سور القرآن الكريم

سُوَرِة آل عِمرَان

أما تسمية السورة بـ (آل عمران) فهي إكرام لزوجة عمران والسيدة مريم ابنة عمران فالسيدة مريم عليها السلام كانت رمزاً للثبات في العبادة والعفّة وزوجة عمران كانت رمزاً للثبات بنصرة الإسلام (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) وحينها كان المسجد الأقصى مأخوذاً من المؤمنين فنذرت ما في بطنها لخدمة المسجد الأقصى ووضعتها أنثى وتقبلها الله تعالى منها. وكذلك سورة آل عمران فيها نظرة عالية للمرأة بذكر زوجة عمران ومريم عليها السلام التي رفعت من الروح المعنوية لدى سيدنا زكريا  فدعا ربه أن يهب له ذرية صالحة. وفي هذا إشارة أن رمز الثبوت هم النساء ولذا جاء ترتيب سورة النساء مباشرة بعد سورة آل عمران. هذا والله أعلم.
ملحوظة:هناك سمة تعبيرية للسورة أي سورة تكثر فيها كلمات معينة مثل كلمة الله في سورة البقرة وكلمة الرب في سورة آل عمران والرحمن والرحمة في سورة مريم أكثر سورة في القرآن تردد فيها الرحمة والرحمن

**هدف السورة : الثبات**
كل سورة من سور القرآن الكريم لها وحدة موضوع واسم كل سورة مستوحى من هذا الموضوع. وهدف سورة آل عمران: الثبات، فبعد أن عرض الله تعالى لنا المنهج الذي يجب علينا أن نتبعه في سورة البقرة جاءت سورة آل عمران لتدلنا على الطرق التي تعيننا على الثبات على هذا المنهج سواء كنا من حديثي العهد بالمنهج أو قديمي العهد فكل المؤمنين يحتاجون الى الثبات على المنهج حتى لا يتخاذلوا ولا يخافوا أن يزيغوا أو يضلوا.
وسورة آل عمران تنقسم الى قسمين اثنين:
1. القسم الأول من الآية( 1 – 120) هذه الآيات تدلنا على كيفية الثبات فكرياً في مواجهة الأفكار الخارجية.
2. القسم الثاني من الآية(121 – إلى نهاية السورة) وفيها كيفية الثبات داخلياً.
وقد بدأت سورة آل عمران بالثبات فكرياً من الخارج لتجهيز البيئة المحيطة ثم انتقلت للثبات الداخلي للفرد. وسورة آل عمران تتمحور حول حادثتين:
1. حادثة وفد نصارى نجران الذي يمثل أول حوار للأديان في التاريخ وكيف نثبت في مواجهة الأفكار الخارجية من خلال المناقشة مع وفد نصارى نجران وهي تعلمنا فكرة مناقشة أهل الكتاب عامة.
2. والحادثة الثانية غزوة أحد لتدلنا على كيفية الثبات العملي ورغم أن غزوة أحد وقعت قبل حادثة وفد نجران إلا أن ورودها بعدها إنما هو لتحقيق فكرة الثبات الخارجي أولاً ثم الداخلي.
بداية السورة ونهايتها يدلان على ان الحق معنا وعلينا ان نتمسك به. (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ). آية 3 و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . آية 200 ونستعرض سورة آل عمران ومحاورها:
الثبات على الحق: الآيات كثيرة في الثبات لكل الطبقات وكل الناس :
• (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) آية 102
• (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) آية 103
• (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آية 146
• (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آية 173 – 174
• (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 200
وسورة آل عمران تُحذّر من الأشياء التي تضيع الثبات وتشكل عقبة في طريقه: عقبات الثبات:
1. ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )(آية 14)
2. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آية 155) وهي تدل على أن الذين تولوا في غزوة أحد من المسلمين استزلهم الشيطان نتيجة بعض ذنوبهم السابقة.
3. ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آية 165). أي كان المسلمون قد انتصروا أول الامر على الكفار ثم نتيجة حب الشهوات عصوا الرسول r لذا فان ما أصابهم هو من عند أنفسهم ومن معاصيهم.
ثم تتحدث السورة عن: عوامل الثبات:
1. اللجوء الى الله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آية 8، والآيات في آخر السورة (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(192،193،194) وكذلك دعاء زوجة عمران (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) آية 35 وكذلك دعوة سيدنا زكريا (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)آية 38 وسورة آل عمران هي أكثر السور التي ورد فيها دعاء لأننا إذا اردنا الثبات على المنهج علينا أن ندعو الله تعالى ونلجأ إليه حتى يعيننا على الثبات لأننا بأمسّ الحاجة إلى عون الله تعالى للثبات.
2. العبادة: وهذه السورة مليئة بنماذج عُبّاد. السيدة مريم وعبادتها: (فتقبّلها رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) آية 37 ، وسيدنا زكريا (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) آية 39 ، (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) آية 193.
3. الدعوة إلى الله: لأنه لما يدعو أحدنا غيره إلى الله تعالى فهذا يعين على الثبات. (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آية 104، و(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آية 110 .
4. وضوح الهدف: يجب أن يكون الهدف واضحاً في الحياة. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آية 191 .
5. الأخوّة: تركيز على الأخوّة في الدين بشكل شديد لأنها من أهم ما يُعين على الثبات. (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آية 103، و(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 105.
النصف الأول من سورة آل عمران يدعو للثبات فكرياً ويتمثل في مناقشة راقية للرسول مع أهل الكتاب ليعرض معهم أين الحق. وقد أقام وفد نجران في مسجد الرسول r وناقشهم فيه أيضاً. وعلينا ان نتخذ هذه التعاليم لمحاورة الذين اختلفوا معنا في المعتقد ونقتدي بالرسول r .
كيف تثبّت سورة آل عمران المؤمنين؟:
o تقوية عقيدة المسلمين قبل النقاش: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (الآيات 18 – 20) والآيات (83– 85– 87) (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
o إيجاد نقاط اتفاق بين المسلمين وأهل الكتاب: (الآية 64 و84) (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
o الحجج والبراهين وسيلة القرآن للتثبيت: من أسس الحوار والمناقشة بعد ما سبق أن نقيم الأدلة العقلية والمنطقية لإقناع من نحاورهم. (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آية 59، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) آية 65، (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) آية 66، (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)آية 79.
o تحذير أهل الكتاب من التكذيب: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) آية 70-71 ، (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آية 75.
o التحدّي الشديد: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آية 61.
o العدل في النظرة الى أهل الكتاب: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آية 75، (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) آية 113.
o الثناء على الأنبياء الذين أُرسلوا الى اليهود والنصارى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آية 33، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) آية 42.
بعد كل هذه البراهين يثبت المؤمن فكرياً. ونلاحظ أن القسم الأول من السورة اختتمت الآيات بآية تتكلم عن الثبات (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آية 120. واختتمت آيات القسم الثاني بآية تتكلم عن الثبات أيضاً (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 200.
النصف الثاني من السورة: يتحدث هذا القسم عن غزوة أحد لأنها تركت في نفوس المسلمين أثراً شديدا من جرّاء عصيانهم لأوامر الرسول r ونلاحظ تسلسل قصة غزوة أحد وتثبيت المسلمين تأتي على سياق غاية في الحكمة سبحانه، أولاً يذكر الله تعالى فضله على المسلمين (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) (الآيات من 121 – 124) ثم يرفع من روحهم المعنوية فيخفف عنهم ثم يلوم المخالفين لوماً رقيقاً (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آية 152) ثم يرفع روحهم المعنوية مرة أخرى (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آية 154) ثم يذكر أسباب الهزيمة والمعصية (الآية 152). مرتبط ببدايات السورة في قوله تعالى (زين للناس حب الشهوات) وهذه الشهوات هي التي تدفع للمعصية وكذلك الربا تؤدي الى الخلافات ولهذا وردت آية الربا في سورة آل عمران أيضاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 130.

تناسب افتتاح السورة وخاتمتها

آل عمران ذكر في مفتتحها: (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنجيل (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)) وفي أواخر السورة قال: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)) ذكر الكتب في أول السورة وذكر المصدّقين بالكتب في خواتيمها: ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنجيل (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) وفي أواخرها ذكر الذين اهتدوا بهذه الكتب (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ) القرآن والتوراة والإنجيل. ثم قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)) في مطلع السورة وفي الخواتيم قال: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)) كأنما هذه الآية تأتي بعد الآية التي في مفتتح السورة، هذا تناسب. ثم ذكر أولي الألباب في أول السورة (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ويستمر (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)) هذا كلام أولو الألباب وفي خواتيم السورة قال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)) ثم ذكر (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193)) نفس الدعاء الذي ذكره أولو الألباب في أول السورة ذكر مثله في خواتيمها، هذا تناسب أن يذكر أولو الألباب ودعاءهم في أول السورة ويذكر أولو الألباب ودعاءهم في خواتيم السورة. في أول السورة قال: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)) وفي الخواتيم قال: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)) ليوم لا ريب فيه هذا يوم القيامة (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا) كأنما دعاء ما ذُكر في الأول (إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، هذا تناسب.

تناسب خاتمة آل عمران مع فاتحة النساء

في خاتمة آل عمران قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) وفي بداية النساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ (1)) إذن صار الخطاب عاماً للمؤمنين في خاتمة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) وأنتم يا أيها الناس اتقوا ربكم إذن كلهم مأمورون بالتقوى. المؤمنون هم فئة من الناس والناس أعمّ، المؤمنون أمرهم بأكثر من التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ) ثم التفت إلى الناس لأن ليس كلهم بهذه الاستطاعة فقال اتقوا ربكم الناس فيهم وفيهم (اتقوا ربكم) هذه مطالبين فيها أما المرابطة فليس كلهم مطالبون فيها فمنهم الضعيف والمريض. هنا علاقة الخاص بالعام المؤمنين والناس وبين التقوى وغير التقوى إذن صار ارتباط الأمر للمؤمنين ولعموم الناس.

