هدايات قرآنية

هدايات قرآنية – 14- سورة البلد

اسلاميات

برنامج هدايات قرآنية – الحلقة 14

سورة البلد

د. يوسف العقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم مستمعي الكرام إلى هذا اللقاء في برنامجكم “هدايات قرآنية” أرحب بكم وأدعوكم للتنقل معي في أفانين القرآن العظيم مع نخبة من أهل العلم من ضيوفنا في هذا اللقاء فمرحباً وأهلاً وسهلاً بكم.

******************

هدايات قرآنية يسعدنا تواصلكم عبر الرسائل النصية على هاتف البرنامج 0541151051 بانتظار اقتراحاتكم وأسئلتكم حول العلوم القرآنية وهدايات السور.

******************

د. يوسف العقيل: حياكم الله مستمعي الكرام وإلى هذه الفقرة.

******************

الفقرة الأولى: “في أفياء السورة” يقدم هذه الفقرة الدكتور مساعد بن سليمان الطيار حيث يستعرض فيها مع التعريف بالسورة شيئاً من علومها.

******************

الشيخ مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم، سورة البلد هذه السورة مكية بالاتفاق وهذا هو الصحيح وقد حكي متأخراً أنها مدنية ولكنه قول ضعيف ليس له دليل وقد سميت هذه السورة بسورة البلد وهو أشهر أسمائها أخذاً من قوله سبحانه وتعالى (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)) وقد ذكر البلد في هذه السورة في موطنين. وقد تسمى سورة “لا أقسم بهذا البلد” وقد ورد في بعض المصادر سورة “لا أقسم” لكنها هكذا قد تشتبه بسورة القيامة التي ابتدأت بقوله (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)). هذه التسميات التي وردت أشهرها الذي ورد في كتب التفاسير وفي كتب السنة وكذلك على ألسنة الناس هي سورة البلد.

وهذه السورة ذكرت مجموعة من الموضوعات وأول موضوع فيها ما يتعلق بالقَسَم وهو القسم بالبلد وبالوالد وما ولد وتوسطهما الإشارة إلى أمر متعلّق بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)) فهذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وكما ذكر جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم أن المراد أنه قد أُحِلّ للنبي صلى الله عليه وسلم أو أُحِلّت مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار وبهذا تكون هذه الآية من الآيات التي أنبأت عن أمر غيبي.

ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك الإنسان وهو الإنسان الكافر إذا ورد في القرآن المكي كما ذكر ذلك الطاهر ابن عاشور فقال (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)) وعموم الإنسان مخلوق في كبد ولكن أخصّ من خُلِق في كبد هو الإنسان الكافر لأنه لا يخرج من هذا الكبد لا في الدنيا ولا في الآخرة ولهذا ذكر أوصافاً لهذا الإنسان لا تكون إلا من الإنسان الكافر ولو اتصف بها أحد من ضعفاء الإيمان من المسلمين فإنه يُلحق به على قدر وصفه. ولهذا ذكر في هذا الإنسان الكافر أنه يظن أنه لا أحد يقدر عليه ويفتخر بما أهلكه من ماله في الشرّ ويظن أنه لا يطلّع عليه أحد وهذا لا يقع في العادة إلا من الكافر.

ثم بيّن الله سبحانه وتعالى بعض مننه على عبده الذي اغترّ بما أعطاه الله سبحانه وتعالى فذكر مجموعة من الحواس وهي العينان واللسان والشفتان ثم ذكر أن هذه التي أعطاه هي سبيل أو أشار إلى أنها سبيل لهدايته إلى طريق الخير وطريق الشر. ولا يستطيع أن يصل إلى طريق الخير إلا إذا اقتحم العقبة كما قال الله سبحانه وتعالى وهي الأعمال الصالحة التي يصل بها إلى الإيمان ولهذا الله سبحانه وتعالى قال هذا الإنسان الكافر لو اقتحم العقبة وهي (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي كان مؤمناً ففعل هذه الأفعال مع الإيمان فإنه يكون من أهل الميمنة ولكنه إن لم يفعل ذلك فإنه من الذين كفروا الذين هم أصحاب المشأمة والعياذ بالله تعالى. هذه موضوعات هذه السورة باختصار كما توالت فيها وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بكتابه.

