سور القرآن الكريم

سُوَرِة غَافِر

هدف سورة غافر : أهمية الدعوة وتفويض الأمر لله

سورة غافر مكيّة وهي من أكثر سور القرآن الكريم التي فيها دعاء فقد ابتدأت بذكر صفتين من صفات رحمة الله ومغفرته (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) آية 3 ثم أعقبت بدعوة الملائكة للمؤمنين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) آية 7 وفيها دعوة الله تعالى عباده لدعائه وأعقب هذا الدعاء بالاستجابة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) آية 60 وفيها دعوة الله عباده بالدعاء له وهو يضمن لهم الإجابة فهو غافر الذنب وقابل التوب سبحانه.

والسورة تتحدث عن نماذج أناس دعوا إلى الله تعالى والأهم أنهم فوّضوا أمرهم لله لأن الداعي إلى الله قد يواجه بالأذى ممن يدعوهم ولهذا يحتاج إلى أن يفوض أمره إلى الله بعد أن يبذل كل ما بوسعه في سبيل الدعوة لله. ومن هذه النماذج نموذج موسى  في دعوته لفرعون الطاغية الجبّار وقومه وقد جابه فرعون موسى حتى كاد أن يقتله فوّض موسى  أمره إلى الله (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) آية 26 و27 وفي هذا الموقف الصعب يظهر من آل فرعون رجل يكتم إيمانه وهذه المرة الأولى التي يحدثنا القرآن عن قصة هذا المؤمن من آل فرعون مع أن قصة موسى  تكررت كثيراً في القرآن لكن وجود هذه الجزئية من القصة هنا يخدم هدف السورة تماماً. وهذا الرجل المؤمن جادل فرعون وقومه بأساليب متعددة:

باستخدام المنطق (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) آية 28 .

باستخدام العاطفة (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) آية 29، ومن اللافت في هذه الدعوة أنه نسب الملك لهم أي لآل فرعون (لكم الملك) ولمّا تحدث عن العذاب شمل نفسه معهم (فمن ينصرنا من بأس الله) إظهاراً للمودة وحب الخير لقومه .

باستخدام الحبّ والخوف عليهم والحرص على نجاتهم (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ) آية 30 و 31 .

باستخدام التاريخ (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) آية 34، التذكير بتاريخ من سبق وصنيعهم مع رسولهم للعبرة والاتعاظ.

ثم ذكّر بيوم القيامة وبلقاء الله تعالى لأنها من أهم الأسباب التي ترقق القلب (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) آية 32 ، كلمة (التناد) في وصف يوم القيامة ليظهر لنا صورة كيف ينادي الناس بعضهم البعض في هذا الحشر العظيم وفي هذا الموقف الهائل وحرصه على نجاتهم في هذا الموقف. (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) آية 33. ثم عاد إلى العقل (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) آية 41، ثم عاد للتفويض مرة ثانية بعد أن جادلهم بكل الوسائل الممكنة، فلمّا فوّض أمره إلى الله (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آية 44 جاء الرد من الله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) آية وكذلك مع موسى  (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) آية 27.

سميّت السورة بـ (غافر) لأن الله تعالى ذكر لنا هذا الوصف الجليل الذي هو من صفاته الحسنى (غافر الذنب وقابل التوب) وكرر ذكر المغفرة في السورة وفي دعوة الرجل المؤمن (وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفّار) وهذا كله لنعلم أن الله تعالى رحيم بالعباد وعليهم أن لا يقنطوا من رحمته لأن رحمته سبقت غضبه ورحمته وسعت كل شيء.

تناسب فواتح سورة غافر مع خواتيمها

قال في أولها: (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) وفي آخرها (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)). نلاحظ (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)) كأنما لو وضعتها بعدها تكون متناسبة. قال في الأول: (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) وفي الآخر قال (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)) البأس بمعنى شدة الذين أنزلنا عليهم العذاب، تفصيل صورة العقاب وكيف موقفهم منه (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)، هذه مترابطة كل الترابط.

تناسب خواتيم الزمر مع فواتح غافر

ذكر في خواتيم سورة الزمر: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)) وفي أول سورة غافر: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)) ذكر المصير، مصير الصالح والطالح ثم قال غافر الذنب الآن جعل المشهد أمامهم “سيق الذين كفروا وسيق الذين اتقوا” والآن موقفكم إليه المصير، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) والآن أمامكم فرصة إذا كنتم مذنبين فاستغفروه توبوا إلى الله وإلا فهو شديد العقاب إليه المصير وإلا ذكر المشهد أمامنا. ذكر في الزمر عاقبة الذين كفروا في الآخرة (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) وذكر في غافر عاقبة المكذبين في الدنيا (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) إذن ذكر العقوبة في الآخرة في الزمر وفي غافر ذكرها في الدنيا (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) وقبلها كان الكلام في الآخرة (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) إذن استكملت المسألة يعاقبهم ربنا في الدنيا ويعاقبهم في الآخرة. قال في آخر الزمر (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)) وقال في أوائل غافر (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)) نلاحظ مشهد تسبيح الملائكة في الدنيا والآخرة ومشهد العذاب في الدنيا وفي الآخرة (وإليه المصير) النهاية. تسبيح الملائكة في الدنيا (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا) وتسبيح الملائكة في الآخرة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) وذكر عقوبة الكافرين والمكذبين في الدنيا وعقوبة الجميع وخاتمتهم في الآخرة، سورتان مترابطتان.

الحواميم: غافر، فصّلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف

**الهدف العام للسور: أنتم مسؤولون عن الرسالة: واجبات ومحاذير**

هذه السور الست يطلق عليها اسم الحواميم لآنها ابتدأت كلها بـ (حم) وقد قيل الكثير عن الأحرف المقطعة في القرآن الكريم ولعل من أبلغ ما قيل أن الله تعالى يتحدّى بهذه الحروف العرب أهل اللغة والشعر بأن هذه هي نفس الحروف التي تعرفونها وتنظمون الشعر البليغ منها وقد أنزل الله بها القرآن المعجز الذي عجزتم عن الإتيان بعشر سور أو سورة أو حتى آية واحدة منه. فمع أن الحروف متوفرة هي هي التي أنزل بها القرآن إلا أنكم لا يمكنكم أن تأتوا بمثله وكأن القرآن روح لذلك قال تعالى: (وكذلك أوحينا لك روحاً من أمرنا) والحواميم تشترك في محاور كثيرة ولذا جاءت متتابعة الترتيب، ومن الملاحظ أن سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت كلها ابتدأت بـ (ألم) وهي مشتركة فيما بينها بأن البقرة أعطت المنهج وكل آياتها فيها (ألم) وآل عمران أوصت بالثبات على المنهج وكل آياتها فيها (ألم) والعنكبوت ركّزت على المجاهدة من أجل تحقيق المنهج فكأنما هذه الأحرف المقطعة في أوائل السور هي بمثابة رمز (أو كود) لما يجمعهم.

وتشترك الحواميم في صفات كثيرة:

1. كلها سور مكّية.

2. كلها افتتحت بقيمة القرآن: سورة غافر(تَنْزيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزيزِ الْعَليمِ)آية 2، سورة فصّلت:( تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)آية 2 ، سورة الشورى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آية 3، سورة الزخرف: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الدخان: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الجاثية: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2، سورة الأحقاف: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2.

3. كلها ذكرت موسى  ودوره في دعوة قومه من بني إسرائيل إلى الله: سورة فصّلت:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) آية 45 ، سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الزخرف: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية 46، سورة الدخان: (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) آية 18، سورة الجاثية: (مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 10، سورة الأحقاف: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12.

4. كلها ركّزت على الوحدة وحذّرت من خطورة الفرقة. سورة فصّلت: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) آية 45 ، سورة الشورى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية 10، سورة الزخرف: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63، سورة الجاثية: (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) آية 17.

5. كلها تحدثت عن انتقال الرسالة من بني إسرائيل إلى أمة محمد .: سورة الشورى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الجاثية (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) آية 18، سورة الأحقاف (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12.

6. كلها ركّزت على أهمية الصفح والإمهال: سورة الشورى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) آية 23، سورة الزخرف: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) آية 89، سورة الدخان: (فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ) آية 59، سورة الجاثية: (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ) آية 14، سورة الأحقاف: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) آية 35.

الهدف الرئيسي الذي يجمع هذه السور الستة هو: أنتم يا أمة محمد مسؤولون عن الرسالة مسؤولية نهائية ولكن هناك واجبات ومحاذير، وهذا الهدف مختلف عن هدف سورة البقرة لأن في سورة البقرة كان الهدف عرض المنهج فقط بدون أية توصيات مفصّلة. أما في الحواميم فكل سورة من السورة تأتي لتعرض جانباً من التوصيات للمنهج وهي كلها عبارة عن تحذيرات وواجبات يجب أن يراعيها من سيتولى المسؤولية في الأرض على الرسالة وعلى المنهج الذي شرّعه الله تعالى للاستخلاف في الأرض.

