الحروف في القرآن الكريم, حرف الخاء

حرف الخاء – منظومة التكافل (خوّل)

اسلاميات

منظومة التكافل (خوّل)

المخوّل– الوكيل  – المفوّض- الزعيم– الوليّ –  الكفيل –

هذه . منظومة التكافل في القرآن الكريم والتكافل من الكِفل هو المسند الذي يكون خلف ظهر الراكب حتى لا يسقط إذا جمح به البعير أو الفرس والذي يُعبّر عنه في يومنا هذا بحزام الأمان في السيارة. فمن الذي تستند اليه ويمنعك من السقوط والخوف والأذى وكل ما تريد؟

المخوّل: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الانعام) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)) الزمر) التخويل هو أن تطلق يد صاحبك بكل ما تملكه ولا يكون إلا في الخَوَل كالمال العظيم الذي لصاحبه أتباع وأنصار أو رجل له هيبة ومكانة. الخوَلي هي الخَوَلي هو الذي يحافظ على أموالك وأنت تطلق يده في كل ما تملك من أموال وأناس وموظفين ومكاتب. والآية (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) تخاطب كل من له أتباع. كل متبوع له سلطة ونفوذ وأموال يسمى خَوَل وإذا أطلق يدك فيما يملك يقال خوّلك. أنت تكون مخوّلاً في أمر عظيم ويقال خوّلته في أمر عظيم. والكِفل هو الرديف.

الوكيل: الذي يقوم عنك بما تعجز أن تقوم به أنت. لا تعرف كيف تدافع عن نفسك فأنت توكّل محامياً فتستند عليه كما يستند الراكب على الكِفل. قال تعالى (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) الاسراء) الله تعالى يقوم بما يعجز عنه كل الناس. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) الاحزاب) (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران) (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) النساء).

الكفيل: الذي يقوم بحقوق الناس عليك وفي كلا الحالتين أنت عاجز عن أن تقوم بمصالحك عاجز أن تسدد حقوقك وحقوق الناس تحتاج لكفيل قال تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران) ليس بوسع مريم عليها السلام أن تؤدي للناس حقوقهم كل حاجاتها عند الناس وتحتاج لكفيل وهو زكريا. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل)

المفوّض: الذي يحمل عنك همومك وخوفك وأنت عاجز عنه تفوضه الى من يستطيع أن يقوم به. موسى u بعد أن فاوض فرعون وهددوه ولم يستطع أن يقاوم دولة قال (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)) فردّ تعالى عليه (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) رب العالمين عندما فوّض موسى u الأمر إليه نصره وسنده وتكفّل به.

الزعيم: (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) القلم) (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) يوسف) الزعيم هو الذي يقيك وينصرك بالسلطة قد يكون ملكاً أو وزيراً أو أميراً أو مديراً له سلطة ينصرك بها والزعيم هو الذي يتفقد الآخرين ويكفل حاجاتهم وأمرهم ليس بماله ولكن بسلطته لهذا استعملت كلمة الزعيم لكل من يتكفل بأمور الناس من حيث السلطة ففي قصة يوسف u مثلاً عندما قال (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) قالها لأنه موظف عند الملك وله سلطة. وهناك من يتكفل من حيث الجاه ويسمى شفيع يشفع للناس عند السلطة.

الولي: الذي يقوم عليك بالنصرة وهو التالي إليك وليس بينك وبينه رجل أو أحد أقرب منه أنت وأبوك مثلاً أو جدك أو ابنك أو ابن ابنك أو أخوك أو ابن أخوك أو عمك أو ابن عمك هؤلاء أقرب الناس اليك. والولي هو الذي يليك مباشرة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال) متتالون واحد بعد الثاني لذا لا يمكن أن تتخذوا عدواً ولياً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة).

هذه هي كلمات المنظومة ونلخصها أن التخويل يكون بالنعمة العظيمة والوكيل بالقدرة العظيمة والكفيل بالضمان التام لحقوق الناس والتفويض بالأمان من الخوف والزعيم بالرئاسة والسلطة والولي بالنُصرة وكل كلمة من هذه الكلمات لا تغني عنها كلمة أخرى.

