سور القرآن الكريم

سُوَرِة فَاطِر

هدف السورة: الاستسلام هو سبيل العزّة

سورة فاطر مكيّة نزلت قبل هجرة الرسول r . الاستسلام هو كمال الطاعة والاستسلام ليس مذلة وإنما هو عزّ فالعبودية للبشر ذلُ وصغار والعبودية لله تعالى رفعة وعزّ، فالعزّة تبدأ بالاستسلام لله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) آية 10، والناس مهما كانوا وتعاظموا هم الفقراء والله تعالى هو الغني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) آية 15.

ثم تتحدث آيات كثيرة في السورة (الآيات 1، 2، 3، 9، 11، 12، 13، 27، 28، 41، 44) عن آيات الله تعالى في الكون ودلائل القدرة والسيطرة على هذا الكون الفسيح وكأنما في هذا تأكيد أن الاستسلام لخالق هذا الكون وما فيه ومن فيه لا يمكن أن يكون ذلاً أبداً إنما هو عزُ ما بعده عز أن أستسلم وأخضع لمن خلق السموات والأرض وخلق الأكوان والخلق والكائنات على اختلافها وكل هذه المخلوقات تشهد بعظمة الخالق وتنطق بعظمة الواحد القهّار فتبارك الخالق رب العالمين. وأن كان أحدنا يستسلم لرأي طبيبه ويرى أنه هو الصواب وعليه أن ينفّذ التعليمات كما وصفها وهو بشر لا يملك أن يضر أو ينفع إلا بإذن الله ولا أسأله ما الحكمة من وراء هذا العلاج بالذات أخضع لأمره دون مناقشة ثم أعترض على خالق الخلق بأن لا أستسلم بالكلّية لأوامره وهو القدير الحكيم العليم؟ يا لجهالة البشر بخالقهم وصدق تعالى (وما قدروا الله حق قدره).

سميّت السورة بـ (فاطر) لذكر هذا الاسم الجليل في طليعتها لما يحمل هذا الوصف من دلائل الإبداع والإيجاد من عدم ولما فيه من التصوير الدقيق الذي يشير لعظمة الله وقدرته الباهرة وخلقه المبدع في هذا الكون.

تناسب فواتح سورة فاطر مع خواتيمها

تبدأ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)) وفي آخرها (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)) إذن هو يرحمهم ولو يؤاخذهم بما كسبوا فيها رحمة، إذن ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. (لو) حرف امتناع لوجود امتناع نزول العذاب لوجود رحمة الله، ما ترك على ظهرها من دابة وهو الآن تارك فإذن الرحمة موجودة. هو منع الأخذ لوجود الرحمة، لو آخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، إذن هو لم يؤاخذهم لوجود الرحمة (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا). قال في أولها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)) وقال في أواخرها (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44))، وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أفلم ينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم كأنما يوضح لهم كيف فعل الله بالأقوام الماضية، إن يكذبوك فلينظروا كيف فعل الله بالأقوام الماضية.

تناسب خواتيم سبأ مع فواتح فاطر

ذكر في خاتمة سبأ عاقبة الكافرين: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)) هذا الكلام كله في الآخرة وفي أوائل فاطر قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5))، لما قال (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)) ذكر عاقبتها والآن حذرنا من أن نقع في ذلك الموقع وفي أن نقف في ذلك الموقف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) ذكر العذاب الشديد في خاتمة سبأ وقال (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) فالتناسب في العذاب والعقوبة في الموقفين.

تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس

قال في أواخر سورة فاطر: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي بداية يس قال (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). قال في أواخر فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)) الكلام عام وفي يس قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) للعبرة، اضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) وكأنما ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)).

سؤال: هل هذا الارتباط هو إجمال يعقبه تفصيل أو تفصيل وإجمال أو علاقة تضاد؟ وهل هذا يجعلنا نصدر حكماً أن القرآن لا يصح إلا أن يكون بهذه الشاكلة من حيث ترتيب السور؟

هي علاقة إكمال للمسألة يستكملها. قلنا في حلقة سابقة أن هذا الترتيب التوقيفي وهذا التبيان هو اجتهادي ولا شك أنه عند غيرنا أعلى من هذا الاجتهاد وأعمق من هذا الاجتهاد ولكن هذا الاجتهاد يدل على الترابط واضح، هذا يجعلنا نقطع بأنه مترابط الله أعلم وترتيب السور بهذا النسق أمر توقيفي مع أنه نزل بشكل مختلف وهنالك ترابط واضح بيّن ولا شك أن هنالك حكم أعلى مما نعلم ونحن نستطيع أن نقول كما قال الأولون أنه مترابط كالكلمة الواحدة.

سورة فاطر، سورة التنوع

سورة فاطر سورة التنوّع..

إعداد موقع إسلاميات

واقرأ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿٢٧﴾ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ)

وفواصلها متنوعة، فجاءت (7) حروف (الراء (قدير، الأمور، الغرور، السعير، كبير، النشور، يبور، يسير، قطمير، خبير، المصير، البصير، النور، الحرور، القبور، نذير، المنير، نكير، غفور، تبور، شكور، بصير، الكبير، حرير، شكور، كفور، نصير، الصدور)، الميم (الحكيم)، النون (تؤفكون، يصنعون، تشكرون)، الدال (الحميد، سود)، الزاي (بعزيز)، الباء (لغوب)، الألف (خسارا، غرورا، غفورا، نفورا، تحويلا، قديرا، بصيرا)
د. أحمد نوفل
——————–
وجاء في (المختصر في التفسير) أن مقصد السورة: تركّز على عرض مشاهد القدرة والإبداع في الخلق.
وسورة فاطر قررت التوحيد من خلال المخلوقات المتنوعة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾) وذكر تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿١١﴾) (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٢﴾ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤﴾ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿١٥﴾ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿١٦﴾ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴿١٧﴾) (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴿١٩﴾ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴿٢٠﴾ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴿٢١﴾ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴿٢٢﴾) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿٢٧﴾ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴿٢٨﴾)
فالسورة تعرض اختلاف المخلوقات في أشكالها وألوانها وخلقها وهذا من أعظم الأدلة على توحيد الله جلّ وعلا وأن كل المخلوقات خلقها الله تعالى بقدرته سبحانه وتعالى

