في رحاب سورة

في رحاب سورة الحج – 1 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة

د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1436 هـ

في رحاب سورة الحج – 1

تقديم الإعلامي محمد خلف

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

سورة الحج سورة عظيمة كسائر سور القرآن الكريم ومن شأنها أن كثيرا من العلماء اختلفوا في مكيتها ومدنيتها وهي تناولت قضايا القرآن المكي وكثيرًا من قضايا القرآن المدني حتى إن أحد العلماء وهو الإمام الغزنوي وذكر الكلام القرطبي فقال هي من أعاجيب السور لأنها حوت المكي والمدني، حوت الليلي والنهاري السفري والحضري المحكم والمتشابه، الناسخ والمنسوخ فيها كثير من الكلام لكن الطابع العام الذي يغلب عليها خو الطابع المكي والطابع العام هو المواضيع التي تناولها القرآن الكريم تثبيت العقيدة، نفي الشرك، الحديث عن الساعة والبعث مع أنها احتوت على تشريعات لكن ليس بتلك الوفرة التي تحدثت فيها عن القضايا المكية، فهي مكية في معظمها وفيها أجزاء مدنية (فيها تشريعات)

انتهت سورة الأنبياء تحذر من اقتراب الوعد (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾) وفيها حديث عن علامة من علامات الساعة (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴿٩٦﴾) سورة الأنبياء تحدثت عن البعث والوعد الحق وخروج يأجوج ومأجوج جاءت سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾) هذا حديث يوالي الحديث السابق عن اقتراب الوعد وهو قيام الساعة.

بداية سورة الحج يتحدث عن البعث والنشور والزلزلة الكبرى هي أمارة عظيمة من أمارات الساعة التي جاء في قوله تعالى (إذا زلزلت الأرض  أثقالها) وتكون قبيل الساعة، زلزلة كبرى تهتز لها الكرة الأرضية، نحن الآن يقع زلزال بقوة 6.7 أو 7 يهتز لها عدد من الدول فما بالنا إذا زلزلت الأرض زلزالها، (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) قال شيء عظيم ولم يقل عظيمة لأن هذا التنكير فيه تهويل إذا أردت أن تصفها فلا شيء يستطيع أن يصفها.

تحدثت السورة عن مواضيع القرآن المكي وتحدثت عن مواضيع القرآن المدني فالارتباط بالسورة السابقة تحدثت نهاية سورة الأنبياء عن اقتراب الوعد وسورة الحج جاءت تؤكد هذا الوعد.

وجاءت سورة الحج لتثبت عقيدة البعث في أذهان المسلمين المؤمنين في قلوبهم ووجدانهم من البداية إلى النهاية والبعث ليس فقط للمؤمنين وإنما لسائر الناس ولذلك الخطاب لجميع الناس (يا أيها الناس) الكل سيبعث هذا سيبعث مؤمنا وهذا يبعث كافرا.

إجابة عن أسئلة المشاهدين من الحلقة السابقة:

سؤال: ورد في سورة الأنبياء (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴿٩٤﴾) هل هناك فرق بين الكفر والكفران؟

هذا سؤال ورد كثيرا في برنامج لمسات بيانية مع د. فاضل السامرائي. الصيغ في اللغة العربية دقيقة جدًا والمصادر دقيقة، كفر بمعنى غطى والكفار هو الفلاحون الذين يغطون الحب بالتراب والكافر غطى الحق بالباطل، (ليغيظ بهم الكفار) الكفار هم الفلاحون. كفر كُفرا كُفرانا كُفورا العربية تتميز بتعدد المصادر وكل مصدر له معنى، لا يعدل القرآن الكريم من صيغة إلى صيغة إلا ثمّة سبب ودلالة جديدة يعطيها. قال العلماء الكفر يستعمل في الكفر الذي هو ضد الإيمان مصطلح الكفر في القرآن الكريم يقابل الإيمان أما مصطلح الكفران (ورد مرة واحدة في سورة الأنبياء) لا كفران لسعيه أي لا جحود لسعيه، لا إنكار لسعيه، إذن الكفران كفران النعمة من إنكار النعمة، خصص الله سبحانه وتعالى الكفران المصدر بكفران بالنعمة وخصص كلمة الكفر ضد الإيمان وخصص كلمة كفور بالاثنين. نتكلم عن المصدر للفعل (كفر). (يزيدهم كفورا) تأتي بمعنى كفرا وبمعنى إنكارا للنعمة تأتي بالمعنيين والتخصيص القرآني شيء عظيم.

