سور القرآن الكريم

سُوَرِة يس

هدف السورة: الاستسلام هو سبيل الإصرار على الدعوة

سورة يس مكّية نزلت قبل هجرة الرسول r إلى المدينة, وهي تركّز على أهمية الاستمرار في الدعوة لأن الناس مهما كانوا بعيدين عن الحق فقد تكون قلوبهم حيّة وقد تستجيب للدعوة في وقت ما وعلينا أن لا نفقد الأمل من دعوتهم, (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) آية 11. وتتحدث السورة عن الذين لم يؤمنوا (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) آية 10. ثم تعرض نموذج لقرية (إنطاكية) أرسل الله لهم ثلاثة أنبياء ليدعوهم فكذبوهم, لكن إرسال هؤلاء الأنبياء لم يمنع رجل مؤمن أن يأتي من أقصى المدينة ويبذل الجهد لينصح القوم (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) آية 20 , وهذا دليل إيجابية من هذا الرجل أنه لم يترك أمر الدعوة للرسل فقط وإنما أخذ المبادرة بأن يدعو قومه عندما لم يصدقوا الرسل. قد يكون هناك أناس قد فُقد الأمل من دعوتهم لكن علينا أن نتصور أنه ما زال لديهم قلوب حيّة قد تؤمن فمن آمن فاز ونجا أما الذين يصرّون ويرفضون الاستسلام لله فلكل شيء نهاية, وجاءت نهاية السورة تتحدث عن الموت والنهاية فكلنا إلى موت وكل شيء له نهاية في هذا الكون، ولذا جاءت الآيات الكونية في السورة تخدم هدف السورة (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) آية 38 و39، فالشمس تسير إلى زوال وكذلك القمر والكون كله مآله إلى نهاية، وهذا دليل إعجاز القرآن باختيار الآيات الكونية التي تخدم هدف السورة بشكل واضح جليّ فسبحان من أنزل الكتاب وخلق الأكوان.

وربما يكون في هذا المعنى من دعوة القلوب الحيّة ربطاً بحديث الرسول r (اقرءوا يس على موتاكم) لأن الميّت عندما تخرج روحه يبقى قلبه حيّاً وربما عندما يسمع الآيات يستسلم قلبه لها, هذا والله أعلم.

فضل سورة يس: قال رسول الله : ” إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس، وددت لو أنها في قلب كل إنسان من أمتي”

تناسب فواتح سورة يس مع خواتيمها

تبدأ (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) وفي الآخر (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) أليس هو العزيز؟ الذي يملك كل شيء لا أعز منه إذن هو العزيز، الذي بيده ملكوت كل شيء يملك كل شيء لا أعز منه إذن هو العزيز، العزيز هو الحق الذي يملك كل شيء وهذه من دلائل العزيز (وإليه ترجعون) له صفات العزة كلها. لما قال (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) يعني عزته منزّهة عن كل نقص. (سبحان) اسم مصدر بمعنى تنزيهاً، سبحان الله يعني تنزيهاً لله. فإذن هو نزّه عزّته معناه أنه رحيم. في أولها قال (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)) وقال في آخرها (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) تفصيل عدم الإيمان بأنهم اتخذوا من دون الله آلهة. في أولها قال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)) وفي آخرها قال (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) في بداية السورة جاء بالجواب (إنا نحن نحيي الموتى) وهم قالوا: (من يحيي العظام وهي رميم).

سؤال: من الذي ضرب لنا المثل في الآية (وضرب لنا مثلاً) هل هو العبد الآبق من رحمة الله؟ الذي ضرب لنا المثل الذي أمسك بعظام بالية وفتتها وقال للرسول أتزعم أن ربك سيحيي هذه بعد موتها؟ فقال ربنا تعالى: (وضرب لنا مثلاً) كأن هذا الشخص غير مصدق أن الله تعالى سيحيي هذه العظام بعد أن تتفتت. (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78))، نسي خلقه أي كيفية خُلِق هذا الإنسان الذي يضرب المثل. الذي يحيي العظام وهي رميم هو الذي يحيي الموتى هو الله سبحانه وتعالى، من يحيي العظام؟ إنا نحن نحيي الموتى. قررت في بداية السورة وفي ختام السورة كانت مجرد سؤال ثم أجاب: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)).

تناسب خواتيم فاطر مع فواتح يس

قال تعالى في أواخر سورة فاطر: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي بداية يس قال: (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ), كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)). قال في أواخر فاطر: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)) الكلام عام, وفي يس قال: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) للعبرة، اضرب لهم مثلاً: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)) وكأن ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)).

تناسب خواتيم يس مع فواتح الصافات

قال في أواخر يس: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)) وفي بداية الصافاتك (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)) تصحيح للعقيدة لديهم. في أواخر يس قال: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)) هذا الكلام نزل في أحدهم في قريش مسك عظماً بالياً وفتته وقال للرسول أتزعم أن ربنا سيعيد هذه العظام؟ فنزل قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) ذكر ما يراه هذا الكافر وفي الصافات قال على لسان الكفرة: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)) أصبحوا جماعة وعمموا القول: (أَوَ آَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)) – (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79))( يس). وقال في آخر يس: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)) – (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5))( الصافات) الذي بيده ملكوت كل شيء أليس هو رب السموات والأرض؟ بلى.

مقاصد السور – سورة يس والصافات وص – د. محمد بن عبد العزيز الخضيري

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

سورة يس، الصافات، ص

تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان جزاه الله خيرا لموقع إسلاميات حصريًا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد فسنتحدث الليلة بإذن الله عن ثلاث سور وهي السور التي سيقرؤها إمامنا جزاه الله خيرا في صلاة القيام التي كان بعض السلف يسميها صلاة التعقيب لأنها تأتي بعد صلاة أول الليل فيُعقبون في آخر الليل صلاة يسمونها صلاة التعقيب، بحيث أنهم يصلّون ثم يعودون مرة أخرى إلى الصلاة.

سورة يس

السورة الأولى هي سورة يس: وهذه السورة الكريمة تسمى في المشهور سورة يس، بعضهم يسميها قلب القرآن اعتمادًا على حديث “إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن سورة يس” وهذا الحديث ضعيف، وقد ورد في سورة يس أحاديث كثيرة غالبها ضعيف، ومن الأحاديث التي اختلف في صحتها قول النبي صلى الله عليه وسلم ” اقرأوا على موتاكم سورة يس “والمقصود اقرأوا على المحتَضرين سورة يس لأنها تكون سببًا في تخفيف سكرات الموت على المحتضَر، وأما باقي الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة فهي من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ويشيع بين الناس في العالم الإسلامي تعظيم هذه السورة وإفرادها بالقراءة في كل ليلة وهذا ليس عليه أثارة من علم معتبر. وتسمى أيضًا سورة حبيب النجار، سماها بعض المفسرين بهذا الاسم نظرًا للقصة التي وردت في هذه السورة في قول الله عز وجل (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وهو حبيب النجار. افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة وهي قوله (يس) ويس يظنها كثير من الناس اسمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا غير صحيح، بل (يس) مثل (ق) و (ص) و (ألم) فهي من الحروف المقطعة والسور التي افتتحت بالحروف المقطعة 29 سورة، وهذه واحدة منها. وهذه السورة تتحدث عن ما تتحدث عنه السور المكية من تأسيس العقيدة الإسلامية مع التركيز على الإيمان باليوم الآخر كما هو الشأن في سورة سبأ وفاطر، فتتحدث عن الإيمان باليوم الآخر بشكل مكثّف، ولذلك يقول الله عز وجل في هذه السورة في أولها (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) فذكر أنهم قد تحجّرت عقولهم فهم لا يؤمنون بالدلائل الكثيرة لليوم الآخر مع وضوحها وظهورها، ولما ذكر هنا (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ذكر في آخر السورة قصة ذلك الرجل وهو النضر بن الحارث في قوله (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا) جاء بعظْم وفتّه أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أيحيي ربك هذا بعد أن كان رميما؟؟ يعني حدّثنا بما نعقل!! يقول للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل يبعثك الله ثم يطرحك في النار، يقولها له، وقد فعلًا مات على الكفر.

ثم ذكر الله بعد ذلك قصة أصحاب القرية، ما هي هذه القرية ؟؟هذه أنطاكيا بإجماع المفسرين، يقولون أن أنطاكيا هذه بعث الله لها ثلاثة من الرسل. قال الله عز وجل (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) يعني أيّدناهما برسول ثالث (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي قدركم وما كتبه الله عليكم معكم (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ)أي أتقولون هذا بسبب أنكم ذكرتم؟ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ثم ذكر الله قصة حبيب النجار الذي جاء مؤيدًا لهؤلاء الرسل الثلاثة وداعيًا قومه إلى الإيمان بهم فقال (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) لاحظوا المواصفات: جاء هو داعيًا إلى الله عز وجل، ما جاء الناس إليه أو مروا به بل ذهب قاصدًا لأنه يريد ما عند الله، مع أن قومه كانوا كفارا ويُخشى من ضررهم. قال (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) وقدم الجار والمجرور (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) على كلمة رجل، لبيان أنه جاء من مكان بعيد ولإعلاء هذه الصفة من حال هذا الرجل. في قصة موسى في سورة القصص قبل البارحة قرأناها قال (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) فتلك قدّم الرجل وهنا قدّم (من أقصى المدينة) لماذا؟ لأن المراد من هنا الرفع من شأن من يأتي من مكان بعيد أو يسعى سعيا شديدا من أجل أن ينقذ الناس فهذا الرجل قد فعل فعلًا عجيبًا، وهو أنه جاء من مكان بعيد إلى قومه لينذرهم، فالله عز وجل قدّم الصفة التي ينبغي أن تُراعى وهو كونه يأتي من مكان بعيد لينذر قومه، ثم وصفه الله بقوله (يَسْعَى) بمعنى يأتي بهمّ وقصدٍ وإقبال شديد. (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)) ثم مات هذا الرجل، وقيل له بعد موته (ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) يتمنى أن قومه يرون ما هو الجزاء الذي حصل عليه بعد موته. قال الله عز وجل(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) أي أهلكهم الله عز وجل. ابن كثير رحمه الله يقول إن كانت أنطاكيا هذه هي التي نزل فيها العذاب فإننا لا نعلم أن فيها شيئًا من أثار العذاب أبدا، فإما أن يكون عذابا لا أثر له على الأرض وإما أن تكون أنطاكيا غير أنطاكيا التي نعرفها وهي التي تقع في شمال بلاد الشام.

ثم ذكر الله بعض الحجج لليوم الآخر قال (وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا) دلائل قدرة الله عز وجل إلى أن قال (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ). ثم يأتي إلى النقاش في اليوم الآخر (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال الله عز وجل (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي يختصمون حذفت التاء وهذه عملية معروفة عند أهل الصرف، (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ) أي القبور (إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يأتون مسرعين (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) تذكرون ما جاءكم به المرسلون في أول السورة؟ (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) في المرة الأولى (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) بسبب العذاب وهنا صيحة واحدة (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) قد جاؤوا ولكن الى ماذا جاءوا؟ إلى العذاب!!( فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

ثم ذكر الصنفين (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) أهل الجنة في الجنة مشغولين، ولكن هل هم مشغولين بمكابدة العمل والبحث عن الرزق وإلا بماذا؟؟ مشغولين باللذائذ، الواحد ما عنده وقت من كثرة ما هو منهمك في اللذائذ، يعني هذا هو التعبير الذي يُراد أن نفهمه، من كثرة لذائذ الجنة هو مشغول بها، حور، وأبكار وأشجار وظلال وعيون وأزهار وورود وجلساء ونعيم لا يمكن أن يوصف ولا يقدر قدره ولا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى، فاستعدوا ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة، هذه السلعة العظيمة التي أعدها الله وهذه الفرصة الثمينة لن تنالوها بالراحة وطول النوم وبالتنعم والتلذذ وبالشهوات والأهواء، ما فيها إلا تعب، فإما أن تقدّم والإ فلن تُقدَّم، إما أن تدفع المهر وإلا فلا تتقدم، ومن يطلب الحسناء لن يغله المهر، لا ينظر إلى كم سيدفع! (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ) ليسوا وحدهم (فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) الرب نفسه يسلم عليهم من كرامتهم على الله.