مشكاة التدبر

لا يمكن أن تكون علاقتنا بالقرآن علاقة عابرة بل لا بد أن الإنسان المسلم عندما تُذكر أمامه سورة من القرآن يتلو آيات منها يكون على معرفة وثقية بها.
الزهرة الثانية من الزهراوين كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمّى البقرة وآل عمران بالزهراوين اللتين تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان تذودان عن صاحبهما وفي رواية تضلان صاحبهما. وصاحب القرآن هو الذي يعرفه ويفهمه ويقترب منه وليس الذي يحفظه فقط، كم من أناس يحفظون القرآن ويتلون آياته بمهارة شديدة جديدة ومع هذا هو من المنافقين كما قال صلى الله عليه وسلم أكثر قُرّاء أمتي من المنافقين، قُرّاء هنا ليس معناه الذي يفهم ويعي وإنما يحفظ القرآن كمهنة، أداء واجب. علاقتنا بالقرآن يجب أن تكون مختلفة.
مع سورة آل عمران وهي الزهرة الثانية مع سورة البقرة ومهي متلازمة معها وكان صلى الله عليه وسلم يؤمّر على الجيش من لديه هاتين السورتين وكان لهما فضل مترابط بهما ببعضهما البعض. سورة البقرة هي أساس بناء الأمة، بداية الدولة الإسلامية ونزلت سورة البقرة بع بداية الهجرة النبوية في بداية العهد المدني وأصبح هناك لأول مرة للإسلام دولة. هذه الدولة ركائزها تقوم على الإسلام لله والتسليم المطلق لشرع الله عز وجل وذكرت السورة أمثلة لمن لم يمتثلوا لهذا وممن امتثلوا وسورة البقرة تغرس في المسلم وترسّخ فيه هذا المعنى أن يمتثل ويستسلم لشرع الله عز وجل.
بعد أن تقوم الأمة على هذا المبدأ وعلى هذه الشريعة وأحكام كثيرة جداً ذكرت في سورة البقرة، أحكام الصيام والصلاة والحج والجهاد وأحكام الزواج والطلاق وأحكام متنوعة من شتى أحكام الشريعة من الفروض والواجبات والأوامر والمنهيات.
بعد أن قام المجتمع على هذه الدعوة وبعد أن ترسّخ هذا الدستور للأمة لا بد أن يكون هناك عقبات، هذه العقبات ذكرت في سورة آل عمران وفي سورة النساء مع فارق بينهما لا بد أن تأتي حماية لهذا القانون، لا بد أن يكون هناك ما يحميه لأن أيّ كمال لا بد له ممن يحاول انقاصه ويحاول التشكيك فيه ويحاول أن يهدم هذا البنيان. سورة آل عمران ترسّخ فينا كيف نحمي هذا البناء من الأعداء الخارجيين. هناك نوعان من الأعداء: أعداء من دواخلنا نحن وأعداء من خارجنا وكل نوع يحاربنا بطريقة مختلفة ويحاول هدم هذا البناء بطريقة مختلفة عن الآخر. سورة آل عمران تختص بالهجوم الخارجي أو وسائل الهدم الخارجية وهاتان الوسيلتان تدوران حول الحرب العقدية أو حرب الشبهات والحرب المادية التي تكون بالسيف أو أي وسيلة من وسائل القتال. إذن هناك نوعان من أنواع الحرب يحاول أعداء الأمة بكل نوع من هذه الأنواع أن يهدموا الأمة من خلاله. فسورة آل عمران تعلمنا كيف نواجه كل نوع من هذه الحروب: حرب العقيدة، حرب الشبهات، الحرب التي تشكك المؤمن وتفتنه عن دينه والحرب التي تكون عن طريق القتال وذكرت السورة غزوتين غزوة بدر وغزوة أُحد.
سورة آل عمران الجزء الأكبر فيها مختص بالحرب العقدية في ما يقارب ثلثي السورة يتكلم عن مناظرات وشبهات أهل الكتاب والرد عليها. وكانت لها مناسبة نزول في مناظرة النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران التي تطورت إلى مباهلة (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المباهلة لكي يفصل الله عز وجل بينه وبينهم بعد أن جادلهم بالتي هي أحسن وانتهى الأمر بمعاهدة وأصبحوا في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لما نتأمل سورة آل عمران بنظرة عامة نجد أن ثلثي آيات السورة في مسألة الحرب العقدية والكلام عنها وعن الفتنة وعن الشبهات في قول الله عز وجل (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7)) وثلث السورة الآخر عن الحرب القتالية حرب السيف والقتال وغزوة بدر وغزوة أُحد.
ونسأل لماذا الجزء الأكبر من آيات السورة عن حرب الشبهات والفتن؟
لما نتأمل السورة نجد أن ضحابا حرب الشبهات يتحولوا إلى مشككين في دينهم أو يهتز اعتقادهم أو قد يزيغوا ويصلوا إلى درجة الكفر بالله والعياذ بالله! (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) يزيغ عن شرع الله وعن الاعتقاد السليم، فهذا ضحية يزيغ عن الدين أو يهتز الدين في داخله، أما ضحية حرب السيف أو القتال لما يبدأ أعداء الله يعتدون ويقاتلون المؤمنين يكون ضحايا هذه الحرب شهداء عند الله عز وجل يرتقوا في أعلى الدرجات وأعلى المنازل (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٧١﴾) لأنهم نازلوا منزلة الشهداء. فالحرب العقدية أخطر مع أن القتال أكثر إيلاماً (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) النساء) ترجون بعد الألم ما لا يرجوه. أما ضحية حرب الشبهات فهو يتحول إما إلى إنسان شاكٍّ في عقيدته أو غير مهتم رغم أن شكله مسلم أو يقول عن نفسه مسلم لكنه في الحقيقة مهلهل العقيدة من الداخل مهلهل الفهم والسلوك فيتحول إلى نسخة غير حقيقية بعيد كل البعد عن الإسلام إن لم يرتدّ ويترك الدين بالكليّة بسبب شبهة! قد يسمع البعض شبهة من الشبهات فيتحول ويرتد عن دين الله عز وجل ولهذا كان الترسيخ الأهم والأخطر في هذه السورة لمسألة الحرب العقدية، مسألة المناظرة، مسألة الشبهات ثم يأتي الثلث الأخير من السورة في مسألة القتال والشهادة وتأتي مناسبة مع غزوة قد يظن البعض أنها هزيمة فيقولوا (هزيمة أُحد) ولكنها ليست هزيمة، هي مصيبة لأنه جاء بعدها غزوة حمراء الأسد حيث فرّ المشركون من أمام النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه. لكن الفوائد المستفادة من غزوة أُحد هي فضل وفوز كبير جداً لأن أحصاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمة من بعدهم تعلموا كيف ينتصرون وكيف يتحول النصر الذي كان في أول غزوة أُحد (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ (152)) لم يكن نصراً عادياً بل كانوا يحسون رقاب المشركين لكن الذي حصل (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إلى آخر أحداث غزوة أُحد.
إذن سورة آل عمران تنقسم إلى قسمين
القسم الأول: ثلثي السورة تتحدث عن حرب العقيدة والمناظرات والشبهات وكيفية الرد على هذه الشبهات والمناظرات وآداب المناظرات وآداب الحوار مع غير المسلمين والتعامل مع أهل الكتاب
القسم الثاني: الحرب المادية، القتال تبدأ من (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)) إلى آخر السورة. وقد حصلت إشارة إلى هذا في بداية الأمر (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ (13)) يبدأ التفصيل في مشهد طويل.
في السورة مشهد طويل في كيفية المناظرة في الرد على نصارى نجران. نلاحظ أيضاً كيفية حماية العقيدة الإسلامية وكيفية الرد على الشبهات بوسائل كثيرة جداً. بعض الناس يظن عندما يتناقش مع أهل الكتاب أو أهل الشبهات ومن يشككون، بعض هؤلاء يكون هدفه التعلّم ولهذا أمرنا الله عز وجل بمجادلتهم بالتي هي أحسن، نتعلم في السورة كيفية الجدال بالتي هي أحسن، كيفية الجدال العقلي. عندما تناقش أحداً لا يؤمن بدينك وتقول له أن الله عز وجل يأمر بكذا وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قال كذا وهو غير مؤمن بهذا أصلاً! سنجد في آيات السورة أمثلة للحوار العقلي (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59)) هذا جدل عقلي لمن يعتقد بألوهية عيسى: كيف يقول على المسيح أنه إله أو ابن إله ولم يقل هذا على آدم عليه السلام وهو في حق آدم أولى لأن آدم ليس له أب ولا أم وخلقه الله عز وجل بيديه (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) ص) آدم مخلوق بيدي الرحمن جل وعلا ومع هذا لم يقل عنه أحد أنه إله، بينما المسيح عليه السلام لأنه وُلد من غير أب تقولون عليه ابن الله عز وجل، هذا جدال بالعقل نتعلمه من آيات السورة، حجة وإقناع، هذا أدب من آداب التناظر مع أهل الكتاب.
وقبل التناظر تعلمنا السورة لا كما يقال في مبدأ النقاشات أنه يجب أن تدخل النقاش من باب الشك، ضع عقيدتك جانباً وابدأ الكلام! السورة تعلمنا أنه عند الدخول في مناظرة مع أهل الشك لا بد أن تدخل وأنت رافعٌ الرأس معتقد ومجاهر بعقيدتك في هذه المناظرة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) ابدأ المناظرة ورد الشبهة وأنت معتز بدينك، تعلم العزّة في الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ). (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) وسيلة المناظرات ليست وسيلة لأن أترك أنا ديني ويدخل الطرف الآخر فيه! وسيلة المناظرات ومناظرة أهل الكتاب والرد على الشبهات باب من أبواب الدعوة إلى الله عز وجل وهذا يشعرنا بالحرص على هداية الناس التي لم تعد تمثل لكثير من المسلمين شيئاً! فيقولون هم أحرار!! لا، نحن مكلّفون والله عز وجل ابتعث هذه الأمة لتهدي الأمم كما قال ربعي ابن عامر “نحن قوم ابتعثنا الله لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. هذه الأمة لها وظيفة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “إنما بُعثتم ميسّرين” كثير لا ينتبه لكلمة (بعثتم) هذه أمة مبتعثة جعلها الله عز وجل أمة وسطاً لتهدي الناس وتأخذ بأيديهم.
كذلك نتعلم في هذه السورة من آداب الجدال ورد الشبهات أن نذكر الحق بدل التشكيك في العقيدة المقابلة كما يفعل كثيرون. هي وسيلة يمكن أن تفضح بها التحريف في صحف أهل الكتاب لكن قبل أن تفعل هذا اذكُر ما لديك من حقيقة ناصعة جلية نقية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٥﴾) تذكر السورة القصة من أولها من أول ما كانت مريم أم المسيح عليه السلام في بطن أمها. تبدأ بذكر الحق كما حصل عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة وذهبوا إلى ملك الحبشة ذكروا له الحق الذي بين أيديهم ولم يتحدثوا في عقيدة الملك. ابدأ بذكر ما عندك من الحق وما عندك من العقيدة الناصعة النقية واعرض فالفطرة الإنسانية تميل للحق.
من وسائل الجدال إظهار اليقين كما في آية المباهلة (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) أظهر اليقين وعدم الشك في ديني .
ومن الوسائل في السورة الدعوة إلى الاتفاق على الثوابت، ثوابتي أولاً (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)) هذه ثوابت نبدأ بها في الحوار.
ومن الوسائل: الإنصات وإعطاء كل ذي حقه (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75))
يختم القسم الأول من السورة، جزء الشبهات والرد عليها بالأمر بألا نطيع من يريد التشكيك بديننا من أهل الكتاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149)) هذه ثوابتنا لا بد أن نتعلمها حين نحاور وحين نرد على الشبهات.
القسم الثاني من السورة الخاص بالحرب المادية، حرب السيف والقتال وهي خاصة بغزوة أُحد. ونلاحظ في بداية آيات هذا الجزء ذكر لغزوة بدر وهي غزوة انتصار وغنائم وبداية الانتصارات (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)) (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)) الكلام عن نصر بدر ثم يأتي مباشرة كلام عن المعصية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٣٠﴾ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿١٣١﴾ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿١٣٢﴾ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٣﴾ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣٤﴾ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٣٥﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿١٣٦﴾). ترتيب الآيات: الكلام عن غزوة بدر ثم الكلام عن ربا وعدم طاعة وفواحش وظلم نفس ثم الكلام عن غزوة أُحد (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140))
نصر عظيم وغنائم وأنفال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1) الأنفال) فلما حصل معصية وعدم طاعة – وهنا إشارة واضحة أن لما تأتي مسألة الفواحش وظلم النفس يتحول النصر إلى مصيبة (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165)) لا بد أن ندرك أن النصر من عند الله عز وجل لمن يستحق النصر إذا ما مرت الأمة بمرحلة لم تعد تستحق النصر لأنها أسرفت على أنفسها وعصت أمر نبيها صلى الله عليه وسلم وخرجت عن أمر ربها سبحانه وتعالى فإنها بذلك قد يتحول أعظم الانتصارات إلى هزيمة، قد يتحول أعظم الأمجاد إلى خزي ومقتلة كما قتل في غزوة أُحد أكابر الصحابة حمزة رضي الله عنه ومصعب بن عمير وغيرهم. في غزوة أُحد نفسها كانت قد بدأت بالنصر (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ (152)) حصل تنازع حين أمّر النبي صلى الله عليه وسلم على رأس الرماة الخمسين عبد الله بن جبير وقال لهم إذا رأيتم الطير تحطّفنا لا يتركنّ أحد مكانه. فلما رأوا الغنائم وتركوا مكانهم لفّ خالد بن الوليد من خلف جبل الرماة وحصلت المقتلة وتحول الوعد الذي صدقهم الله عز وجل إياه وهذه الأمجاد العظيمة تحولت إلى مصيبة عظيمة جداً لما عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الثلث الأخير بدايته (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٠﴾ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١﴾) فيها ىية مهمة هي مفتاح هذا الجزء من السورة وهي قول الله تبارك وتعالى (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138)) هناك نوعان من الناس فرّق الله عز وجل بينهما في هذه الآية: الناس عامة والمتقين خاصة، بيان للناس عموم الناس، بعد أي مصيبة يحتاج الناس أن يفهموا، الناس ليس عندهم علم ولا فهم للشرع وليس عندهم فهم لسنن الله عز وجل في أفعاله وقد يهتزّ لذا يجب أن يفهم ولهذا يقول الله عز وجل (هذا بيان للناس) ووردت في آيات هذا الجزء آيات فيها بيان للناس (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179)) نفهم الحكمة وهذا مهم للناس عامة أن يفهموا. أما المتقون القريبون من الله تعالى يكون عندهم إحساس آخر وهمّ وجرح شديد لأنهم يحملون همّ الأمة وهذا يحتاج إلى موعظة، فاحتاجوا آيات فيها نوع من المواساة والحنان على هؤلاء وتأتي آيات كثيرة منها (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾) وتأتي توجيهات لهم لأنهم على الرغم من حزنهم على ما أصابهم إلا أنهم حريصون على أن ينصروا دين الله عز وجل ولطلك فهم بحاة إلى هدى فيقول الله عز وجل (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) أخذوا الموعظة والهدى (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)) (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) توجيه أن تكون من الربيين الذين استجابوا فعندما تحصل الإستجابة كما في سورة البقرة يأتي البلاء فتأتي الإستجابة فيأتي الإكرام والتفريج من الله عز وجل وفي هذه السورة أيضاً بعد أن قال أبو سفيان لنا العزّى ولا عزّى لكم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يلحق بالمشركين أن يقاتلهم في مكان عسكروا فيه وهو حمراء الأسد عسكروا فيه ليجمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم ويقاتلوا المؤمنين وأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يخرج معه إلا من خرج معه في أُحد وهم أنفسهم الذين أصابهم القرح استجابوا فأنزل الله عز وجل هذه الآيات (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿١٧٢﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿١٧٤﴾) تحولت الهزيمة والمصيبة إلى نصر عظيم. وتستمر الآيات على هذا النسق إما بيان وإما هدى وإما موعظة للمتقين.
وتختم السورة بتوجيه عظيم جداً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) تقوى الله عز وجل وترك الفواحش والمعاصي ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم ومعصية الله عز وجل فمن فعل هذا تتحول المصيبة إلى نصر عظيم إن شاء الله.