مثال آخر: غفر غُفرانا ومغفرة وغَفْرا. غفر مغفرة المغفرة مصدر ميمي يقع في حق الله تعالى ويقع في حق البشر (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) المغفرة صادرة هنا عن المنفق (مغفرة للسائل الملحّ). أما الغُفران فخصصه الله تعالى لذاته العلية جلّ جلاله (غفرانك ربنا) لا نقول غفر فلان لزميله هذه خطأ وإنما نقول غفر مغفرة، غفر غفرانا خاصة بالله والرضوان أيضًا لأن كل زيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى كما يقول الصرفيون. غفران على وزن فعلان ورضوان هذه خصصها الله تعالى لذاته العلية قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم (مرضاة أزواجك) المرضاة يجوز في مرضاة الله ويمكن استعمالها في حق البشر أما الرضوان فلا يكون إلا لله تبتغي رضوان الله فقط لا رضوان زوجتك. فكفران هنا بمعنى كفران النعمة.

سؤال: تكررت قصة موسى عليه السلام في القرآن كثيرا وفي كل سورة نجد ألفاظًا جديدة ونجد شكلا جديدا للقصة فهل هذا يدخل ضمن شخصية السورة التي تتحدثون عنها أم أنها مجرد متشابهات؟

في سورة طه أشرنا إلى قصة موسى وكيف تخدم سياق سورة طه وشخصيتها. قصة موسى تعددت أثوابها اللفظية في القصص القرآني لكن في كل سورة  الله سبحانه وتعالى ساق لنا ما يخدم شخصية تلك السورة في سورة طه ساق لمحمد صلى الله عليه وسلم وللمسلمين ما يثبت قلبه صلى الله عليه وسلم ويطمئنه لأن بدايتها (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فجاء بما يثبته، وقال لموسى (واصطنعت لنفسي) فأنت يا محمد كذلك اصطنعتك لنفسي. في سورة الشعراء جيء بمقطع تكذيب فرعون لموسى كما جاء ذكر تكذيب قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم ومقطع تكذيب قوم لوط لسيدنا لوط ففي كل سورة حسب الشخصية والسياق يأتي من القصة ما يتناسب.

قصة موسى من أكثر القصص التي وردت في القرآن وذلك لكثرة نقاط التشابه بين شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وشخصية موسى عليه السلام كلاهما من أولي العزم ولكثرة التشابه بين الرسالتين، ورود قصة موسى في الكهف تخدم غرابة قصة الكهف والفتن في سورة الكهف وفتنة موسى عندما افتتن وقال أنا أعلم فبعثه الله للعبد الصالح. يأتي البيان القرآن يسلط العدسة البيانية على ما يتفق ويتناسب وينسجم مع سياق السورة.

سؤال: الترقيم في الآيات هل هو توقيفي أم اجتهادي؟

هو اجتهادي من الصحابة رضوان الله عليهم ومن التابعين الذين دوّنوا القرآن الكريم. سورة الإسراء 110 آيات في عدّ وفي العد الكوفي 111، بعضهم يقول 110 في العد المكي الكوفي البصري، العلماء اختلفوا في عد الآيات وهذا لا ينال من عظمة القرآن ومن دقة الكلام في القرآن. المصاحف الأولى التي كتبت في عهد عثمان لم يكن فيها ترقيم، ترقيم الآيات جاء بعد ذلك وهو لا ينال من عصمة الوحي، الفاتحة فيها سبع آيات عددنا (بسم الله الرحمن الرحيم) آية معنى ذلك (صراط الذين  ) آية واحدة، إذا لم نعدّها آية فالآية الأخيرة آيتين، فالعدد لا ينال من عصمة الوحي وهو اجتهادي في رأي معظم علماء التنزيل وهذا على خلاف الأسماء للسور وترتيبها فهذه توقيفية.