ثم (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) تتحدث الآيات عن يوم القيامة وعن مشاهدها إلى أن تصل في آخرها إلى قوله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) اسمعوا كيف يحتج الله على إحياء الموتى فيقول (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) ما قال قل يحييها الله، لا، يأتي بدليل فيقول (الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) هو القادر على أن يعيدها مرة أخرى، فإذا كنتم تثبتون له المرة الأولى فما الذي يمنعكم من أن تثبتوا له المرة الثانية؟! قال (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ألستم تعلمون أنه يعلم؟ وأنه يعلم كل شيء؟ سر الخلق والإيجاد هو العلم والقدرة، فإذا اجتمعتا كان الخلق، وإذا كان الرب عنده العلم وعنده القدرة ما الذي يمنع أن يخلقنا ثم يعيدنا ثم يبيدنا ثم يعيدنا ثم يبيدنا، ما الذي يمنع؟! لأن القدرة والعلم موجودان. قال (لَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) يعني يخرج الشيء من ضده، ففي نوع من الشجر يسمى المرخ والعِفار كانت العرب تضرب إحداهما على الآخر فيخرج النار، الشجر أخضر يعني رطب بارد، تخرج منه نار حارة يابسة فأخرج الضدّ من ضده، كذلك أنتم تكونون موتى فيجعلكم أحياء ويخرج الحي من الميت والميت من الحي، ما الذي تستغربونه على الله؟! قال (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ثم يحتج بحجة رابعة وهي خلق السماوات والأرض يا أيها العرب يا أيها المشركون، من الذي خلق السماوات والأرض؟ إجابة واحدة ومتفق عليها هي الله، الآن ما أعجب عقولكم وما أشد سفاهتكم! تثبتون أن الله خلق السماوات والأرض وتجادلون رسول الله في خلقكم أنتم أو في إعادة خلقكم بعد موتكم؟! أين عقولكم؟! قال (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ) قبل قليل جاء بالعلم والآن جاء بالقدرة، هما دليلا الخلق أوالإعادة، قال (بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ثم قال (بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) يعني الذي يخلق بكثرة لا منتهى لها، أيعجزه أن يعيد خلقكم مرة أخرى؟! يعني ربنا في الثانية الواحدة يخلق ما لا يمكن أن يُقادر أو يعلم. قرأ الإمام أمس قول الله عز وجل (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) انظروا لو تحولت كل أشجار الأرض أقلاما (وَالْبَحْرُ) هذا الذي عندنا الذي يساوي 75% من اليابسة (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) يعني مثله سبع مرات (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ما هي كلمات الله؟ هي أوامره ونواهيه وقوله للأشياء كوني فتكون وخلقه وتدبيره لأمر العالم لأن الله يدبر كل هذا سبحانه وتعالى، فهو في كل ثانية يخلق ما لا يمكن أن يطيق العقل تصور الرقم فيه، يعني لو قلنا ما هو أعظم رقم موجود عندنا الآن؟ دعنا نقول تريليون تريليون، هذا شيء لا يكاد يُذكر مما يخلقه الله في الثانية الواحدة، لا يكاد يُذكر ولا شيء، قال (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هذه سورة يس .

سورة الصافات :

وهي أيضا تركز على الإيمان باليوم الآخر وعلى قضايا العقيدة بشكل عام، لكن تبرز شيئا مهمًا وهو سبيل الخلاص من عذاب الله عز وجل، ولذلك يأتي في كل آية أو في كل مقطع من مقاطعها قوله سبحانه وتعالى (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) هذا واضح جدًا في السورة، فالسورة افتتحت بقول الله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) هذا قسم بالملائكة وتسمى هذه السورة سورة الملائكة وهي الصافات، وأقسم الله بها وبيّن أنها من خلقه وأن نسبتها إليه -أي نسبة الولد إليه وأنهن بنات الله – أنها منكرة جدًا، ولذلك جاء التأكيد في آخر السورة على أن ما تدّعيه العرب من أنهن بنات الله، أنه منكر من القول وزور. استمرت السورة تتحدث عن قضايا العقيدة وقضية الإيمان باليوم الآخر بشكل ظاهر، ولولا ضيق الوقت لوقفنا عند كل مقطع من مقاطعها لكن ذكرت فيها قصة نوح وبيّن الله عز وجل فيها فقال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ) كيف خلُص نوح من العذاب بأي شيء؟ ثم قال (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) حتى ذكر نجاته، كيف نجا؟ نجا بالتوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر. ثم ذكر قصة إسماعيل الذبيح مع أبيه وبيّن كيف أن الله سبحانه وتعالى نجاه وفداه بذبح عظيم، قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا هو سبيل الخلاص أن تحسن في عبادتك لله عز وجل (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ). ثم ذكر قصة إسحاق ثم قصة موسى وهارون ثم من بعد ذلك قصة إلياس عليه السلام وعلى نبينا ثم قصة لوط كيف أن الله سبحانه وتعالى نجاه من هؤلاء القوم ثم قصة يونس وهي قصة عجيبة في الخلاص أيضًا كيف أن الله نجّا الأمة كلها لما عادت إلى الله، قال (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) هذا هو سر الخلاص من العقوبة التي حلت بيونس (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) هذا بالنسبة له هو، بالنسبة إلى أمته التي نجت من العذاب قال (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) هذا سر الخلاص من عذاب الله في الدنيا.

ثم ذكر الله عز وجل ما ختمت به السورة من التأكيد على ما نزلت فيه السورة، لكن أحب أن أنبه إلى آية وهي قول الله عز وجل (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) والجنّة هل هم الجنّ؟ هل هناك أحد من العرب جعل بين الله عز وجل وبين الجن نسبا؟ إذا فالجِّنة هنا هي الملائكة، السورة أصلا هنا في الملائكة وتسمى سورة الملائكة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) وهنا قال (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) لماذا سميت جنة لأنها مُجتنة أي خفية مثل الجن، هي خفية لا ترى، قال (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي الملائكة (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا) لا زالوا يتحدثون! (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ)أي مشركو مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) فالسورة كلها تتحدث عن سبيل الخلاص من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة.

سورة ص

نختم بسورة ص وقد افتتحت بالحروف المقطعة وعُظِّم فيها أمر القرآن بقوله (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ) هذه السورة العظيمة أنا أسميها سورة الخصومات لأن الله ذكر فيها أربع خصومات:

الخصومة الأولى خصومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) يعني انظروا كيف يكذب محمد عليكم، يقول أن الآلهة التي تعبد هي آله واحد فقط، والثلاثمائة وستون؟؟؟ ماذا نفعل بهم؟ هؤلاء كلهم آلهة! (أجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) إن هذا الذي يقوله محمد (لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ) ما سمعنا أحد قال الكلام الذي قاله محمد صلى الله عليه وسلم (إنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) هذه الخصومة الأولى.

والخصومة الثانية هي خصومة الخصمين اللذين دخلا على داود عليه الصلاة والسلام وهو يتعبد في محرابه (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) تسوروا عليه المحراب يستفتونه، (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) ما هي الفتنة التي حصلت لداود؟ حَكَم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر وهذه فتنة، لأنه لا يجوز للقاضي أن يحكم لأحد الطرفين حتى يسمع من الطرف الآخر. (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) يعني هذه التي حصلت له فتنة من الله، ماذا فعل؟ ما قال واحدة وتكّفر بعمرة أو غيرها، لا، استغفر به في نفس اللحظة التي اكتشف فيها أنه خالف أمر الله (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) ثم أعطاه الله توجيهًا فقال (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).

ثم ذكر الله الخصومة الثالثة بين المشركين في قوله (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ) هذه الآن خصومة بين أهل النار (قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ) أي في الدنيا (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا) أي سخرنا بهم (أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ) أي القرآن (نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).

ثم ذكر الله الخصومة الرابعة وهي خصومة الملأ الأعلى، أشار إليها إشارة فسّرتها السُنّة (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

ثم ذكر الله الخصومة الخامسة بين إبليس وبين الله عز وجل عندما قال الله له (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) ما الذي منعه؟ الكِبْر (اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) قال الله له (يا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) الله خلقه بيده تكريمًا (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أنا خير منه أنا أسجد لواحد أقل مني؟! لا يمكن! (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) كذب عدو الله! هذا الدليل ليس دالّا على أنه خير منه (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) المُخلصين عاد إلى سورة الصافات، سبحان الله! السور فيها حلقات تربط بينها ربطًا شديدًا بطريقة غاية في العجب، لاحظوا مثلا في سورة فاطر ذكرت قضية الشيطان، في سورة يس ذكرت قضية الشيطان، وقضية الإيمان باليوم الآخر وهكذا في هذه السور. قال (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ ) نعوذ بالله من هذه الحال(مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

شهادة الألسنة والأيدي والأرجل يوم القيامة بين آيتي سورة النور وسورة يس

شهادة الألسنة والأيدي والأرجل يوم القيامة بين آيتي سورة النور وسورة يس
إعداد موقع إسلاميات

 

في سورة النور قال الله تعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢٤﴾) بعد أن ذكر في السورة حديث الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾) فقدّم شهادة الألسن على شهادة الأيدي والأرجل لأن حديث الإفك تناقلته الألسنة وأشاعته بين الناس فناسب أن تشهد هذه الألسن يوم القيامة على أصحابها بما لاكته افتراءً في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها المبرّأة من الله سبحانه وتعالى في قرآن يُتلى إلى يوم الدين.

وفي سورة يس قال الله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾) فختم الله تعالى على الأفواه فلا تتكلم يومئذ ولا تشهد وإنما الذي يشهد عليهم ويتكلم هي أيديهم وأرجلهم. وذكر كلام الأيدي لأن في سورة يس ذكر الله تعالى قصة أصحاب القرية التي أرسل الله تعالى رسولين فكذبوهما وعززهما بثالث فكان رد أصحاب القرية وعداوتهم للرسالة وللمرسلين (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾) والرجم عمل الأيدي لذلك ستتكلم أيديهم يوم القيامة بما اقترفته في حق رسل الله تعالى لهم وكذلك ما اقترفته أيديهم بحق الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ينصر رسل الله تعالى وينصح قومه باتباعهم فما كان منهم إلا أن قتلوه والقتل من عمل الأيدي، فناسب أن تتكلم الأيدي في آية سورة يس ويُختم على الأفواه فلا تتكلم ولا تشهد ولا تدافع! وشهادة الأرجل (وتشهد أرجلهم) تناسب سياق السورة أيضًا لأن أصحاب القرية لا بد وأنهم سعوا بين أهل القرية حتى يمنعوهم عن الإيمان بالرسل واتّباعهم فستشهد عليهم أرجلهم بكل خطوة خطوها بين الناس لتحريضهم على رفض دعوة المرسلين.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
——————
اللهم صُن ألسنتنا عن قول الزو وشهادة الزور والكذب والافتراء واللغو وصُن أيدينا من الحرام ومن القتل والعدوان والأذى وصُن أرجلنا عن السير في معصية أو إلى معصية…
اللهم اجعلنا ممن تشهد لهم جوارحهم يوم القيامة واستر ما اقترفناه على أنفسنا مما علمتَ ولا تخزنا يوم العرض ولا تهتك لنا سترًا سترته علينا في الدنيا يا ستّير…
صفحة إسلاميات

طريق الهداية – الحلقة 9 – قراءة سورة يس على الميت

بدأت الحلقة بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم تلاها الشيخ عبد الله السعدي (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) النساء) و (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء)

نستكمل حلقات الموت ويفتتح المقدم الحلقة بسؤال الدكتور هداية عن صحة الحديث حول قراءة سورة يس على الميت .