وبختام الحواميم ينتهي أسلوب الإمهال والترغيب والرقة والصفح الذي جاءت به السور الستة وبعدها تنتقل السور إلى سورة محمد التي هي سورة مواجهة شديدة بعد أن انتهت فترة الإمهال ثم تأتي بعدها سورة الفتح التي فيها تمت المواجهة بفتح مكة وتحطيم الشرك ورموزه.

خلاصة الحواميم: إياكم والكبر والفرقة والانخداع بالمظاهر المادية واحرصوا على الشورى حتى تقودوا الأرض بما عليها وتطبقوا منهج الله تعالى كما أراده في كونه حتى تنعموا في الدنيا والآخرة.

تناسب خواتيم غافر مع فواتح فصلت

في أواخر سورة غافر ذكر عاقبة الذين كفروا في الدنيا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)) إلى أن قال: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)) وفي أوائل فصلت ذكر إعراض قريش وحذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب من ذكرهم منذ قليل فقال (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)) إلى أن قال (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13))، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (82) غافر) – (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) فصلت).

مقاصد السور –سورة الزمر وغافر– د. محمد بن عبدالعزيز الخضيري

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

سورة الزمر وغافر

تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان جزاه الله خيرا لموقع إسلاميات حصريًا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد، فمعنا في هذه الليلة سورتي الزمر وغافر تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهما ويغفر لنا الذنوب.

سورة الزمر

هي سورة التوحيد والإخلاص من أولها إلى آخرها جاءت داعبة إلى التوحيد، آمرة بإخلاص الدين لله عز وجل، وهذه السورة افتتحت بمدح الكتاب وكأنها تتمة لسورة ص، لأنه في آخر سورة ص قال الله تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)- ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فكأنها تتمة لها، والعلاقة بينهما أنه في سورة ص كان هناك حوار مع الكفار في اتخاذهم أربابًا وآلهة من دون الله عز وجل، وكان هناك نوع من إبطال هذه العبادة لهذه الآلهة، وفي هذه السورة بيان للمعبود الحق وهو الله سبحانه وتعالى. وقد افتتحت بقوله (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) بالحق الثابت الذي لا مرية فيه ولا شك، وختمت بخاتمة تدل على إرادة هذا الحق وأن من اتبع الحق في الدنيا كان من أهل الحق في الآخرة، قال الله عز وجل (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي قضي بينهم بالعدل والقسط الذي لا ظلم فيه ولا حيف. ثم قال الله عز وجل (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الخالص من الشرك، والخالص من اتخاذ الآلهة والأرباب (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) أي يقولون عن آلهتهم أننا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والعجيب أن هذه العبارة التي حكاها الله عن أهل الشرك قد وجدها بعض المشايخ مكتوبة عند أحد القبور التي يطاف بها، مكتوب (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) هذه كلمة أهل الشرك في آلهتهم التي اتخذوها من دون الله عز وجل تأتي لتكتبها على قبر؟! فالمشركون ما عبدوا آلهتهم إلا بهذه الحجة وهم يريدون من آلهتهم أن تقربهم إلى الله زلفى، وهؤلاء الذين يعبدون هؤلاء المقبورين هذه حجتهم فاتفقوا وان اختلفت أسماؤهم. ثم الله سبحانه وتعالى يبين أنه منزّه عن الصاحبة والولد وعن الأنداد والنظراء والشركاء (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ثم يذكر الأدلة على وحدانيته بأنه هو الذي سخّر الشمس والقمر ويكّور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهو الذي خلقنا من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها. ثم تستمر الآيات في هذا الميدان وهذا المضمار وهي تدعو إلى التوحيد وتبين فضائله إلى أن يأتي في قول الله عز وجل في الآية الحادية عشر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) وهذا يؤكد ما ورد في أول السورة (ألا لله الدين الخالص) يعني أن هذه السورة جاءت لتأكيد التوحيد ولتعظيم أمر إخلاص العبادة لله جل وعلا (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) الموحدين (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) ثم يذكر جزاءهم ويذكر جزاء من يقابلهم ممن أفردوا الله بالعبادة (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) أي لم يعبدوا مع الله أحدا سواه لا نبيًا مرسلًا ولا ملكًا مقرّبًا ولا قبرَ ولي ولا شيئًأ مما يعظَّم مما هو يتخذ طاغوتًا يُعبد من دون الله عز وجل (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) من هم عبادك يا رب؟ (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) ثم تستمر الآيات في هذا الميدان تناقش هؤلاء المشركين وتضرب لهم الأمثال إلى أن يأتي في مقطعها الأخير قوله سبحانه وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) دعوة رفيقة حانية من ربنا سبحانه وتعالى بأن لا يقنط أحدٌ من أي عمل عمله سواء كان الشرك أو ما دونه، لا تقنط، إذا أقبلت على الله أقبل الله عليك بتوبته ورحمته وبدّل سيئاتك حسنات ومحا ذنوبك وبدأت صفحة جديدة مع الله عز وجل، حتى إن الرجل الذي يُسلم قبل يوم واحد من وفاته قد يكون خيرًا ممن أسلم قبله بسنين لما يعطيه الله من الكرامة والفضل! فالله يدعونا هذه الدعوة الرفيقة الحانية (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ثم تستمر الآيات إلى أن يأتي في قضية التوحيد والشرك تطبيقها على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الله له (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ) حاشاه من ذلك عليه الصلاة والسلام ولكن هذا على سبيل الفرض والتنزّل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). ثم ذكر الله أنه سيُنفخ في الصور نفختان، النفخة الأولى نفخة الصعق والنفخة الثانية نفخة القيام من القبور وبعد ذلك توفّى كل نفس ما عملت، ثم يساق الذين كفروا إلى جهنم زمرًا ويساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الجنة .

سورة غافر

ثم تأتي بعد ذلك سورة غافر وتسمى سورة غافر لأنه جاء في أولها قوله (غَافِرِ الذَّنْبِ) وتسمى سورة المؤمن لأنه ذكر فيها قصة مؤمن آل فرعون – سنذكرها بعد قليل- وهي سورة مكية وفيها جدال المشركين، وبيان الحوار معهم في جوانب متعددة وبطرق مختلفة، ففيها حوارات قوية لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا من دون الله آلهة، وحوارات لأولئك المتجبرين المتكبرين المتآمرين على الدعوة وعلى ما جاء به الأنبياء عليهم الصلوات والسلام. افتتحت بقوله (حم) وهذه أول الحواميم، الحواميم سبع سورة غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف تسمى الحواميم أو ذوات حاميم أو آل حاميم، هذه كلها أسماء لها وورد في الأحاديث أن الحواميم ديباج القرآن، كان ابن مسعود رضي الله عنه يفرح جدا بقراءة الحواميم لما فيها من ذكر الدعوة إلى التوحيد وذكر تعظيم الكتاب الكريم وبيان ما فيه من الخير لهذه الأمة.