وجاء في الظلال في مقدمة السورة:
سورة فاطر هذه السورة المكّية نسق خاص في موضوعها وفي سياقها. أقرب ما تكون إلى نسق سورة الرعد. فهي تمضي في إيقاعات تتوالى على القلب البشري من بدئها إلى نهايتها.
إيقاعات موحية مؤثرة تهزه هزاً , وتوقظه من غفلته ليتأمل عظمة هذا الوجود , وروعة هذا الكون ; وليتدبر آيات الله المبثوثة في تضاعيفه , المتناثرة في صفحاته ; وليتذكر آلاء الله , ويشعر برحمته ورعايته ; وليتصور مصارع الغابرين في الأرض ومشاهدهم يوم القيامة ; وليخشع ويعنو وهو يواجه بدائع صنع الله , وآثار يده في أطواء الكون , وفي أغوار النفس , وفي حياة البشر , وفي أحداث التاريخ.
وهو يرى ويلمس في تلك البدائع وهذه الآثار وحدة الحق ووحدة الناموس , ووحدة اليد الصانعة المبدعة القوية القديرة…ذلك كله في أسلوب وفي إيقاع لا يتماسك له قلب يحس ويدرك , ويتأثر تأثر الأحياء .
والسورة وحدة متماسكة متوالية الحلقات متتالية الإيقاعات.
يصعب تقسيمها إلى فصول متميزة الموضوعات فهي كلها موضوع واحد.
كلها إيقاعات على أوتار القلب البشري , تستمد من ينابيع الكون والنفس والحياة والتاريخ والبعث.
فتأخذ على النفس أقطارها وتهتف بالقلب من كل مطلع , إلى الإيمان والخشوع والإذعان .
والسمة البارزة الملحوظة في هذه الإيقاعات هي تجميع الخيوط كلها في يد القدرة المبدعة.
وإظهار هذه اليد تحرك الخيوط كلها وتجمعها ; وتقبضها وتبسطها , وتشدها وترخيها.
بلا معقب ولا شريك ولا ظهير .
ومنذ ابتداء السورة نلمح هذه السمة البارزة , وتطرد إلى ختامها..هذا الكون الهائل نلمح اليد القادرة القاهرة تبرزه إلى الوجود وفق ما تريد:(الحمد لله فاطر السماوات والأرض , جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع.
يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير)..وهذه القبضة القوية تنفرج فترسل بالرحمة تتدفق وتفيض , وتنقبض فتغلق ينابيعها وتغيض.
بلا معقب ولا شريك:(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها , وما يمسك فلا مرسل له من بعده , وهو العزيز الحكيم)..والهدى والضلال رحمة تتدفق أو تغيض: (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء)..(إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور.
إن أنت إلا نذير)..وهذه اليد تصنع الحياة الأولى وتنشر الموتى في الحياة الآخرة:(والله الذي أرسل الرياح , فتثير سحاباً , فسقناه إلى بلد ميت , فأحيينا به الأرض بعد موتها.
كذلك النشور)..والعزة كلها لله ومنه وحده تستمد: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً)..والخلق والتكوين والنسل والأجل خيوطها كلها في تلك اليد لا تند عنها:(والله خلقكم من تراب , ثم من نطفة , ثم جعلكم أزواجاً.
وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه.
وما يعمر من معمر , ولا ينقص من عمره إلا في كتاب.
إن ذلك على الله يسير):وفي تلك القبضة تتجمع مقاليد السماوات والأرض وحركات الكواكب والأفلاك (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل , وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى.
ذلكم الله ربكم له الملك.
والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير..ويد الله المبدعة تعمل في هذا الكون بطريقتها المعلمة , وتصبغ وتلون في الجماد والنبات والحيوان والإنسان:(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء , فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها , ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود , ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك).
وهذه اليد تنقل خطى البشر , وتورث الجيل الجيل: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)..(هو الذي جعلكم خلائف في الأرض)..وهي تمسك بهذا الكون الهائل تحفظه من الزوال.
(إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا , ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده)..وهي القابضة على أزمة الأمور لا يعجزها شيء على الإطلاق: (وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض)..وهو (على كل شيء قدير)..وهو (العزيز الحكيم)..(وإلى الله ترجع الأمور)وهو (عليم بما يصنعون)..(وله الملك)..وهو (الغني الحميد)..(وإلى الله المصير)..وهو (عزيز غفور)..وهو (غفور شكور)..وإنه بعباده (لخبير بصير)..وهو (عالم غيب السماوات والأرض)..وهو (عليم بذات الصدور)..وكان (حليماً غفوراً)..وكان (عليماً قديراً)..وكان (بعباده بصيراً)..ومن تلك الآيات وهذه التعقيبات يرتسم جو السورة , والسمة الغالبة عليها , والظل الذي تلقيه في النفس على وجه العموم .

وقفات تدبرية رمضان 1442هـ-/ أ سمر الأرناؤوط

🔹ثم تأتي سورة فاطر ثاني سور الحمد في الجزء حفلت بالحديث عن آثار قدرة فاطر السموات والأرض في التنوع والاختلاف في المخلوقات من ملائكة وجمادات ودوابّ الأنعام وأناس وتضع أمام الناس حقيقة قد يغفلوا عنها باغترارهم بالدنيا أو يغرّهم الشيطان (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون)

إن الاختلاف والتنوع في الخلق إنما هو دليل على عظمة الخالق وعلى غناه عن كل أحد بينما الناس فقراء إليه

وعن عظمة ملكه بينما ما سواه ما يملكون من قطمير

وعن عظمة حكمته في إرسال من يصطفي من رسله لمن يشاء (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وعن عظمة علمه سبحانه وأثنى على العلماء أنهم أكثر الناس خشية لله، هؤلاء العلماء الربانيين وأثنى على الذين يتلون كتاب الله ويرجون تجارة لن تبور (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) يدخلون جنات عدن ويحلون فيها وأول كلامهم فيها الحمد لله… فسبحان الله الغفور غفر تقصيرهم الشكور شكر لهم قليل عملهم بعظيم الأجر في جنات عدن..

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة فاطر

الحلقة 129 – سورة فاطر

ضيف البرنامج في حلقته رقم (129) يوم الجمعة 5 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالحكيم بن عبدالله القاسم الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة فاطر .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالحكيم بن عبدالله القاسم الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود المتخصص في الدراسات القرآنية.