يجب ان تعلم الأمة وكل مسلم ما هو اسلامه، ونقول إذا دخل انسان ما في الاسلام نطلب منه أولاً أن ينطق بالشهادتين ثم يسألنا من أين يستقي الدين؟ وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أنه  يجب على الأمة أن تتّبع هذا الرجل العظيم محمد. في الصلاة تكلم عنها وشرحها وما فاته أن يقول لأمّته “صلّوا كما رأيتموني أصلّي” فالذي يُسلم اليوم أصبح مكلفاً أن يصلي كصلاة الرسول. وكذلك في الحج قال صلى الله عليه وسلم “خذوا عني مناسككم” وقال صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسُنّتي” وما فعله اليهود وغير المسلمين ممن يتربصون بالاسلام وما فعلوه في السنّة حاولوا أن يفعلوه بالقرآن فأرادوا أن يقسّموه ويجعلوا المسلمين يحبون سورة أكثر من سورة وهدفهم تضييع الدين وإخراج الاسلام عن القرآن والسنّة ولمّا كان الله تعالى قد حفط القرآن الكريم  كما قال في سورة الحجر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) توجهوا بكامل قوتهم إلى السنّة وبدأوا يضعون وينسبون إلى الرسول الكريم أحاديث متعددة ويدخلوا في سند الروايات ويخلطوا بينها أو يحرّفوا فيها. والأمّة معذورة فهي تسمع وتطبّق وحديث قراءة سورة يس على الميت هو أحد هذه المحاولات لتضعيف السنّة النبوية المطهرة.

وللرد على مثل هذه الأحاديث نقول أننا نحب القرآن كله والرسول الكريم أخبرنا :” خيركم الحالّ المرتحل” أي الذي يبدأ بقرآءة القرآن من الفاتحة ويختم بالفاتحة ولا يقف عند سورة الناس فقط وإنما يبدأ من جديد بقرآءة الفاتحة وبداية سورة البقرة. وهنا أشدد على أن الموضوع ليس فقط في صحة حديث قراءة يس وإنما هو أكبر من ذلك وهذه الظاهرة تنتشر وواجب كل داعية أن يبيّن للناس الأحاديث الصحيحية والضعيفة والموضوعة وأدعو كل من يخالفنا الرأي أو يرى غير قولنا أن يتصل بنا ويوضح لنا خطأنا ويقدّم لنا الصواب وعلينا أن لا نقدّم للأمة إلا ما لا يخالف صحيح السنّة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من تقوّل علي فليتبوأ مقعده من النار” نحن والحمد لله عاهدنا الله تعالى منذ عام 1979 أن لا نقول على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الصحيح من الأحاديث ونتحرّاها.

وقد تحرينا عن تفسير الشيخ عبد الجليل باشراف أكبر علماء الأمة الشيخ الشعراوي رحمه الله والشيخ الغزالي في بعض الأحيان وبحثنا في السند والرواية وفي الاصل والفصل وصحة الاحاديث او ضعفها أو كونها موضوعة، وللأسف وجدنا أن حوالي 80% من الأحاديث المتداولة بين الناس غير صحيحة. ونحن عندما تكلمنا عن موضوع الموت قلنا أننا نسمع الناس يقرأون سورة يس على الميت وعلينا أن نأخذ الناس بروية ونحاول أن نصحح ما استقر في الأمة منذ سنوات وهذا يستغرق وقتاً وهنا يصادفنا نوعان من الناس صنف يُسلّم فوراً ويستغفر الله تعالى ويستدرك ما يقول فيرجع إلى الله تعالى وصنف آخر لا يُسلّم بل يكابر وهذه ليست من صفات المسلم الحقّ وهنا أذكّركم واذكّر نفسي أنه حينما أمر الله تعالى رسوله بالصلاة (وكانت خمسين ركعة أولاً) قال سمعنا وأطعنا حتى لمّا صارت خمسة لم يسأل الرسول لماذا؟ إذن من صفات المسلم الحقّ أن يُسلّم للحق والاعتراف بالخطأ فضيلة والمسلم ليس من صفاته المكابرة.

نعود لقرآءة سورة يس عند الميت:

لم يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نستند إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي قضى عمره في علم اسمه الجرح والتعديل وهو علم يتعلق برواة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الالباني عن بعض الرواة : ثقاة أو كذاب أو منكر للحديث، وقد جمع الشيخ الالباني الاحاديث في سلسلتين سلسلة الاحاديث الصحيحة وسلسلة الاحاديث الموضوعة والضعيفة جمع فيها كل الاحاديث كما كتب فيها عِلّة ضعف الحديث.

وعنوان مجلدات سلسلة الاحاديث الموضوعة والضعيفة هو سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمّة وفي المجلد الأول من طبعة مكتبة المعارف ورد في الحديث رقم 169 صفحة 12: “إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرّات” وجاء في توصيف الحديث: موضوع، أخرجه الترمذي (4/26) والدارمي (3/406) من طريق حميد ابن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون ابن محمد عن مقاتل  بن حيان عن قتادة عن أنس مرفوعاً وقال الترمذي حسن غريب. وهارون ابن محمد مجهول وفي الباب عن أبي بكر وهذا ضعيف وفي الباب عن أبي هريرة قلت (أي الالباني) حديث غريب ليس في نقله أنه حسّنه فالحديث ضعيف بل هو ظهر الضعف من أجل (هارون) وقيل حديث باطل لا أصل له. وقال الألباني: والحديث مما شان به السيوطي في جامعه والشيخ الصابوني في مختصره الذي زعم أنه لا يذكر فيه إلا الصحيح وهيهات. وهذا القول يُظهر مدى حزن الالباني من السيوطي لنسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم. نحن نحبّ القرآن كله وسورة يس كذلك لكننا لا ننسب الى الرسول ما لم يقله. وهدف ذكر هذا الحديث يُعيد للأذهان قضية خلق القرآن في عصر ابن حنبل والشافعي والقول أن يس قلب القرآن تُدخل في موضوع إن كان للقرآن قلب فهو مخلوق والمخلوق يموت والى ما هناك من ما عُرف بفتنة خلق القرآن.

وفي المجلد الثالث من نفس السلسسة ورد الحديث برواية أخرى (والحديث له أكثر من رواية ومتن)  حديث رقم 1246 :” من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفّف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات (موضوع) أخرجه الثعلبي مرفوعاً قلت (أي الألباني) هذا اسناد مظلم هالك مسلسل بالعِلل. ولم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أبو عبيدة قال ابن معين مجهول.

أيوب بن مدرك متفق على ضعفه وتركه (بل كذّاب)

قلت (أي الألباني) فهو آفة هذا الحديث (أي أبو أيوب).

وإذا نظرنا في متن الحديث أي نصّه نجد أنه قال: فقرأ سورة يس خفّف عنهم  لم يرِد في الحديث قوله خُفّف عنه وإنما قال خَفّف عنهم،  فمن الذي خفّف عنهم؟ القارئ للسورة ؟ وأين الله تعالى؟؟!! فالمتن نفسه فيه خطأ كبير. ثم كفانا أن الحديث فيه كذّاب ومجهول.

نقول للناس أن الموت أيسر مما يظن الناس وهو مكتوب على كل مخلوق لكن علينا أن نفتح شُعَب الايمان عندنا.

ونستعرض حديثاً آخر في سلسلة الألباني للأحاديث الضعيفة ففي المجلد 11 حديث رقم 5219 يقول: ” ما من ميّت يموت فيُقرأ عنه سورة يس إلا هوّن الله عزّ وجلّ عليه (موضوع) وهذا أشهر حديث. آفته مروان هذا الذي وُصِف بأنه يضع الحديث، كذّاب، منكر الحديث. وحتى يُلبّس الحديث على السامع فيقول: “فكان المشيخة يقولون” وهذا اعتراف بكذبه. والمشيخة ليس بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن هم المشيخة؟ يقول الألباني : فمن الواضح أنهم من التابعين ولو أنهم أسندوا لكان اسنادهم حسن عندي.

وعليه نقول أنه لا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مسألة قراءة سورة يس عند الميت.

ونحن لسنا ضد قراءة سورة يس لكننا لا يجب أن ننسب للرسول ما لم يقله. ولا يجب أن نفضّل بعض القرآن على بعض أو نأخذ بعضه ونترك بعض لأن هذا ليس من الاسلام (الذين جعلوا القرآن عضين). ونقول أحِبّ ما شئت لكن لا تتقوّل على الرسول. وقد سألني احدهم مرة ما رأيك في سورة الاخلاص؟ ألم يقل الرسول أنها تعدل ثلث القرآن؟ أقول أن آيات القرآن الكريم وسوره تكلمت في ثلاث محاور رئيسية وهي التوحيد والبعث وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بالاضافة إلى محاور وأركان أخرى تدخل تحت هذه المحاور الرئيسية، وسورة الاخلاص تعدل ثلث القرآن من حيث أنها تتحدث عن التوحيد وهو محور من المحاور الثلاث التي ذكرناها. لكن هل لو قرأنا سورة الاخلاص ثلاث مرات آخذ ثواب من قرأ عشرة أجزاء من القرآن؟ بالطبع لا لأن كل حرف في القرآن حسنة لا أقول الم حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنه يؤكد فقه وعلم الأحرف المقطّعة في القرآن والتي دار عليها الكثير من النقاش بين المفسرين، وكأنه يؤكد لنا صلى الله عله وسلم أنه لا يتكلم إلا بتأصيل من القرآن وسنعرض إن شاء الله تعالى في الحلقات القادمة عن الأحرف المقطعة في القرآن.

وللأسف أن بعض الناس يتقولون على الرسول وعلى القرآن وقد ضيّعوا المسلمين فمنهم من يقول أنه يقرأ سورة يس بالمقلوب إن أراد أن يدعو على أحدهم فأين الاسلام وأين التسامح ومن أخطأ معنا نقول له سامحك الله لكن هل من الدين قراءة سورة يس لندعو بها على غيرنا من المسلمين؟

علينا أن نقرأ يس بمنتهى الحب لأنها سورة من سور القرآن ولا نفضل سورة على سورة ولا نحتج أن الله تعالى فضّل سورة الفاتحة في الحديث القدسي : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي. وجعل الفاتحة هي الصلاة لكننا نرد على المتسائلين أن الله هو الذي فضّل الفاتحة وليس لنا أن نفضّل نحن بعضاً من القرآن على بعض.

وسيسأل الناس إذا لم نقرأ سورة يس عند الميت فماذا نفعل؟ أقول لنفرض أن أحد الناس الصالحين مات ولم يكن حوله سوى بعض النساء الأميات اللاتي لا يحفظن القرآن  ولا يقرأنه فهل يضيع هذا الميت؟ بالطبع لا.