قال الله عز وجل (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) لاحظوا أوصاف الرب سبحانه وتعالى (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) أي قابل التوبة (شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). ثم يقول الله عز وجل مبينًا موضوع هذه السورة وهو الجدل مع الكفار (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) لأن آيات الله أوضح من أن يجادل فيها أحد، ولكن الذين كفروا لأنهم ما قدروا الله حق قدره ولأنهم ورثوا دينهم من آبائهم ولأنهم يقلدون على عمى وبغير بصيرة، ولأنهم لا يؤمنون بالبعث فهم يجادلون في آيات الله. قال (فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) لا يغرنك يا محمد ما عندهم من الملك والظهور والدولة والمدنية والحضارة، كل ذلك متاع زائل لا يُعرف به حق من باطل، يعني لا يقاس الحق والباطل بوجود الدنيا أو تمكّن الناس من الحضارة أو غير ذلك. ثم تستمر الآيات في ذكر هذه المضامين إلى أن تأتي إلى قصة مؤمن آل فرعون، فرعون الخبيث لما شعر أنه أمام حجج واضحة وأدلة وبراهين ساطعة جاء بها موسى، تسع آيات يؤمن على مثلها البشر بل حتى الحجر من ظهورها وبيانها للحق وبيانها لأن موسى رسول من عند الله لا يمكن أن يكذب على الله، أراد فرعون أن يقتل موسى ـ لكن قتل موسى إذا قتله بمفرده وحصلت مشكلة قد يعود الناس عليه باللائمة، فجاء واستشارهم في البرلمان الفرعوني (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) اسمعوا ماذا يقول الخبيث (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) الآن فرعون خائف من موسى أن يبدل الدين! ما هو الدين الذي عندك؟! ألم تقل لهم (ما علمت لكم من آله غيري) (أنا ربكم الأعلى)-قاتلك الله-قال (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) وهذا يدلك على أن هؤلاء الطواغيت شغلهم هو اللعب بالألفاظ، يعبثون بعقول الناس حول الألفاظ، الوحدة الوطنية، الإرهاب، الأصولية، التشدد، التطرف، ولذلك يقول هنا (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) موسى هذا المسكين مع بني إسرائيل ضعفاء فيهم كثير من الذلّ والضعفة هم الذين يخاف أن يظهروا في الأرض الفساد!، موسى ماذا فعل؟ سلم أمره لله بأنه ومن معه من المؤمنين ضعفاء قال (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) هنا جاء دور رجل كان موجودًا في صفوف الملأ من قوم فرعون يكتم إيمانه، عبّر عنه القرآن بقوله (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) يعني تقتلونه بسبب أنه يقول ربي الله؟! هذه ليست حجة في قتل إنسان من المجتمع وهذا الرجل الذي يقول ربي الله جاء بأدلة واضحة (وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) وأنتم لم تأتوا بدليل واحد على الذي تدعونه، هو الآن يقول ربي الله صحيح، ولكنه جاء بأدلة، أين أدلتكم أنتم؟! ردوا واحدًا من أدلته، كل ما في الأمر تُهَم معلبة يضرب بها هؤلاء الدعاة (أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَاد). قال (وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) لن يضر الكذب إلا موسى (وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) هذا الآن يهددكم بعذاب ينزل عليكم من عند الله. قال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) هنا فرعون ضعف وانخذل، قال (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) أنا هذا رأيي الذي أرى أنه هو السديد تجاه هذا الذي جاءنا يريد أن يفرق جماعتنا ويدعونا إلى دين غير دين آبائنا (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ). هنا المؤمن لما رأى ضعف فرعون تقدم خطوة أكثر جرأة (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) يعني يوم القيامة الذي يكثر فيه النداء (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ثم تقدم خطوة وذكّرهم بالتاريخ، تاريخ المصريين (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ) هذا في تاريخكم أنتم (مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ) ما آمنتم به لكن كنتم شاكّين (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ). هنا فرعون شعر أنه قد أُلقِم حجرًا وأنه جاء من أفسد عليه خطته، وأن هذا الذي أفسد عليه خطته الآن جاء بأدلة أو حشد أدلة كثيرة باتجاه استسلام الناس لموسى عليه الصلاة والسلام، وكل هذا وهو لم يُظهر أنه آمن، يعني بخفاء وذكاء، ماذا فعل فرعون الطاغية؟ هذا المتكبر العنيد، بدأ يحتال (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) يعني أنت الآن صحيح أقنعتنا بأن موسى صاحب دعوة صحيحة، حسنا نحن نريد أن نتأكد بأدلة مادية، نريد نرى ربه، انظر الآن انتقلت المعركة انتقالا عجيبا، وهذا يدل على أن المؤمن قد حقق هدفه بمستوى عال جدا ولذلك أشاد به القرآن، لأنه نقل القضية الآن من كون موسى يخطط لقتله إلى أن الناس يفحصون أدلته، وصارت الدعوة الآن داخل قبة البرلمان الفرعوني، ففرعون من خبثه قال حسنًا من أجل أن نتأكد من إله موسى نريد أن نبني بناء عالي جدا نصل به إلى أسباب السماء يعني طرق السماء وأبوابها حتى ننظر، فان وجدنا آلهًا آمنا به، طبعًا هذا المشروع يحتاج إلى كم؟؟ عشرين أو ثلاثين سنة، بناء برج مثل برج العرب أو غيرها من هذه الأبراج العالية، هو يريد إفشال مخطط المؤمن، لأن دعوة المؤمن كانت قوية وواضحة وصريحة وجاءت على مخطط فرعون واستأصلته من الأساس. الذي لا يفهم القصة لا يدرك ما الذي حصل فيها، كيف تغيرت وانقلبت إلى أن فرعون الآن أصبح يبحث عن أي خيط للنجاة (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ) أصدر أمرا إلى هامان وزيره الكافر مثله (ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) ثم يقول (وَإِنِّي) يعطي النتيجة المبكرة (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) قال الله عز وجل (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) أي في هلاك وخسار. هنا المؤمن جهر بإيمانه لأن فرعون استنفذ كل الأوراق التي معه وأبان عن فشله الكبير، ولذلك قال (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ) أي حقًّا (أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ) أي ما تدعونني إليه من الآلهة ليس له دعوة مجابة لا في الدنيا ولا في الآخرة (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) ويقال أنهم هددوه فقال (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي في القبر وهذا من أظهر أدلة أهل السنة في القرآن على عذاب القبر. قال (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) ولما ذكر هذه المحاجّة في الدنيا ذكر محاجّة الظالمين في الآخرة (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) وتستمر السورة في ذكر ماذا سيكون مآل من استمسكوا بالحق واتبعوا الرسل قال الله لنبيه (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ) اصبر على الحق الذي أوتيت فإنه مرٌّ وفيه حرارة لكن عاقبته حلوة وسعيدة (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ).

وتستمر السورة على هذا المنوال في محاورة هؤلاء المشركين إلى أن تأتي إلى ختامها وهو قول الله عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) كالحال الآن الحاصل، يفرحون بما عندهم من صنع الطائرات والقنابل والأدوات الطبية والأشياء العجيبة (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) هذا الإيمان الذي يكون في اللحظات الأخيرة بعد رؤية العذاب لا ينفع الإنسان لأنه بعد معاينة العذاب وانكشاف الغيب، ما ينفع الإيمان إلا إذا كان غيبًا أما إذا كان مشاهدة فلا يصلح (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

وقفات تدبرية رمضان 1442هـ-/ أ سمر الأرناؤوط

🔹سورة غافر تعالج فئة أخرى من المعرضين وهم المجادلون في آيات الله يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، هؤلاء يحتاج الداعية ابتداء أن لا ينخدع بما هم عليه من زخرف الدنيا (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) وأفضل أسلوب معهم مجادلتهم بالحق الذي يدحض باطلهم، تفنيد حججهم واحدة واحدة: جدالهم الباطل في النبي صلى الله عليه وسلم يدحضه (رفيع الدرجات يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) جدالهم باتباع ما كان عليه الأقوام السابقة يدحضه (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق)، جدالهم الباطل أنهم حريصون عن نفع الناس ويخشون عليهم من دعوة الرسل (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) يدحضه (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) (إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) (وكذلك زيّن لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب) جزء كبير من السورة يذكر حوار مؤمن آل فرعون مع قومه يجادلونه بالباطل ويجادلهم بالحق المبين، مؤمن آل فرعون لم يكلّف رسميا بالدعوة ولم يصدر مرسوم تعيينه داعية لكنه مؤهل لمهمة الدعوة لما وقر في قلبه من إيمان، لذا لم يذكر الله تعالى لنا اسمه لأن اسمه غير مهم، يكفيه وصفه أنه مؤمن، هذا ما يحتاجه لينطلق ساعيا في سبيل الصدع بالحق ليدحض به الباطل في قومه، (يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار * تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار)، حين يطبع الله على كل قلب متكبر جبار لن يرى الحق الذي جاء من عند العلي الكبير الواحد القهار العزيز.

زاد الداعية مع المجادلين في آيات الله: إبراز الحق بأدلته (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (إن الساعة لآتية لا ريب فيها) (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه..) (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء..) (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء…) (هو الحيّ لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا..) (حاق بهم ما كانوا به يستهزئون) (ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون)، تفويض الأمر إلى الله (وأفوض أمري إلى الله) صبر ويقين بوعد الله وتسبيح (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبّح بحمد ربك بالعشي والإبكار) وبيان علّة الجدال بالباطل (إن الذين يجادلون في آيات الله بعير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) فالكِبر نفخة إبليسية شيطانية في قلب المجادل بالباطل!.

السورة كثر فيها ذكر ألفاظ الاستكبار وكثر فيها ألفاظ الدعوة والدعاء، فالداعية يجتهد في دعوته الناس إلى الحق ويجتهد في دعاء الله عز وجل أن يهديهم.

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة غافر

الحلقة 134- سورة غافر

ضيف البرنامج في حلقته رقم (134) يوم الأربعاء 10 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سريّع السريّع الأستاذ المشارك بجامعة الإمام بمحمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة غافر .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سريّع السريّع الأستاذ المشارك بجامعة الإمام بمحمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه. سوف نتحدث في هذا اللقاء حول سورة غافر.

د. الشهري: تعودنا أن نتحدث في كل يوم عن سورة ونتحدث عن علوم السورة واليوم سنتحدث بإذن الله عن سورة غافر فماذا لديكم حول اسم السورة بداية.

د. السريع: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لما ولوالدينا ولإخواننا المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم. هذه السورة العظيمة سورة غافر تسمى بسورة غافر لأن الله جل وعلا قال في أولها (غَافِرِ الذَّنبِ) وتسمى أيضاً سورة حم المؤمن وبهذا ترجم لها البخاري رحمه الله في صحيحه والترمذي في جامعه تسمى حم المؤمن لأنه ورد فيها ذكر مؤمن آل فرعون الذي جاءت السورة بتفصيل قصته ولم يرد ذكر هذه القصة على وجه التصريح إلا في هذه السورة. وتسمى سورة المؤمن أيضاً وتسمى سورة الطَوْل سماها بعض أهل العلم بهذا لأن الله جل وعلا قال في أولها (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) جل وعلا في ذكر صفاته سبحانه وتعالى. هذا مجمل للأسماء التي ذكرت في هذه السورة وتسمية حم المؤمن هي التي جاءت في بعض ألفاظ الحديث وإن كان في الحديث مقال عند بعض أهل العلم.