حديثنا مع ضيفنا في هذا اللقاء سوف يكون عن سورة فاطر وسوف نتحدث عن اسم السورة وفضلها ومقصدها ونتوقف مع محاور السورة

اسم السورة:

د. الشهري: في بعض المصاحف تجد لها اسماً آخر سورة الملائكة وفي بعضها تجد سورة فاطر.

د. القاسم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. للسورة اسمان الاسم الأول فاطر ولها اسم آخر سورة الملائكة وكانت المصاحف الموجودة في القديم وكذلك التفاسير تتنوع تسمية هذه السورة على الاسمين سورة الملائكة وسورة فاطر. البخاري والترمذي في كتب التفسير من كتب الحديث سموها سورة الملائكة، في كتب الحديث يكون هناك اختلاف عن كتب التفسير والمصاحف

لماذا سميت فاطر؟

د. القاسم: أما سبب تسمية السورة فاطر فإنها كلمة وردت في أول السورة وهي من الأسباب التي تسمى بها السورة أن ترد كلمة غريبة في أولها كقول الله عز وجل (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فسميت فاطر. وأما اسم الملائكة فكذلك ورد اسم الملائكة في أول آية في السورة وجاء وصف الملائكة في قوله (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا) سماهم الله في أول آية ووصفهم، في سورة النحل في الآية الثانية (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) ليس فيها صفة خلقية. ولا يوجد لهما غير هذين الاسمين وقد ذكر السيوطي في الاتقان أن للسورة هذين الاسمين فقط.

د. الشهري: سورة فاطر متى نزلت من حيث الزمن؟

د. القاسم: لا شك هي سورة مكية لأن فيها ضابط من ضوابط السور المكية وهي أنها افتتحت بالحمد. من ضوابط السور المكية أن تفتتح السور بالحمد وهي خمس سور الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر كلها مكية والحمد في الخمس سور ذكر فيها خلق السموات والأرض في الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) وفي سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) وهنا (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) والفطر هو الخلق وفي الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) والربوبية للعالمين كما جاء في سؤال فرعون لموسى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء)؟ قال (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)، وأما في الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) هذه نعمة شرعية وتلك نعمة الخلق، فالخلق في أربع سور والأمر والشرع في سورة واحدة والله أعلم.

مقصد سورة فاطر

د. القاسم: تحديد موضوع السورة من أصعب الأشياء في التحديد وترجع إلى الاجتهاد والانسان يحاول. البقاعي رحمه الله يرى أن محورها الخلق والابداع في سورة فاطر و الشيخ الشرقاوي في تفسيره موسوعة التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم فرأى أنها تعداد نعم الله سبحانه وتعالى، فاطر فيها نعم الله سبحانه وتعالى مبثوثة فيها. وهناك موضوع آخر وهو أن يكون موضوع السورة في توحيد الألوهية وذكر الخلق والربوبية والمخلوقات هذه كلها تأكيد الألوهية ولذلك قال في أولها (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) ثم قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فهذا هو المقصد من تعداد النعم أو الخلق والإبداع كلها لاثبات استحقاقه سبحانه وتعالى للوحدانية وللعبادة وحده لا شريك له

د. الشهري: فكأنه استدلال بالربوبية على الألوهية

د. القاسم: ويتضمن ذلك إثبات الرسالة ويتضمن إثبات القرآن الكريم ويتضمن إثبات البعث وهذه كلها محاور في السورة.

د. الشهري: وكأنه والله أعلم لما قلت أن البقاعي قال أن محور السورة الخلق والابداع تبادر إلى ذهني الإسم نفسه  اسم السورة (فاطر) والفطر هو الخلق على غير مثال سابق والابداع على غير مثال سابق. سوف تأتي المحاور ومقاطع السور لتؤكد لنا هذا المحور لأنه تبين لي من تجارب سابقة أن العلماء يتفاوتون في محور السورة مثلاً عبد الحكيم القاسم يقول ان محور السورة هو توحيد الألوهية والبقاعي يقول محور السورة الخلق والابداع وأذكر للدكتور عبد الحميد طهماز رحمه الله له كتاب في تفسير سورة فاطر فعندما تتفاوت الأقوال في اختيار محور سورة من السور كيف اختار القول الراجح من خلال الأدلة التي يوردها الشخص فمثلاً بعضهم يورد أدلة قوية أربعة خمس أدلة والآخر يورد دليل واحد فترجح هذا لأنه أكثر وأقوى أدلة ويتضح هذا من خلال المحاور التي سوف تذكرها. نبدأ من مطلع السورة

د. القاسم: السورة فيها ثلاث أساسيات ذكرها الله تعالى انفراده بالخلق (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وذكره واختصاصه بالرحمة (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) واختصاصه سبحانه وتعالى بالرزق (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) هذه مقدمة السورة ثلاث أساسيات أنه هو الذي اختص لنفسه بالخلق واختص نفسه بالرحمة فهو الذي يؤتيها من يشاء ويصرفها ممن يشاء واختص نفسه بالرزق فهو الذي يرزق من يشاء، هذه مقدمة السورة وهي ثلاث آيات فيها هذه الأشياء وهي وحدانية واختصاص لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها غيره

د. الشهري: الرزق على سبيل المثال لا يرزق أحدٌ أحداً إلا بإذنه سبحانه وتعالى حتى الشخص الذي ينفق على غيره فإنما يرزقه مما رزقه الله سبحانه وتعالى حتى في سورة البقرة (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)). أذكر بالمناسبة قوله (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) تكلم عنها سيد قطب رحمه الله كلاماً رائعاً جداً في “في ظلال القرآن، من وجهة نظري تفسيره لسورة فاطر من أروع التفاسير

د. القاسم: يحتاج إلى قراءة تأمل فالرحمة حينما يعطيها الله تعالى للإنسان فقد تكون في ضيق وقد تكون في رحمة كما قال أهل الكهف (يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته (16)) ولما ألقي ابراهيم في النار صارت برداً وسلاماً عليه وقد يكون الإنسان في نعمة وفي خير ولكنه في ضيق نفسي (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124))

د. الشهري: وحتى التعبير بالفتح بقوله (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ) فيها دليل على سعة رحمة الله سبحانه وتعالى وقوله (فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) حتى في الضيق، في السجن، في الجبّ، في الكهف إذا فتح الله عليك رحمة من رحماته في هذه الأماكن الضيقة فلا ممسك لها.

