى خطيرة ينبغي التصدي لها والدفاع عن القرآن وحتى يفهم الناس وقد ذكرت حديث مهم جدا ” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ، فإن لم يقروه ، فله أن يعقبهم بمثل قراه. الراوي: المقدام بن معد يكرب المحدث: الألباني – المصدر: الحديث حجة بنفسه – لصفحة أو الرقم: 28 – خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح “

د. عبد الرحمن: نأتي إلى الآية المفصلية وهي آية النحل والعسل في قوله سبحانه وتعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)) الناس الآن في الآونة الأخيرة رجعوا للعسل وإلى الاستشفاء بالعسل وكل هذا انطلاقًا من هذه الآية في سورة النحل، فما تعليقكم؟

د. إبراهيم: لا شك أن العسل هو شفاء بنص الكتاب والسنة ” الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي. الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – لصفحة أو الرقم: 5681 – خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ” فالعسل شفاء لكثير من الأمراض وهذا ثبت بالتجارب وثبت عند الأطباء ولذلك هذه تدرج ضمن آيات الاعجاز العلمي ويا ليت المشتغلون بالإعجاز العلمي يقفون عند مثل هذه الآية والآية التي أشرنا إليها سابقًا (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) ومراحل خلق الجنين من هذه الأمور الواضحة البينة التي يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى الاعجاز العلمي مهما كانت تخصصه وبسهولة ويتركوا مثل بعض المظاهر التي فيها تكلّف وربما ليس هناك دلالة البتة في الآية عليها أو قد تكون نفس الحقيقة العلمية التي يريدون تطبيقها لم تصل أن درجة أن تكون حقيقة فيتكلفون وينصرفون عن معاني القرآن وهداياته وبلاغته بسبب الوقوف وبسبب هذه التكلفات. نعم هذا مظهر من مظاهر إعجاز القرآن الكريم فالعسل شفاء لكثير من الأمراض.

إتصال من الأخ فهد من السعودية: السؤال الأول هل إبليس كان من الملائكة؟ والسؤال الثاني الله سبحانه وتعالى خلقه من نار فما الحكمة من تعذيبه بالنار؟

د. إبراهيم: السؤال الأول فالخلاف مشهور وقوي فيه قوة فمن أهل العلم من قال إنه كان من الملائكة فضلّ وأبى السجود فأبعده الله عز وجل وأخزاه ومنهم من قال لم يكن من الملائكة قط وإنما من الجن كما قال تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ (50) الكهف) وأخبر الله عز وجل بأنه خُلِق من نار بينما الملائكة خلقوا من نور كما في حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح والراجح القول الثاني أن إبليس خلق من نار وأنه من الجن وليس من الملائكة لكن حضر مع الملائكة عندما أمرهم الله عز وجل بالسجود لآدم فسجد الملائكة إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وآية سورة الكهف واضحة في أنه كان من الجن (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ (50) الكهف) ويصبح مثل قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) ففي الاستثناء هنا إشارة إلى أنه كان من الملائكة لكن يخرّجها المفسرون على أنها استثناء منقطع.

نعم، أما كونه خلق من نار ويعذب من نار فلا مانع منها كما أن الآدمي خلق من طين ويعذب بالطين ولذلك ورد عن بعض السلف عندما اعترض على هذا الأمر أخذ قطعة من طين وضرب به وجه المعترض فنقول أنه ليس هناك مانع أنه يخلق من النار ويعذب في النار.

د. عبد الرحمن: وأنبه الإخوة أن قضايا الجنة والنار والنعيم والعذاب في الآخرة قضايا لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى كيف يعذّب هذه أشياء فوق العقل

د. إبراهيم: وربما الدخول في هذه المسائل وإعمال العقل فيها يضل الإنسان ويحدث عنده شبهات يصعب التخلص منها.

د. عبد الرحمن: آية نريد أن نقف عندها وهو قوله تعالى (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116)) قضية القول على الله بغير علم

د. إبراهيم: لا شك أن هذه قضية خطيرة والله عز وجل توعّد من قال عليه بغير علم أو حرم ما أحل الله سبحانه وتعالى أو حلل ما حرم الله هناك آيات في هذا الموضوع في سورة المائدة وغيرها، تلاحظ في هذه الآية وكذلك في سورة الأعراف قال في هذه الآية (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) فكأن تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله هو كذب على الله (لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ)

د. عبد الرحمن: أن تقول هذا حلال وهو حرام وأن تقول هذا حرام وهو حلال لا شك أنه كذب

د. إبراهيم: ثم قال في الآية بعدها (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)) هنا وعيد عليهم. وهنا نستفيد فائدة وهي أن الإنسان حينما يتكلم في الحلال والحرام أو في الفتوى ينبغي أن لا يلجأ إلى هذا اللفظ لفظ حلال أو حرام إلا حينما تكون المسألة ظاهرة والأدلة واضحة هذا حلال وهذا حرام أما إذا كانت المسألة غير واضحة أو أن الأدلة غير قطعية لم تنهض إلى الجزم بالتحريم والتحليل فهنا ينبغي أن يتجنب هذا اللفظ كما هي حال السلف رحمهم الله فيقول لا أرى في هذه المسألة بأسًا ويظهر لي الجواز وفي جانب الحرام قد يكون تركه أولى، قد يقول قائل نفس الشيء، نقول لا ليس نفس الشيء عندما تقول حرام فأنت نسبت هذا الحكم إلى الله عز وجل وأيضا رهبت المستفتي من عمل هذا الفعل مع أنه قد يكون في نفس الأمر ليس حراماً والعكس كذلك حينما تقول حلال لأمر فيه شبهة أو أن هناك أدلة تدل على التحريم فكأنك أوقعت نفسك في تحليل ما حرم الله فينبغي للإنسان أن يتورع في الفتوى في مثل المشتبهات أو ما لا علم له به.

سؤال الحلقة

دعا زكريا عليه السلام ربه وتوسل إلى الله بإنعامه عليه فسأل الذي أحسن سابقاً أن يتمم إحسانه لاحقاً بدعاء معناه: لم تكن يا رب تردني خائبًا ولا محرومًا من الإجابة فلم تزل ألطافك تتوالى علي وإحسانك يصل إليّ فما الدعاء الدالّ على هذا في سورة مريم؟