د. الشهري: إذن معنى هذا أن هذه الأسماء التي ذكرت في كتب علوم القرآن وربما في بعض مخطوطات المصاحف تجد في بعض المصاحف المؤمن وبعضها غافر. ماذا عن وقت نزولها؟

د. السريع: سورة غافر سورة مكية والذي يقرأ آيات السورة يدرك هذا الأمر وكذا وردت الروايات عن سلف الأمة أنها سورة مكية وأنها ضمن مجموعة الحواميم التي تسمى الحواميم أو تسمى آل حم وهي أول سورة من هذه السور سور الحواميم السبع في ترتيبها وكثير من أهل العلماء يقول هي من أول سورة من الحواميم في النزول وهي سورة مكية بطبيعة موضوعاتها ومن المعلوم أن معرفة المكي والمدني يكون عن طريقين إما سماعي أن ينقل عن السلف أنها نزلت في مكة أنها نزلت في المدينة أنها نزلت سنة كذا أنها نزلت في غزوة كذا أنها نزلت في حادثة كذا وكذا مما يعلم أنه كان في مكة أو في المدينة أو يكون بالطريق الآخر الطريق القياسي وهو الاعتبار بموضوعات السورة والمقاصد التي جاءت السورة بتقريرها ومن ينظر في موضوعات سورة حم يجد أنها..

د. الشهري: قبل الحديث عن الموضوعات هل ثبت في فضل سورة غافر أحاديث معينة أو فضائل معينة؟

د. السريع: لا يحضرني شيء ثبت بهذا اللفظ في فضائل سورة غافر، جاء بعض الأحاديث في قراءتها مع آية الكرسي لكنه عند جمع من أهل العلم لا يرتقي إلى درجة الصحة.

د. الشهري: نعود إلى موضوعها الرئيسي ما دام أنك ذكرت أنه يمكن أن يعرف المكي من المدني من خلال موضوعات السورة وأسلوب السورة كما تفضلت في ضوابط معرفة المكي والمدني، موضوع سورة غافر الرئيسي الذي بدا لك وأنت تدرس وتقرأ هذه السورة؟

د. السريع: موضوع سورة غافر هو تقرير أصول العقيدة التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها تقرير الألوهية والدعوة إليها وذكر دلائلها في الآفاق وفي الأنفس وفي الكون، تقرير الرسالة وصدق النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به بالأدلة المتنوعة والإشارة إلى تقرير البعث كما جاء في بعض آيات السورة. ونلاحظ أن هذه الموضوعات الرئيسية التي فصلت من أجل الدراسة: الألوهية والرسالة وصدق القرآن والبعث هي في الحقيقة هي منظومة واحدة والإيمان بها يستدعي الإيمان بالبقية والكفر بواحد منها يستتبع الكفر ببقيتها. فإن من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم آمن بالقرآن الذي جاء به ومن آمن بالقرآن آمن بوحدانية الله تعالى وانفراده بالعبادة وتبع ذلك يؤمن بالبعث والجزاء والحساب يوم القيامة ومن كفر بشيء من ذلك فإنه كافر بالبقية.

د. الشهري: لو توقفنا مع سورة غافر من أولها كمقاطع إن صح التعبير

د. السريع: هذه السورة سورة عظيمة والقرآن المكي في ترسيخه للعقيدة يحتاج إلى تأمل ولا أبالغ أننا في كثير منا لم نقرأ القرآن كما ينبغي وهذا أقوله لأني أحسه من نفسي لا أقوله لأتزيّد ويدعو الآخرين إلى شيء لا يفعله لكن يحسه من رحم الحاجة أنه نقرأ هذا القرآن ولكن تمر علينا كثير من العجائب كثير من الأشياء التي تزلزل الجبال فعلاً كما قال ربنا جل وعلا (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر) ونحن نقرأ الختمة والسورة والسورتين والثلاث والليلة والليلتين وصلاة التراويح همّ الواحد منا ختام السورة، آخر السورة كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه. آل الحواميم أنها لا إله إلا الله فيها من زجر القلوب ووعظ النفوس وربطها بالله جل وعلا وتقرير أصول العقيدة، العقيدة التي هي في الحقيقة كل شيء في الحياة العقيدة ليست مجرد العقيدة النظرية أو المعرفية أن الإنسان يعرف واحد اثنان ثلاثة أربعة فقط ثم بعد ذلك لا يمارسها في الحياة لا يكون لها أثر في واقعه في نفسه في آلآمه في آماله في تصوراته في منطلقاته في استقباله لما يحصل له في أمور الدنيا واستعداده لآخرته، لا، العقيدة المؤثرة العقيدة التي صنعت جيل الصحابة رضي الله عنهم التي نقلتهم من مجرد أرقام مجرد أناس كانوا يعيشون في جزيرة العرب لا تاريخ ولا تقدم لا حصارة لا ماضي ولا مستقبل نقلتهم إلى أن كانوا خير جيل، إلى أن كانوا خير أمة إلى أن كانوا خير من وطئ هذه الأرض بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، نقلتهم حتى كانوا أشبه بجيل المثال والله لولا أن جيل الصحابة نقل إلينا خبره بالتواتر الذي يقطع الشك لقلنا أن هذا ضرب من المحال لا يمكن أن يقع على أرض الواقع حتى الفلاسفة الذين كتبوا في المدينة الفاضلة لم يصل مستوى خيالهم إلى ما وقع في أرض الواقع عند الصحابة رضي الله عنهم. الصحابة لم يحركهم شيء إلا القرآن لم يكن الباعث عندهم شيء غير القرآن. كان الرجل يسلم فيقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فيرجع بعد ذلك إلى قومه بغير الوجه الذي ذهب به، بغير الجلد الذي ذهب به، بغير النفس بغير القلب بغير الآمال التي كان يعيش من أجلها، كان يعيش من أجل متاع الدنيا كما قال تعالى عن الكفار (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) الحجر) لكن جيل الصحابة غير هذا كله، انتقل بالقرآن نقلة غير هذا الأمر ولذلك يأتي عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه ليتصدق بمئات من الإبل بأحلاسها وأقتابها حينما وقف النبي صلى الله عليه وسلم يعظ الصحابة للبذل في جيش العسرة، يأتي عمر بنصف ماله يأتي أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، ما الذي أبقت لهم؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. هذا كلام سهل نظرياً ونحن جالسون في الاستديو لكن في أرض الواقع صعب الذي يخرج راتبه في (25) يجرّب وهو راعي عيال ولديه التزامات هل يستطيع أن يخرج ماله كله هل يستطيع أن يخرج نصف ماله وهو يعلم أنه ليس في الحساب إلا هو؟! هذه المعاني لا يمكن ولذلك انظر في سياق آخر خالد بن الوليد حين تهدده أحد قادة الروم في أيام معارك اليرموك نفعل بكم وكانوا أضعافاً مضاعفة لتعداد جيش المسلمين فرد عليه خالد رضي الله عنه بجواب مختصر قال جئتك بأقوام يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة، ماذا يصنع بهؤلاء؟! وهؤلاء لم يكونوا يحبون الموت لأنهم أناس فاشلين في الحياة، لم يكونوا يحبون الموت لأنهم مدمني مخدرات، لم يكونوا يحبون الموت لما بهم من المرض والفقر والسقم، لا، كانوا يحبون الموت في مرضاة الله لأنهم يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى، فهم يستبقون لقيا الله جل وعلا ليلقوا النعيم ولذلك حرام بن ملحان كما في الخبر الصحيح يخرج في سرية فيلتقي مع المشركين فيرسل أحد المشركين حربة فتستقر في أحشاء حرام رضي الله تعالى عنه فينظر إليها والدم يفور ويقول فزت ورب الكعبة! أي فوز هذا؟! هذا موقف يؤمن فيه الكافر ويصدق فيه الكاذب لم يعد هناك تزيّد، الآن الروح تخرج، الإنسان مقدم على الموت، ليس فيه رياء ولا سمعة، حق وحقيقة، يقول فزت ورب الكعبة فوز من قرأ هذا القرآن وآمن بما فيه واستقرت العقيدة وحب الله جل وعلا في نفسه ولذلك يقول هذا المشرك الذي قتل حرام في بعض الأخبار قال فلم تزل هذه الكلمة معي حتى أسلمت! هو الذي نقلها، أسلم رضي الله تعالى عنه وأرضاه من خلال هذه القدوة الصالحة. من أعجب العجائب ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين الأسباب التي تعين على قيام الليل وذكر منها أسباب حسية منها تخفيف الطعام والنوم المبكر والقيلولة وذكر منها أسباباً معنوية إيمانية ذكر آخرها قال وهو أعجبها أو أهمها قال حُبّ الله، هذه هي العقيدة الصحيحة. نحن نصلي التراويح الآن وطلب ما عند الله تعالى وطلب مرضاته لكن هل خلطنا معه أننا نقف أمام من نحبه جل وعلا؟! أمام الغفور الودود الذي يودّ عباده ويودّونه جل وعلا؟! هذه هي العقيدة الصحيحة العقيدة التي تنقل المؤمن إلى عالم من حياة حقيقة، الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية.