نعود لكلمة المنظومة الرئيسية وهي خوّل لنتحدث عنها: قال تعالى (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) تخاطب الآية الزعامات ولا تخاطب الأفراد البسطاء. هؤلاء الذين خوّلهم الله تعالى بالسلطة وبملكه وأعطاهم سلطة وقدرة ونفوذاً وجاهاً هؤلاء مصيبتهم مصيبة ساعة الاحتضار ولقد سبق أن تحدثنا كثيراً عن الموت والاحتضار وهو كلام عجيب لو تتبعناه من القرآن والسُنّة بعيداً عن التهويل وسبق أن أشرنا إلى أن العذاب والحساب كله في مكان غير القبر الذي يوضع فيه الميت وقلنا أنه قبر برزخي وليس دنيوياً والقبر البرزخي هو الذي فيه استقرار الروح. باختصار الانسان قبل أن يموت يُتوفّى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) الانعام) (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر) يتوفاها أولاً ثم يميتها ثانياً والوفاة هي ذهول الانسان عما حوله ومن حوله (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة) هو لم يمت والنفس ما زال موجوداً لكنه انتقل الى عالم آخر ويرى الذين سبقوه بالموت وفي تلك اللحظات المسرعة يرى مكانه في الجنة أو النار وإذا وققنا في منظر الميّت نرى إما شبة ابتسامة أو شبه رعب. وكل خطاب الملائكة الى هؤلاء الذين خوّلهم الله تعالى ساعة الاحتضار (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الانفال) قارن بين هذا في الاحتضار لكنه بين أيدي ملائكة الموت يرونه ويراهم إما بشكل مرعب أو جميل وهناك فرق بين من يُضرب على وجهه أو ظهره لأنه لو أُصِبت بحالة رعب يجمد الدم في وجهك والمحتضر تتمسك روحه بجسده من شدة رعبه فلا تخرج فتضربه الملائكة على ظهره حتى تطلع روحه وتخرج من جسده. قال تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الانعام) عندنا سكرات الموت وعندنا غمرات الموت السكرات هو أنه في البداية يشعر المحتضر بخَدَر شديد في غاية اللذة ويشعر بارتياح والاسترخاء والهدوء وعندنا غمرات الموت يكون قد انتهى وراح. هذا في مقابل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) في تلك الساعة يرى المحتضر ملائكة حسان الوجوه في غاية الجمال ويُرفع حب الدنيا من عقله وقلبه تماماً عندما يرى الملائكة التي تبشره بالجنة. كل هذا بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) الفرق بين هؤلاء وهؤلاء هو التمحيص بلا إله إلا الله قال r “لا أخشى عليكم أن تشركوا من بعدي”. هناك حضارات عظيمة هائلة لكن كل هذا زائل وينتهي ولا قيمة لهذه السيادة ولا يبقى إلا لا إله إلا الله قال تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) الانعام) الشيء الوحيد الذي يجعلك متميزاً بين النقيضين هو لا إله إلا الله. وليس على وجه الأرض كلها أمة توحّد الله تعالى إلا هذه الأمة مع أنها مرتبكة ومهزوزة ومتخلفة لكنها أرقى الأمم من حيث أن ما تملكه هو الوحيد الباقي الذي لا يفنى باعتراف كل الكتب السمواية (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) النحل) هذه الوصية من ابراهيم ومن بعده وموسى وعيسى ومحمد r لم تستقر إلا عند المسلمين حصراً مع استثناءات يسيرة فهناك بعض اليهود والنصارى ممن هم موحدون لكنهم قِلّة أما السملمون فلا يعرف الشرك اليهم سبيلاً وهذا دليل الحديث الشريف الذي ذكرناه. جماعة الرِدّة لم يشركوا ولكنهم منعوا الزكاة لشدة حبهم بالإبل وأهميتها عندهم. والأمة موحدة توحيداً ممحصاً لا يوجد فيه ثلم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران) الاستعمار والاحتلال والنصر والهزيمة كلها من قوانين هذه الدنيا ورب العالمين من سُننه توالي الحضارات قرناً بعد قرن وكل قرن تطلع علينا حضارة تملاً الدنيا ثم تذوب وتذبل وتترك عروقها للتغذى منها الحضارة القادمة. الحضارة الاسلامية أقوى الحضارات بلغت في أربعة قرون ما لم تبلغه باقي الحضارات. وقاصمة الظهر أن تعبد حجراً أو صنماً أو قبراً أو رجلاً أو تُشرك مع الله إلهاً آخر هذا كله شرك يُخِلّ بالموقف اخلالاً كاملاً (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) المائدة) الله تعالى في التخويل يخاطب الذين يتبعهم الناس. واحد خوّله الله تعالى أتباعاً يطيعونه وهو موجود لهذه الساعة وسيبقى الى يوم القيامة وهو محمد r. قضية التوحيد أن تبتعد عن الخضوع لغير الله تعالى مهما كان ولا إله إلا الله توحّد البشرية جميعاً (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصفّ) هذه كلمة خوّل والتخويل هو كل من خوّله الله تعالى نعمة ينبغي أن حافظ عليها وسبق أن تكلمنا عن كلمة حرس وأخواتها قلنا أن الحارس يكون من الخارج والحافظ يكون من الداخل يُصلِح ويُرتّب وعلى كل من خوّله الله تعالى نعمة وجعل له أتباعاً أن يُصلح حالهم ويحفظ ذلك بما أمر الله تعالى.