******************

الفقرة الثانية: “هدايات السورة” مع الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.

******************

د. يوسف العقيل: حياكم الله أيها الإخوة ومع هدايات هذه السورة سورة البلد بعد أن استمعنا تعريفاً لها وعرضاً لبعض ما ورد فيها من أمور، دكتور محمد أرحب بك وأدعوك الحقيقة لتضعنا في شيء من هدايات هذه السورة “سورة البلد”.

الشيخ محمد الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد، هذه السورة أقسم الله عز وجل فيها بهذا البلد الذي هو مكة وأقسم فيها بقوله (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)) وجواب القسم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)) هذه حقيقة يجب أن يعيها كل مسلم بل يجب أن يعيها كل إنسان وهو أن هذه الدنيا دار ابتلاء وأن الإنسان لا يمكن أن يتنعم فيها نعيماً دائماً ولا أن يلتذّ بها لذة كاملة بل هي منغَّصة، التنغيص مخلوط بكل جزئياتها وهذا مما يهون الأمر والبلاء على نفس المؤمن إذا علم أن هذا هو قدر الله وأمره في هذه الحياة، وأن الإنسان مخلوق ليكابد. فهو يكابد عندما يكون جنيناً ويكابد في صباه وطفولته ويكابد عندما يكون في حال غُلمته وشبابه ويكابد في حال كهولته وفي حال هَرَمه فهو في كبد ولن يترك هذا الكبد حتى يضع أول رجل له في الجنة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

ثم في هذه السورة قول الله عز وجل (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)) هذا يقوله ربنا سبحانه وتعالى عتاباً لأولئك الذين كفروا به وأولئك الذين اغتروا بما أوتوا من أموال فكانوا يقولون (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)) يعني يقول الواحد منهم أهلكت مالاً كثيراً في ملذاتي وفي حاجاتي وفي توسعي في أموري وشهواتي فالله عز وجل يذكِّره ويقول له (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)) أي وضّحنا له الطريق طريق الحق وطريق الباطل، فلا يمكن أن يأتي إنسان ويقول التبس عليّ الأمر، لم أعرف الفرق بين الإيمان والكفر، ولا بين التوحيد والشرك، ولا بين الظلم والعدل، ولا بين الكذب والصدق، بل هذا واضح بالفطرة وقد جعل الله في فِطَرنا ما نعرف به ونميز بين الحق والباطل والضارّ والنافع فهذه حجة من الله عليك.

ثم قال الله عز وجل (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)) أي هلّا اقتحمت يا ابن آدم هذه العقبة إن العقبة هي الأعمال الصالحة التي تجوز بها بإذن الله عز وجل نار جهنم ولذلك فسّرها بقوله (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)) يعني أن من فعل هذه الأشياء التي هي عقبة لأنها شديدة على النفوس لا يجتازها الإنسان ولا يفعلها إلا بإيمان صادق وعزيمة وشكيمة قوية يتحمل بها هذه الدوافع والنوازع النفسية، فيقول الله عز وجل له (فَكُّ رَقَبَةٍ (13)) تفك الرقبة أي تُعتق الرقاب في سبيل الله أو تُطعم في يوم ذي جوع شديد (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)) أي يتيماً قريباً منك (أَوْ مِسْكِينًا) أي فقيراً (ذَا مَتْرَبَةٍ (16)) أي قد لصق بالتراب من شدة الفقر. ولا يكفي هذا يعني لا تكفي صورة العمل الصالح بل لا بد من اقتران الاعتقاد الصحيح معها وهو الإيمان ولذلك قال (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)) تأملوا عباد الله كيف قرن بين الإيمان والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة لا بد من هذه الأمور: أن نكون مؤمنين ويوصي بعضنا بعضاً بالصبر ويوصي بعضنا بعضاً بالرحمة، الرحمة على الصغار، على الإناث، على الضعاف، على الأيتام، على المساكين، لا بد من هذا ومجتمع يخلو من هذه الرحمة ومن التواصي بها مجتمع حريٌّ به أن تنزل به عقوبة الله عز وجل، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

د. يوسف العقيل: اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، نفعنا الله بهذه الكلمات حول هذه الهدايات هدايات سورة البلد، أشكركم دكتور محمد الخضيري عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وأدعوكم مستمعي الكرام إلى الفقرة التالية من برنامجنا.