د. الشهري: نعود إلى سورة غافر وكيف نربطها بهذه المعاني الرائعة؟

د. السريع: في الحقيقة بداية السور يقول ربنا جل وعلا (حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)) ما الحق أن سورة غافر ولا الحواميم أن تأتي كلها في حلقة واحدة كان حق هذه المقدمة أن تكون لوحدها في خمس حلقات لو أننا استشعرناها ونظرنا فيما ذكره المفسرون. المفسرون يقولون لماذا هذه المقدمة ما معناها؟ بعض المفسرين يقول (حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ) ثم بعد ذلك بقية هذه الصفات هي تفصيل لمضمون ما جاء في الكتاب: العزيز العليم غافر الذنب قد جاء القرآن بالدعوة إلى التوبة وبيان مغفرة الله جل وعلا لذنوب عباده مهما بلغت ومهما فعلوا ومهما صنعوا. غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب وأن عقوبته إذا أنزلها بالظالمين والكافرين أن أخذه أخذ عزيز مقتدر جل وعلا وهكذا فيقولون أن هذا تفصيل لما جاء في القرآن الذي قال عنه جل وعلا (تَنزِيلُ الْكِتَابِ). وبعض المفسرين يقول في إشارة لطيفة أخرى أن هذه المقدمة هي تلخيص لما جاء في السورة فيقولون هذا من براعة الاستهلال، كل ما سيأتيك في السورة هذه مقدمة، هذه إشارة لما جاء فيه.

د. الشهري: كيف قرن بين هذه الصفات غافر الذنب وقابل التوب؟ كيف قدم صفة غفرانه للذنوب ثم جاء بعدها بالتوبة مع أن الواقع العكس أنه يتوب العبد فيقبل التوبة فيغفر له؟

د. السريع: هذا من رحمته جل وعلا أنه قدم لنا غفران الذنوب قبل ذكر التوبة هذا تطمين منه جل وعلا وحث عليه وأنك مقبل على رحيم، ما البشر؟ ما عملهم؟ وماذا قدمنا؟ وماذا سنقدم؟ أكبر العُبّاد وأكبر الزُهّاد ماذا أمام رحمة الله جل وعلا؟! الرحمة التي يقول عنها ابن القيم رحمه الله يقول: رحمة الله قد وسعت ما وسع خلقه كما قال جل وعلا (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً (7) غافر) يقول: ومن تأمل علم أن امتلاء هذا الكون من رحمة الله كامتلاء الفضاء بهوائه والبحر بمائه. حتى الكافر لو خلّى الله جل وعلا بينه وبين نفسه لهلك، أليس يتنفس من رحمة الله؟ يشرب، يأكل، يطعم، يتكلم، يمشي، يفكر؟ ؟! فضلاً عما ينال المؤمن من الرحمة، هذا الإنسان الذي وفقه الله جل وعلا للصيام برحمة الله جل وعلا فقد أضل ملايين ولذلك عند قول الله جل وعلا (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء (35) النور) تأمل في هذا الأمر هذه الهداية أضل عن هذه الهداية من هو أذكى منك وأقوى منك وأعلم منك وأكثر مالاً منك ولكن هداك أنت برحمته جل وعلا منّه وكرمه.

د. الشهري: إذن هذه كبراعة الاستهلال في هذه السورة العظيمة وهي أشبه ما تكون بتلخيص لموضوع السورة من ذكر صفات الله سبحانه وتعالى. ثم بعد ذلك تأتي قضية (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) كأنها فيها تثبيت لقلب النبي صلى الله عليه وسلم في موقف كان النبي صلى الله عليه وسلم أحود ما يكون إلى من يثبته.

د. السريع: ولو تتبعت السورة لوجدت هذا المعنى يصحبك في مل آياتها وفي كل مقاطعها ولذلك قصة مؤمن فرعون كما قال المفسرون هي حكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته لقومه عما يلاقيه منهم عن الحجج التي يقولها لهم. فهذا التكذيب الذي حصل للأنبياء السابقين والأمم السابقة نوح وعاد والأحزاب وغيرهم هؤلاء أنت لست بدعاً يا محمد وأنتم أيها الدعاة والعلماء والعاملون من بعده من أتباعه لستم بدعاً وما يصيبكم إلا ما أصاب القوم من قبلكم وما يصيبكم هو دليل على صحة منهجكم لأن الإنسان على هذه الجادة ولذلك الله جل وعلا يقول (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (55)) لا بد من الصبر على هذا الطريق، هذا أوذي فيه نوح وهود وقتل فيه أقوام ومشطوا بأمشاط الحديد فما يصيب المؤمنين من البلاء وما يصيبهم من اللأواء في سبيل الدعوة فهو عند الله جل وعلا مكتوب ومحفوظ ولا يضيع.

د. الشهري: لا زال حديثنا عن سورة غافر. مقدمة السورة والحديث الآ، عن هؤلاء القدوات من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم وهذه تكررت معنا في السور السابقة كيف أن الله سبحانه وتعالى يثبت النبي صلى الله عليه وسلم بذكر هذه القدوات نوح وابراهيم ووموسى وعيسى واسماعيل وداوود وسليمان ولا شك أن هذا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات وأنه على المنهج وليس بدعاً. الآن يأتي الحديث عن (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) فيما يبدو لي أن الحديث عن الملائكة الذين يحملون العرش حديث فيه ترهيب هؤلاء المخلوقات العظيمة هم عباد لنا فمن أنتم يا مشركي قريش؟!

د. السريع: سأتناول قضية معينة في هذه الآية الطويلة يقول جل وعلا الذين يحملون العرش من الملائكة ومن حولهم من الملائكة وكما تفضلت لا بد أنهم من الملائكة العظام لأن العرش من أكبر المخلوقات وأعظم المخلوقات وأجلّ المخلوقات وهو سقف هذا الكون وهو أعلاه وعليه استوى ربنا جل وعلا فالملائكة الموكلة بحمله لا بد أن يكونوا من الملائكة الذين لهم منزلة عند الله جل وعلا، هؤلاء الملائكة ومن حولهم يسبحون بحمده جل وعلا. واللافت للنظر أنه قال (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) من وظائفهم أو من الأمور التي يقومون بها أنهم يستغفرون للذين آمنوا وهذه إحدى فضائل الإيمان. أُنظر يا عبد الله أيها المؤمن حين تندرج في قائمة المؤمنين ينالك هذا الجزاء، هناك ملائكة كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يستغفرون لك على طوال الوقت. الآن الواحد يغتنم إذا رأى رجلاً صالحاً يقول له لا تنسانا من دعائك يذهب يعتمر يقول له لا تنسانا من دعائك وهو رجل خطاء وهؤلاء ملائكة يحملون العرش يسبحون بحمد ربهم لا يعصون الله ما أمرهم ويستغفرون للذين آمنوا، يا عبد الله اغتنم نفسك، أدخل في زمرة المؤمنين حتى ينالك هذا الفضل ولو لم يكن من فضائل الإيمان إلا هذه الاشياء لكفى.

د. الشهري: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) ويبدو لي موضوع المغفرة في هذه السورة ظاهر من أولها من تسميتها ثم مطلعها ثم استغافر الملائكة للمؤمنين يبدو أنه من الموضوعات الظاهرة في السورة.

د. السريع: ولذلك يتكرر كثيراً الإشارة إلى اسم الله جل وعلا “الغفار”. أنتقل إلى آية قريبة ليست بعيدة الآية 17 (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الحديث عن اليوم الآخر يوم الآزفة يوم التلاق كل هذه أسماء لمسمى واحد هو يوم القيامة (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) لا أحد يُظلم ولا يُزاد عليه ولذلك قال تعالى لتقرير هذا الأصل (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) لا أحد يُبخس من حقه ولا أحد يوضع عليه من أوزار لم يعملها فإحذر يا عبد الله، كن على حذر من هذا اليوم الذي ستقدم عليه فإنه يوم (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) هذه هي العقيدة التي قلنا قبل قليل أن المؤمن يحتاج أن يثبتها وأن تستقر في نفسه.