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الانعام) أين شعبك وأين سلاحك وأتباعك؟ لقد جئت فرداً بلا حزب ولا عشيرة تشهد عليك كل خلية من خلايا جسمك وستؤدي الحساب وحدك وحساب الذين أضللتهم (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) العنكبوت) هناك فرق بين خلفكم ووراء ظهوركم: الخلف جهة وقد يعود لكن إذا ترك الشيء ليس له رجعة يقال تركته وراء ظهري (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) البقرة) لو قال خلفهم لكان ممكن أن يعود لذا كل تعبير بـ (وراء ظهورهم) يعني لا عودة له.

الخطاب في الآية للظالمين فهم المشركون أولاً والمسلمون الظَلَمة وما أعظم الظلم يوم القيامة ” الظلم ظلمات يوم القيامة” وهناك فرق بين من يؤمن بالله وفي رقبته حقوق للناس وبين مشرك وليس له حقوق للناس.  وفي الحديث الشريف “الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة” حتى الشاة يُسأل الأمير عنها يوم القيامة.

الولي: هو الذي يليك مباشرة أي بعدك مباشرة وأنت وإياه روح واحدة في جسدين. رب العالمين يقول عن الرسول r بعدما أذاه المشركون (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الاعراف) معنى ذلك أنت عندما تكون وحدك في أية مصيبة متى ما قلت الله وليي انتهى الأمر لأنك أسلمت الأمر اليه ولكن بشرط أن تكون صالحاً (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة) يتولى أمرك بالكامل. الطفل مهما كان في محنة متى ما رأى أباه نشط. والولاية هي النصرة بالكامل ومن كرم الله تعالى أنه لم يجعل الولاية للرسول r فقط وإنما قال (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ما عليك إلا أن تكون صالحاً ومن قوانين النصرة للأمة أن يغلب الصلاح على الفساد حتى لا تموت وأنت تُؤدّب تأديباً موجِعاً إلى أن يموت الجيل الذي سبّب ذلك ثم يُكفّر اللله تعالى الخطايا ثم ينشط الجيل الصالح ثم يتولى الله تعالى الأمر بنفسه وهذه قاعدة مع كل صالحي الأمم. عندما جعل الله تعالى نفسه وليس المؤمنين والصالحين ولكل مهنة صلاحها فالأطباء صلاحهم الاخلاص والحكام صلاحهم العدل والتجار صلاحهم عدم الغش والعلماء صلاحهم قول الحقّ وكل جماعة لها صلاحها فإذا غلب الصلاح على الناس فقد جاءهم النصر من حيث لا يحتسبونه وإذا نظرنا في التاريخ كم من ضعف كنا عليه فانتصرنا لأن الأمة كانت صالحة. عندما كان سيدنا موسى u على البحر وفرعون خلفه والبحر أمامه قال أصحابه (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) الشعراء) فقال لهم (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) هذه أمة صالحة أمنت وعصت فرعون وهي تابعة له هذا هو الصلاح فتولى الله تعالى الأمر (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) فقال تعالى لموسى u (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)) وكذلك ما حصل مع الرسول r وصاحبه في الغار (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة).

الوكالة: التوكل والتواكل. التوكل من شروطه أن تقوم بكل ما عليك ثم تقول (توكلت على الله) الوكيل من الأسماء الحسنى. الوكيل هو القادر على أن يقوم بأمرك على شرط أن تستحق ذلك. ونهى الرسول r عن المواكلة وأن يتكل كل واحد على الآخر. وحقيقة التوكل اظهار العجز والاعتماد على الغير هذا في اللغة وفي الشرع هو الثقة بما عند الله تعالى واليأس بما عند الناس ولتكن ثقتك المطلقة فقط بما في يد الله تعالى (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) هذا التوكل المعروف عند الناس.

قال أحد الصالحين : عجبت لمن أصابه مكر الناس وغفل عن قوله تعالى (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر) لأني سمعت الله بعدها يقول (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) .

خوّل: الله تعالى له نوعا من النِعم: النعم البسيطة التي هي من حقوق الناس جميعاً كالطعام والشراب (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) هذه النعم لا يحاسب الله تعالى عليها أما النعم العظيمة التي يحاسب الله تعالى عليها كالسلطة والنفوذ (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) هذه نعمة عظيمة من أجل هذا على أصحاب النعم العظمى أن يجعلوا لهم أتباعاً وبمجرد ان يخوّلك الله تعالى نعمة يكون لك اتباع كالعلم أوالقبلية أوالحزبية أو المال الكثير جداً هذه النعم العظمى التي تستجلب الاتباع هي التي سيسأل العبد عنها يوم القيامة. التخويل أن تكون خولياً تخوله بكل ما تملك وله القدرة في المحافظة عليه وتنميته ولهذا قال تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) والنعمة الصغرى تدوم أنا النعم العظمى فلا تدوم وإنما هي مخولة تخويلاً فلا يغترّ بها الناس. قال عمر بن الخطاب: ابتلينا بالبلاء فصبرنا وابتلينا بالرخاء فلم نصبر.

بُثّت الحلقة بتاريخ 26/8/2005م