******************

الفقرة الثالثة: “من المكتبة القرآنية” مع الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.

******************

د. يوسف العقيل: مرحباً بكم دكتور عبد الرحمن وموعودون في هذه الفقرة مستمعي الكرام بأحد الإصدارات في المكتبة القرآنية ماذا لديكم دكتور عبد الرحمن؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حياكم الله دكتور يوسف وحيا الله الإخوة المستمعين الكرام والأخوات المستمعات الكريمات. كتابنا في هذه الحلقة هو كتاب بعنوان “تعريف الدارسين بمناهج المفسرين” للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي وقد طبعته دار القلم في مجلد كبير. كثير من الباحثين وكثير من المثقفين يرغب بالتعرف على منهج المفسّر الذي سار عليه: منهج الطبري، منهج ابن عاشور، منهج ابن عطية، منهج الزمخشري، منهج البيضاوي، ونحو ذلك. هذا الكتاب عرّف بمناهج هؤلاء المفسرين بطريقة ميسرة مختصرة والدراسات عن مناهج المفسرين قليلة وما زالت في بداياتها وأول من كتب معرفاً بالتفاسير وأصحابها هو الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله حيث نشر كتابه “التفسير والمفسرون” في نهاية الأربعينيات الميلادية ثم أعاد طباعته في الستينات وقد استعرض فيه أهم التفاسير ومناهج أصحابها منذ عهد الصحابة وحتى العصر الحديث وكان استعراضاً سريعاً وجاء كتابه في ثلاثة أجزاء كبيرة.

د. يوسف العقيل: هذا المفسرون؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم “التفسير والمفسرون” نعم ولذلك جاء الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي بكتابه هذا “تعريف الدارسين بمناهج المفسرين” فحاول في خلال ثمانية فصول في كتابه عرض فيها بعض المقدمات الضرورية لمعرفة مناهج المفسرين مثل المقصود بمناهج المفسرين، تحدث عن مصطلحي التفسير والتأويل، استعرض فيه استعراضاً سريعاً حركة التفسير في مسيرتها التاريخية منذ الصحابة وحتى العصر الحديث. ثم في الفصل الثاني تحدث عن أهم الشروط والضوابط والعلوم والآداب والتوجيهات التي لا بد أن تتحقق في المفسرين وذكر فيه أهم العلوم الضرورية للمفسر، أهم الصفات والآداب التي يجب أن يتحلى بها المفسر. ثم تحدث عن أهم أسباب اختلاف المفسرين بعد أن قسّم هذه الأسباب إلى أقسام أساسية ومثّل لكل سبب، ثم أيضاً تحدث -وهذا أيضاً من المباحث المهمة في كتابه- أهم الأخطاء التي قد يقع بها بعض المفسرين وصنّف هذه الأخطاء تصنيفاً موضوعياً وأيضاً.