وقفات تدبرية رمضان 1442هـ / سمر الأرناؤوط

في سورة آل عمران نتوقف عند آيات هي شبيهة بما توقفنا عنده في سورة البقرة
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) آل عمران)
(قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران)
إحاطة علم الله عزوجل بكل شيء في ملكه وبخفايا الصدور توقع المهابة في قلب العبد الذي لا يملك من أمره شيئا ثم تجد العبد يتكبر ويعصي ويطغى ويفسد وكأن هذه الحقيقة غائبة عنه تماما! ولا ينبغي لعبد يؤمن أنه راجع إلى ربه ليوم يحاسبه على عمله صغيره وكبيره ظاهره وباطنه أن يغفل عن جهاد نفسه ليمنعها عن كل ما يودي بها إلى الهلاك، فالله عزوجل جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد!
وفي يوم القيامة سيواجه العبد الحقيقة التي أغفلها بحجة أنه يريد أن يعيش حياته في الدنيا وطال أمله وغرّته أمانيه، يوم القيامة سيجد ما عمل حاضرا فيا سعد من وجد خيرا ويا شقاء من وجد شرّا فليحذر العبد من حلم الله عزوجل..
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران)
فيا من تحب لنفسك الخير والسعادة والفوز احرص على أن تجاهدها وأن تذكرها بالآخرة وبيوم الحساب ولا تغرنّك الدنيا بزينتها ومادياتها عن الاستعداد للحياة الحقيقية، جاهد نفسك على تقوى الله عزوجل في تقواه الفلاح في الدارين..
والصيام من أعظم المعينات على التقوى فاغتنم أيام شهر رمضان وجدد نيتك ببلوغ هدف التقوى مستعينا بربك نعم المولى والنصير..
هذا والله أعلم

#رمضان_١٤٤٢
#وقفات_تدبرية
#الجزء_٤

وأنت تقرأ اليوم آيات سورة آل عمران في الجزء الرابع وهي سورة الثبات على العقيدة الصحيحة في وجه الشبهات والأزمات والأعداء يستوقفك إشاراتها لنا في واقعنا اليوم وكأنها تحدد الداء وتصف الدواء..
نجدها تحذر من التفرق وتدعو إلى التآلف والوحدة والاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله فالدين واحد والصراط واحد والأمة واحدة وقد امتنّ الله تعالى عليها (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) ونحن اليوم بأمس الحاجة لعودة روح التآلف والمحبة والرحمة بين أبناء الأمة الواحدة فينصرنا الله عزوجل على أنفسنا التي تجزع عند البلاء وعلى الشيطان الذي يُحزننا وعلى الأعداء الذين يتكالبون علينا ويثبطوننا فنقعد يائسين قانطين في الوقت الذي ينبغي لنا أن نقوم ونجاهد ونسعى ثابتين على الحق مدافعين عنه موقنين أن الأعداء (لا يحبونكم) (عضوا عليكم الانامل من الغيظ) (إن تمسسكم حسنة تسؤهم) لكنهم مهما كادوا ومكروا (لن يضروكم إلا اذى وإن يقاتلوكم يولونكم الأدبار ثم لا يُنصرون) (لا يغرنكم تقلب الذين كفروا في البلاد) فالله تعالى محيط بهم وينصر أولياءه. واستبشروا (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) وتوكلوا على الله..

(وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون)
طاعتكم لله ورسوله تجلب لكم الرحمات والنصر والتأييد أما طاعة الذين كفروا فلا تنفعكم (إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين)
واعلموا أن الدنيا دار ابتلاء ليمحص الله إيمانكم
واعلموا أن الدنيا متاع وأن الموت حتمي (كل نفس ذائقة الموت) وأن لكل نفس أجل يعلمه الله وحده والمفلح من قدّم لحياته الآخرة.
اقرأوا سورة آل عمران بقلوبكم تجدوا فيها الموعظة وتجدوا في آياتها الشفاء، كلنا مرضى والقرآن شفاؤنا…
تعلموا من السورة المحبة والرحمة، لا تحكموا على الناس لمجرد ذنب اقترفوه مهما كان عظيما فهؤلاء الرماة الذين خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يعفو عنهم ويستغفر لهم بل ويشاورهم في الأمر حتى لا يعيّروا بذنبهم، فإذا كانت هذه رحمة النبي بالمؤمنين فكيف برحمة الله الرحمن الرحيم؟
هكذا يعود التآلف لقلوبنا التي أفسدتها الدنيا واللهث وراءها فجعلتها قاسية والله تعالى يريدها لينة رحيمة متحابة ثابتة لا قاسية كالحجارة!
اقرأوا السورة وتأملوا كم تكرر فيها فضل الله ورحمة الله ونعمة الله ووعد الله بالنعيم لأهل الإيمان.
اقرأوا السورة وتعلموا منها دعاء أولي الألباب وتأملوا صفاتهم لتتصفوا بها…
آمنوا، اصبروا، صابروا، رابطوا، اتقوا الله، هكذا ينبغي أن تعيشوا دنياكم لعلكم تفلحون في الدنيا والآخرة.
هذا والله أعلم

سورة آل عمران

إسم السورة ودلالاته

نذكر بعض المقدمات التي تهم المشاهدين في فهم القرآن:

1- القرآن ينقسم إلى قسمين أخبار وأحكام كما قال تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً (115) الأنعام) يقول ابن كثير صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام. فكل القرآن إما أخبار عن الله أو عن الرسل السابقين أو أخبار عن الجنة أو أحكام فالمطلوب من المسلم في الأخبار بالتصديق وفي الأحكام بالتطبيق، هذه أول مقدمة.

2- المقدمة الثانية أن مقاصد القرآن الكُليّة ثلاثة أفردها الشوكاني بتأليف ونصّ عليها كثير من العلماء السعدي وابن القيم وهي إثبات التوحيد وإثبات النبوة وإثبات البعث وهذه مشكلة العصر كثير من الناس ينكر البعث وينكر الله وكثير من الناس ينكر نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فالقرآن صالح لكل زمان ومكان.

3- المقدمة الثالثة أن القرآن يتحدث إما عن عقائد أو شرائع، بمصطلح القرآن إيمان وإسلام، فالعقائد ملخصها أركان الإيمان الستة والشرائع ملخصها أركان الإسلام الخمسة.

فبهذه الطريقة يمكن المسلم يكون عنده استيعاب سريع لموضوعات شروع مقاصد السور

الحديث عن سورة آل عمران كثير عنده إشكالية في موضوع السورة، هل السورة لها مقصد؟ من الأمور التي تبين أن السور لها مقاصد:

تجزئة القرآن إلى هذه السور 114 سورة كان ممكناً أن يجعله الله عز وجل كتابًا واحدًا غير مجزّأ كما هي الكتب الموجودة فما فعل الله هذا إلا لحكمة ظاهرة وهي أن كل سورة ظاهرة لها مقصد خاص، لها موضوع خاص .بل إن آحاد البشر يُعاب عليه أن يتكلم في مجلس في عدة مواضيع من غير تناسق فكيف بالله سبحانه؟! لا شك أن كل سورة لها مقصد معين وهدف معين، ومن هذه السور سورة آل عمران.

العلماء نصّوا بأساليب معرفة مواضيع السور، فيمكن أن تُعرَف بسبب النزول أو من الإسم أو تُعرَف من مقدمة السورة أو مدخلها أو خاتمة السورة أو كلمة تتكرر في السورة أو يمكن بالبحث والاستقراء. ومن الطرائف عندي درس تفسيرفي المسجد بعد صلاة الفجر فكنت كلما أبدأ سورة أتكلم في موضوعها فوصلت سورة الذاريات وما استطعت أن أعرف موضوعها وما حضّرت في ذلك اليوم فبعد الدرس أتاني أحد المصلين وقال أنا أحب هذه السورة فسألته لماذا؟ قال أحسّ أنها سورة الرزق فسألته كيف؟ قال أولها السحاب الذي يوزع الله فيه الرزق ثم أقسم تعالى فقال (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)) وفي آخر السورة قال (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)) فقلت والله إنك موفق. فأحيانًا الإنسان بالقراءة وكثرة التأمل ينتبه لجميل السورة ومعانيها الرائعة. وأحياناً في المواسم الفاضلة مثل في رمضان ينفتح لقارىء القرآن من المعاني والأحكام مالاينفتح له في غير المواسم، وهذا من بركة القرآن واتصال الناس به سبحان الله!

لماذا سميت السورة بآل عمران؟ وما الدلالات التي نستخرجها؟

سورة آل عمران تتحدث عن وفد نجران لما حصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بعض المحاورة والمناظرة وفي آخرها نزلت السورة تتحدث عن هذه القضية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالمباهلة والسورة كلها تدور حول هذه القصة. فموضوع السورة هو إثبات توحيد الله دفعاً لشبهة النصارى في التكذيب.

وسبحان الله بدأت السورة بهذا الاسم فيها نسف لشبهة النصارى فعيسى من آل عمران والسورة آل عمران يعني يعني إذن هو بشر ما هو بإله أصلاً ولا هو ابن إله إنما هو نبي مرسل عليه الصلاة والسلام من ذرية آل عمران يعني بشر، فعمران زوجته طلبت ولداً فرزقها الله مريم ومريم رزقها الله بعيسى فعيسى بن عمران بن مريم هو من ذرية آل عمران فالسورة آل عمران من أول السورة من إسم السورة نسف شبهة التثليث.

فهذا الاسم ـ تعرف القرآن بعض أسمائه اجتهادية وبعضها منصوصة ـ هذا من الأسماء المنصوصة (اقرؤوا القرآن . فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران . فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان . أو كأنهما غيايتان . أو كأنهما فرقان من طير صواف . تحاجان عن أصحابهما . اقرؤوا سورة البقرة . فإن أخذها بركة . وتركها حسرة . ولا يستطيعها البطلة . قال معاوية : بلغني أن البطلة السحرة . وفي رواية : مثله . غير أنه قال : وكأنهما في كليهما . ولم يذكر قول معاوية : بلغني. الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – لصفحة أو الرقم: 804 -خلاصة حكم المحدث: صحيح)

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الليل آخر عشر آيات من سورة آل عمران (بت عند خالتي ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد ، فنظر إلى السماء فقال : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }. ثم قام فتوضأ واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى الصبح . الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – لصفحة أو الرقم: 4569 -خلاصة حكم المحدث: [صحيح]). فنص على هذا الاسم. إذن تسميتها بهذا الإسم رد على شبهات النصارى.

والحقيقة أنها لفتة مهمة جدًا تسميتها بهذا الاسم رد على النصارى وشبهتهم من أولها (آل عمران) أصلا! كيف تزعمون أنه إله وهو متسلسل؟!.

أذكر يقولون أن أبو بكر الباقلاني لما التقى بأحد زعماء النصارى فقال له كيف حالك وكيف الأهل والأولاد؟ فاستغرب كيف يسأل عن أولاده ومعروف أن القسيس لا يتزوج! فقال: كيف تنزِّهون أنتم أنفسكم عن الولد وتثبتونه لله!.

مقصود سورة آل عمران هو إثبات التوحيد والرد على شبهة التثليث عند النصارى وفعلاّ لفتة جميلة تسميتها بآل عمران تدل على أن عيسى هو واحد من هذه الأسرة لا هو إله ولا هو إبن إله.

هل هناك دلالات أخرى غير هذه الدلالة على موضوعها؟

ذكرنا أن مطلع السورة قد يكون له أحياناً أثر في فهمها. مطلع السورة (ألم (1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)) إثبات الحياة والقيومية لله وحده وأنه لا حيّ سواه لا عيسى ولا غيره ولا قيّوم سواه. والعجيب أن هذه هي السورة التي ذكرت فيها الشهادة خمس مرات بهذا النصّ:

(اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2))

(لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6))

(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18))

(وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62))

خمس مرات ذكر التنصيص على التوحيد وتأكيد هذه القضية مما يدل على وضوح وبروز مقصدها. التوحيد تذكره في مقابل واحد شيوعي ملحد وأحياناً تذكره في مقابل يهودي وأحياناً تذكره في مقابل إنسان مشرك، لكن أحياناً تذكره في مقابل نصراني فالتوحيد الذي يذكر في سياق سورة آل عمران هو التوحيد الذي يردّ فيه على النصارى على وجه الخصوص.