د. القاسم: قول ابن تيمية في سجن القلعة قال ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاتي في صدري أينما رحت لا تفارقني، أنا سجني خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة، فهي كلها في القلب

د. الشهري: إذن هذا هو مطلع السورة ذكر الله تعالى فيه الثلاث قضايا التي اختص بها الرحمة والرزق والخلق

د. القاسم: مسألة أنبه عليها لما كانت اسم السورة الملائكة فذكر الملائكة في أول السورة توحيد الألوهية الملائكة مما عبد من دون الله فالله عز وجل يثبت أنه هو خلقهم حتى ينفي أنهم يستحقون العبادة فهو الذي خلقهم وجعل لهم أجنحة وهم كانوا عدماً فليس لهم حق في العبودية. كذلك الربوبية من جنود الله عز وجل ملائكة ميكائيل موكل بالقطر (أنزل من السماء ماء) وقبض الارواح ملائكة (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ)، حفظة (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) فكلها الملائكة في الخلق لهم شأن عظيم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فالملائكة في الخلق لهم حضور عظيم بإذن الله

د. الشهري: نتوقف عند المقطع الثاني في السورة.

د. القاسم: المطلع الثاني فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر الله عز وجل أنه هو المستحق للألوهية قال (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ) مع ظهور الدلائل أنه لا خالق ولا راحم ولا رازق إلا الله لكنهم كذبوك في أن الله هو المستحق للعبادة فقد كذبت رسل من قبلك فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تسلية أنه ليس هو وحيداً كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور فهو الذي يجازيهم ويحاسبهم فليس عليك إلا البلاغ. ثم ذكر بعد ذلك سبب تكذيب هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الاغترار بالدنيا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) والسبب الثاني الشيطان (وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) فهو الذي يملي للإنسان ويزين له أن الله غفور ورحيم وأن الآلهة والأصنام اليت تعبدونها ستشفع لكم عند الله سبحانه وتعالى فيطمئنون إلى ذلك فالله عز وجل يبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء عندما أعرضوا زين لهم الشيطان (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) تسرية أخرى غير (وَإِن يُكَذِّبُوكَ) إذا كان الله هو الذي يهدي سبحانه وتعالى وهو الذي يضل يهدي برحمته ويضل بحكمته سبحانه وعدله فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ليس عليك إلا البلاغ وليس هناك نقص في الدلائل تعرضها عليهم وليس هناك نقص في دعوتك وبلاغك أنت بلّإت البلاغ المبين وإنما الاشكال عندهم في أنهم زين لهم الشيطان وهم أرادوا البقاء على مناصبهم وأموالهم وكثرتهم وقوتهم وقبائلهم ولم يريدوا أن يتركوا هذا العرض الزائل لأجل الآخرة استجابة للتوحيد.

د. الشهري: يعجبني تقسيمات الدكتور مصطفى مسلم يكررها كثيراً في كتبه تقسيم العهد المكي إلى أربعة مراحل وتقسيمه أيضاً للعهد المدني. يقول العهد المكي في أوله كانوا يعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأبهون له ويتربصون به ريب المنون والمرحلة الثانية المداهنة ثم المرحلة الثالثة المجادلة يجادلونه ويجادلهم والمرحلة الرابعة مرحلة المجابهة بالسيف ومحاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم فعندما تستعرض سورة فاطر يبدو لي أنها المرحلة الثالثة أو الثانية.

د. القاسم: نزلت بعد الفرقان وقبل سورة مريم فهي متأخرة. كذلك فيها أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى فلا يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أي حرج حينما لا يهتدي بعض الناس. ذكر النبي بعض الأنبياء أنه يأتي النبي ومعه الرهط ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد وهذا يستفيد منه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، هناك من يدعو إلى التوحيد في بلاد المسلمين التي كثر فيها الشرك والقبور وعبادة غير الله سبحانه وتعالى ولا يستجيب له فلا يحزن ولا ييأس من ذلك لأنه إذا وضحت الحجة فقد برئت ذمته وهذا واضح في قوله سبحانه وتعالى (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)

د. الشهري: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ)

د. القاسم: هذا المقطع الثالث وهو في تفصيل دلائل استحقاق الله عز وجل للعبادة والألوهية فالكفار يؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لكنهم لا يوحدون الله عز وجل بالعبادة وهذا الذي وقع فيه الخلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش ولا يزال إلى اليوم كثير من المسلمين يقع في الشرك وهو يحسب أن يحسن صنعاً ويقول أنا اقول لا إله إلا الله ولكن الكفار أبوا أن يقولوا لا إله إلا الله لأنهم يعرفون أن معنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله وأنه لا يجوز العبادة والدعاء والذبح والتوكل والخوف والرجاء إلا لله سبحانه وتعالى وهم يقعون في هذه العبادات ويصرفونها لغير الله عز وجل طلباً للوساطة مثل الذي المشركون يقعون فيه (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) ولهذا يجب على الدعاة أن يبينوه في كل الأماكن والأوقات لأنه لا يزال هذا اللبس هذا اللبس هو في التوحيد. الدلائل التي ذكرها الله عز وجل في أنه مستحق للربوبية إرسال الرياح وإنزال الماء وإخراج النبات وهي متلازمة وهذا فيه إشارة إلى البعث وفيها إشارة إلى استحقاق الله عز وجل للعبادة لأن هذا النبات يأكل منه الناس فهو رزقهم والله عز وجل هو الذي يرزقهم هو الذي يرسل الرياح الثقال ويأتي بالماء من عدم ولا يمكن لأحد أن يفعل ذلك (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) الواقعة) وهناك قراءة (الله الذي أرسل الريح) مما يدل على أن الريح ليست دائماً للعذاب إذا كانت معرّفة إلا إذا كانت نكرة فإنها دالة على العذاب إلا في موضع يونس وهي مبينة بقوله (وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ (22)). بعد ذلك ذكر الله عز وجل (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) هذه تدخل في توحيد الربوبية فالكفار حينما يجعلون الأنداد يريدون بهم العزة قال الله عز وجل في سورة مريم (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)) يتقوون بهم ويشفعون لهم عند الله والله عظيم، قال (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)) وكذلك المنافقين (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا (139) النساء) (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (8) المنافقون) العزة هنا مرتبطة بالمشركين حينما أشركوا أرادوا الاعتزاز بهم فتنقلب عليهم حسرة يوم القيامة وسيأتي بيان (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ). (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فلا يمكن أن تطلب العزة إلا من الله وذلك بطاعته وتوحيد واللجوء إليه والتوكل عليه والخوف منه والرجاء منه. بعد ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى الكلام والعمل لا تكون العزة للمسلم إلا إذا عمل الصالحات سواء كانت أقوالاً أو أعمالاً والأعمال والأقوال تصعد إلى الله عز وجل والأقوال التي تصعد إلى الله الكلام الطيب وأعظم الكلام الطيب لا إله إلا الله، توحيد الألوهية والعمل الصالح يرفعه فإذا كان هناك عمل صالح رفعه الكلم الطيب وهذا ورد عن كثير من السلف وإذا لم يكن العمل الصالح فإنه لا يقبل هذا القول لأنه لم يصدقه العمل وقول لا دليل عليه وخاصة الفرائض فإذا كان الإنسان يقول كلاماً طيباً ولا يفعل الفرائض التي فرضها الله عز وجل دل ذلك على قول ليس له مستند ليس له ما يقويه.