سؤال: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٥٣﴾) في سورة المؤمنون وفي سورة الأنبياء (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴿٩٣﴾)

الإضافة في كلمة (زبرا) زبرا تأتي بالمعنيين: جمع زبور الذي هو الكتاب وزبرا بمعنى فِرقا وقطعا مثلما قال (آتوني زبر الحديد) من زَبَر زبْرا بمعنى قطع قطعا. فالآية تحمل على المعنيين تقطعوا أمرهم أديانا وفرقا مدّعين أن لديهم كتبا صحيحة يتبعونها والأمر ليس كذلك فتقطعوا أمرهم بينهم كأنه طرائق قددا زبرا (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وهذه النهاية تفسر أنهم تقطعوا أمرهم أديانا وأجزاء متفرقة. ومنهم من قال زَبَرَ زَبْرا كقطع الحديد المتفرقة وكلاهما يؤدي إلى المعنى. وحتى الزبور كتاب من الكتب السماوية قيل سمي الزبور لأنه مجزّأ أجزاء. يعود المعنى إلى نفس المادة المعجمية.

سؤال: (فقولا إنا رسولا ربك) في طه (إنا رسول ربك) في الشعراء؟ مرة في التثنية ومرة بالإفراد؟

سورة طه بنيت على التثنية من بدايتها إلى نهايتها (إنني معكما، فاتياه، فقولا) الخطاب لموسى وهارون من البداية إلى النهاية لذلك عندما انقلب السحرة مؤمنين قالوا (آمنا برب العالمين رب هارون وموسى) قدموا هارون لحضور شخصيته في السورة من بدايتها إلى نهايتها. أما سورة الشعراء بنيت على الإفراد على موسى عليه السلام من بدايتها (وإذ نادى ربك موسى  يتقون) ويخاطبه إلى أن يقول (فاتيا فرعون فقولا إنا رسول رب  ) لما خاطب موسى فرعون قال (ففرت منكم لما خفتكم) كلها بنيت على الإفراد.

سؤال: التفاسير اللغوية، خاصة كتاب البحر المحيط هل تنصح بقرآءته؟

التفاسير اللغوية كثيرة والبحر المحيط واحد منها، والتفاسير اللغوية والتي تعني بإبراز الجانب اللغوي البلاغي النحوي مثل الكشاف وتفسير النيسابوري، الفخر الرازي وإن كان يغلب عليه الجانب العقلي أيضًا تعرض وتفسير أبي السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ومن أشهرها في العصر الحديث التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور الذي تعرض للنفسير البلاغي، فالتفاسير كثيرة التي تعرضت للإعراب ولإبراز الجوانب البلاغية وهي تختلف عن كتب الإعراب في القرآن الكريم أما التفاسير اللغوية كثيرة وأشهرها الكشاف (مع ملاحظة اعتزاله لأنه كان معتزليا) لو قرأه مع الحاشية لابن المنيّر الذي فضح اللقطات الاعتزالية يكون في مأمن والرجل كان علامة في اللغة، جاء بعده النيسابوري وابن عادل الدمشقي. تفسير النفسي كتاب مختصر فيه جانب لغوي وتفسير البحر المحيط من أجملها لأبي حيان الغرناطي.