د. الشهري: لو تواصل الحديث عن الصفات التي ذكرها سبحانه وتعالى ليوم القيامة عندما يقول (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)) تشعرك بهيبة شديدة وبالرعب من هذا اليوم الذي ينبغي لكل واحد منا أن يستعد له

د. السريع: قال جل وعلا قبل ذلك (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) يوم التلاق يوم القيامة يلتقي فيه الأولين والآخرين كلهم على صعيد واحد (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ) كلهم على صعيد واحد على أرض نقية لا أحد يختفي ولا يستتر (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) صغير أو كبير دقيق أو جليل لا يخفى على الله جل وعلا ينفذهم البصر يسمعهم الصوت لا يخفى على الله منهم شيء (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) كما جاء في الحديث أن الله تبارك وتعالى ينادي بعد أن ينفخ في الصور فيموت الناس ويموت الملائكة وحتى الملك الموكل بقبض الأرواح يقبض الله جل وعلا روحه ثم ينادي جل وعلا لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسه جل وعلا لله الواحد القهار. (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) هذه الجملة التي تتكرر في أكثر من موضع (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) تحتمل أكثر من معنى تحتمل أن حسابه سريع اتيانه (أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) النجم) (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ (1) الأنبياء) ما تستبطئون أيها الناس، سنة سنتين، عشرة عشرين، قرن قرنين، لكها قليل في حساب الله جل وعلا قليل وقريب وسريع. الاحتمال الثاني أن حسابه جل وعلا لعباده يوم القيامة سريع (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ (28) لقمان) لا يثقله جل وعلا والمعنيان صحيحان واللفظ يحتملهما. (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) يوم القيامة لأنها أزفت واقتربت وحقّت. (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ) من شدة الرعب تكاد القلوب تصعد إلى الحناجر، (كَاظِمِينَ) يكظمون ما فيهم من الخوف لا يستطعيون أن يبينوا أن ينطقوا ولا أن يبينوا من شدة الخوف الذي ينالهم.

د. الشهري: وأنت تتحدث عن سرعة انقضاء هذه الأوقات (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ (1) الأنبياء)، (أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) النجم)، (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل)، (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ (37) الأنبياء) (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) الزمن في القرآن الكريم الإنسان الآن عمره أربعين خمسين ستين سبعين يعتبرها طويلة جداً في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعثت والساعة كهاتين وإذا به وقد بعث منذ 1455 سنة تقريباً فالزمن كيف ينظر الإنسان أنه طويل في حين أنه في مقياس الله سبحانه وتعالى لا شيء

د. السريع: وهو كذلك. دع عنا الزمن على حقيقته حتى في مقياسنا نحن كم مضى من رمضان الآن؟ عشرة أيام! الآن حتى الصغار تسألهم يقولوا رمضان سريع، العطلة انقضت سريعاً، وهذا سبحان الله من علامات الساعة تسارع الزمن اقتراب حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة، الآن الإنسان يجلس بعد العصر ما يدري إلا وقد انقضت ساعتين! الزمن سريع. وبالنسبة لما في الكون فهو سريع جداً، ونحن نقرأ قصة نوح وقصة آدم مضى عليها عشرات القرون الله أعلم في علم الله جل وعلا لكنها مضت وسيمضي ما يجيء بعدها ولذلك الله جل وعلا يقول في أكثر من آية (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)

د. الشهري: ننتقل إلى قصة مؤمن آل فرعون ويبدو أن هذه القصة تستحق الوقوف عندها في هذه السورة بالذات (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)

د. السريع: هذه القصة تكاد تكون العمود الفقري لهذه السورة وجمعت كثيراً من المعاني فيها ولذلك تقرير الألوهية والدعوة إلى إفراد الله بالعبادة، تصديق الرسل والإيمان بالبعث كلها موجودة بحججها وأدلتها وبراهينها. نحن الوقت ربما يأتي علينا لكن نأتي على إشارات عاجلة. في بداية السورة ما هو منطق الطغاة كيف يتكلمون وما هي اللهجة التي يتخاطبون مع الناس فيها؟ (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) لماذا؟ (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) ما شاء الله! فرعون صار خطيباً وواعظاً صار يخاف فرعون هذا الجبار الطاغية يخاف من موسى يبدل دين البشرية لا، أيضاً أو أن يظهر في الأرض الفساد، يخاف أن يفسد الدين والدنيا! انظر منطق الطغاة واحد ولذلك في الآية الأخرى يخرج مثل الواعظ يقول (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) أنا مجتهد لكم وأريد لكم الخير أنتم لا تسمعون الكلام؟! وهذا المنطق يتكرر حتى في زماننا ليس هناك من يقول أنا مجرم أنا سفاح أنا أغتال الشعوب أو أنا اصادر حرياتها، لا، يقول هؤلاء مجرد عصابات، هؤلاء إرهابيين، هؤلاء اصوليين هؤلاء قاعدة وهو يخنق الأرملة ويقتل الطفل ويحاصر الأحياء، ولكن لا بد من شماعة يعلق عليها أطماعه ومآربه.

د. الشهري: نتوقف مع آيات القصة من قوله (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) أو الآيات التي قبلها؟

د. السريع: ساقف مع محطات بما يسمح به الوقت. بعد ذلك قال (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) هذا التوصيف، وقبلها بآية قال موسى لما قال فرعون (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) قال موسى (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) هاتين الصفتين في سورة غافر جاء ذكر التكبر والاستكبار في سبعة مواضع هذا دليل على أن من أكبر ما يصد الإنسان عن الهدى الاستكبار والاستكبار قد يكون مخلوطاً بحسد مثل ما حصل مع أبي جهل ومثل ما حصل مع فرعون لكنه يصد عن الهدى. والأمر الثاني قال (لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) لا يوجد شيء يعظ الإنسان في السير إلى الله مثل الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر ولذلك أنا أدعو نفسي وأدعو الإخوان والأخوات المشاهدين والمشاهدات إقرأ ختمة تضع في بالك اليوم الآخر في عشرات المواضع يذكر أثر الإيمان باليوم الآخر ويا ليت أحد الإخوة الأفاضل ينفر ليكتب لنا كتابة إيمانية عن أثر الإيمان باليوم الآخر في كتاب الله جل وعلا

د. الشهري: هناك كتاب قيم لصديقنا الأستاذ عيسى السعدي وهو “الوعد الأخروي” تكلم فيه عن اليوم الآخر كلاماً جميلاً وأظن هناك كتاب بهذا العنوان.

د. السريع: هناك رسالة عن الآثار التربوية لليوم الآخر وأنا أرى أن الموضوع أوسع وأنا أدعو نفسي وأدعو إخواني دعونا نستقرئ ما جاء في كتاب الله من آثار الإيمان باليوم الآخر، اُنظر إلى قول الله جل وعلا (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (2) النور) (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) إبراهيم) (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) المعارج) ذكر من صفاتهم (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)) هناك عشرات الآيات لا نعرف حجمها إلا إذا تتبعناها ودققناها وجمعناها جمعاً. الذي لا يؤمن بيوم الحساب لا تستغرب منه أن يقيم المآسي، الزنازن، السجون، يقتل الأبرياء، يصادر حقوقهم، ينهب أموالهم، ينهب خيراتهم، لا تستغرب ومثاله فرعون لما قال موسى قال أعوذ بالله ممن لا يؤمن بيوم الحساب. بعد ذلك قال مؤمن آل فرعون (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)

د. الشهري: ثلاث صفات وصفه الله بها أنه مؤمن وأنه من قوم فرعون وأنه يكتم إيمانه، ما أثر هذه الصفات في قصته؟

د. السريع: كونه رجل مؤمن الإيمان هو الباعث، من آل فرعون قريب منهم يقبلون منه ولا يستغربون والأمر الثالث يكتم إيمانه لو كان يظهر إيمانه ربما تجرأوا عليه وربما عاندوه وربما آذوه لكن يكتم إيمانه يريدون أن يراعوا خاطره يريد فرعون أن يستميله ولا يريده أن يشوش الوضع عليه ولذلك لماذا كانت قريش تراعي خاطر أبي طالب لأنه كان منهم لكن أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يأخذوا بخاطره وهو سيد فيهم والسبب في ذلك أن أبا طالب كان محسوباً عليهم فكانوا يراعونه في هذا الأمر

د. الشهري: خطاب هذا الرجل ماذا يمكن أن نستنبط منه من الفوائد في وصيته هذا الرجل عندما يأتي ويحاور فرعون ومن ظاهر الحوار أنه ما زال على دينهم وليس من أتباع موسى عليه السلام؟

د. السريع: فيه حرصه ودأبه على الدعوة وتحركه من أجلها ليس إنسان بارد المشاعر ليس إنسانً ما عنده قيمة كما جاء في قصة الرجل الذي في سورة  يس جاء من أقصى المدينة ويسعى من بعيد وهو يسعى هنا حرص عنده، أين هذا الآن من واقعنا؟ الناس يتباطأون يدعى إلى أقل القليل إلى البذل في سبيل الله ما عنده دورية ما عنده اجتماع ما عنده عزيمة ما يتعارض مع شيء من لعلعات الدنيا ثم يفكر بعد ذلك بحسب أين سيضعونه، دعونا نراجع أنفسنا هذا يحتاج منا إلى تأمل! هذا رجل يعرّض نفسه للخطر عند فرعون وانظر إلى الحجج الإيمانية والعقلية التي أوردها يقول (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) هل هذا ذنب يستدعي أن يقتل معه الإنسان؟! أن تصادر حقوقه؟! أن يمتهن؟! هذه منقبة له. الأمر الثاني جاءكم بالبيات، معه حجج معه براهين ودلائل تدل على صدقه. ثم بعد ذلك نقلهم نقلة تخاطب العقول (وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) أنتم ما عليكم، العاقل المتجرد ما ينفك من هذه الحجة. الكذب عليه وإذا كان صادقكم يأتيكم. ولذلك بعض العرب كانوا يقولون خلّوا بين محمد وبين الناس إن ظهر فهو منكم وإن تخطفته العرب كفيتم بغيره. لكن الموضوع له أبعاد غير ذلك، كان هناك حقد، كان هناك كبر كان هناك حسد، أطعم بنو عبد مناف وأطعمنا وسقوا وسقينا حتى إذا كنا كفرسي رهان متجهتين على الركب قالوا منا نبي ياتيه الوحي من السماء! والله لا نؤمن بذلك أبداً! هذه مقولة أبي جهل.