وعلينا أن نعود إلى كنه الموت وندرك أنه السبيل الوحيد للانتقال إلى الدار الآخرة فعلينا أن يستقر هذا الأمر في نفوسنا ونتعامل مع الموت على أنه الوحيد الذي ينقلني إلى الآخرة وإلى لقاء الله تعالى. ولو لم يوجد الموت لما استطاع أي انسان أن يلقى الله عز وجلّ. وليس هناك علاقة أبداً بين حب الموت وحب لقاء الله تعالى، وعلينا أن نحب الموت لأنه هو الذي سيجعلني ألقى الله تعالى ولقاء الله عز وجل لا يكون إلا بعد الموت فمن كرِه الموت ليس له علاقة بلقاء الله تعالى. وفي الحديث الشريف في رواية مسلم: ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ولقاء الله بعد الموت” والواقع أنه لو كرِه أحدنا الموت فهو لا يكرهه لذاته ولكن يكره الحساب والعذاب الذي يذكره البعض في الاحاديث.

فيجب أن نسلّم بالموت والله تعالى هو الذي قضى الموت والحياة وقد تقدّم ذكر الموت على الحياة في سورة الملك (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) والحياة في القرآن حياتين الحياة الدنيا والآخرة أي الحيوان والسبيل للحياة الآخرة هو الموت. فلنتخيل أنه لا يوجد موت والناس موجودون من عهد آدم وقد قال أحد الفلاسفة أنه لو لم يوجد موت والبشرية موجودة منذ آدم كان سيكون هناك من العقلاء من يقوم باختيار مجموعة من الناس ليقضوا عليهم . والمولى تعالى لا يُسئل عما يفعل فيجب أن يكون رضانا بتسليم ولننظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهل نحزن على أحد بعده لو كنا مسلمين بحقّ؟ وفي القرآن قال تعالى أن محمداً سيد الخلق ميّت (إنك ميت وإنهم لميتون) والتسليم عبارة عن عقل وتدبر وفقه لأنه هل حدث أن استطاع أحد أن يمنع مخلوقاً من الموت؟ ليس أمامنا إلا التسليم ونُقبل على الأمر بالاستعداد للموت فالموت هو أشد جنود الله تعالى. ومن أشد جنود الله الجبال الرواسي ولفط الجبال في القرآن يدل على الشّدة والقوة لتثبيت الأرض بقدرته تعالى وقد جاء في القرآن الكريم (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) فالقرآن الذي حمل إلينا قضية الموت والحياة لو أنزله الله تعالى على الجبل أو على الإنسان يخشعوا ويخضعوا لأن من صفات المؤمن التسليم والخضوع (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم).

أشد جنود الله الجبال الراسية والحديد يقطع الجبال والنار تُذيب الحديد والماء تطفئ النار والسحاب يحمل الماء والريح أو الهواء يقطع السحاب وابن آدم يغلب الرياح والسُكر يغلب ابن آدم والنوم يغلب السُكر والموت يغلب النوم فأقوى جنود الله هو الموت لأنه لا يمكن لأحد أن يمنعه.

فعلينا أن نأخذ حكمة وعلى كل مسلم يجب أن يدخل في قلبه شوقه للقاء الله تعالى والجنة والذي سيوصلني للقاء الله تعالى هو الموت فلا يجب علي أن أكره الموت ويجب أن يكون حضور الميت آية لي ودرساً ويجب أن أبحث عن عمل يقرّبني إلى الله تعالى. ونحن إن قلنا لا تقرأوا يس على موتاكم لأنه لا حديث صحيح في ذلك نقول للناس بنصّ الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بسورة تدافع عن صاحبها وهي سورة المُلك لو قرأها الإنسان كل يوم وفهمها وعرف معناها يكون صاحبها وتدافع عنه.

وعلينا أن نقرأ القرآن بالترتيب من الفاتحة إلى الفاتحة و نقف عند سورة الناس وكما قلنا سابقاً :” خيركم الحالّ المرتحل” وسلّموا للموت أنه مخلوق وينام على فراشه كل المخلوقات فعلينا الاستعداد للموت وتوطين أنفسنا على لقاء الله تعالى واعملوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة : ” اعملوا فما أُغني عنكم من الله شيئاً لن يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من أبطأ به عمله  لم يُسرع به نسبه”. فلا يقول أحدكم أبي شيخ أو غيره ونضرب مثلاً عندما دخل الرسول عليه الصلاة والسلام على شاب يحتضر فسأله كيف تجدك؟ قال أطمع برحمة ربي لكني أخاف ذنوبي قال له الرسول ما اجتمعا في قلب عبد إلا غفر الله له. فيجب علينا أن نكون بين الخوف والرجاء فالموت واجب على كل انسان والرضى بموت العزيز أو الحبيب أو الصديق أو الزوج والصبر عليه هو المطلوب لأن ليس هناك ميت أغلى من رسول الله  وهذا منتهى التسليم لله رب العالمين. وإذا عدنا إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام نجد أنه ما قرأ سورة يس على أحد مات من المسلمين و الصحابة ونحن كمسلمين يجب أن نأخذ السُنّة من الرسول الكريم ونتمسّك باتّباع السُنّة وصحيحها.

أسئلة المشاهدين:

السؤال الأول: إحدى المشاهدات تتساءل عن الاختلاف في الفتاوى بين العلماء وكيف يمكن لنا أن نميّز بين هذه الفتاوى وممن نأخذ خاصة أن لغتنا العربية ضعيفة مما لا يساعدنا في الرجوع لكتب التفاسير وفهم ما جاء فيها؟

يجيب الدكتور هداية أن اختلاف العلماء وارد فيما لا نصّ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويضيف أن أعباء الدعاة كثيرة لأن الناس يتقبلون من الدعاة ما يقولونه على علّته وقد يكون الكثير من هذا الكلام خطأ أصلاً. فنسمع مثلاً من يقول أن الرسول لم يفسّر القرآن ونردّ عل هؤلاء أنه عليه الصلاة والسلام فسّر القرآن بما كان مناسباً ومتاحاً لقومه آنذاك ففسّر آيات وترك آيات منها الآيات الكونية والعلمية وسيأتي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يحاول أن يفهم النصّ لكن لا نقول أن الرسول لم يفسّر القرآن. وللأسف أن من العلماء من يخالف غيره لرغبة أو هوى في نفسه والواجب أن يعمل الدعاة جميعاً ويدعون لله تبارك وتعالى وليس لأنفسهم ويجب عليهم أن يستوعبوا السؤال والسائل وهدفه من السؤال وغيره من الأمور التي تؤثّر على الإجابة وبالتأكيد أن الاختلاف باق إلى يوم الدين.

أما بالنسبة للأخت السائلة فبإمكانها أن تذهب إلى أحد المساجد القريبة منها ويكون فيه أحد المشايخ والدعاة المحترمين والخير في الأمة كثير وتأخذ برأي هذا الشيخ باستمرار وهو الذي يكون موضع ثقة بالنسبة لها. ولا ننسى أن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، والخلاف يكون في الأمور المشتبهات هذه.

السؤال الثاني: سألت إحدى المشاهدات عن الحديث الشريف:” طلعت في النار فرأيت أكثر أهلها نساء وطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها فقراء” فلمّا سُئل الرسول لماذا أجاب لأنهن يُكثِرن اللعن ويكفُرن العشير. فما معنى هذا الحديث؟

يجيب الدكتور هداية أن هذا الحديث ليس تقريراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو تحذير للنساء حتى يتجنبن النار. ولم يقل في الحديث نساء المؤمنين وإنما قال النساء عامة وسنعرض إن شاء الله لهذا الموضوع في حديثنا عن الجنة في الحلقات القادمة. وأقول بنصّ حديث رسول الله: لو أن المرأة صامت شهرها وحفظت فرجها وصلّت خمسها قيل لها يوم القيامة ادخلي من أي باب من أبواب الجنة الثمانية شئتِ، فلا يمكن أن تكون المرأة الصالحة العابدة في النار. ثم إن ما جاء في الحديث عن إكثار اللعن وكُفران العشير لأنه كانت من عادة النساء عند العرب إذا أغضبها زوجها مرة بعد أن كان يٌحسن معاملتها تنسى كل إحسانه وتغضب منه وهذا يؤكّده علماء النفس أيضاً.

وعلينا أن نتنبّه إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى” وكلمة رجل هنا تعني الرجل والمرأة وعليه. وقد سألتني إحدى الأخوات مرة عل تقول في الدعاء اللهم إني عبدك أو إني أمتك؟ فقلت لها نقول الدعاء بنصّه لأن كلمة عبد تشمل الذكر والأنثى فالنساء من حيث التوصيف المُطلق “عبد” فلا نغيّر بنصّ الدعاء. وقد وردت كلمة عبد وعباد في القرآن ويُقصد بها الذكر والأنثى كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا) وكل وصف في القرآن للمؤمنين إذا لم تُذكر المؤمنات تدخل النساء ضمن لفظ المؤمنين. والنساء هم الزوجة والأم والأخت والابنة والمرأة عليها عبء إصلاح الأمة في المرحلة المقبلة لأنها مسؤولة عن النشئ.

 أما في قصة الفقراء يوجد حديث آخر موضوع أن أكثر أهل الجنة البُله. وهذا حديث موضوع.

السؤال الثالث: سألت متصلة عن الكتيّبات الصغيرة التي توزع عن روح الميّت وفيها بعض سور القرآن مثل يس والدخان والملك والكهف. وسألت عن صحة الحديث أن سورة الرحمن عروس القرآن. ثم سألت هل شعور الإنسان المصلِّي الملتزم بوجود الموت دائماً هو علامة جيدة؟

أجاب الدكتور أن على المسلم أن يضع الموت بين عينيه وهذا أفضل شيء للمؤمن وهو علامة إيمان وتسليم. ويقول أن الرجل الذي يسكر ويزني يخاف من الموت أيضاً لكن الشيطان يزيّن له أعماله وعلينا أن نستحضر الموت خاصة عند الموت ونتأسّى بالرسول صلى الله عليه وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الذي كان ينام متوضأً وعلى جنبه الأيمن ثم يدعو بالدعاء التالي: “بسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.” وهذا الدعاء أصله ما جاء في قوله تعالى في القرآن الكريم (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزُمر) لأن الرسول لم يكن يتكلم إلا بتأصيل من القرآن والحديث القدسي عن الله تعالى. وكان عليه الصلاة والسلام يدخل للنوم وهو مسلّم بقضاء الله تعالى (إما أن تًردّ الروح وإما أن تُقبض)، فإذا أردنا النجاة في ذلك اليوم علينا أن نتأسّى بالرسول صلى الله عليه وسلم.

أما فيما يتعلق بالحديث عن سورة الرحمن أنها عروس القرآن فهذا أيضاً حديث غير صحيح . وأقول وأنبّه أن آفة هذه الأمة هي في هذه الكتيّبات الصغيرة لأنها تجتزئ من القرآن بعض السور وتترك البعض الآخر. ولو أردنا أن نوزّع الكتيبات فلتكن كتب علم صغيرة بدل تلك التي تجتزئ من القرآن.