أسلئة المشاهدين خلال الحلقة:

  1. في سورة الشعراء عندما قال فرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٣﴾ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴿٢٤﴾ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴿٢٥﴾) (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴿٣٠﴾ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٣١﴾ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴿٣٢﴾ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴿٣٣﴾ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾) زاد كلمة ملأ؟ عندما تظهر الآيات الحسية تزاد كلمة الملأ؟
  2. هل يمكن توضيح الفرق في قوله (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿٩١﴾) في سورة الأنبياء وفي سورة المؤمنون (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴿٥٠﴾) فلماذا قدّم مريم في سورة الأنبياء وقدّم عيسى في سورة المؤمنون؟

محور سورة الحج

سورة الحج من عظام السور وكل سور القرآن عظيمة، وهي السورة الوحيدة التي ورد فيها سجدتان وهذا شيء من دليل عظمتها، وورد حديث عقبة بن عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: سورة الحج أفضلت بسجدتين؟ قال صلى الله عليه وسلم نعم، الحديث رواه أبو داوود والترمذي. فضلت عن سائر السور بسجدتين: السجدة الأولى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩﴿١٨﴾) وفي نهايتها سجدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩﴿٧٧﴾). هذا الحديث أصل من أصول التشريع حيث استنبط منه علماء التنزيل أن أسماء السور أيضًا توقيفية لأن هكذا نص الحديث (أفُضِّلت سورة الحج؟) ذكر عقبة بن عامر اسمها والنبي صلى الله عليه وسلم قال نعم، وهذه إشارة واستنباط إلى أن أسماء السور كانت معروفة لدى الصحابة وكانت بإقرار من السرول صلى الله عليه وسلم وبتعليم منه.

لماذا سميت السورة سورة الحج مع أن الحج ذكر في سورة البقرة حديثا مطولا؟ وهي السورة الوحيدة التي سميت بركن من أركان الإسلام مع أن الصلاة عمود الدين وركنه الأساسي؟

محور السورة هو الذي يتحكم، المحور الأساسي الذي تبنى عليه السورة هو الذي يتحكم في مواضيعها ومن أجله جاء اسم السورة بتوقيف من الله تعالى وبحكمة. السورة من بدايتها لنهايتها حديث عن الساعة والبعث من بدايتها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾) الساعة، بعد ذلك (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) حديث عن البعث ثم أتى بصورة (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) مشهد من مشاهد الإحياء كيف يحيي الله الأرض بعد موتها ثم يستنتج (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴿٧﴾) فهي تتناول محور البعث، قارئ القرآن يتعجب ما علاقة الحج بالبعث؟ الحج هو رحلة إلى الآخرة، الصلاة ركن من أركان الإسلام، الصيام ركن، والزكاة ركن لكن ركن الحج تتلاقى فيه جميع أركان الإسلام ففي الحج صلاة وفي الحج بذل للمال وفي الحج صيام ثلاثة أيام وسبعة إذا رجعتم، والذي يحج بيت الله يكون مؤمنا ويبذل من ماله ووقته رحلة الحج رحلة مصغرة للآخرة وما بالك عندما يقف الحجيج شعثًا غبرًا في صعيد عرفة؟! مشهد يذكر بالقيامة من أجل ذلك جاء الحج في سورة الحج كما أشار لذلك الإمام أبو حامد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين قال: الحج رحلة مصغرة إلى الآخرة. في كل المواقف يتذكر الإنسان الآخرة ونتذكر نبي الله إبراهيم عليه السلام. لم يرد في سورة الحج قصة بنائه للكعبة وإنما ورد تأذينه بالحج (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾) وجاء ذكر إبراهيم وكيف أمره الله بالحج، إن صح التعبير والراجح عند العلماء جح أن السورة مكية ومدنية الجانب المكي فيها حديثه عن البعث عن الساعة عن النشر عن خلق الله للسموات والأرض عن سجود الشمس والقمر والنجوم وعن تكذيب الأقوام (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴿٤٢﴾) هذه كلها قضايا مكية والقضايا المدنية موجودة (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) قال العلماء نزلت في غزوة بر فريق المؤمنين وفريق المشركين والقتال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿٣٩﴾) فيها حديث مدني وفيها حديث مكي لكن حديث الحج هنا يأتي بطريقة تأصيلية، بمعنى تشريعات الحج جاءت في سورة البقرة وفي سورة آل عمران، تشريع للحج لأن سورة البقرة سورة التشريع (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) التشريعات والأحكام وردت في البقرة أما التأصيل للحج ومعاني الحج، معنى ذبح الهدي قال الله فيه (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) فيها مقاصد الحج ودلالات الحج لماذا يذبح الحاج الهدي ولماذا نحن نذبح الأضاحي؟ كرّس المقاصد المتعلقة بالحج في سورة الحج (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿٢٦﴾) بيان عظمة البيت وتطهيره من الشرك ومن الأصنام (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) منافع دنيوية ومنافع دينية ومنافع عقدية، ما ورد في سورة الحج من حديث عن الحج هو تأصيل للحج وبيان لقواعده ودلالته ومقاصده وخصوصا غرس التقوى وهذه مواضيع مكية. أما إذا ذهبنا إلى سورة آل عمران عندما تكلم عن البيت (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) سورة آل عمران سورة تشريع وسورة البقرة تشريع، البقرة ورد فيها حديث عن القبلة والصلاة والصيام والحج تحدثت عن جميع الأركان بطريقة التشريع وأتمت آل عمران ما بدأته البقرة وجاء فيها (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) فرض الله الحج بهذه الآية على الناس. أما سورة الحج  فيها آيات مكية تكتنفها بعض الآيات المدنية لأغراض يريدها الله سبحانه وتعالى. محورها البعث ولو أن المسلمين جعلوا القيامة والبعث بين يدي الله نصب أعينهم ما وجدنا هذا الفسوق والعصيان والمروق عن شرائع الله، جاءت تبثت هذه العقيدة عقيدة البعث، عقيدة الساعة (وبالآخرة هم يوقنون) لا بد من اليقين، ليس الإيمان فقط وإنما اليقين واليقين مرتبط بالاعتقاد. جاء أسلوب السورة شديدًا من البداية فيه كثير من الشدة والعنف والرهبة والتخويف من البداية (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) بداية قوية وفيها مشاهد:

مشهد البعث (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) صورة فظيعة!

مشهد الذي يشرك (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) صورة المشرك تخطفه الطير وهو هاوٍ إلى قاع جهنم والعياذ بالله!

صورة الذي ينزعج من الإسلام وينزعج من محمد صلى الله عليه وسلم وكان يظن أن الله تعالى لن ينصر دين الإسلام ولن ينصر محمدًأ صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴿١٥﴾) من كان منزعجا من الإسلام فليمت بغيظه لم يقل له موتوا بغيظكم كما قالها في سورة آل عمران (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم لم يذكره لأنه معروف (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴿١٥﴾ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ﴿١٦﴾) السبب هو الحبل (وكذلك أنزلناه) أي القرآن بدون ذكر اسمه.

مشهد القرى الظالمة (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴿٤٥﴾) قرية ظالمة خاوية على عروشها!

فيها تصوير وهذا التصوير هو من شأن القرآن المكي ينبض بالحيوية.

وورد فيها كثير من الصور الجميلة حينما يقول الله سبحانه وتعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) لم يقل أحييناها فقط كباقي السور أو أخرجت شطأها أو أنبتت وإنما قال هنا (اهتزت وربت) وكأن النبات يهتز وهذا علميا فيه كلام.

(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾) صورة عجيبة وتصوير عجيب لذلك تمتاز السورة بهذه الخصائص.

أيضًا إضافة إلى هذه المشاهد مشهد المشركين هنا بالعادة يقول: إن المشركين، هنا صوّرهم كأنهم أمامك (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) لا توجد في سور أخرى، يتحدث عن فريق المشركين وفريق المؤمنين وكأننا نراهم رأي العين ونحن في القرن الحالي (هذا خصمان) اختصموا في شأن ربهم فالذين كفروا ثم الذين آمنوا.