د. الشهري: هذه مسألة مهمة جداً في قضية خلل موجود عند المسلمين اليوم في قضية الإيمان والعمل تجد أنه يدّعي الإيمان ولا يصلي والأدهى من ذلك في رمضان الآن تجد بعضهم إما أنه يصوم لا يصلي فهو يحتاج إلى تنبيه

د. الشهري: توقفنا عند قوله (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) إليه يصعد الكلم الطيب وأعظم الكلم الطيب شهادة أن لا إله إلا الله والعمل الصالح يرفعه يعني يرفع ويؤكد ويصدق هذه الكلمة

د. القاسم: ويقبل القول الطيب إذا كان معه عمل صالح فالذي يقول لا إله إلا الله وهو لا يؤدي الفرائض لا يصلي مثلاً هذا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر” فلا يقبل قوله هذا الشاهد من ذلك أنه يجب أن يقول مع قوله العمل (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) تتكرر كثيراً، متلازمة لأن القول ناشئ عن القول فإذا كان القلب يعتقد هذا القول ناشيء عن القلب ولذلك الإيمان عند أهل السنة “قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان” فإذا تخلفت الأركان دل على تخلف وضعف الإيمان. هناك أقوال أخرى في (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) الضمير على ماذا يرجع ولكن هذا أظهر الأقوال. (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فيه ذكر للكفار لما مكروا للنبي صلى الله عليه وسلم إما أرادزا قتله أو أرادوا سحنه أو أرادوا إخراجه وهذا يدل على تأخر هذه السورة في مراحل العهد المكي كما ذكرت (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) ولم يكن لهم شيء مما أرادوا وإن وقع وأخرجوا النبي عليه الصلاة والسلام لكن بعد سنة أو سنتين أخرجهم الله من ديارهم وقتلهم وسجنهم في ذلك البئر الذي وقع منهم هذا المكر السيء للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن الدلائل أيضاً خلق الانسان من تراب وهو آدم عليه السلام ثم خلق ذريته من نطفة ثم جعل هذه النطفة أزواجاً ذكراً وأنثى وجعلهم يتزاوجون وينشا عن ذلك الحمل كما قال بعد ذلك (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) فيدخل في ذلك حمل الانسان وحمل جميع المخلوقات فلا يكون ذلك إلا بعلم الله سبحانه وتعالى وليس من صنع الإنسان أن تحمل امرأته وإنما هو الله الذي يخلق له ذلك. ثم إذا خُلِق الانسان وخرج للحياة فله عمر وهذا العمر الله هو الذي يقدره فقد يكون طيولاً وقد يكون قصيراً وكل ذلك في كتاب عند الله سبحانه وتعالى مع هذه الاحاطة فهو يسير على الله عز وجل وأيضاً يكون البعث أهون من ذلك والإعادة لا شك أنها أسهل.

سؤال: ما معنى قوله تعالى (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)؟

د. القاسم: هذه فيها أقوال، من هذه الأقوال أن الله تعالى قدّر أن يكون هذا الإنسان عمره طويل وهناك إنسان آخر له عمر أقصر منه هناك من يولد ويموت وهناك من يعيش ثمانين سنة وهناك من يعيش أقل ومن يعيش أكثر وهذا من تقدير الله عز وجل فإن أراد أن يطيل عمره أطاله وإن أراد أن ينقصه أنقصه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “من أحب أن ينسأ له في أثره ويطال له في عمره فليصل رحمه” فجعل هناك أسباب لطول العمر كذلك الدعاء يرد القضاء فقد يقدر الله عز وجل لإنسان شيئاً ثم يرده بدعائه أو عمله الصالح ويبارك له في عمره. وبعضهم يقول أن هذا المعمر شخص واحد بعضهم يقول هذا المعمر أكثر من شخص فطول العمر وقصره في كتاب عند الله سبحانه وتعالى قال الله عز وجل (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) الرعد) وأما في كتاب اللوح المحفوظ فهو مثبت لكن هناك كتب أخرى في أيدي الملائكة كما في ليلة القدر (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان). بعد ذلك من المخلوقات البحار (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) من المصطلحات أن البحرين تطلق على العذب والملح بخلاف ما يطرح في علم الجغرافيا النهر والبحر (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) هو ماء ومع ذلك اختلفت صفاته ومع اختلاف صفاته وتضادها إلا أنه يخرج منها لحماً طرياً ليناً ويخرج منه شيء قاسي وهو الحلية اللؤلؤ والمرجان أشياء قاسية وأشياء طرية، أشياء مختلفة وأشياء متناقضة من حيث المرارة والحلاوة وكذلك ما يكون فوق هذا البحر اللين أو البحر السائل من الفلك الضخمة تجري فوقه (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) السفن الكبار التي تشق البحر ويخرج صوت عندما تشق هذا البحر بصدورها بصدور هذه الفلك وهذا من تيسير الله للإنسان. وقد قرأت في أحد التفاسير أنهم يسلكون البحر فهو أسرع من البر وأسهل وطرقه تكون مستقيمة وحسب الرياح وليس هناك إشكال في السرعة أما في البر فليس إلا الدواب وهي تدب دبيباً. (لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ) رحمة الله في الفلك أن تنتقل فيها البضائع فترد هذه الجول والقارات بأسعار زهيدة وهذا من فضل الله. نقلها عبر البحر أقل كلفة. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وأعظم الشكر الذي يكون من الإنسان أن يوحّد هذا المخلوق خالقه سبحانه وتعالى بالعبادة. ثم ذكر من الآيات أيضاً إيلاج النهار في الليل وإيلاج الليل في النهار فهذا من آيات الله الدالة على تصرفه فلا أحد يستطيع أن يقدم الليل أو النهار وكذلك الشمس والقمر هو الذي سخرها ذليلة إذا أراد أن تخرج فذ ذلك الوقت تخرج ولا يمكن أن تتأخر إذا أراد أن تخرج من المشرق أو تخرج من المغرب كما جاء في قصة ابراهيم مع النمرود استدل عليها بوجود الله عز وجل قال (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ (258) البقرة) فيقال للمعبودات من دون الله إيتي بالشمس من المغرب فلا تفعل ذلك فيكون ذلك تدبير الله عز وجل لا شريك له. ويكون هذا الجريان لأجل مسمى فإذا انتهى هذا الأجل تضطرب الكائنات كما قال (إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت).