دعاء ختام الحلقة من الشيخ عبد الله السعدي:

لا إله إلا الله عدد ما مشى فوق السموات والأراضين ودرج والحمد لله الذي بيده مفاتيح الفرج يا فزعنا إذا غُلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب وحيل بيننا وبين الأهل والأحباب. يا سيدي قد وجدتك رحيماً فكيف لا أرجوك ووجدتك ضامراً معيناً فكيف لا أدعوك. من لي إذا قطعتني ومن ذا الذي يضُرّني إذا نفعتني ومن ذا الذي يعذّبني إذا رحمتني ومن ذا الذي يَقربني بسوء إذا نجّيتني ومن ذا الذي يُمرضني إذا عافيتني ومن ذا الذي يُقرّبني إذا أبعدتني. يا مسهّل الشديد ويا مُدوّن الحديث ويا من هو كل يوم في أمر جديد أَخرِجنا من حِلَق الضيق إلى أوسع الطريق. بك ندفع ما نُطيق وما لا نُطيق، اللهم ارحمنا إذا غسّلنا أهلونا وكفّنونا وحملونا على الأعناق ووارونا التراب، اللهم ارحم ميّتنا بالقبور، اللهم ثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم ارحمنا رحمة واسعة تغنينا بها عن رحمة من سواك. اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا ، اللهم ارحمنا رحمة شاملة وتب علينا توبة نصوحا، اللهم فاقبل توبتنا وامح حوبتنا واغفر زلّتنا واستر عيوبنا. يا كريم، يا كيبراً فوق كل كبير صلّ على البشير النذير وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وقفات تدبرية رمضان 1442هـ-/ أ سمر الأرناؤوط

“زاد الدعاة من سورة يس إلى سورة الزمر”

 

🔹سورة يس سورة الرسل والدعاة وتبليغ الرسالة مهما بدت الظروف صعبة وطرق الوصول إلى عقول وقلوب الناس مغلقة مظلمة لا بد من شعلة الدعوة أن تبقى مضاءة يحملها كل مؤمن داعيا إلى الله بمنهج رسل الله حاملا أمانة الرسالة حريصا على المدعوين مخلصا لله زاده إيمان ويقين بعظمة الله تعالى من خلال آياته في الكون ويقين بالبعث والحساب.

📮رسالة السورة: إنذار للمعاندين الرافضين أن مسيرة الدعوة إلى الحق مستمرة إلى يوم القيامة لن تتوقف لمجرد عنادكم سواء قبلتموها أم لم تقبلوا، إن قبلتم أنقذتم أنفسكم من العذاب وإن أصررتم على عنادكم فصيحة واحدة فقط كفيلة أن تهلككم فتصبحوا خامدين ثم تحضرون للحساب ولا ترجعون.

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة يس

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في هذا اليوم السادس من شهر رمضان من عام 1432هـ وهذه هي الحلقة السادسة من حلقات برنامجكم التفسير المباشر، والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من الرياض، وسوف نتحدث بإذن الله تعالى حول سورة عظيمة من سور القرآن الكريم وهي سورة يس، باسمكم جمعيا أيها الأخوة أرحب بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود. حياكم الله دكتور محمد

د. محمد: حياكم الله وحي الله الأخوة المستمعون والمستمعات، ونسأل الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل.

د. الشهري: سورة يس دكتور محمد هي موضوعنا في هذه الحلقة إن شاء الله، وتعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة

د. محمد: بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه  السورة اسمها يس وهو الاسم المشهور للسورة  وهو الذي ذكره البخاري وغيره من أئمة السنة في كتبهم في كتاب التفسير، لكن وردت بعض الأسماء الأخرى كما ذكره البقاعي: حيث ذكر أسماء مثلا: سورة القلب وسماها الدافعة والقاضية والمُعمّة وهذه الأسماء الأربعة وردت فيها آثار ولكن كلها ضعيفة بل عدوها من الموضوعات، الأسماء الثلاثة غير القلب ورد فيها حديث عن عائشة رضي الله عنه، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأما القلب فورد فيها أثر كذلك وورد مرفوعاً:  (إن لكل شيء قلب، وإن قلب القرآن يس)  لكن هذا الأثر ضعيف، إذن الاسم المشهور هو يس، لكن الطاهر بن عاشور في التحرير ذكر قال: اطلع على مصحف طبع في حدود الألف ويظهر أنه في بلاد العجم، قال سموها سورة حبيب النجار، وحبيب النجار هو الرجل المؤمن الذي سيأتي ذكره في السورة، قال والعجيب في هذا المصحف جميع الأسماء كما هي المأثورة  في المصاحف الأخرى إلا هذه السورة والتين سموها سورة الزيتون. وهذا هو ما يتعلق باسم السورة.

د. الشهري: لفت نظري إلى مسألة دكتور محمد في تسميات السور من المصادر التي يمكن أن يتعرف من خلالها الباحث على أسماء السور هي مخطوطات المصاحف القديمة، وأذكر للدكتورة منيرة الدوسري كتابها أسماء القرآن  كان من مزايا بحثها أسماء سور القرآن وفضائله، من مزايا بحثها أنها رجعت إلى بعض المخطوطات في المصاحف القديمة، حتى تتأكد أن هذا الاسم موجود في مصاحف قديمة وليس فقط في الآثار.  يمكن أن نقول أنه اسم توقيفي ما دام لم يعرف لها وما اشتهر لها إلا هذا الاسم فهو اسم توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، هل ورد في فضل سورة يس أحاديث؟ ولا سيما أن هنا سائل يسأل عن هذا الموضوع ويقول أومن الخلال الحديث عن فضائل السورة هل يمكن التنبيه على حديث ( اقرؤوا يس على موتاكم) يقول وهو منتشر بين العامة.

د. محمد: ذُكر هذا الحديث (اقرؤوا يس على موتاكم “) وفي حديث آخر في نفس المعنى:  ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه) هذه الأحاديث وردت لكنها حقيقة ضعيفة، ضعفها العلماء وذكروا في سندها ضعفاً ولذلك فهي من الأحاديث الضعيفة التي لا يعتد بها، كذلك ورد أحاديث أخرى.

د. الشهري: كيف يمكن يا دكتور محمد عندما يقول قائل وهذا منتشر يقولون العلماء كانوا يتساهلون في رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل وفيما ليس من العبادات، فكيف يجاب عن مثل هذا؟؟

د. محمد: نجيب بأن هذه الشريعة كاملة تامة والمفروض الاقتصار على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انفتح هذا الباب قد ينفتح باب واسع وخطير ويلحق بالشريعة ما ليس منها، ونحن نعرب أن باب الوضع في الحديث باب دخل منه الزنادقة والمبغضين لهذا الدين  وضعت الأحاديث، وربما جاءتنا أحاديث في ذكر فضائل الأمور لا تصح ولا تثبت، وربما تسلقت عليه بعض الفرق لذلك نقول الاقتصار على ما ثبت وصح سنده هو المنهج الصحيح وفيه الكفاية. بقي نشير من ناحية الفضائل في حديث آخر عن أبي هريرة:  (من قرأ يس في ليلة  ابتغاء وجه الله أصبح مغفورا له) والعجيب أن ابن كثير -رحمه الله-  في تفسيره ذكر الحديث وقال إسناده جيد، لكن من علق على التفسير ذكر في سنده من هو متهم بالوضع، ولذلك ابن كثير نفسه بعد قليل رجع وقال لم يثبت في فضائل هذه السورة شيء.

د. الشهري: تعليق على كلامك دكتور محمد قبل قليل: من أوسع الأبواب التي وضعت فيها الأحاديث أبواب فضائل السور، وأذكر ابن أبي مريم هو الذي وضع هذه الأحاديث التي انتشرت وللأسف في كتب التفسير، ( من قرأ كذا فله كذا) وعندما قيل له في ذلك، قال رأيت الناس قد أعرضوا عن التفسير والقرآن واشتغلوا بمغازي ابن إسحاق ونحوه، فأردت أن أضع لهم أحاديث في فضائل السور.

د. محمد: على ما قلت ينبغي على الإنسان أن ينتبه على هذا الموضوع خصوصا من علق على فضائل السور، فكثير من الفضائل  التي تذكر في كتب التفسير هي من الموضوعات التي أشرت إليها.

د. الشهري: متى نزلت سورة يس؟

د. محمد: سورة يس نزلت في مكة، حتى قال المفسرون والقرطبي يكاد يكون هذا بالإجماع، ليس فيه خلاف إلا أنهم تكلموا عن آية، وهي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12}  فقد ذكر بعضهم أنها نزلت في المدينة لماذا؟ قالوا لأنه ورد في الحديث الصحيح في مسلم وفي غيره أن بني سلمة لما أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (( يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم  دياركم)) ولذلك بعد ذلك تراجعوا، يعني الزموا دياركم على الإغراء، ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فبعضهم قال أنها نزلت في المدينة، قال ابن كثير وغيره: الصحيح أنها جاءت من باب الاستشهاد والاستدلال، وليس أنها نزلت في ذلك الوقت، ولذلك يبقى أن السورة بكاملها مكية.

د. الشهري: وسوف يأتي من الموضوعات التي  نتحدث عنها ما يؤيد هذا، القضايا التي اشتملت عليها سورة يس وقبل القضايا ليتك تسلط الضوء على محور السورة أو موضوعها الأساسي إن كان هناك.

د. محمد: محور السورة هو موضوع تقرير قضايا العقيدة وهي القضية الأساس في السور المكية،  والأمور والقضايا التي تعرضت لها السورة هي ثلاث قضايا رئيسة وردت في ثنايا السورة في أولها وفي وسطها وفي آخرها، بل العجيب أن هذه المسائل الثلاث  جاءت في آخرها تبعا ملخصة، هذه المسائل الثلاث:

المسألة الأولى: صدق الرسالة { يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.

الموضوع الثاني: هو موضع توحيد الألوهية والنهي عن الشرك، وقد جاء في مطلعها وفي وسطها وفي قصة أصاب القرية، فجاء كثيرا في هذه السورة.

الموضوع الثالث: موضوع إثبات البعث بعد الموت، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} ثم سوق الأدلة جاءت في عدة مواضع، ذكرت السورة مشاهد عظيمة من مشاهد القيامة وفي نهايتها ساقت ثلاث أدلة على إثبات البعث، خلف بعض من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا …}

د. الشهري: نأخذ السورة من أولها المقطع الأول من الآية الأولى {يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2}  إلى الآية 12 {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12}  ما هي الحكمة؟  هناك من يسأل : يس هل هو اسم للنبي صلى الله عليه وسلم أم هي حروف مقطعة مثل كهيعص؟

د. محمد: بالنسبة لـ(يس) افتتاح السورة، القول المشهور عند أهل العلم وهو الصحيح أنها من الحروف المقطعة يس، فهي من الحروف المقطعة التي ابتدأت بها عدد 29 من سور القرآن، السورة، وطبعاً الحروف المقطعة معروف أقوال العلماء فيها:

  • من العلماء من يرى أنها من المتشابه وقال نكل علمها إلى الله ولا ندخل في تفسيرها.
  • ومن العلماء من ذكر لها معنى وهذا هو الصحيح والله أعلم ثم اختلفواإلى أقوال كثيرة جدا لكن من أشهر الأقوال وهو الذي يؤيده كثير من العلماء والمفسرين أنها جاءت للتحدي والإعجاز،أن هذا القرآن الذي جاءكم به محمد هو من جنس هذه الحروف التي تعرفونها فاتوا بمثله، وكذلك ممكن أن نضيف إليه قول آخر جميل ذكره بعض المؤلفين في علوم القرآن أن فيها نوع من الإثارة، إثارةأن العرب يؤثر فيهم الكلام الفصيح القوي، فلما يسمع هذا الترتيب فيثير انتباهه فيستمع إليه فيستمع لما بعده، فكأنها نوع من الإثارة، وهذه الإثارة حتى الآن بعض الفصحاء من الناس يستخدمها فيحاول في بداية حديثه أن يدخل بمدخل مثير ليثير انتباه السامع، ففيها نوع من الإثارة.