هذا الكلام أوحى بفكرة للإخوة القُرّاء: عندما تقرأ السورة ويظهر لك مقصداً لها يُذكر في خانة جانبية أسباب اختيار هذا المقصد مثل هذه السورة الآن قلنا آل عمران هي التوحيد والرد على شبهة التثليث ثم نذكر الأدلة على ذلك، أولاً المقطع الأول منها (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ثم تتبع الآيات التى تؤيد هذا، أنت ذكرت خمس آيات، رائعة جداً. أيضاً نفس التسمية آل عمران كيف ترد على شبهة الشرك.

إشهاد الله لملائكته وأهل العلم أنهم أهل علم حق بأنه هو الله لا إله إلا هو، معناه من لم يكن كذلك فليس هو من أهل علم ولا هو يشبه الملائكة ولا يستحق أنه يُتبع أيضاً ففيها تأكيد جميل وفيها تزكية لأهل العلم وفوائد كثيرة جداً.

نزول السورة:

السورة مدنية والرسول r صلى الله عليه وسلم كانت معركته في مكة ليست كمعركته في المدينة إلتقى باليهود والنصارى في المدينة في الغالب لم يكن هناك في مكة كذلك. وفد نجران كان معهم الصاحب والعاقب والسيد كانوا هم رؤساء القوم فأتوا من نجران وجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبدأت بينهم مناظرة وفي نهاية الجلسة دعاهم الرسول r صلى الله عليه وسلم للمباهلة والبماهلة هي الملاعنة المفاعلة لها فاعلان فهذا يباهل هذا وهذا يباهل هذا. يقول ابن حجر لما ذكر هذه القصة وجرت سُنّة المتباهلين أنه لا يمضي الحول حتى يهلك المبطِل منهم وقد جرت بيني وبين أحد المشار إليهم بالبنان مباهلة في أحد العلماء “إبن عربي” فقال هو إنه صدّيق وقلت أنا إنه زنديق وتباهلنا على ذلك فقال ما مرت ثلاثة أشهر حتى مات صاحبي، فهذه سنة المتباهلين. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في المباهلة بل الله تعالى أمره بذلك (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) المباهلة لا تُدخَل في مسائل عادية ولا يدخلها الإنسان إلا وهو ضامن يأوي إلى ركن شديد، وحتى من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم رضاه بالدخول في المباهلة لأنها شيء مخيف وليس فقط لعنة وطرد من رحمة الله بل إنه قد يهلك كما ذكر بن حجر سنة متباينة يهلك يموت. لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم المباهلة، النصارى يعرفون المباهلة فاستأذناه في الرد في اليوم الثاني فقال السيّد والله لئن باهلتموه لا تبقوا أنتم ولا عقبكم أبداً فجاؤوا في اليوم الثانية فقالوا قد رأينا أن لا نباهلك هذا اليوم لكن أرسل معنا رجلاً أميناً فقال صلى الله عليه وسلم أرسلنا معكم أميناً فأرسل معهم أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة وفعلاً ذهب وكان نعم الوافد فأسلم أغلب أهل نجران وبعد ذلك أصبحت مسلمة.

تحدثنا عن سبب نزول السورة وقلنا أنها وفد نجران ونزلت السورة كلها تُحدّث بهذه القصة.

غزوة أحد في هذه السورة، التميز الواضح في السورة في قصة وفد نجران وأيضاً في غزوة أحد. من الأمس وأنا أفكر في وجه دخول غزوة أحد، تذكرت عندنا طالب نصراني في الكويت يريد أن يسلم فكلما أراد أن يسلم يقول له أبوه وأمه لو كان الإسلام حق لما كان الإسلام ضعيفاً في هذا الزمن، انظر إلى ضعفه وهزيمته، فكأن النصارى يستدلون على بطلان المسلمين بهزيمتهم في غزوة أحد كمثال، وأولئك قوم نجران يستدلون بنفس الحادثة فجاءت القصة لإثبات أن غزوة أُحد ليست هزيمة بالمبدأ وإنما هو خلل في بعض الشروط في كتب السير يقولون في أُحد هزم المسلمون لكن انتصر الإسلام، لأن طاعة الله ورسوله شرط الانتصار فلما خلّ هذا الشرط اختل المشروط عليه. فالاسلام لم يهزم إطلاقاً. ثم هذا الرابط وهو ربط المبادئ وأحقيتها وصحتها بهزيمة قوم هذه مشكلة، النبي صلى الله عليه وسلم بدأ لوحده فهل هذا دليل على عدم صدق مبدئه؟!

ويؤيد هذا الفهم قوله تعالى (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)) بعض الباحثين عناية الله سبحاني له كتاب عن البرهان البرهان في تفسير سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران رسالة قيمة استنبط فيها استنباطات قيمة بعضها يوافق عليه وبعضها قد يناقش فيه! من ضمنها ينكر تماماً أن نقول أن المسلمين هُزموا في أحدويقول هم انتصروا وإنما كان عتاب الله لهم في أُحد لأسباب ليست لأنهم هزموا وذكر بعض التعليلات، علمًا أن مثل الانكسار الذي وقع مثل جرح النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته واستشهاد عدد كبير من الصحابة مثل حمزة رضي الله عنه كان بسبب الخلل الذي وقع فيه الرماة رضي الله عنهم وكان أيضاً هذا تقوية للصف فيما بينهم بعد ذلك لكن المعارك التى جاءت بعدها انضبطت الأمور لأنهم كما انتصروا في بدر مع أن عددهم كان قليلاً وما كانوا مستعدين هُزموا في أحد مع أنهم كانوا مستعدين وأكثر عدداً. وفكرة أخرى تؤيد هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد وهو كاره لكن الصحابة كانوا يرون أن الخروج أفضل لقريش فلما استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وبعد الغزوة كان المتوقع أن الله تعالى ينهى النبي عن الشورى لكنه قال (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159)) وهذا استنباط رائع جداً.

والشيء بالشيء يُذكر، لما صارت أحداث غزة في العام الماضي وهذا حدث جلل شغل المسلمين ولا زال وكنت أخطب الجمعة وكنت أريد أن أبحث عن البيانات التي جاءت عند العلماء صدد أن أرى البنود التى فيها وأضمِّنها خطبتي فقلت لم لا أبدأ بالقرآن لأن البيان فيه أجمل فوجدت آية (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138)) وبيان الله تعالى

أول بيان (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)

والبند الثاني (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140))

والبيان الثالث (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ)

البيان الرابع (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فالله تعالى له حكم

والبيان الخامس (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141))

والبيان السادس (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142))

(وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)) في وقتها مات سعيد صيام والريّان فكنت أقول موت هؤلاء الرموز مصيبة فجاءت الآية أن موت الرموز لا يميت المبادئ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)) وهو رسول الله فكأن الله يعظ هؤلاء القوم الذين مات فيهم فلان.

ثم قال (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً (145)) لا تقولوا لو لم تحصل حرب لما ماتوا! هؤلاء لو لم تحصل رب لماتوا حيث ماتوا

(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145))

ثم قال (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) وهو نبي

والنتيجة (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ) أنتم قدوتكم في هذا نبي وليس قدوتكم قتال وجهاد. وسبحان الله كل الآيات تجري في هذا البيان الرائع جداً فألقيت الخطبة بعد أن أخذت البيان من رب العالمين عن مثل هذه الأحداث فكانت من أجمل الخطب في اثرها ونفعها، بيان القرآن يختلف عن أي بيان آخر. بيان الله هدى وموعظة.

نحن نغفل القرآن الكريم في الخطب والكلمات الوعظية، ربما أحدنا يعجب بموعظة أحد العلماء أو سبكه أو سجعه فيختاره وينسى مثل هذه، لكن هناك نقطة مهمة أنه لا يهتدي لمثل هذا كل أحد وهذه الآيات كأنها تتحدث عن الواقع.

 تأملات في سورة آل عمران من الآية 195 إلى آخر السورة

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴿١٩٥﴾ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٩٧﴾ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴿١٩٨﴾ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩٩﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٢٠٠﴾