سؤال: لماذا يعبر في الآية بـ (تجري) (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى)؟

د. القاسم: هذه الألفاظ الجري والمشي ونحوها تبيين الفرق بينها مما يعز على الانسان يحتاج إلى تتبع في القرآن الكريم وفي اللغة العربية فما عندي فيها شيء. ولا شك أن هذه الكلمة أولى من غيرها هذه قاعدة لما تجد كلمة في سياق القرآن الكريم فإنه لا شك لا توجد كلمة تقوم مقامها في هذا السياق كما قال الشيخ دراز لو بحثت في كل المعاجم لن تجد كلمة تقوم في مقام هذه الكلمة في هذا السياق.

ثم قال عز وجل (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) استدل الله على ذكر المخلوقات الماضية من إرسال الرياح وإنزال المطر وخلق الإنسان وخلق الزوجين وخلق الأحمال والذرية والبحرين واللحم الطري واللؤلؤ والمرجان والفلك والليل والنهار والشمس والقمر إثبات أن الله عز وجل له الملك فهو المالك لهذه المخلوقات كلها.

نأتي إلى محور السورة (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) هم يعبدون الملائكة ويعبدون الملائكة ويعبدون الصالحين ويعبدون الأصنام والأحجار ويوقولن نعبدهم ليقربونا إلى الله فيقول الله عز وجل (مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) ما قال ما يملكون من حيوان أو جبل أو بحر. القطمير هو ما يكون من اللفافة الشفافة على نواة التمر مثل سحالة البصل مثلما يكون فوق الييضة قبل السائل، فهذا القطمير، ما يملكون من قطمير، فالانسان لما يأكل التمرة يرمي النواة ومعها القطمير فهم لا يملكون هذا القطمير معناه لا يملكون شيئاً وإذا كانوا لا يملكون شيئاً فهم لا يستحقون العبادة.

د. الشهري: المقصود بالملك هنا ما يملكون من شيء من حيث الملك أم المقصود بها ما يستطيعون خلق حتى قطمير ما يملكون خلق قطمير.

د. القاسم: إذا قيل الإنسان مالك الشيء فهو مالك له عن طريق الاستقلال أما ملك الانسان فهو ملك ناقص يعني حتى لو كان مالك ينسبة الله عز وجل إليه (من مال الله) هو الذي أعطاك القوة والتوفيق حتى كسبت هذا المال فالمقصود بالملك الملك المستقل

د. الشهري: ونحن نتحدث عن الآيات الناس متفاوتون في فهمهم عندما تقول (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) ما الفرق بين الفلك وبين المواخر؟

د. القاسم: الفلك هي السفن والمواخر هي صفة لجريانها في الماء فهي لما تجري في الماء يسمع لا صوت صوت الماء عندما ينشق هذا هو المخر، المخر صوت الماء وهو يشق يتجه يمنة ويسرة، هذا هو المخر.

د. الشهري: المخر هو شق الماء بواسطة السفينة كما يقول طرفة في المعلقة

يشق حباب الماء حيزومها  بها كما فلق الترب المفاول باليد

الفلك هي السفينة نفسها والمواخر هي السفينة نفسها إذا مشت في الماء ومخرت عبر البحر، خرج صوت الماء يذهب يمنة ويسرة.

د. القاسم: ومن آيات الله في الفلك إذا رجعت إليها فإنك تجد سفينة ذاهبة للشمال وسفينة ذاهبة للجنوب بنفس الريح، هذا من آيات الله سبحانه تعالى أن سهل جريانها مع ثقلها بهذه الوسيلة التي هي الريح. ثم قال عز وجل عن الذين يدعون من دون الله (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ) لا يسمعوه ولا يصل إليهم هذا الصوت ولو سمعوا على سبيل الافتراض ما استجابوا لكم فإذا سألتموهم أن يشفوا مرضاكم لا يشفوهم وإذا سألتموهم أن يشفعوا لكم عند الله فإنهم لن يشفعوا لكم هذا في الدنيا. ويوم القيامة يكفرون بشرككم يعني يقال أنتم شركاء لله؟ فيقولوا لا لسنا نحن شركاء ينكرون ذلك (قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41) سبأ) (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) فيها تبرؤ ونفي أن يكون لهم شيء من استحقاق الألوهية. ثم قال عز وجل (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) هذا فيه إشارة إلى أن الخبر من الله عز وجل لا يمكن أن يكون خبراً يحتاج إلى تأكيد فهو خبير سبحانه وتعالى وأخبر بما سيكون في اليوم الآخر (ومن أصدق من الله قيلا) (ومن أصدق من الله حديثا). بعض المفسرين وهم قلة يقولون (ولا ينبئك مثل خبير) أن هذ يعود للمعبودين من دون الله هم حينما يقولون لسنا شركاء لله فالاقرار سيد الأدلة وأقواها.

د. الشهري: ولا ينبئك مثل خبير أصبح مثلاً قرآنياً.