د. يوسف العقيل: يعني متتبعاً لمناهج سابقة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالضبط نعم من خلال استعراض كتب التفسير استطاع أنه يستخرج أبرز الأخطاء التي وقع فيها المفسرون. ثم تحدث عن مناهج المفسرين بصفة عامة وعرّف في كل موضع بالتفاسير التي تمثّل هذا المنهج فمثلاً تحدث عن تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، تفسير القرآن النبوي التفسير الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم، التفسير بالمأثور وهو ما كان من كتب التفسير مقتصراً على التفسير المأثور عن النبي وعن الصحابة وعن السلف رضي الله عنهم والتابعين وأتباعهم، أيضاً عرّف بأعلام المفسرين من الصحابة، من التابعين. تحدث أيضاً أو أن صح التعبير طوى عدة قرون وتحدث عن كتاب متأخر وهو كتاب “الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي رحمه الله”، ثم أيضاً تحدث عن المنهج الأثري النظري عرّف فيه بهذا المنهج وتكلم عن أبرز الكتب المصنّفة فيه مثل تفسير يحيى بن سلام البصري، تفسير بقية بن مخلد، تفسير الوسيط للواحدي، تفسير البغوي، تفسير ابن عطية، تفسير ابن الجوزي، تفسير القرطبي، تفسير الشوكاني. ثم في المبحث الثاني خصصه للمنهج الأثري النظري. وأشهر التفاسير التي تجمع بين هذين المنهجين التفسير الأثري والنظري الاجتهادي هو تفسير الإمام الطبري “جامع البيان” فعرّف فيه تعريفاً مجملاً بالإمام الطبري وعرّف بتفسيره وفصل الحديث في منهجه، تحدث بعد ذلك عن بقية المناهج التفسير بالرأي المحمود، الرأي المذموم، الرأي العقلي، تحدث عن تفسير النسفي، النيسابوري، البيضاوي، البقاعي، أبي السعود وغيرها، والكتاب في فصوله وفي مباحثه كتاب ميسّر العبارة، جامعٌ لأبرز مزايا هذه الكتب المصنفة في التفسير فهو كتاب مناسب لمن يريد أن يتعرّف على أبرز الكتب المصنفة في التفسير ومناهج أصحابها فيها وقيمتها العلمية وطبعاتها الموجودة المتداولة. وعنوانه أكرر عنوانه في نهاية الفقرة “تعريف الدارسين بمناهج المفسرين” للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي طبعته دار القلم في دمشق في مجلد واحد.

د. يوسف العقيل: شكراً لكم دكتور عبد الرحمن بتعريف “تعريف الدارسين” في هذه الفقرة الجميلة “من المكتبة القرآنية” شكراً لكم دكتور عبد الرحمن، شكراً لكم أنتم مستمعي الكرام.

******************

الفقرة الرابعة: “مناهج المفسرين” مع الدكتور خالد بن عثمان السبت عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام.

******************

الشيخ خالد السبت: حديثنا في هذه الحلقة أيها الأحبة سيكون متمماً لما ابتدأنا الحديث عنه من الكلام على تفسير ابن جرير. يقول الخطيب البغدادي رحمه الله عن هذا الكتاب بأنه لم يصنِّف أحدٌ مثله. وقال ابن خزيمة عبارته المشهورة لما نظر في هذا الكتاب من أوله إلى آخره قال ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير. ويقول أبو حامد الإسْفَرَايِينِي لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن التفاسير التي في أيدي الناس أصحُّها تفسير محمد بن جرير الطبري لأنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بُكير والكلبي. ووصفه السيوطي بأنه أجلّ التفاسير وأعظمها، وكان رحمه الله أعني ابن جرير الطبري قد قال لأصحابه هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة، فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فقال إنا لله، ماتت الهِمم. فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولما أراد أن يملي التفسير قال لهم نحواً من ذلك ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ. فهذا الإمام الكبير هو الذي ألّف هذا التفسير وقد وصفه ابن سُريج رحمه الله بأنه فقيه العالم، بل إن ابن مجاهد وهو شيخ القراء في زمانه وهو صاحب كتاب “السبعة” لما انطلق من مسجده لصلاة التراويح مرّ بمسجد ابن جرير ووقف يسمع قراءته وابن جرير يصلي بالناس ويقرأ سورة الرحمن فأطال في المُكْث يستمع فقيل له تركت الناس ينتظرونك يعني في مسجدك وجئت تسمع قراءة هذا؟ فقال ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يُحسن يقرأ هذه القراءة. وقد بقي ابن جرير رحمه الله أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة وهذه همة عالية وصبر نادر لا يطيقه أكثر الخلق. هذا وقد توفي رحمه الله عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مئة وقد جاوز الثمانين سنة بخمس أو ست سنين ودفن ببغداد وقد رثاه كثير من أهل الدين والعلم والشعر والأدب ومن شاء فليطالع في ترجمته يجد بعض ما قيل فيه من ذلك. أكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة وللحديث بقية في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

******************

د. يوسف العقيل: إلى هنا أيها الإخوة الكرام نصل إلى ختام هذه الحلقة لنا بكم لقاء قادم بإذن الله تعالى نسعد بتواصلكم على هاتف البرنامج 0541151051 وإلى لقاء مقبل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.