د. الشهري: منعه الكبر وتكرر ذكر الكبر في هذه السورة كثيراً. نعود إلى قصة مؤمن آل فرعون هذه الصفات التي اتصف بها هذا الرجل هي قدوة للداعية الصابر الصادع بالحق رجل المواقف إن صح التعبير.

د. السريع: سأعود قليلاً إلى أول قصة فرعون مع موسى عليه السلام حين قال ربنا جل وعلا (فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ) قال جل وعلا بعد ذلك (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) أولاً لم يقل “وما كيدهم في ضلال” وإنما قال “كيد الكافرين” قاعدة. وبالمناسبة أنا أدعو الإخوة المشاهدين والمشاهدين في هذه السورة وغيرها تأملوا لكن هذه السورة بالذات واستخرجوا منها القواعد الربانية مثل هذه القاعدة (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) كيدهم الحسي كيدهم المعنوي كيدهم العلمي كيدهم التقني كله في ضلال في الدنيا وفي الآخرة، قاعدة قرآنية ولذلك أنموذج لذلك فرعون الذي كاد ومكر (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) نوح) ومع ذلك كانت عاقبة أمره خسرا (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) وهذا المعنى تكرر في السورة في أكثر من موضع وفي آخرها.

د. الشهري: وهي تتكرر ومصداقاً لكلامك دكتور (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) هذه الآن الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات أجلبت بخيلها ورجلها على أفغانستان وقتلت فيهم ودمرت أفغانستان بحجة نشر الديموقراطية ثم فعلت ذلك بالعراق الآن اقرأ ماذا يحدث لهم؟ إنهيارات ذريعة ومريعة تذكرك بهذا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الأنفال) والله أقرأ بعض التقارير الآن التي تشير إلى الانهيار الاقتصادي الذريع الذي ظهرت بوادره وستزيد ظهوراً والهزائم العسكرية فهذه سنة ربانية لا تتخلف

د. السريع: أنموذج آخر في المجال العلمي، أرادوا تشويه صورة الاسلام بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر أرادوا تشويه صورة الاسلام وأرادوا تشوية صورة الاسلام عن طريق الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم فما الذي حصل؟ انتشر ونفدت النسخ المترجمة لمعاني القرآن في أميركا وأوروبا حتى أنه في بعض الدول الأوروبية لا يكاد يوجد نسخة واحدة وزادت معدلات الدخول في الإسلام

د. الشهري: بل أعطيك قصة طريفة قابلت واحد اسمه طارق في الولايات المتحدة الأميركية قال لدي صديق لديه مكتبة كتب اسلامية في إحدى الولايات في واشنظن أو إحدى الولايات القريبة منها فكنا نخشة عليه لا يشتري أحد منه شيء وكان وضعه المادي متدني ومشروعه في نظر الجميع فاشل قال فلما جاءت أحداث سبتمبر فتح الله عليه بسكل لا يمكن تصوره وما عاد يستطيع أن يغطي طلبات الناس وفتح فروعاً للمكتبة في الولايات المتحدة وفي مصر وفي الخليج فهذه مصداق لكلامك

د. السريع: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ (30) الأنفال). نعود للقاعدة (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) هذه لما يستشعرها المؤمن لا يحزن ولا يضجر ولا يستبطئ النصر ولا يطول عليه الطريق (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) الذي خلقنا وخلقهم ويدبر الكون إرفع بصرك إلى السماء هذا الكون العريض بما فيه ومن فيه ماذا يساوي الإنسان بالنسبة لهذا الكون؟! لا شيء لا يُرةى ولا حتى بالمكبرات ومع هذا ربك يخلق هذا الكون ويدبره ويكلؤه ويحفظه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) الرحمن) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس)

أبو سليمان من السعودية: قصة مؤمن آل فرعون في هذه القصة جمال عجيب كيف أن الله سبحانه وتعالى ذكر صفات الداعية أو الأسلوب الذي يجب على الداعية أن يسلكه مع الظلمة أو العصاة لم ينكر عليهم إنكاراً شديداً أو يقرعهم أو يتكلم عنهم بأسلوب غليظ يكسب عداوتهم بل حدثهم بالحجة الجميلة وبالأسلوب الجميل والدعوة إلى الله والتذكير بقصص مثل قصة يوسف ويذكرهم بأيام الله فهذا الأسلوب الذي يجب أن يسلكه الداعية ليس الأسلوب الحماسي الذي قد يتجاوز الحد وقد يكسب عداوة الآخر ويثير الناس ويثير الشخص الظالم عليك بحيث أنه لا يرى جمال الأسلوب أو الجانب الجميل في الإسلام أو في الدعوة والإيمان إنما يتقمص أسلوب الجاف الذي لا يعطي مجالاً للسماع أو التفكر في الكلام. هذا الأسلوب اذي يجب أن يسلكه الداعية كما في القصة: يا قوم، يا قوم، إني أخاف عليكم، يذكرهم بالله ويخوفهم بالله وينصحهم ويذكرهم بأيام الله وسنن الله في الكون وهذا الأسلوب الذي يجب أن يكون ويسلكه وهذا تكرر كثيراً في القرآن ككما قال تعالى في سورة أخرى عندما قال لموسى وأخيه عليهما السلام (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا (44) طه) لم يطلب منهما أن يغلظا في القول.

د. الشهري: نعود إلى حديثنا عن هذه الآيات العظيمة. هل لكم تعليق على تفضل به الأخ أبو سليمان؟

د. السريع: لا، كلامه ممتاز جداً وهو من الإضاءات التي أغنانا عنها الأخ جزاه الله خيراً بإشارته الطيبة.

د. الشهري: نعود للقصة هل بقي معم فيها وقفة ترى أن نتوقف معها قبل أن ننتقل إلى غيرها.

د. السريع: الوقفات كثيرة ولكني سأقف عند قضيتين: القضية الأولى عند قوله جل وعلا في سياق هذه القصة (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) فرعون قال هناك (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) كان هذا فيه إشارة أن الناس لهم عقول ويميزون الصواب، الرشد في قال الله وقال رسوله وكل سعادة طرقت هذا الكون فهي من خلال هدى الله جل وعلا ولا يمكن أن يعرف الكون السعادة ولا الخير ولا البركة إلا من خلال منهج الله جل وعلا (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك)

د. الشهري: حتى الطغاة يهم الطاغية رأي الشعب الرأي العام إن صح التعبير عندما يقول فرعون (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) فيه إشارة أنه يحاول أن يسترضي الشعب لأن الحاكم ليس له قيمة بدون الشعب

د. السريع: حتى هو في أول السورة يقول لقومه (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) يريد الغطاء يريد المسوّغ والغطاء لهذا العمل. هذا حقيقة وخصوصاً في الأوقات إذا كان هذا كلام فرعون الذي لم يكن عنده إعلام ووسائل تنقل وشاشات وإعلام فكيف الآن إذا قتل في أقصى الدنيا شاهدوه في أقصاها الآخر ورفضوا مثل هذا العمل؟! بعدها في نفس السياق قال (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) هذه الحياة الدنيا بكل ما فيها وكل من فيها متاع زائل يتمتع فيه الإنسان ولذلك هؤلاء الذين نقرأ قصتهم أين هم الآن؟! ذهبوا، مئات السنين، ألف ألفين، موسى عليه السلام كلهم متاع! فرعون الذي قال هذه الأنهار تجري من تحتي؟ راحت والذين ملكوا وشيدوا القصور وجمعوا الأرصدة كلهم يذهبون ولا يبقى إلا العمل الصالح الذي يتقرب به الإنسان إلى الله (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) ولذلك يقول جل وعلا في سورة الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) تفاخر بينكم كم عندي وكم عندي وماذا أركب وماذا تركب؟ ثم قال بعد ذلك (وفي الآخرة  ومغفرة روضوان) ولذلك من أبرز خصائص اليوم الآخر (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) لذلك في أكثر من موضع (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) الذي يعكر علينا في هذه الدنيا أن اللذات كلها تنقضي تسافر أسبوع إجاوة أو تسهر ليلة لكن كلها إلى نهاية الصحة إلى مرض، والغنى إلى فقر والشباب إلى شيخوخة وهرم والحياة كلها إلى موت ولولا أن الناس يموتون ما جاء هؤلاء وبقي الأولون لو دامت لغيرك ما آلت إليك.