سؤال: ذكر سبحانه وتعالى في سورة التحريم (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ (6)) وفي فاطر قال (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ) هل هي تفسير لقوله (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ)؟

د. القاسم: الملائكة هذه صفتهم لهم اجنحة لكن أعمالهم مختلفة منهم الرسل ومنهم خزنة وملائكة بالليل وملائكة بالنهار وحفظة بني آدم فالأجنحة للطيران والسرعة والله أعلم

د. الشهري: ويبدو أن الصفة التي أطلقها الله تعالى على الملائكة الذين هم خزنة جهنم لا شك أنها صفات تناسب المهمة التي يقومون بها

د. القاسم: لولا يمنع أن يكون لهم صفة الأجنحة مع غلظتهم وقوتهم لأنها صفة للملائكة والله أعلم.

د. الشهري: ما زال الحديث عن محاور سورة فاطر

سؤال: لماذا دائماً نقول الآية الكريمة؟ لماذا وصفت الآيات بالكريمة مع أنه في القرآن وردت آيات بينات وآيات مبينات وغيرها من الأوصاف؟

د. القاسم: الآيات وصفت في القرآن بعدة صفات حكيم وكريم وغيرها فيمكن نقول آية حكيمة وآية كريمة وآية بينة لكن شاعت كريمة وإذا وصف القرآن نقول قرآن كريم اشتهرت هذه الصفة.

د. الشهري: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )

د. القاسم: هذا الخطاب الثالث بـ(يا أيها الناس) في هذه السورة والخطاب الأخير قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ) من ضوابط السور المكية أن فيها (يا أيها الناس) وليس فيها (يا أيها الذين آمنوا) وهذه موجودة هنا. فيقول الله عز وجل في هذا الموضع الثالث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ) لما بين لهم أن المعبودات من دون الله ما يملكون من قطمير فصار يبين لهم هم أيضاً ما هو حالهم، أنتم أيضاً فقراء فإذا كانت معبوداتكم لا يملكون شيئاً وأنتم أيضاً الفقراء إلى الله والله عز وجل هو الغني الحميد فله الغنى الذاتي من جميع الجوانب سبحانه وتعالى وأنتم لكم الفقر الذاتي من جميع الجوانب. وقد ذكر السعدي رحمه الله أصناف هذا الفقر، ذكر أربع أصناف في هذا الباب فمنها فقر في الإيجاد لا يستطيع الإنسان أن يوجد نفسه الله أوجده، فقر في الإعداد بالقوة والجوارح فالله عز وجل هو الذي أعطاك الجوارح وفقر في الإمداد بالأقوات وهو الرزق وفقر في صرف النقم عنك وفقر في التربية وفقر في الإلهية فالله عز وجل هو الذي رباك ونماك شيئاً فشيئاً وفقر في الإلهية فأنت محتاج أن يكون لك إله وهو الله سبحانه وتعالى إله الحق المبين وفقر في التعليم (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء) وفقر بالذات فهو إنسان في جميع أوقاته في فقر عظيم فينبغي أن يستحضر هذا الأمر. ويدل على أن الله غني عنه قوله عز وجل (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)) فلو لم تعبدوا الله يمكن يذهبكم ويأتي بآخرين شيء يسير عليه سبحانه وتعالى. (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) يعني ليس شديداً أو صعباً وإنما هو يسير على الله عز وجل. ثم ذكر عدله سبحانه وتعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) بعض الديانات كالنصرانية المحرفة قالوا أن عيسى لما قتل صار قتله تبرئة للآخرين تكفيراً لذنوب الباقي والله عز وجل (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لا أحد يتحمل عن أحد كلٌ يحمل خمل نفسه حتى لو كان يحمل حملاً ثقيلاً من الذنوب فلا أحد يساعده حتى لو كان قريباً، ولو كان ذا قربى فإنه لا يتحمل حتى لو جاء الإنسان إلى ولده فإنه لا يمكن أن يأخذ عنه شيئاً لفقره إلى هذه الحسنات.

د. الشهري: عندما تقول محور السورة هو توحيد الألوهية ثم يأتي بهذه الأوصاف لهذا الإله الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له هذا من أهم ما يسأل عنه العبد لأن هناك أسئلة تحير الناس في هذا الزمان وتجد الذين يكتبون في علم النفس والتربية وتاريخ الأديان وتاريخ الأمم كيف أن الناس تميل بفطرتها إلى التعبد لإله لكن الذين أضلهم الله سبحانه وتعالى وأعماهم عن هداية القرآن وعن هداية هذا الدين تجدهم بحيرة وهم يبحثون عن هذا الإله،

د. القاسم: لا يمكن أن نصل إلى هذا إلا عن طريق الرسالة والوحي

د. الشهري: العقل وحده لا يمكن أن يدلك على هذه الأشياء فالله سبحانه وتعالى يفصل لك صفاته سبحانه وتعالى التي يستحق بها العبادة ففي قوله (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) هذه إشارة واضحة إلى عدله سبحانه وتعالى أن الوزر مسؤولية فردية كل واحد يتحمل ذنبه.

د. القاسم: ثم قال عز وجل (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ) هذه فيها مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في مواساته أنه لا يستفيد من إنذارك وإخبارك إلا الذين يخشون الله بالغيب حينما يؤمنون به ولا يروه، حينما يخشونه حينما لا يراهم أحد. ومع خشية الله ذكر إقامة الصلاة هذا يدل على أهمية العمل الصالح الذي هو إقامة الصلاة فهو دليل على خشية الله تعالى والذي لا يصلي فإنه لا يركع ولا يسجد كيف يكون خاشعاً لله؟ عبر عن الصلاة بإقامتها بشروطها وأركانها وواجباتها وأوقاتها ونحو ذلك. ثم قال في الاستفادة من هذه الأعمال الصالحة (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) الذنب على نفسك والطاعة لنفسك وعند الله الجزاء (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ). بعد ذلك بيّن الفرق بين المؤمن والكافر بين الذي يعبد الله وحده والذي يكفر بالله عز وجل (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)) فهذه كلها صفات مقابلة بين المؤمن والكافر

د. الشهري: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) كأن الكافر أعمى المؤمن بصير