توقفنا في اللقاء الماضي عند قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ولعلنا في هذا اللقاء نواصل الحديث عن هذه السورة العظيمة. وقد سبق أن تحدثنا عما في هذه السورة من أعمال القلوب ومن الفضائل ومن الفوائد البلاغية ونحن لم نتحدث عن سورة آل عمران لما فيها من الفوائد وما فيها من العِبَر وإنما نحن نحاول أن نحبب المشاهد الكريم في مراجعة هذه السورة والتفكر فيها وإلا هي تحتاج لسنوات طويلة لتدبر هذه السورة -كما فعل ابن عمر مع سورة البقرة- لأن التفكر بالقرآن الكريم والعمل به وتكراره يحتاج إلى وقت وهو عمر المؤمن الحقيقي. وعمر المؤمن الحقيقي هو الوقت الذي قضاه مع القرآن، والوقت الذي استثمر هو الوقت الذي قضاه المؤمن مع كتاب الله يتأمله وينظر في معانيه.
بعد أن تحدثنا في اللقاءات الماضية عن دعاء المؤمنين (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١﴾) وتحدثنا عن عبادة التفكر وعن أعمال القلوب والغفلة التي يعيشها المسلمون، ثم بعد هذا الدعاء كله قال الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴿١٩٥﴾) ثم ذكر نماذج لهذه الأعمال (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)، هذه الآية أطال الله فيه التفصيل في الاستجابة لهذا الدعاء العظيم وقلنا سابقاً أن الله سبحانه وتعالى علّمنا في هذه السورة كيف ندعوه وأن على المؤمن أن يكثر من الدعاء بهذا الدعاء وأفضل دعاء دعاء القرآن وأفضل ما يدعو المؤمن به هو هذا الدعاء الذي علّمنا إياه الله سبحانه وتعالى في كتابه لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بخلقه.
نقف وقفتين مع هذه الآية: أولاً سرعة استجابة الله لدعاء المؤمنين. كثيراً ما نسمع الناس تقول إننا ندعو ولا يُستجاب لنا في حين أن الله سبحانه وتعالى أشار في كتابه أنه سريع الاستجابة فقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) بمجرد الدعاء فإنه يستجيب لك لكن ليس بالضرورة أن تكون الاستجابة هي تحقيق ما تدعوه به وإنما ذكر العلماء أن الداعي لا يخلو من حالات إما أن يستجيب الله دعاءه فينفذ له ما طلب وإما أن يصرف عنه من الشرّ بقدر ما دعا به من الخير وإما أن يُرجئها الله سبحانه وتعالى له إلى الآخرة وهي أعظمها ولذلك قال الشافعي رحمه الله لرجل يقول أنه يدعو الله ولكنه لا يستجيب:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولم تعلم بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تُخطئ ولكن لها أجلٌ وللأجل انقضاء
النقطة الثانية في قوله سبحانه وتعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى وهو السيد وهو المالك وهو المتصرف أنه لن يضيع عمل عامل وأنك مهما عملت من عمل صَغُر أو كبُر فأنك سوف تجزى به ولذلك قال (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة) وذكر في مواضع كثيرة في كتابه دقة الميزان (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء) (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) هذا فيه طمأنينة للمؤمن وهو يدعو الله سبحانه وتعالى وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى تكفّل أن لا يضيع عمل عامل منكم، وهذا فيه تطمين للعبد لأنه من أشد ما يؤثر على العامل أنه لا يطمئن إلى الجزاء، العامل الذي يعمل في أحد المؤسسات ولم يستلم راتبه كيف تكون حالته وكيف تكون نفسيته؟! يقول حقوقي مضيّعة؟! ولكن عندما يأتيه ضمان بأن حقوقه محفوظة، وهنا الضمان من الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران).
لعل هذا تكملة لقوله تعالى (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ (195)) هذا تأكيد وأن وعدي لكم بأن أجزيكم خير الجزاء وأنصركم على أعدائكم وأورثكم الجنة يوم القيامة أن ذلك لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى وكل عمل قدمتموه لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) محمد) بمعنى لن يضيع أعمالكم. ولو تأملنا هذا التطمين الرباني لهم يجعلهم بالفعل يعملون حتى لو العمل الصغير والله سبحانه وتعالى لا يحقر العمل الصغير وقال صلى الله عليه وسلم (لا تحقرنّ من المعروف شيئاً) أي شيء يعمله العبد فيه خير فإنه سيعود عليه بالنفع والخير ولذلك الذي قطع غضن شجرة كانت تؤذي الناس أدخله الله سبحانه وتعالى به الجنة وهو عمل يسير لا يؤبه له.
في التفصيل لما قال تعالى (لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) وهذا واضح أنه للجميع لكنه قال (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) وبتقليب النظر في ذكر الذكر والأنثى أو المؤمن والمؤمنة قصداً في بعض الأمور قطعاً يكون لحكمة (ذكر وأنثى) (مؤمن ومؤمنة) (والمؤمنون والمؤمنات) تحتاج لوقفة وتأمل ولعل أحداً يصل فيها إلى الحكم في هذا الموضوع.
لما سألت أم سلمة الرسول r صلى الله عليه وسلم لا نجد للنساء ذكراً (وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ (32) النساء) وقيل أنها نزلت فيها كل الآيات التي ذكرت النساء والرجال، قالت ما لي أرى الله يذكر الرجال ولا يذكرنا؟ فأنزل الله تلك الآية والآية في سورة الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ (35) الأحزاب) فذكر هؤلاء جميعاً مع الرجال. وهذا يدل على أن التساؤلات مشروعة وهذه المرأة النبيهة سألت هذه التساؤلات المشروعة وجاء بعدها استجابة. ونرى فائدة في قوله تعالى (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) هذه شاملة ثم جاء (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) تنبيه على أن الجزاء سواسية ليس فيه تفاضل، أنتم سواء في الجزاء لا تؤثر الذكورية في زيادة أجر الذكر على المرأة ولا تؤثر أنوثة المرأة بنقص في الأجر ولهذا نقول أن هذا من الجوانب التي يجب أن ننتبه لها أن الرجل والمرأة يكونون في أمور على حد سواء وأحياناً يكون للرجل حال وللمرأة حال ولكن الغالب أن حال الرجل أفضل من حال المرأة هذا بتفضيل الله سبحانه وتعالى وليس تشفّياً وهذه القاعدة العامة والغالبة عند جميع الناس فالاستثناءات التي تحصل أحياناً في العالم، إمرأة تملك بلاد أو امرأة تملك وزارة أو امرأة مسؤولة عن رجال فهذه تعتبر شواذ لأن الأصل الغالب أن يكون الرجل هو المقدم. فلعل المقصود أنه لا يؤثر الجنس ذكر أو أنثى في قضية الجزاء عند الله سبحانه وتعالى.
في حديث أم سلمة يقول القرطبي في تفسيره “وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أُم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالىٰ: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } الآية. وأخرجه الترمذي”.
من فوائد هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى خصّ العمل وذكر مثالاً ل’مال الصالحة التي تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، فعممّ في الأول (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) فدخل فيه كل عمل صالح يعمله إنسان من ذكر أو أنثى فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيعه، لكنه ذكر مثالاً على هذه الأعمال الصالحة وكأنها من أعلى الأعمال الصالحة فقال (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ) ذكر الهجرة، (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) وليس سهلاً على الإنسان أن يخرج من دياره بطواعية، ولذلك نقول لإخواننا الذين شُرّدوا من ديارهم في كل مكان: هل تتوقعون أن أجركم كأجر غيركم؟ أنتم على أجر عظيم إن صبرتم واحتسبتم. ولذلك انظروا إلى إخواننا في فلسطين وأفغانستان والعراق وفي كل مكان كيف شُرِّدوا من ديارهم فلا يعرف الهمّ إلا من يكابده ولا المرارة إلا من يعانيها، فليس سهلاً أن تسمى لاجئاً لكن الله سبحانه وتعالى قد خصّك بأجر فقال (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) ليس سهلاً أن يخرج الإنسان من دياره بطواعية، وقال (وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي) لذلك نحن نذكر الإخوة الذين أخرجوا من ديارهم أن يحتسبوا الأجر عند الله سبحانه وتعالى أن لا يتسخطوا على قضاء الله وقدره فأن الله تعالى بقدر ما ابتلاهم بهذا البلاء في الدنيا فإنه قد أعد الله لهم من الأجر ما لم يعده لمن بقي آمناً في وطنه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر النِعَم قال: ” من أصبح معافى في بدنه ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ” والشاهد قوله ” آمناً في سِربه”. وهؤلاء الذين ذكرناهم في هذا الزمن زمن الذل والهوان على المسلمين قد كثروا بالفعل وواجب عليهم أن يحتسبوا هذا الأمر عند الله سبحانه وتعالى فإن الله سيجزيهم عليه جزاءاً عظيماً. ثم جاء بالقسم في (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) هذه اللام موطّئة للقسم، فالله سبحانه وتعالى يُقسم وكأنه يضمن لهؤلاء الذين قاتلوا وقتلوا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيله يقسم الله عز وجل أن يكفّر عنهم سيئاتهم وجاء بالتكفير مقابل هذه الأعمال.
(لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) هذا باب التخلية و(وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وهذا باب التحلية، هذه القاعدة الغالبة كما يقول تعالى في كثير من الآيات (غفور رحيم)، غفور هذه تخلية ورحيم تحلية، فهنا قال (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) وهذا الإدخال ليس لجنة واحدة وإنما جنات (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) الرحمن) لا يُعطى الإنسان في الآخرة جنة واحدة وإنما هي جنات يتنقل بين هذه الروضات والمنازل المتعددة والقصور الفارهة العظيمة والخيام التي من لؤلؤ، هي جنات لمن يصبر على هذا الأذى والإخراج والهجرة وينال هذا الأجر العظيم ولهذا قال في آخر السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فالمسألة تحتاج إلى صبر ومصابرة. وقد ذكر الصبر في أول السورة (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)) بدأ السورة بالصبر وختمها بالصبر ولذلك لم يُعطَ الإنسان عطاء أوسع من الصبر. ولذلك نلاحظ الآن نحن لا نعظّم خُلُق الصبر كما عظّمه الله عز وجل، نحن للأسف لم نتخلق بخلق الصبر وكل شيء عندنا في عجلة وقلة صبر، ابن القيم قال “إن الصبر هو سيد الأخلاق”، فالشجاعة صبر ساعة، الكرم صبر على بذل المال، الحلم على عدم الاستثارة، كل الأخلاق تجدها تحتاج إلى صبر. ولذلك لما ذكر تعالى في سورة البلد (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿١١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿١٢﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿١٤﴾ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿١٥﴾ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿١٦﴾ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴿١٧﴾ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴿١٨﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿١٩﴾ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ﴿٢٠﴾ البلد) تواصوا بالصبر لأن فك الرقبة وإطعام المسكين في يوم المسغبة هذه الأعمال العظيمة التي ذكرها تحتاج إلى صبر. ونحن للأسف لا نتدرب عليه ولا نُربى عليه بشكل يليق به، لا نربي أنفسنا ولا نربي أبناءنا ولا طلابنا ولا مجتمعاتنا على الصبر. وليس الصبر المذموم وإنما ضبط النفس وضبط الأخلاق والمفترض في إدارة المرور مثلاً أن يطرحوا دورات في الصبر، والغربيون نجحوا في هذا أكثر منا فتعودوا على الصبر والانتظار حتى في الصناعة والتعلم أما نحن بحكم المَدَنية المعاصرة التي تسهِّل على الناس أصبحنا نستبطئ الساعة فإذا أُعلن في مطار عن تأخير رحلة ترى الناس ينزعجون انزعاجاً هائلاً وما يدرون ما الحكمة من هذا التأخير.
في قوله سبحانه وتعالى (ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) والثواب مأخوذ من مادة تاب وتاب إذا رجع، غذا تأملنا تسمية هذا بالثواب كأنه لك ثم تبت إليه لكن لا تتوب إليه إلا بالأعمال الصالحة وقريب منها المآب ولذلك قال (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ) مآب يعني مرجع، والمرجع بالأعمال الصالحة. وقالوا هذا الذي أعطاك الله هو ثواب، توبته عليك فكأنك رجعت إلى حال مقدرة. وكأنه تذكير بالحالة التي كنا عليها، فآدم عليه السلام كان في الجنة ثم أُهبِط منها بسبب الذنب والآن رجعنا إلى المكان الذي خرجنا منه وكأننا تبنا وأبنا إلى المكان الذي كنا فيه. لكن نلاحظ أن المكان كان في الجنة فأهبط منها والآن ينبغي منا أن نصعد إليها والصعود ينبغي له جهد وشغل وليس كالهبوط فيمكن بسيئة واحدة تهبط لكن الصعود يحتاج لبذل جهد (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿١١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿١٢﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾). كل واحد منا يتصور أنه يصعد في سلم إلى السماء إلى الجنة معناه كلما أصلي أو أصوم أو أزكي أصعد إلى السماء درجة وكلما كان العمل فيه مشقة وجهد كلما كان الصعود أعلى. ولذلك هؤلاء أخرجوا من ديارهم وهاجروا وأوذوا في سبيل الله وقاتلوا وقتلوا كل هذه مصاعد.
وكأن القائل يقول انظر إلى هؤلاء الكفار يتمتعون ويتنعمون ونحن في هجرة وإخراج فقال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) هذه الحقيقة نحتاج إلى التذكير بها وهي تقال كثيراً، كلما أراد أحدهم أن يمثل بالحضارة يقول انظروا إلى الغرب ماذا فعلوا وهذه مِنيّة صادقة وهذا حقّ لا نرده ولا نُنكره لكن لا نريد كثرة الطَرْق على هذا الجانب كأننا نحن متخلفين لأننا نحن أصحاب الحضارة والحضارة الحقيقية هي التي نبعت من الوحي ونحن أصحاب الحضارة الحقيقية وأصحاب الوحي والله سبحانه وتعالى (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) هم لا شك يتقلبون في النعم وشوارعهم أفضل من شوارعنا وحضارتهم المادية قد بلغوا فيها شأواً والذي نتمتع نحن به الآن هو من حضارتهم لا شك عندنا بذلك لكن الواقع الذي نعيشه اليوم محزن بالنسبة للمسلمين.
فائدة هنا الملاحظ أن الثواب هنا نُسب إلى الألوهية وليس إلى الربوبية وأن بداية الخبر كانت ربوبية (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) لكن لما ذكرت بعض الأعمال المرتبطة بالعبودية جاء ذكر الألوهية لأن الألوهية من عند الله. والتوجيه أن مقام الألوهية مقام عبادة يعني ألِهَ أي عَبَد ولما ذكر جملة العبادات نسبها إلى الألوهية لأنها أنسب لها مع أن الثواب أحياناً قد يأتي من الرب لكن المقام الآن حسُن أن يذكر فيه لفظ الجلالة لارتباطه بالعبادات التي ذركت من قبل، هذا أمر والأمر الثاني أن الألوهية فيها عظمة وتمكن فكأنه أراد أن يبين أن هذا الثواب عنده وله ومُلكه فهو الذي يهب لمن يشاء ويمنعه من يشاء فهو أعطاهم الثواب من عنده تفضلاً فتستشعر هذا المعنى. وهناك معنى أن هذه الأعمال التي ذكر الله ثوابها أعمال فيها مشقة وكأنها ليس فيها معنى اللطف والربوبية، فيها قتل وفيها إخراج من الديار فعبر الله سبحانه وتعالى بالألوهية ليدل على أنه يستحق سبحانه وتعالى أن كل هذه التضحيات من أجل الله سبحانه وتعالى ولهذا قال بعدها (وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ). إن كان هناك ثواب فهو عنده، قُدّمت العندية على الثواب كما قالت امرأة فرعون (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (11) التحريم) الجار قبل الدار.
قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196)) لا شك أن كثيراً من المسلمين وقعوا في مخالفة صريحة لهذه الآية وهو اغترارهم بالكافرين حتى قالوا وجدنا في الغرب إسلاماً بلا مسلمين، هذا غير صحيح مع أن هؤلاء يتقلبون في نعم عندهم حضارة ولا ننكر شيئاً من ذلك ونرى أنهم قد حازوا شيئاً ينبغي لنا نحن أن نحوزه ولكن علينا أن لا نغترّ به فما دام الإنسان قد فقد الإيمان وفقد الصلة بالله عز وجل فهو في الحقيقة فقد البوصلة في هذه الدنيا فلا يعلم أين يتجه؟ ولذلك انظر إليه يعيش الإنسان وهو يكدح في الدنيا ما عنده هدف آخر، ما الفائدة؟! ولأن أعيش في بيت شعر في صحراء قاحلة وأعرف من أنا ولماذا خُلِقت أحب إلي من أعيش في ناطحة سحاب وعندي ملذات الدنيا كلها ولا أدري لماذا خُلِقت .
حدثني أحدهم في قوله سبحانه وتعالى (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ (26) المائدة) فقلت بنو إسرائيل ما كان تيههم أربعين سنة وإنما هم تائهون إلى اليوم لأن التيه الحقيقي هو الضلال عن الهداية وليس التيه أنهم ضلوا الطريق إلى فلسطين. هذه الهداية التي أنعم الله بها عليهم ينبغي أن نستحضرها دائماً ونعلم كيف يمكن أن تتجاوز العقبات وكيف تغفر خطاياك هذا الهم الأكبر عند المؤمن وهو ينرظر إلى ما عند الله وإلى ثواب الله.
(لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) فيها إشارة إلى أن الكفار لديهم من بهرج الحياة ما قد يغرّ المؤمن، وهذا واضح لمن يتأمل في حياتهم وما عندهم من حضارة وتكنولوجيا ولديهم أشياء متقدمة وهذا قد يغرّ، وهم يقولون هذا الكلام ونحن لا نشكك في النيات، هو يقولونه من باب حثّ المسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة وهذا لا شيء فيه، لكنه قال تعالى (مَتَاعٌ قَلِيلٌ) لا يساوي أن يُغترّ به، بالرغم من كل هذا إلا أنه قال (مَتَاعٌ قَلِيلٌ). (ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) معناه أن العبرة بالنهاية والمؤمن العاقل ينظر إلى النهاية لا تغرّه الحياة الدنيا، ينبغي أن ترضى أن تكون مشرداً بإيمانك ولا تكن عاقبتك إلا هذه العاقبة الحميدة ولا تستعجل كما يستعجل وبعضهم يرتد عن دينه والعياذ بالله. ولذلك يذكرون قصة جَبَلة ابن الأيهم عندما كان أميراً في النصارى من الغساسنة ثم أسلم في عهد عمر وكان يطوف حول الكعبة فوطئ أحد المسلمين على ردائه فأنف منه ولطمه فاشتكاه إلى عمر فقال لطمة بلطمة فكبرت في نفسه كيف يُلطم وهو أمير فاستمهل رسول عمر إلى اليوم الثاني فلما كان اليوم الثاني هرب وارتد ثم كبر وندم ندامة شديدة على ردّته وكتب قصيدة من ضمنها:
تنصّرت الأملاك من أجل لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
لو كان صبرت وتحملت على أمل النجاة في الآخرة وعدم الاغترار بالدنيا والاستعجال بنعيمها.
(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) هذا الذي ينبغي أن يسعى إليه الناس وينافسوا فيه، هذا هو السعي. وهنا يذكر بقضية التقوى التي ذكرت في هذه السورة كثيراً (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)) (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) النُزُل هو المكان الذي يُعَدُّ للضيف ولذلك في بعض البلاد يسمون الفنادق نُزل. (نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) وفيه إشارة إلى الاحتفاء الشديد بالمؤمن والمتقي وأنه يجد في الآخرة من الحفاوة، وسبحان الله المؤمن في الدنيا يُبتلى ثم منذ أن يموت يبدأ النعيم، منذ وفاته وفي قبره وفي الحشر وفي الجنة، يقول تعالى (أعد الله لهم) (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) (نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) فيها إشارة إلى حفاوة ولذلك لو كنا فعلاً نعي هذه المعاني لعملنا لما بعد الموت ولذلك قيل” والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت”.