د. الشهري: الحديث عن قصة مؤمن آل فرعون حديث ذو شجون لكن لعلك تلخص أبرز ما تراه في فوائد هذه القصة قبل أن ننتقل إلى غيرها قبل أن يدركنا الوقت

د. السريع: ألخص ما ذكره الله جل وعلا في ختام القصة. وبالمناسبة من معالم القصص القرآني أنه يأتي في النهاية ما يشير إلى الملخص إلى الفائدة إلى الثمرة من هذه القصة. هنا في هذه القصة يقول ربنا جل وعلا (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) يوم الأشهاد المقصود به يوم القيامة الأشهاد الذين يشهدون من الملائكة وغيرهم فالله جل وعلا يقول (إِنَّا لَنَنصُرُ) بكل هذه المؤكدات والتعظيم منه جل وعلا لنفسه وذاته العلية (رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الرسل وأتباع الرسل الذين آمنوا. وبالمناسبة لاحظ تعليق النصر على الوصف (الذين آمنوا) معناه أن لك يا عبد الله نصيب من النصر بحسب نصيبك من الإيمان. ولذلك من الفوائد التي ذكرها أهل العلم لذكر الأحكام معلقة بالأوصاف دون الأشخاص أن للإنسان نصيب من هذه الأحكام بقدر قيام الأوصاف به (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الانفطار) له نصيب من النعيم بقدر قيام وصف البر به وله نصيب من الجحيم الدنيوي والأخروي بحسب قيام وصف الفجور به وهكذا. فالإنسان المؤمن منصور بقدر اتصافه بالإيمان ومتابعته للرسل الذين قال الله تعالى عنهم (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) وهذا النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. والنصر قد يكون في المعارك كما في بدر والأحزاب وفتح مكة وغيرها وقد يكون بالحجة وظهور المحجة وقيام السلطان والبيان وأن أهل الكفر يندحرون وأن أهل الباطل يتراجعون  لكن هذا يدعونا أننا نراجع أنفسنا إذا أحسسنا بشيء من تسلط الأعداء بشيء من تسلط المبتدعة بشيء من تواري أعلام السُنّة يجب أن لا نشتم الظلام، للأسف نحن نحمل التبعة للآخرين أنهم فعلوا، إنهم يكممون الأفواه هذا كله صحيح لكن هناك جانب آخر (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165) آل عمران) هذه نزلت بعد أُحُد. فلنراجع أنفسنا ونراجع إيماننا ونراجع منهجنا، نراجع حقيقة توجهنا إلى الله جل وعلا والمؤمن منصور بإذن الله تعالى وعليه أن يوقن بهذه الحقيقة.

د. الشهري: إذن هذه خلاصة قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر, ننتقل إلى محور آخر فيما تبقى من الوقت

د. السريع: قال جل وعلا بعد ذلك في توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته والعلماء والدعاة من أتباعه صلى الله عليه وسلم قال (فَاصْبِرْ) ما سمعت وما تلاقي وما يكيد لك الأعداء ويمكرون (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) ثلاث وصايا يحتاجها المؤمن، يحتاجها الدعاة، يحتاجها العلماء:

أولاً: الصبر، لا بد (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر) (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ (17) لقمان) ذكر الصبر في عشرات المواضع.

د. الشهري: ومنها موضع ملفت للنظر في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) الإنسان) المتوقع أن يقال فاشكر لأنها نعمة عظيمة لكنه قال فاصبر (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (24))

د. السريع: فعلا يحتاج الداعية إلى الله المؤمن من أتباع الرسل يحتاجون إلى الصبر، يحتاجون إلى الصبر ليس بالضرورة أن يكون الصبر في معارك أو في جلد الظهور أو السجون يحتاجون الصبر على مشاق الدعوة على البذل في سبيل الله على العطاء، بذل الأوقات، الأفكار، الأموال، كل هذه تحتاج إلى صبر. يحتاج أن يبذل من وقته في لفح الظهيرة وفي المساء، الناس يذهبون ويسافرون ويتمتعون ويفحون ويمرحون ويحتاج أن يصبر، ما تغيره السنون ولا تغيره الظروف والعولمة، يحتاج أن يصبر على مبدئه.

الوصية الثانية: قال جل وعلا (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) إنما يؤتى المؤمن ويؤتى الداعية أحياناً من ذنب، ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، أكرم الخلق على الله في ذلك الوقت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل منهم سبعون وهم من خيرة الأمة لو كان أحد يعفى عنه لكانوا هم ولكنها تربية الله جل وعلا لأوليائه قال (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165) آل عمران) ولذلك إستغفر لذنبك والله تعالى يأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، بعد الصلاة، في الحج، في السَحَر، المؤمن إذا كان شديد المعرفة بنفسه وعظيم المعرفة بحق ربه جل وعلا كلما كان أكثر استغفاراً أما الإنسان المسكين يقول أنا ما عندي ذنب، لكن لو أنه محّص ولذلك يقول أعلمنا بربه جل وعلا رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرة”

الوصية الثالية: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) أول النهار وآخر النهار. والتسبيح هنا على الصحيح أنه يشمل كل العبادات الصلاة ومنه التسبيح والذكر وقراءة القرآن. الوصية الثالثة الداعية بحاجة إلى الزاد بحاجة إلى الرصيد الإيماني الذي يثبته على الطريق الذي يدفعه للعمل الذي يعينه على ما يواجه من المصاعب ولذلك الله جل وعلا في سورة المزمل يقول (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) يا أيها الذي تزمل بردائه قم للدعوة، وما الذي يعينك على الدعوة؟ (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا). ثم قال (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) القرآن بما فيه من التبعات بما فيه من التبليغ بما فيه من المشاق يحتاج إلى جهاد وجلاد، ما هو الزاد؟ ما هو المعين بعد الله جل وعلا؟ (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)) حين يصف الداعية قدميه بين يدي الله جل وعلا في ظلمة الليل وينطرح بين يديه ويمرغ جبهته في مصلاه ويناجي ربه ويعلم أن الله أقرب إليه من نفسه ويعلم أن الله يسمع كلامه ويرى مكانه ويعلم سره وعلانيته يدعوه بمثل هذا الإيمان بمثل هذا اليقين هذا سيمثل له رصيداً هائلاً يعينه على كل ما يلاقي في هذه الحياة.

د. الشهري: ما أنسب هذه المعاني لما كان يعانيه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة المكية من تكذيب الكفار ومن جورهم عليه الصلاة والسلام. في الدقائق المتبقية إن رأيت أن تنتقل إلى محور آخر في السورة

د. السريع: هذه السورة جاءت لتقرير العقيدة ولذلك ربنا جل وعلا يأمر بإخلاص الدين له بالنص في أكثر من آية (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وقال في هذه الآية (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) لاحظ الاستكبار الذي تكلمنا عنه والدعاء هنا كما قرر المحققون من المفسرين أن المراد به كِلا نوعي الدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي) يعني اعبدوني أستجب لكم بالإثابة أو (ادْعُونِي) إسألوني أستجب لكم أي أني أعطيك سؤلكم ومما يدل على أنها تشمل النوعين قول الله بعدها (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) والدعاء هو أرفع مقامات العبودية لأن الإنسان يستشعر أن له رب سميع مجيب بصير سميع الدعاء يعلم حاله ويسمع كلامه ويجيب دعاءه. كما جاء في الحديث ليس شيء أكرم على الله من الدعاء أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. والمشكلة أن الإنسان إذا سأل البشر أحياناً البشر يرحمك ويعطيك وأحياناً يعطيك شيئاً يضرك مثل الوالد أحياناً يعطي ولده رحمة وتدليلاً له لكن قد يكون فيه مضرة له. لكن المؤمن إذا استشعر أنه يدعو رباً رحيماً، حتى أمك وأبوك رب العالمين أرحم بك من هؤلاء. الأمر الثاني (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) لا يعجزه شيء لا يكلفه شيء إذا أراد أن يوصل إليك شيئاًً لا يمكن لأحد أن يمسك فضل الله عنك، الأمر الثاني (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم الشيء الذي ينفعك فيوصله لك وإذا فيه مضرة لك حبسه عنك وأنت تدعو وتلح وتريد ولكن الله تعالى يحول بينك وبينه لما يعلم من مضرته لذلك جاء في الأثر الاسرائيلي وهو صحيح يقول: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فإن أغنيته أطغيته وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغني فإن أفقرته أطغيته. فالله جل وعلا يعلم ما الذي يصلحك إذا اقترب العبد من الله جل وعلا يسّره لليسرى.

د. الشهري: أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياك من الموحدين المخلصين وأن يجعل حظنا من هذه المعاني أوفر الحظ والنصيب.