د. الشهري:  قد تدخل تحت براعة الاستهلال بوجه من الوجوه

د. محمد: نعم براعة الاستهلال، طبعا يدخل تحت هذا القول أن الحروف المقطعة منهم من قال أنها:  يس قسم ومنهم من قال أنها اسم للسورة، منهم من قال اسم للقرآن، فهذه الأقوال تشترك يس مع غيرها من السور لكن هناك أشياء خصت بها، منهم من قال يس اسم للنبي صلى الله عليه وسلم واستشهدوا ببيت من الشعر، لكن هذا البيت في الحقيقة رده العلماء ويقال أنه منسوب لأحد الرافضة وأنه ليس صحيحا أنها اسم للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أنها اسم للقرآن ومنهم من يقول يس بمعنى يا إنسان أو يا رجل وهذا طبعا على لغة من يرى بعض اللغات، بعضهم يقول بلغة الحبشة هذا المشهور في كلمة يس. بعد ذلك  يأتي القسم { وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } يقسم الله تعالى بالقرآن ويصف هذا القرآن بأنه حكيم، والحكيم في الأصل هي صفة رجل، يقال هذا رجل حكيم، لكن وصف هذا القرآن بالحكيم لما فيه من الحكمة العظيمة في دلالاته وفي آياته وما جاء به من العلم العظيم، ثم يأتي جواب القسم الذي هو أحد مواضيع السورة الرئيسة {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3} هذا هو جواب القسم، ثم يبين منهج الرسول {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}على ماذا؟ {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {4} هذا بيان واستقامة وصحة منهج هذه الرسالة. ثم قال  {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ {5}  تنزيل منصوبة على المصدر، وفي قراءة تنزيلُ خبر للمبتدأ ( هو تنزيل) لماذا هذا؟ قال: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6} هذا الإنزال والإرسال {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6}الذين هم كفار قريش والعرب و ليس المقصود لم يبلغهم دينهم ولكن ما جاءتهم رسالة خاصة

د. الشهري وهذا لعله يكون جواب لسؤال أحد الإخوة هنا: {مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ}  هل هي نافية أو موصولة؟

د: محمد: هي نافية لم تأت الرسالة خاصة لكن لا تعني ليس لديهم علم بالرسالات،هو موجد وخاصة رسالة إبراهيم وموسى وعيسى لكن لم يأتهم رسالة خاصة. ثم الله يقول {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} يبين الله تعالى قضاؤه الذي قضاه على كثير منهم إنهم لا يؤمنون وهذا جزاء إعراضهم وبعدهم عن شرع الله وعن منهج الله، كما قال تعالى عن اليهود {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}  فالإنسان حينما يأتيه الهدى ويعرف أنه حق ثم يتنكر له يكون جزاؤه من الله أن يضله ويكتب عليه الشقاء ولذلك وصف حالهم فقال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ {8}جعل الله سبحانه وتعالى مثل حاله  في صدهم عن الهدى فيمن جعل في عنقه غلا ، ويقول العلماء الغل  ليس في العنق فقط وإنما في العنق واليد، ويقدرون (وأيديهم) مثل قوله تعالى  { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } قالوا والتقدير والبرد لكن ليفهم هذا. هنا قال {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ}  وفي أيديهم: {أَغْلاَلاً  فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ}  الأيدي مشدودة إلى الرقبة. {فَهُم مُّقْمَحُونَ}  قال العلماء المقمح هو الذي رفع رأسه وشخص ببصره، رفع رأسه، فهم مقمحون من هذه الأغلال، وفي قوله تعالى {فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ}هي الظاهر أنها تعود إلى الأغلال، هذه الأغلال إلى الأذقان، ومن العلماء من قال هي تعود إلى الأيدي، فأيديهم إلى الأذقان، هذه الأغلال إلى الأذقان وأيديهم أيضاً مغلولة مع أيديهم. ثم شرح مزيداً من حالهم {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9} من بين أيديهم يعني من أمامهم ومن خلفهم سدا، هذا تصوير للحالة التي وصلوا إليها من الإعراض، وحقيقة هذه الحالة -سبحان الله- تجدها في واقع الحياة في حال كثير من الناس، يرى الحق أمامه و لكنه لا يتبعه ولا يستفيد منه، إعراضا منه فهو لا يتبع الحق ولا يستفيد منه فهذا تمثيل لحاله فالله تعالي يقول: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {10}إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11}

د. عبد الرحمن: هل يمكن أن نقول أن المقطع الأول من مقطع سورة يس يتحدث عن صدق القرآن الكريم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الموضوع الرئيسي له؟

د. محمد: الموضوع الرئيسي وفيه إشارة كذلك إلى قضية التوحيد {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ثم في إشارة في آخرة إلى قضية البعث في آخره {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12}. هنا في قضية البعث،  في قوله {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} الصحيح أنها مكية وإنها وإن وردت في الاستشهاد على قصة بني سلمة فإنها عامة، والآية تشير إلى أن الله يكتب ما قدم الإنسان وآثاره، والعلماء قالوا ما قدم من خير أو شر وينطبق عليه الحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة  ).

د. عبد الرحمن: المقطع الثاني يبدأ بقصة أصحاب القرية: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ {13} كثير من الناس من يولع ويحب مثل هذه المبهمات يسال الناس من هم أصحاب القرية وما هي هذه القرية؟

د. محمد: كما أشرت أصحاب القرية هنا لم يذكر ما هي القرية ولم يذكر المرسلون ولم يذكر اسم الرجل المؤمن، قال العلماء: وهذا دليل على أنه لا يترتب على ذكر الأسماء هنا فائدة، وهذا مثله مثل بقية المبهمات في القرآن الكريم، والغالب أنه لا يترتب على ذكرها فائدة، لكن ما ورد منها في أثر أو حديث صحيح فيمكن أن نقول به ويستفاد منه وقد يعين في تفسير الآية، وما لم يكن خلاف ذلك فالأولى الإعراض عنه كما أعرض الله تعالى عن ذكره.

أما القرية أكثر المفسرين قالوا: أنها أنطاكية هي من تركيا الآن، ثم اختلفوا الرسل الذين أرسلوا إليهم قال بعضهم هؤلاء الرسل من الله ابتداء، أرسلهم الله إليهم، { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } كما أرسل إلى غيرهم، ومنهم من قال هؤلاء الرسل من عند عيسى، فعيسى  أرسلهم ليدعو إلى الله، قال ابن كثير: ( والصحيح أنهم ليسوا من عيسى وأنها ليس من أنطاكية المشهورة ) وبين سبب ذلك، قال: “أولا: نفس نص الآيات { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } واضح نص أنها رسالة من الله سبحانه وتعالى هذه نقطة، والنقطة الثانية أن أصحاب عيسى الذين أرسلوا إلى أنطاكية آمنوا، مذكورة في الإنجيل ومثنى عليهم فيها  يعتبروها من المقدسة لأنها استجابت لدعوة عيسى، قال بل كما ثبت عند سعيد من جبير وعن عدد من السلف:  بعد نزول التوراة لم يهلك قرية كاملة في بني إسرائيل، قال وهذا دليل على أنها غير أنطاكية، وأن الرسل من عند الله، وإن كان اسمها أنطاكية فهي قرية غير أنطاكية المشهورة، فهو رجح هذا. الجانب الآخر في هذا الموضع { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} اضرب لمن؟ اضرب لكفار قريش بين بهم مثلاً في صدودهم وإعراضهم مثل ما حصل من أصحاب هذه القرية، وفي ذلك تحذير لهم أن يكون مصيرهم مثل مصير أصحاب القرية. { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} هذا مفعولين للفعل اضرب لهم {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} عززنا  يعني قويناهم بثالث، ما الحكمة؟ ردوا اثنين فما فائدة الثالث؟ قال العلماء هذا فيه دليل على أن الاجتماع قوة وأنه كلما كان العدد أكبر كلما كان أدعى للقبول، لذا قالوا ينبغي على أهل الدعوة أن يجتمعوا، وأن يعضد بعضهم بعضا، فهذا يكون أدعى للاستجابة وأدعى للقبول، فالله سبحانه وتعالى بين لما كذبوا الاثنين عزز بثالث، هؤلاء الرسل قالوا لهم إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14} وكان الجواب {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} وهذه علة دائما تكرر { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً} وهذه علة دائماً كيف يكون بشر، يقول العلماء أن العلة التي أرادها الله أن يكون النبي بشر، حكمة عظيمة جدا، يمكن الاقتداء به وإتباعه هي العلة التي أرادها الله هي العلة التي جعلتهم يرفضون. ثم هذه القضية دائما طبيعة الناس يريدون قداسة معينة وأحيانا قداسة لا أصل لها على الأشخاص، وهذه في الأمم الكافرة قبل وحتى في الطوائف الإسلامية تأثرت بهذا، ولذلك تجد الفرق بين من يستقيم على السنة ومن لا يستقيم على السنة، أن من يستقيم على السنة يُعظّم في الرسول منهجه ودعوته { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } مع مكانته -صلى الله عليه وسلم-، وتقديره في حياتنا الخاصة، بينما من يبتدع يتجه إلى النظر في القضية الشخصية و يقدسها حتى بما يخالف منهج الرسول، وهذا الحقيقة فيه جزء من إتباع منهج الكفار والمشركين الذين ردوا دعوة الرسل.

د.الشهري: توقفنا عند قصة أصحاب القرية. {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ {15}

د. محمد: هم لما ردوا على الرسل أنهم بشر ردوا طبعا ما جاؤوا به ورموهم بالكذب، الرسل ردوا عليهم {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ {16} ثم قالوا: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } قضية الرسول دائما هي البلاغ، أن يبلغ رسالة الله لكنه { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }  فهو لا يملك لهم الهداية بعد أن يقيم لهم الدليل على صدقه وما جاء به، فأمر الهداية بيد الله . ثم تأتي قضية أهل الجاهلية أهل الشرك {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ {18} تطيرنا: يعني تشاءمنا، هذا الذي يسمى الطيرة التشاؤم، ما أصابهم من شر وبلاء قد يكون وقع ابتلاء من الله و بسبب معاصيهم ينسبونه لهؤلاء، قيل أنه انقطع عنهم القطر ثلاث سنوات فهم تشاءموا قالوا هذا بسببكم، فجاء الرد عليهم من الله أو من الرسل {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عني تشاؤمكم منكم، بعملكم الشر وبعملكم المعاصي فيصيبكم ما يصيبكم طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ {19}. ثم يأتي بعد ذلك المقطع وهو تابع للقصة، قوله تعالى {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20} ذكروا أن اسمه حبيب النجار وبعضهم قال نجار على كلل هذا لا يدخل ولا علاقة له بدلالات الآية، هذا الرجل آمن بالرسل ثم جاء يسعى مؤيدا وداعيا قومه، ماذا قال لهم؟ {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20}ثم انظر كيف حاول أن يدخل إليهم {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ {21} هذه قضية مهمة جدا، هل هؤلاء يطلبون فائدة لهم، هل فيه نفع لهم؟ لا، إذن تجرد لم يأتوا إلا لفائدتكم ونصحكم، ليس لهم فائدة ثم هم مهتدون، ظاهر في منهجهم وفي سيرهم الصلاح، ثم {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {22} هذا تذكير لهم يريدونكم أن تعبدوا الله الذي خلقكم الذي أوجدكم من العدم، ثم جاءت قضية توحيد الألوهية: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ {23} يحاول أن يدعوهم ويبين لهم ويبين فساد معتقداتهم، ولما رأى الإصرار أعلنها صريحة: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ {25} ثم انظر بعدها ماذا قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ثم ماذا حصل بعد ذلك؟ الآية لم تذكر، واضح أنهم اعتدوا عليه بالقتل بل ذكر بعض المفسرين في طريقة قتلة شنيعة لكن الله تعالى لم يبين، بين الجزاء {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}.

د. الشهري: وهذا يا دكتور أسلوب من أساليب القصص القرآني وهو طيّ المراحل. هنا انتقل لمشهد تماما أنه قال: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} ثم انتقل مباشرة إلى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} و لم يذكر ما بينها من قتلهم له وتعذيبهم له.