تكلم القرطبي عن الاستدراك في (لكن) (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) لأن هذا من غرائب الاستدراك، الاستدراك على ماذا؟ الاستدراك هنا حالي، لو تأملنا أنه كان يتكلم عن المؤمنين أولاً ثم ثنّى بالكلام عن الكفار، عندما قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)) لكن المتقين حالهم مختلف تماماً. قال القرطبي في تفسيره: “في قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) استدارك بعد كلام تقدّم فيه معنى النفي؛ لأن معنى ما تقدّم ليس لهم في تقلُّبِهم في البلاد كبير الانتفاع، لكن المتقون لهم الانتفاع الكبير والخُلْد الدائِم”.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ) كأنه عود إلى ما حدث في أول السورة دعوة أهل الكتاب وأهل الإيمان فتختم السورة بما بدأت به. قال في أول السورة (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ (4)) بدأت بذكر الكتب السابقة ثم عُرّج على حال أهل الكتاب ثم ذكر (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ) منهم مؤمنون صادقون خاشعون لله يخشون الله (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ (83) المائدة) يستجيبون الله يثني عليهم وكأنها تعريض وإلماحة إلى الذين نكثوا واستكبروا واستنكفوا أن يؤمنوا :إتقوا الله في أنفسكم” وهذا أيضاً إنصاف لهؤلاء الذين استجابوا وقد سبق الحديث عنها في السورة (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) آل عمران). وأيضاً فيها فائدة (وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) ذكر في الآية الأبرار الذين سبقت صفاتهم في هذه السورة.
قال (خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) وصفهم أنهم خاشعين وأنهم لا يشترون، خاشعين الخشوع يدل على صدق القلب وخوف من الرب ولا يشترون أن هذا الخشوع حملهم على أن لا يبيعوا شيئاً أو يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً كما فعل أهل الكتاب الذين منعهم من الإيمان أنهم ىثروا حظوظهم الدنيوية لأنهم كانت تأتيهم أموال بسبب كونهم قسيسين ورهبان وباباوات، (لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً). ثم ذكر أن هؤلاءلهم الأجر (أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وهذه الآية فيها فائدة وهي الثناء على أهل الفضل لما فيهم من الفضل من باب تشجيعهم وتثبيتهم. وعندما يأتي مثل هذا الإنصاف في الشريعة، حتى الذي أسلم والذي يريد أن يُسلم ولكنه متردد فيقال له (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) قيهم أناس صالحون، أناس صادقون، هذا يساعده فيقول لماذا لا أكون من هذا النوع؟
أيضاً قال (لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) هل يُفهم من هذه الآية أن الذي يشتري بآيات الله ثمناً ضخماً يخرج منها؟ هذه للدلالة على ذكر الأعلى أو لذكر الواقع الذي وقع من هؤلاء أنهم اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً. ولو افترضنا أن الدنيا كلها كانت ثمناً للكفر بالله فهذا لا يكفي ولا تساوي الدنيا كلها وهذا كله ثمن قليل ولذلك قال قبلها (مَتَاعٌ قَلِيلٌ) التقلب في البلاد والتمكن منها وملك الدول والحكم كله متاع قليل.
(أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) الملاحظ المخالفة بين الربوبية والألوهية في هذه الصفحة كثيرة، محاولة استخراج الفروق الدقيقة بينها تحتاج إلى تأمل. قال (أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) رد الأجر إلى الربوبية، وقال أجرهم كأن فيه إثبات أن هذا استحقاق لهم. وقال (ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ) إشارة إلى فضله عليهم. ثم قال (إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ما قال إن ربك سريع الحساب كما ذكرنا في قضية التعظيم في جانب الألوهية. ثم جاءت بالألوهية لما ذكر (خَاشِعِينَ لِلّهِ) لما كانت عبادة ذكر خاشعين لله. وقال (لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ) والإيمان مرتبط بالعبودية.
في قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هذا ختام السورة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) النداء بوصف الإيمان وقد تكرر كثيراً في سورة البقرة وآل عمران النداء بوصف الإيمان ومعروف ما قيل فيه قديماً وحديثاً ونلاحظ في قوله (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) وهذا النداء منه النداءات الموجودة في القرآن الكريم فيه فائدة عدم الخجل من الدعوة إلى الله ونشره فهذا هو منهج الله الذي نزل به شرعه ونزلت به كتبه. نلاحظ لما جاءت هذه الأوامر قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ) وهناك فرق بين الصبر والمصابرة فالصبر هو حبس النفس على طاعة الله عز وجل وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة. المصابرة هي أن يكون أمامك خصم يصبر على ما هو فيه من المعصية فأنت تصابره وهذا يكون في القتال لما يلتقي المؤمنون والكفار، هؤلاء صابرون وهؤلاء صابرون كل واحد منهم يصبر على باطله أو على حقه لكن ينبغي للمؤمن أن يصابر، يغالب هؤلاء فيصبر أكثر من صبرهم. يقول النابغة:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
إصبر فعل أمر وصابر فعل أمر أيضاً ولكن هذا من المفاعلة التي تدل على أن هناك من يقابلك.
ثم قال (وَرَابِطُواْ) الاستقامة يمكن للإنسان أن يصبر ويمكن أن يصابر في مواقف لكن أن يرابط عليه ويدوم حتى يلقى الله ويتوفاه مع الأبرار هذا موطن الخلاف بين الناس ولذلك (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا (30) فصلت) ثبتوا على طاعة الله، وهذه الآية أصل في المرابطة على طاعة الله وفي سبيل الله والمرابطة ليست مقصودة فقط في الجهاد وإنما هي عامة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ” ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ ” قالوا : بلى . يا رسول الله ! قال ” إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط” . وليس في حديث شعبة ذكر الرباط . وفي حديث مالك ثنتين ” فذلكم الرباط . فذلكم الرباط. الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 251، خلاصة حكم المحدث: صحيح ” هذا رباطٌ صالح لكل أحد.
(واتقوا الله) قد يصبر الإنسان ويصابر ويرابط لكن لا يتقي بمعنى أن الإنسان قد يختل المنهج أو الميزان أو المحرك لهذه الأمور فقد يرابط لأنها حميّة لوطنه أو لأهله، لا، إتقِ الله، إجعلها لله، واجعل الحامل لها هو الله ولذلك قال في الآية التي قبلها (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120) آل عمران) وقال (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران) الصبر لا ينفع إذا كان مجرداً من التقوى ولا يجزى عليه الإنسان فلا بد من صبرٍ يكون الحامل عليه هو التقوى فقد يقع صبر بلا تقوى. وكأن هذه الآية لخصت السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ) تذكير بالأوامر التي ذكرت كلها الصبر على الجهاد والصبر على الخروج من الوطن والصبر على الأذى وعلى ما يلقونه من المشركين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ) فيها إشارة إلى ما تجده من العناء والمعاندة (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ (104) النساء). و(وَرَابِطُواْ) فيها معنى الملازمة والرباط والطاعة في الجهاد.
(وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ولذلك كما بدأت سورة البقرة بالفلاح ولذلك نربط بين الزهراويين ونحن نعرف أن الرسول r صلى الله عليه وسلم كان يربط بينهما، قال السيوطي: ما وجدت سورتين متتاليتين إلا وجدت مناسبة بين آول الأولى وآخر الثانية وذكر مثالاً لذلك البقرة وآل عمران وذكر عدداً من السور، خاصة التي يقرن بينها النبي صلى الله عليه وسلم.
في قوله (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الفلاح مأخوذ من فلح الأرض لأن الفلاح يشق الأرض لكي يستنبتها ويخرج منها الزرع كأن فيها إشارة إلى هذا المعنى أن ما تقدموه فإنه يكون في النهاية رادّاً لك كما يفعل الفلاح فيرتد إليه خيرها.
أفضل ما كُتب عن سورة آل عمران في كتب التفسير:
كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب من الكتب المميزة التي تكلمت عن هذه السورة وفيما يتعلق بمعركة أُحد بالذات والحديث عنها.
مراجعة كلام إبن القيم رحمه الله في زاد المعاد عندما تحدث عن الحِكَم المستنبطة من غزوة أُحد فهو ذكر حكماً عجيبة استنبطها من الآيات وغالب ما استنبطه من الآيات وأفرد لذلك فصلاً في أربعين أو ستين صفحة موجود في زاد المعاد.
وحضرت لشيخنا العلامة ابن عثيمين تفسير هذه السورة ليس كلها ولكن جزء منها وقد طبع في مجلدين فمن أراد أن يقرأ ما في هذه السورة من حكم وفوائد واستنباطات فعليه أن يقرأ ما ذكره الشيخ رحمه الله في تفسير ذلك.
وما كتبه ابن كثير في هذه السورة كلام رائع جداً جدير بالقرآءة.
ومنهم من أفرد هذه السورة بالحديث أذكر منهم الدكتور مصطفى الشكعة له كتاب تفسير سورة آل عمران
وكتب كثير من المعاصرين في تفسير السور
والتفسير الموضوعي للسور وقد أُشبعت دراسة وكتب عنها الأستاذ عبد الحميد طهماز ضمن سلسلته في التفسير الموضوعي.
سورة البقرة وآل عمران مع طولهما إلا أنهما يتميزان بكثرة المعاني وبسهولة الحفظ، فيهما سهولة بالغة ونوصي بحفظها.
بمناسبة انتهائنا من هذه السورة نكرر أن بعض السور نبّه النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها أو نبّه عليها بفعله صلى الله عليه وسلم فتكون من باب الأحوال التي كان صلى الله عليه وسلم يقوم ببعض السور أو بعض الآيات فمن الحسن أن يتعلم المسلمون معاني هاتين السورتين لأن بهما فضل كبير جدا جداً وكثير من المعاني.
محاور الحلقة:
– ذِكْر الذكر والأنثى أو المؤمن والمؤمنة قصداً لحكمة
– سبب نزول قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى (195))
– عظيم أجر من أُخرِج قهراً من وطنه
– قاعدة التخلية قبل التحلية
– مدار الأخلاق على الصبر
– مناسبة نسبة الثواب للألوهية
– التيه والضياع الحقيقي هو الصلال عن الهداية
– قوله تعالى (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)
– سبب ارتداد جبلة بن الأيهم عن الإسلام
– الاستدراك حاليّ في قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)
– الفرق بين الصبر والمصابرة
– الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أصلٌ في المصابرة
– المناسبة بين أول السورة مع آخر السورة المقارنة لها
– أفضل ما كُتِب عن سورة آل عمران
انتهت بحمد الله تأملات سورة آل عمران.