ومن بين خصائص هذه السورة العظيمة خطاب للناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٨﴾) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) أنواع الناس وأصنافهم لأن البعث لكل الناس، يبعث الله جميع الناس يبعث المؤمنين على إيمانهم ويبعث الكافرين على كفرهم ففيها حديث وخطاب للناس وحتى في النهاية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) وفي بداية السورة قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ) خلق، تكلم عن مراحل الخلق وقال أنا الذي خلقت (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) دليل الخلق والبعث الذي خلق هو الله، وفي نهاية السورة قال ماذا تعبدون؟! تعبدون أصناما؟! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا) انظر إلى المقابلة الرائعة: الله في كبريائه وعليائه خلق البشر وذكر الأطوار وفي النهاية قال ما تعبدون؟! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴿٧٣﴾) أما الله قوي، يقول عنهم ضعف الطالب والمطلوب العابد والمعبود أما الله (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) مقابلات عجيبة!

السورة بنيت بالشدة والتأكيد، ما ورد فيها معنى من المعاني ورد في آية أخرى إلا ورد في حق الله تعالى في سورة الحج مؤكدًا (ذلك بأن الله هو الحق) تأكيد بـ(إن) تأكيد ما صدر عن الله، تأكيد صفات الله، ما يقوم به الله، صوّر التعبير البياني خصوصيات الله تعالى بالتأكيد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴿٧﴾) (تكرار أنّ) هذه قضايا تحتاج إلى توكيد، تحتاج إلى غرس مبدأ من مبادئ يوم القيامة وهو البعث إذا غرس في النفوس لا نحتاج إلى رقيب. زيادة (إنّ) المؤكدة تفيد زيادة التأكيد، في اللغة العربية نؤكد الخبر عندما يكون المخاطَب نافيًا أو مهتزًا أو شاكًا، نقول مثلا: الكتاب مفيد، شكّ، نقول إن الكتاب مفيد، شك أكثر نقول: إن الكتاب لمفيد، والله إن الكتاب لمفيد، اللتأكيد حسب قوة الإنكار هنا بدأ الحديث طبعًا هو يتحدث مع أناس منكرين للبعث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) لكن التأكيد هنا أخذ صبغة. (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴿٧﴾ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٨﴾ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٩﴾ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴿١٠﴾) (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴿١٤﴾) (وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) لما يتكلم عن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس يقول (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١٧﴾) كل قضية وردت أكّدها الله بينما ورد في سور أخرى بعضها بالتأكيد وبعضها بغير التأكيد، هذا باختصار شخصية السورة، صيغتها سياقها العام، بني على التأكيد (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴿٣٨﴾) (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) بينما بحثت عن المعاني ذاتها وردت في سور أخرى أحيانًا مؤكدة وأحيانًا غير مؤكدة.( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾) ورد في سورة الشورى (وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وهنا يقول (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ويقول (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) في فصلت، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) وهنا (ولله يسجد من في السموات والأرض)، هنا يقول (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) وهنا يقول (كذلك الله يفعل ما يشاء). باختصار أوجّه التالي المتدبر أن يبحث عن جميع المعاني التي وردت مؤكدة في سورة الحج وردت في سور أخرى. الصبغة، الثوب اللفظي التوكيد في سورة الحج لأن الأمر يحتاج إلى التوكيد لأن الناس تشك في البعث وتنكره وتكذّب بالبعث والبعض يجادلون حتى في شأن الله في صفاته وفي ألوهيته وفي ربوبيته فجاءت صبغتها العامة من خلال التأمل في آيات سورة الحج مصبوغة ومغطاة بهذا التوكيد، المعاني ذاتها جاءت في سور أخرى من غير توكيد، هذا من شخصية السورة. والمواضيع تدور حول محورها الكبير ألا وهو محور إثبات البعث وإثبات الساعة.

نحن نعطي في البرنامج روح السورة، سياقها العام، شخصيتها ثم نربط المواضيع بهذا المحور والحديث في التفاصيل في الآيات يخدم المحور العام للسورة.

(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) لم يقل مرضع لأن الصفات التي تختص بالأنثى لا تحتمل التاء: امرأة حامل، امرأة مرضع، امرأة حائض. لكن إذا كانت الأنثى متلبّسة بالفعل تباشر الفعل تحمل التاء وهذا معنى الآية (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ) وقت الإرضاع، أثناء الإرضاع فالتاء تفيد التلبّس بالفعل وهذه قضية نحوية كبيرة.