د: محمد: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ {27} وما فائدة أن يعلموا؟ لماذا؟ بعض المفسرين قال تبكيت لهم، يعلموا كيف أكرمه الله جزاء ما حل به أن الله سبحانه وتعالى جزاه بدخول الجنة، وقال آخرون لا هذا من نصحه لقومه حتى بعد موته، ولهذا ورد عن ابن عباس: “نصح لقومه في حياته فدعاهم، ونصح لهم بعد موته فدعا الله أن يبلغهم بما وصل إليه لعل ذلك يكون سببا في هدايتهم“، وهذا الحقيقة منه تأخذ أن المؤمن ينبغي ألا يقدم التشفي على حب الهداية، يكون عنده حلم وأناة لا يقدم التشفي على حب الهداية، وإنما تكون الهداية أحب إليه، وهذا دائما في باب الدعوة تواجه صدا وتواجه أذى وتواجه تعنتا، فإن كانت حب الهداية أحب إليك تحملت ما تحملت، وإلا إذا لم يكن ذلك كذلك فربما واجهت هذا التعنت بموقف قد يكون سببا في صدود هذا، فهذا المؤمن الذي دعا قومه انظر كيف تحمل من قومه ما تحمل حتى بعد وفاته على هذا القول أنه .

د. الشهري: هنا سؤال طريف يرد دائما عند هذه القصة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وفي قصة فرعون {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}

د:محمد:  ذكر العلماء بعض العلة، {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}

قالوا إن العلة هنا أنه قد لا يكون أصلا هو من أقصى المدينة، المقصود الرجل، ومن أقصى المدينة صفة للرجل، قد تكون حالة مرت عليه، بينما هنا جاءت الصفة هي المقصودة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}رجل مقيم هناك ومع هذا جاء وانبعث ليقوم بالدعوة  قالوا هذا سر. { مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ }هناك جاءت حال من جاء أو صفة لجاء، بينما هنا للرجل

د. الشهري: يا دكتور كلامك رائع جدا وتأكيد لكلام عبد القاهر الجرجاني -رحمه الله- في قضية التقديم والتأخير وفائدتها، فيعني هنا: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} فيها إشارة أن الاهتمام هنا بموضع المجيء، أنه جاء من أقصى المدينة، ما جاء من مشوار قريب، جاء من مكان بعيد من أقصى المدينة من أجل نصحهم، الأمر الثاني فيه إشارة إلى انتشار دعوة هؤلاء الرسل وأنها قد بلغت أرجاء المدينة، لأن هذا جاء من أقصاها، والأمر الثاني أن فيها صفة لحاله وأنه لم يأتي وهو يمشي الهوينه وإنما جاء يسعى وهذه إشارة إلى نصحه لهم و حرصه عليهم. وهناك  {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} الاهتمام كان بالرجل والثناء عليه ومدحه.

د: محمد: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ {28} بين الله سبحانه وتعالى بعد أن قامت الحجة وقتلوا واعتدوا على هذا الرجل وقع عليهم العذاب {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ {29} ما احتاج الله أن ينزل جند من السماء، وإنما كانت صيحة بهذه السرعة وكأنهم انتهوا بهذه السرعة، ثم الله يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}  قيل يا حسرة على العباد على أنفسهم، يتحسرون على أنفسهم حينما يرون ماذا تركوا من الجنان وما واجهوا من النيران، وقيل {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} الملائكة تتحسر على العباد، وقيل أن الأنبياء تتحسر على الكفار لماذا لم يؤمنوا وقيل هي من كلام الرجل المؤمن قال {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}وليس بينها تضاد، ويمكن أن يكون كل هذا حدث

د. الشهري: أن الملائكة قالت ذلك وأن الناصح قال ذلك، تأتي الآيات التي بعدها يا دكتور نقلة أخرى جديدة، {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ {35} كأن فيها حديث عن بعض الآيات وخلق الله سبحانه وتعالى.

د. محمد: هذا المقطع فيه آيات عجيبة سيقت لبيان قدرة الله، والغرض من سوق هذه الآيات هو لتأكيد هذه الأمور التي جاءت في السورة في صدق الرسالة وفي وقوع البعث وفي وحدانية الله تعالى، فالله تعالى ساق الأدلة كما هو منهج القرآن في مواضع كثيرة في أن تساق الأدلة على بيان قدرة الله واستحقاقه للعبادة. يقول تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} هذه الأرض ميتة لا اثر فيها فينزل الله عليها الماء فتخرج من أنواع الثمار المتنوعة التي منها يأكلون ثم يعطف عليها {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} طبعا النباتات كثيرة لكن ذكر النخيل والأعناب لأنها هي المعروفة المشهورة لهم، ولفضلها ومكانتها. ثم قال {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ}  من ثمرة ما أخرجه الله تعالى من الأرض   {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} – من زراعتها وصيانتها والعناية بها- يحتمل وجهين أن تكون (ما) موصولة يعني ليأكلوا من ثمر ما أنبته الله ومن ثمر الذي عملته أيديهم الذي هم يزرعوه، يزرعون على هذه العيون أنواع من الزروع التي يحتاجونها ويأكلون، ويحتمل أن تكون (ما) نافية ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم هذا، الله سبحانه وتعالى أنبته.

د. ع ويمكن أن نستدل على هذا المعنى  بقوله {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، وهذا من الفوائد: من الوسائل التي يستخدمها الشنقيطي في كتاب أضواء البيان  وغيره عندما يفسر آية بآية أخرى، أنه يقول: وهذا المعنى يشهد له آية أخرى، فيكون هذا من أوجه ترجيح هذا المعنى.

د. محمد: وهذا المسلك حتى ابن كثير معروف، وابن كثير لا يسوق فقط الآيات التي تفسر بل النظائر،  يسوق الآيات التي تفسر الآية أو التي هي من نظائرها. يقول الله سبحانه وتعالى {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {36} انظر خلق الأزواج كلها وهذا إشارة إلى أن كل شيء كما قال الله تعالى زوجين { مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وهنا (وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} ولا يزال العلم ولن يزال يؤكد هذه الحقيقة، فيكتشفون حتى في دقائق العلم الآن أن كل شيء موجود فيه نظرية الزوجية التي ذكرها الله. ثم يستمر الله تعالى في عرض آياته {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} وهذه فيها عجب،- حتى في التعبير في كلمة نسلخ، ما الحكمة في نسلخ؟ حينما نعرف أنه بإرادة الله تعالى هذه الأرض، الأصل في هذا الكون الظلام ثم يأتي النور بهذه الشمس التي خلقها الله تعالى، فهذه الشمس تتجه إلى وجه الأرض، وجه الأرض التي هي متجهه إليها فتضيء، ثم تذهب عن هذا الوجه لوجه آخر فيأتيها الظلام، فكأن هذا النور سلخ من هذا الظلام، يعني مثل أن الظلام مغطى بهذا النور، الأصل الظلام مثل ما يسلخ الجلد عن الذبيحة، كأن الظلام مغطى بهذا النهار بهذا الضوء فإذا زال سُلخ منه فعاد الظلام. { وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} ثم قال {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}

د. الشهري: هذه الآية من الآيات التي يستدل بها من يقول بحركة الشمس ودوران الشمس.

د: محمد: أولا ما معنى لمستقر لها؟ حتى ابن كثير قال فيها قولان: قال المستقر المكاني، مكان استقرارها، ثم أورد الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره بل في الصحيحين، أن النبي قال: (أترون أين تذهب هذه؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: تذهب تحت العرش ثم تسجد ثم تطلب أن يؤذن لها بالعودة فتعود فإذا أراد الله لها في يوم القيامة لا يؤذن لها فتعود من مغربها). وهذا حديث صحيح في الصحيحين فهذا قال مستقر لها

أيضا من المستقر المكاني ما ذكر من تقلب الشمس، الشمس تتقلب في الصيف والشتاء، في مخارج و في مطالع، تصل إلى نقطة، الآن لو لاحظنا في الصيف تميل إلى جهة الغرب وترجع في الشتاء إلى جهة الجنوب، كذلك في مطلعها، قالوا هذا نوع من استقرارها.

القول الثاني: أنه مستقرها يوم القيامة، تجري دائما لا تنقطع إلى مستقرها يوم القيامة، وفي هذا ورد عن ابن عباس قال: ” لا مستقر لها”. وقالوا قراءة أخرى ولكن ردها العلماء وتكلموا عليها وقالوا لا يمكن أن ابن عباس يذكر قراءة تخالف ما أجمع عليه العلماء ولذلك تحمل والله أعلم أنها تفسيره رضي الله عنه للآية  والشمس تجري لا مستقر لها وهذا يفسر أن الشمس لا تنقطع أبدا. وطبعا معروف أن النظرية التي جاءوا بها الذين يقولون أن الشمس ثابتة وما حولها تدور، لكن هذا مردود بنص القرآن، ولذلك كما قال أهل الهيئة من المسلمين أن الصحيح أن الشمس والقمر والنجوم تجري حول الشمس، وهي والشمس تجري في هذا الفضاء الواسع……

د. الشهري: هم يقولون الشمس تدور والأرض تدور ماذا تريد أن ترد منها؟

د.محمد الأرض والله اعلم أنها تتحرك حول الشمس وتتحرك الأفلاك كذلك كل في مساره، ثم الشمس والأرض والأفلاك التابعة لها تتحرك في مسار { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

د. الشهري: هذه الآية {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} هذه الآيات دكتور محمد تناولها الذين يكتبون اليوم في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، في مؤلفاتهم وقد تكاد هذه الآيات تدور عليها معظم الأبحاث التي تتحدث عن الشمس والقمر ودوران الشمس ودوران الأرض ودوران القمر وما يتعلق بهذه المسائل، يا ليت توضح لنا هذه النقطة، والرأي الذي تراه.

د.محمد: لا شك فيها إشارة إلى جريان الشمس وحركتها، والقرآن لا شك أنه لا يخالف صحيح وثابت العلم لا شك في هذا، فلو حصل تصادم فما قيل في الأمور العلمية يحتاج لإعادة نظر. ولذلك نحن نقول من باب الإعجاز العلمي ما وافق صريح القرآن ولم يخالف تفسير سلف الأمة لهذه الآيات فهذا مقبول، وما خالف وما كان فيه تقحم أو تحميل للآيات غير ما تحمله، ولا تدل عليه اللغة؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن أن يفسر إلا بما جاء  في لغة العرب وبما ثبت عن سلف هذه الأمة، هذا ممكن أن يستفاد منه، ولا يمنع أن القرآن يشير إلى بعض هذه الأمور.

د. الشهري:  في قوله: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ما معنى العرجون؟

د.محمد: العرجون هو عذق النخل، العذق الذي فيه التمر، وقيل القديم الذي بقي في النخلة حتى يبس وانحنى.