د. القاسم: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى (19) الرعد) (وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ) يقول عز وجل (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا (122) الأنعام) كذلك (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) إشارة إلى الظل والحرور السموم الجهة الحارة وبعضهم يشير إلى الجنة والعذاب بالنار فالظل هو الاشارة إلى الجنة والحرور إشارة إلى النار. وكذلك الإيمان فيه الراحة والاطمئنان والكفر فيه الشقاء والضيق والنكد. (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ) فالأحياء هم المؤمنون (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (122) الأنعام) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا (70) يس) والتعبير بالأموات هم الكفار فهم أموات غير أحياء. (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء) المقصود بالإسماع قبول الدعوة والله تعالى يهدي من يشاء (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) وهذه فيها مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم. (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) هذا تعبير للكفار أنهم كالموتى لا يستفيدون بالسماع وهنا مسألة هل أهل القبور يسمعون أم لا أحيلكم إلى أضواء البيان للشنقيطي فصّل فيها أن أهل القبور يسمعون والنبي صلى الله عليه وسلم كلّم قتلى بدر وتسمى زيارة القبور لأن المزار محسًا بذلك ويقال (السلام عليكم أهل الديار) نسلم عليهم. لكن المقصود بالسماع هنا سماع استجابة فالميت إن استمع لن يستفيد شيئاً وكذلك الكفار حينما يسمعون لا يستفيدون شيئاً كما وصفهم الله عز وجل (صم بكم عمي). (إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ) ليس عليك أن تهديهم فالله هو الذي يهدي. ثم قال (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)

د. الشهري: أريد أن نتوقف عند هذه الآية (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وهي من أعظم الآيات في سورة فاطر

د. القاسم: تكلم عنها الشيخ الشنقيطي رحمه الله في ذكر أرجى آية من كتاب الله بخلاف العلماء فيها الذين قالوا أرجى آية (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر) قال أرجى عندي أو من أرجى الآيات هذه الآية وهذا يحتاج إلى تأمل. قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) إيراث الكتاب أن يجعل الإنسان محاطاً بهذا القرآن وأهلاً لتحمله والإيمان به فالله عز وجل بين ثلاثة أصناف وكلهم من أهل العبودية والوحدانية له (محور السورة) كل هؤلاء الأصناف الثلاثة من الموحدين لله الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات موحدون لله وهذا أرجح الأقوال وأقواها في المراد بهم وكلهم يدخلون الجنة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) قال الشنقيطي قال الواو في (يدخلونها) تكتب بماء العين. ترجع للأصناف الثلاثة الظالم نفسه والمقتصد والسابق بالخيرات فكلهم موحدون وكلهم مآله إلى الجنة منهم من يدخل الجنة مباشرة ومنهم من يتأخر فيدخل النار بقدر حتى يشفع الشفعاء أو يأذن الله أن يخرج منها ثم يكون مآله إلى الجنة.

د. الشهري: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) كلمة الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أن هذه الواو تكتب بماء العين لأنها تدل على رحمة الله سبحانه وتعالى بكل الموحدين وأنهم في مآلهم يدخلون إلى الجنة. هل مكن توضيح هذه الصفات الثلاث لماذا تكتب بماء العين وما الشيء الذي تميزت به هذه الآية؟

د. القاسم: هذه فيها أكثر أربعين قولاً لكن أظهر الأقوال فيها أن الظالم لنفسه الذي يقصر في الواجبات يفعل بعض الواجبات ويقصر في بعضها ويترك بعض المحرمات ويقصر في بعضها لكنه موحد لله عز وجل وهذا يدل على أهمية التوحيد أن لا يقع الإنسان في الشرك. الشرك الأكبر أعظم شيء أن يحذره الإنسان إذا تجنبه فهو على خير عظيم من الله سبحانه وتعالى لأنه عز وجل يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) هذا الظالم لنفسه ونسب الظلم لنفسه لأنه هو الخسران سيقع ظلمه على نفسه فإذا قصر في شيء من الواجبات هو الذي سيحاسب وإذا قصر في ترك المحرمات هو الذي يتحمل. ومنهم مقتصد أشهر الأقوال فيها هو الذي يفعل الواجبات ويترك المحرمات لا يزيد على ذلك كما قال الاعرابي والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص، الفرائض لا يتركها والمحرمات لا يأتيها أما المستحبات فلا يحرص عليها ولا يتجنب المكروهات بحرص. وأما السابق بالخيرات فهذا الذي يأتي الواجبات وما يستطيع من المستحبات ويترك المحرمات وما يستطيع من المكروهات بل يترك بعض المباحات إذا كانت تؤثر على المكروهات تكلم عنها الشيخ ابن القيم في آخر كتابه طريق الهجرتين في صفة هؤلاء السابقين بالخيرات ولهم صفات كثيرة.

د. الشهري: ولعل هذا أيضاً يشرحه قوله سبحانه وتعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) في إشارة أن الحصول على الدرجات العالية في الجنة يحتاج إلى سباق ومسابقة يحتاج وأن المسألة ليست مشياً عادياً وليس عملاً عادياً.

د. القاسم: وذكر أصحاب اليمين وهم المقتصدون أما الظالم لنفسه فقد تميزت بهم هذه السورة لم يذكر الظالم لنفسه والامتنان عليه في غير هذا الموضع في القرآن الكريم وبذلك صارت هي أرجى آية في كتاب الله عند الشنقيطي حيث أن الإنسان يرجو أن يدخله الله الجنة ويحمد الله على ذلك عندما يقول (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده.

د. الشهري: لعلك تنتخب مسألة من المسائل تركز عليها.

د. القاسم: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ) فنحن خلائف في الأرض الجيل الماضي والذي قبله ذهب ونحن خلفاء فينظر الله عز وجل (فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا) مفهوم المخالفة أنه من آمن فله إيمانه وسيرضى الله عز وجل عنه ولا يزيد هذا الايمان إلا خيراً ورضى من الله ونعيماً. وعادت السورة مرة أخرى إلى الشركاء المدّعون من هؤلاء الكفار (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) توحيد الألوهية وفي بداية السورة (الحمد لله  ). هنا قال (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ) فهناك دلائل على أن يكون الشيء معبوداً مع الله عز وجل أن يكون خالقاً ولا أحد يقول أن هناك خالق غير الله عز وجل! الدليل الثاني أن يكون هناك دليل نقلي قال (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ) إما دليل حسي أو دليل نقلي.