منظومة الأوهام (خيال)
خيال– سراب – تمثيل- تشبيه– سحر – غرور – خداع – زخرف – اسطورة
هذه منظومة الاوهام في القرآن الكريم وبالاضافة الى كلمات هذه المنظومة هناك كلمة خرافة لكنها لم ترد في القرآن الكريم فلن نتناولها في هذه المنظومة.
الأوهام جمع وهم والوهم أو الواهمة هي المغالاة في تصور الشيء. يحدثك أحدهم عن شجاعة زيد مثلاً فتبدأ تتخيل وتسرف في الحقيقة بحسب خيالك وتصورك. كل حقيقة تزيد عليها بخيالك يقال لها وهم؟ وكل تصور ليس حقيقة يجسد حقيقة فهو الوهم حتى لو أخطأت في العد يقال وهم في الحساب ويقال وهم في الصلاة أحياناً يصلي الانسان ولا ي ركعة صلى يصلي ثلاثاً وهو يعتقد أنه صلى صلاة كاملة. والوهم هو التهمة ، أن تتهم أحدهم بالباطل هو نوع من الوهم. والوهم منظومة في كتاب الله تعالى.
الخيال: هو الصورة المجردة عن أصلها يذكر أحدهم لك شيئاً فتتخيل صورته في دماغه. كل واحد منا يتخيل الرسول r من وصفه وكل حسب خياله ويختلف عن خيال الآخر وتصوره. قال تعالى (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) طه) لم يكن هناك أفعى ولكن صروة من صور الأفاعي. كما في المنام يرى أحدهم حلماً ليس هذا هو الأصل ولكنه صورته المجردة عنه. من الخيال اشتقت الخيل والخيلاء. الخيل: ما من فارس يُحسن ركوب الخيل حتى يصبح فارساً إلا ويتخيل أنه في غاية المروءة والشهامة ينقذ كل مستغيث والخيل من طبيعتها الخير ” الخيل معقود بنواصيها الخير” ومن خيرها أن الذي يُحسن ركوبها يترقى انسانياً وأخلاقياً ويقال أخلاق الفارس. والخيال يؤدي الى الحقيقة وكل ابتكارات العصر الحالي بدأت خيالاً وترقت حتى صارت حقيقة فالمركبات الفضائية والطيران والاستنسال كلها بدأت خيالاً واصبحت الآن حقيقة.
السراب: إذا كان الخيال لعين يسمى سراباً أما الخيال فهو بالقلب والعقل والسراب بالعين (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) النور) (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) النبأ) والسراب خداع النظر كما أن الخيال خداع العقل. والخيال والسراب كلاهما أوهام.
التمثّل والتشبّه: التمثل هو أن تتمثل شيئاً أو انساناً لا يشبه الأصل مطلقاً. جبريل u له 600 جناح وعندما يتمثل بشكل انسان لا يشبه صورته الأصلية قال تعالى (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) مريم) هذا الانسان الذي جاء مريم عليها السلام يمثل جبريل ولكنه ليس على صورته الأصلية. فإذا كان يشبه صورته الأصلية يقال تشبيه وتشبه ولهذا قال تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) وضع تعالى مكان عيسى u على الصليب واحداً من أعدائه جعل صورته كصورة عيسى عليه السلام تماماً. فالتمثل والتشبه وهم ليسفليس الذي صُلِب على الصليب عيسى عليه السلام وليس الذي جاء مريم عليها السلام جبريل u والفرق بينهما أن الذء جاء مريم لا يشبه صورة جبريل الأصلية وهذا تمثيل والذي صُلب على الصليب يشبه عيسى u تماماً وهذا تشبّه.
السحر: هو التخيلات التي لا حقيقة لها وتكوين عناصر معينة تجعلك موهوماً. فالذي يشرب الخمر يرى أشياء بغير رؤيتها والذي يكون مريضاً يختلف مذاق كل شيء في فمه كذلك هناك عناصر يعرفها السحرة. حبة الدواء مثلاً مكونة من مجموعة من العناصر التي إذا اجتمعت تشفي المريض بإذن الله تعالى. والسحر هو أن يؤتى بأشياء مجموعة لكنها لا تؤثر في أحد إلا إذا شاء الله تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة) لأن الله تعالى جعل في العناصر إذا اجتمعت تؤد الى السحر. ولذلك حرم الله تعالى السحر والهمر لأنها تؤدي الى الوهم الذي يصيب المسحور والمخمور. وهذا كله في منظومة الوهم. والسحر يختلف عن الكلمات التس سبقت في المنظومة بأنه لا أصل له مطلقاً كالتمثل والتشبه والتخيل لكن السحر لا أصل له ولا وجود له وإنما وهم مطلق والسحر أنواع كالشعوذة والتخريف والسحر والأوهام.