نعود لأول الآية {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ذكر هذا مع القمر دون الشمس، مع أن الشمس لها منازل تنتقل، لكن المنازل التي تعين الناس على الحساب هي منازل القمر، الشمس هي قرص كامل يظهر لنا من المشرق إلى المغرب، لكن القمر يظهر لنا في اليوم الأول غير الثاني غير الثالث، و لذلك نضبط عليه الحساب فالله قدّر هذه المنازل لنعلم عدد السنين والحساب، وربط العبادات بها مثل رمضان. ولذلك هنا حكمة {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}، يبدأ منزلة أول الشهر ويزيد ويزيد حتى يكون بدرا ثم ينقص ينقص حتى يعود هلال، {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} طيب وأول الشهر أليس شكله أول الشهر مثل آخر الشهر قالوا لا، شكل الهلال في أول الشهر غير شكل القمر في آخره، مع أنه نفسه لكن بالعكس،  في آخر الشهر يبدو كالقديم، جلس هذه المدة يزيد حتى نقص فأصبح شكله مثل ما أشار الله كالعرجون القديم، حينما ترى الهلال في أول الشهر ربما لا نستطيع أن نراه في اليوم الأول والثاني لما تراه كيف بهجته ورونقه هذا في قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}. ثم يقول الله: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} الشمس لا يمكن أن تدرك القمر، قد يظن البشر أن الشمس تجري والقمر ربما تقترب من القمر أحيانا، وتصطدم به بين الله تعالى أن لكل واحد مجرى لكل واحد مسار بعيد عن الآخر، طبعا هذه في نظرة الناظر، أما في العلم الآن فأثبت أن بينهما المسافات الهائلة التي قد لا يتصورها عقل بشر، كل واحد في مساره، { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} يعني لا الليل يمكن أن يسبق النهار، أو النهار يمكن أن يسبق الليل، بل يأتي الليل ثم يأتي النهار ثم أعطى الحقيقة: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} كل هذه الأفلاك وغيرها في فلك سابحة، وهذه الحقيقة يمكن أصحاب الإعجاز أضافوها للأعجاز يسبحون، الآن في العلم الحديث في علم الفلك شبهوا حركة الأفلاك في الكون بمثل سباحة السفن في البحر، سابحة في الفضاء، والله تعالى ذكر هذا في كتابه العزيز: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}

د. الشهري: والعجيب الآن يا دكتور محمد الناس من كثرة ما يشاهدون الشمس يوميا تشرق وتغرب وكذلك يرون القمر، يعني يمكن أن صح التعبير تبلدت أحاسيسهم ولم يعودوا يستشعروا هذه الآية وعظمتها، وربما الآن يساعد على التأمل والتفكر الأفلام الوثائقية التي تصور الشمس وتصور القمر وتصور هذه الأجرام السماوية وهي تتحرك وهي كثيرة الآن، الذي يشاهد الآن بعض القنوات المتخصصة في الأشياء الجغرافية و الفلكية ينبهر بهذه العظمة ودقة خلق الله لهذه الأجرام، فماذا تقول للناس وكيف يتأملون في هذه الآيات وهم يرونها كل يوم.

د.محمد: ما ذكرته يصدق عليه المثل: “كثرة المساس تقلل الإحساس” ولذلك من حكمة الله ومن عظمة هذا القرآن  أن التذكير بآيات الله يتكرر، يتكرر في القرآن لماذا؟ حتى لا تقع هذه الآفة، وإلا لو الإنسان جلس جلسة تأمل في هذه الشمس العظيمة، ثم نظر في بعض ما جاء في النظريات عن هذه الشمس، آية مذهلة في ضخامتها وكبر حجمها، حتى بعض العلماء يقول أنها  ضعف الأرض مليون مرة ثم ارتفاع اللهب فيها ثم هذا القمر والارتقاء والتدرج في المنازل كل هذه آيات، والسموات والأرض،آيات عظيمة، على الإنسان دائماً أن يجلس جلسة تأمل، يتأمل آيات الله، وهذا هو منهج القرآن لماذا الله ذكر هذه الآيات؟ للعظة والعبرة والتأمل وليعرف الإنسان عظمة الله سبحانه وتعالى.

د. الشهري: الآية التي بعده  {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41} هذه الآية دائما يسأل عنها كيف يقول الله {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41}  مع أن الذين حملوا هم أجدادهم وليسوا ذريتهم؟

د.محمد: هذا على العموم معلوم أن البشرية التي انتشرت في الأرض هم ذرية نوح ومن ركب معه في السفينة، ولذلك الله سبحانه وتعالى عبر بقوله ذريتهم أي ذرية هؤلاء الذين حملناهم في السفينة، وطبعا الآية تشير لهم إلى حكمة الله في إيجاد الفلك لينفع الناس وأول فائدة في هذه الفلك بدأت من نوح عليه السلام حينما صنع الفلك وحمل من آمن معه ونجا بهم من الغرق ولذلك قال الله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} استمر هذا، كيف يعتبر الآن انتقال الإنسان عن طريق الفلك، آية لأعظم الوسائل التي ينتقل بها، {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} تشير إلى الفلك والسفن، لكن قال المفسرون ولا مانع من أن تشير إلى غيرها مما يمكن أن ينتقل به الإنسان حتى الجمل وهو سفينة الصحراء.

د. الشهري: هل يمكن يا دكتور الآن وما يحصل من خلال قصة نوح لما تقرأ في تاريخ السفن ونشأة السفن لا يذكرون أن نوح هو أول من اخترع السفينة إن صح التعبير، مع انه واضح في الآيات انه صنع السفينة بوحي من الله، فيدل هذا على أن صناعة السفن كانت في أصلها وحياً أوحاه الله إلى نوح، وابتدأت صناعة السفن من وقته

د. محمد: وهذا صحيح، المفترض أن يشار إليه وأنه نوح عليه السلام أول من صنع السفن.

د: عبد الرحمن: المقطع السادس يبدأ {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} فيه الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ {70} في هذه الآية دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟ كما أنت ذكرت في أولها فيها تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم.

د. محمد: هذه تأكيد لما جاء في صدر السورة من إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} ما جاء به ما هو إلا ذكر يذكر بالقلب وقرآن يتلى باللسان يتعبد به ويتبع. {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} الله نفى عن رسوله تعلم الشعر، قال {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} كما بين عن رسوله أنه: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} كل هذا للرد وبيان أن ما جاء به القرآن من عند الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كاتبا فيكون كتب ولا قارئا فيكون قرأ، ولا شاعرا فيكون قال الشعر، بل هو من عند الله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقول الشعر وما كان يقول بيتا بل ذكروا أنه كان يذكر بعض الأبيات ويقلب فيها بعض الكلمات، ذكر بعض المفسرين بعض الأبيات.

د. الشهري: مع أنه كان يتذوق الشعر و يحبه ويسمعه.

د. محمد: بل قال بعض الكلام الذي يشبه الشعر، قالوا حتى لو وافق لا يعتبر من قول الشعر: هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب. فهذا لا يخرجه من كونه لا يعلم الشعر، وهذا كله  لبيان أن ما جاء به من عند الله، لكن لا يعني هذا ذم الشعر بعمومه، وأنت يا شيخ عبد الرحمن لك في هذا باع، بل قد يكون في الشعر فائدة كما حصل من بعض شعراء الإسلام الذين ذبوا عن الدين، فالشعر فيه حق وفيه باطل إذا استخدم في غير طاعة الله، وهذا يذكرني بقصة حصلت للمأمون مع أبي علي المنقري، يقال أن المأمون قال لأبي علي: بلغني عنك أنك تلحن وأنك تكسر الشعر وأنك أمي، قال: يا أمير المؤمنين أما اللحن فقد يقع في كلامي، -لا يكاد يسلم منه أحد-، أما أني أكسر الشعر أو أمي فأنا لي قدوة رسول الله كان كذلك، قال: أنا سألتك عن ثلاث خصال فيك، فتبين لي الخصلة الرابعة فيك أنك جاهل، قال: كيف؟ قال: إن هذه في رسول الله فضيلة وفيك منقصة، نفي الشعر عن رسول الله فضيلة ونفيه عنك أنت منقصة. إذن الشعر ليس مذموما

د. عبد الرحمن: سؤال: شاع بين الناس قول وهو أنهم يقرؤون قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9}قال إذا فعلوا فعلا أو أخطئوا بخطأ لا يريدون إطلاع الناس عليه ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ، وأضيف سألني  أحدهم وقال أنا  أقرأ هذه الآية عند نقطة تفتيش مرور أو تفتيش المطار فأقرأ هذه الآية.

د. محمد:  لعله من المناسب دكتور عبد الرحمن، أنا أذكر في رواية وردت في السيرة ذكره المفسرين حول الآية وذلك لما تآمر بعض كفار قريش ليؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم، جلسوا عند بابه يطلبونه حتى يخرج، فالنبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله خرج وأخذ حفنة من تراب ووضعها على رؤوسهم، ومضى ولم يشعروا به،  قيل وتلا هذه الآية {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ}وقيل إن الآية نزلت في هذه الحادثة، أنا لا أعرف أصلا أن هذه الآية تتلى في مثل هذا الموضع، لكن إن كانت تذكر من باب الاستشهاد والأخذ بالقرآن يمكن أن يأتي هذا، أما أن يعتقد اعتقادا أنها تقال أو أنها مثل الرقية تقي الإنسان فلا أعلم له أصل.

د: عبد الرحمن: سؤال: يقول ابن كثير في تفسيره {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ {51} قال هذه النفخة الثالثة وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور، فكم عدد النفخات لأنه لم يرد في سورة يس إلا نفختين؟

د: محمد: هذا الذي أعرف، وأستغرب من كلام ابن كثير وأحتاج أن أتأكد من عبارة ابن كثير، والذي أعرفه إما ابن كثير أو غيره نص قال: “و لم يذكر في السورة إلا نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث التي ذكرت في هذه السورة

د. الشهري: المقطع الأخير من هذه السورة في الآية 77 {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78}، لو تذكرنا يا شيخ  سبب نزول هذه الآية؟

د: محمد هذه الآيات جاءت في قضية البعث وإثبات البعث، ويمكن هذا من المواضع الوحيدة في القرآن، القرآن ساق الأدلة على البعث في مواضع كثيرة من القرآن، لكنه في هذا الموضع ساق ثلاثة أدلة متتالية على إثبات البعث، هذه الآية ذكر في سببها أن أبي أو أمية بن خلف أو غيره من كفار قريش وبعضهم قال عبد الله بن أبي بن سلول لكن ردت لأن الآية مكية، فجاء بعظم بال إلى النبي وفته قال: “يا محمد أتزعم أن هذا  يعود بعد أن أرم:، قال: نعم يعود كما ذكر الله تعالى وفي رواية يعود ويبعثك الله ويدخلك النار،

د: عبد الرحمن: كأنه العاص بن وائل؟

د. محمد: ذكر عدة روايات، توجد يمكن ثلاث، حتى أظن أبي وربما عتبة، أذكر ثلاثة غير عبد الله بن أبي بن سلول

يقول الله تعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} هذا الكافر { وَنَسِيَ خَلْقَهُ} هنا لمسة مباشرة الدليل: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} انظر البلاغة والإعجاز، مباشرة رد مباشر {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} كيف ينسى خلقه؟ تأمل في خلقك أنت،  ولذلك جاء الدليل الأول: {قُلْ يُحْيِيهَا} من الذي يحييها؟ {الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79} أنشأها أول مرة أي أوجد هذا الإنسان من ماء مهين، فالذي أنشأ أول مرة قادر على الإعادة بل والإعادة أهون عليه من الخلق ابتداء وكله على الله تعالى هيّن.

د. عبد الرحمن: الوقت أدركنا يا دكتور انتهى الوقت المخصص لنا بقي يا دكتور وأستأذنك في أن تتفضل في اختيار الفائز في سؤال الأمس، لو تكرمت، وكنا سئلنا سؤال بالأمس وقلنا وردت آية في الجزء الخامس

د. محمد: نسأل الله تعالى أن يوفق من يستحق الفوز.

د. عبد الرحمن:آمين… كلهم ما شاء الله يستحقون

د. محمد: هو الذي أراد الله أن يكون نصيبه.

د. عبد الرحمن: كنا سئلنا: آية وردت في الجزء الخامس تبين خطورة الشرك بالله، وأن الله لا يغفر من مات عليه، وهي الآية 116 من سورة النساء { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا {116}

الفائز: الأخ فهد الحربي

ونسأل الله لكم أيها الأخوة الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وأشكرك شكرا جزيلا دكتور محمد على ما تفضلت به، وباسمكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام نشكر ضيفنا مرة أخرى الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود على ما تفضل به، وأشكركم أيضا على المتابعة، وأركم غدا وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.