الغرور: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) النساء) (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) الاسراء) أن أقنعك بشيء لا مطمع فيه. أنت تقنع انساناً ما بأنه لو وصل الى رتبة مدير عام سيكون له أموال كثيرة ويمكنه أن يجمع ما يريد ويشاء وتقنع هذا الانسان اقناعاً شديداً حتى يصل هذا الانسان الى الوظيفة ويجمع الأموال من حلال وحرام ثم على حين غرة يمسك به ويزج في السجن. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الانفطار) المغرور يعتقد أنه حتى لو لم يؤمن سيجد الله تعالى غفوراً (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) الكهف) (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) الانفال). وكل مغرور يفيق عند الموت ويُرعب رعباً شديداً ونذكر حال المأمون على فراش الموت فقد أمر بأن تُملأ الغرفة رماداً فتمرغ بالرماد وصرخ قائلاً: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. عند الاحتضار يرى المحتضر كل شيء وكل المغرورين إذا جاءهم الموت يرعبون رعباً شديداً لكثرة ما فعلوه في حياتهم.
الخداع: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) النساء) الخداع هو أن أبطن لك غير ما أُظهر وأزين لك الباطل بأنه حق ومن الخدع المعروفة الألعاب الخفي. هذه المنظومة كلها هي حصاد ديانات الكرة الأرضية اليوم ففي التلفزين ترى ألعاباً عجيبة غريبة والكل يعرف أنها لعبة لكن الناس يتصورون أن هذا حقيقة ومعظم ديانات الكرة الأرضية اليوم هي أوهام (من يعبد الشجر والبقر والنار وغيرهم) والعقيدة الوحيدة بين هذه المجموعة هي حقيقة الاسلام لأنها الوحيدة التي تؤمن بالغيب والايمان بالغيب حاسم يحل كل المشاكل والايمان الآن صار مشاهدة ونحن نرى ونسمع أن لله تعالى كوناً غير كوننا وما كوننا إلا كحلقة ملقاة في فلاة والعلم يثبت هذا اليوم. هذه الديانات الموجودة كلها خداع وأوهام وليس من دين حقيقي الا الاسلام ولهذا وصّى به الله تعالى كل الأنبياء (ونحن له مسلمون) أي موحدون.
الزخرف: هو إخفاء القبيح. قصر جدرانه تراها كأنها ذهب ولكنها ليست الا تمويه فهذا زخرف وكل شيء قبيح تستره أنت بكلام منمق فهو زخرف كما قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام) الكلام المزخرف هو المنمق لكنه في الحقيقة قبيح يُزيّن بجمال مزيّف (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) الاسراء).
الأسطورة: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) الفرقان) هي أفكار خيالية ووثنيات وقصص وضعوها في إطار لغوي جميل على أساس أنها دين.
هذه منظومة الأوهام في القرآن الكريم كتاب الله عز وجل وليس هناك حقيقة كحقيقة هذا الدين.
نعود لكلمة هذه المنظومة الأساسية وهي الخيال: من خصائص الانسان وهو الوحيد الذي لديه طاقة التخيل لأنه خُلِق ليعمر الأرض وإعمارها يبدأ بالخيال ثم ينتهي الى الحقيقة. وكل ما في الأرض من حقيقة بدأ خيالاً والله تعالى أمرنا بأن نفكر بالجنة والنار ونتخيلها حتى تكون من رغباتنا بالجنة وخوفنا من النار ومهما تخيلناهما فهما بعيدتان عن الأصل وقد قال r في وصف الجنة “فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” ومع هذا قال r فكروا فيها أو تخيلوها. ومع أن العقل لن يصل الى الحقيقة لكن علينا أن نتخيل الجنة ونفكر فيها حتى نرغب بها وعلينا أن نتخيل النار ونفكر فيها حتى نخافها فلا نفعل ما يؤدي بنا اليها.
وأصل الخيال فاضل ويستعمل الخيال في الحلال والحرام والنفع والمضرة. والخيال الفاضل أبرز مجموعة من الجماليات والفنون الجميلة تخيل سخاء الله تعالى وكلما تخيلت سخاءه وكرمه تبكي وتخيل الرسول r والصحابة يجعلنا نقتدي بهم. وكثير من مشاكل الناس اليومية على اختلافهم من باب الخيال الذي يصبح حقيقة ،رجل الفضاء، الانترنت، الكهرباء، الطيران كلها كانت خيالاً.
وهناك خيال يُغضِب الله تعالى كان تتخيل قتل الناس او المعصية لكن الله تعالى من كرمه لا يحاسب على الخيال كما جاء في الحديث الشريف “تجاوز الله عن أمتي ما تحدث به نفسها ما لم تفعله” مع أن الملائكة تسمع حديث النفس لكنها لا تكتبه على الناس وهذا من كرم الله تعالى على عباده. وهناك خيال لا يغضب الله تعالى كأن تتخيل مستقبل أولادك وحصولك على نعمة من نعم الله تعالى أو وظيفة. والطب النفسي يشفي بالخيال ويُمرض بالخيال وقد تشرك بالخيال. والخيال يؤدي الى حقيقة أو إلى أثر مادي إما سعيد أو حزين أو خائف أو غيره. وفي الحديث “إن الله يعمر هذه الدنيا بقلة عقول أهلها” فاجعل خيالك عريضاً كبيراً لتعمر الدنيا.
هناك أبحاث ودراسات عن الخيال وهو النشاط الذهني وله أسرار عجيبة يبدأ أوهاماً ثم يصبح حقيقة والأوهام تتطور حتى تصبح خيالاً ثم تصبح حقيقة.
ولا بد من ضوابط للخيال والتفكير (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) الاعراف) أي أطمعهما بشيء لا يكون ولذلك جعل الله تعالى الانسان أعجوبة هذا الكون.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/8/2005م