من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة الإسلامية، الإيمان بالله تعالى وبالكتب والرسل والبعث والجزاء وبخاصة الإيمان بالقضاء والقدر فالكثير من الناس مشككين في هذا الأمر ويحتارون ويجادلون في القضاء والقدر وهل الإنسان مسيّر أم مخيّر ويشككون في عدل الله تعالى
وحكمته ويسألون أسئلة مشككة فيقولون مثلاً: لو هداني الله لاهتديت أو أن الله يعلم المؤمنين من الكافرين في علمه الأزلي, فلن يفيد المرء ما يعمل إن كان الله تعالى قد كتبه في النار, وهذا كله من ضعف الإيمان ومن التشكيك بأن الله تعالى هو الحكيم العدل وأنه ليس بظلاّم للعبيد. تأتي هذه السورة بآياتها ومعانيها لتثبت حقيقة الأيمان بوحدانية الله جلّ وعلا والإيمان بالقضاء والقدر تارة عن طريق قصص الأنبياء وتارة عن طريق تذكير الله تعالى للناس بقدرته وحكمته وعدله في الكون. وفي حديث للنبي أن جبريل سأله أخبرني عن الإيمان فقال: الإيمان أم تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والذي يحدد ما إذا كنا مؤمنين بالقضاء والقدر سؤال واحد نطرحه على أنفسنا: هل الله تعالى عادل حكيم أم ظالم والعياذ بالله وإجابتنا هي التي تحدد موقفنا.
تبدأ السورة بكلمة تثبت الحكمة لله تعالى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) آية 1 وتدل على أن الحكمة موجودة ثم تليها الآية (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ) آية 2 وكأن الذين يتعجبون من اختيار محمد للرسالة كأنما لا يؤمنون بالقضاء والقدر لأنهم لو آمنوا لما شككوا وتعجبوا ولعلموا أن هذا بأمر الله تعالى.
· تدبير الله وحكمته في الكون: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ* إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ* هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ) آية 3، 4، ،5، 6. والآيات (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) 31 و32 تأتي الآيات تستعرض لحكمة الله تعالى في الكون وفي كل ما خلق وتدعونا للتفكر في هذا الكون الذي لم يخلق عبثاً ولا صدفة إنما خلقه الحكيم العدل وإثبات ذلك واضح في تكرار كلمة (الحق) في هذه السورة فقد تكررت في السورة (23 مرة) لأن الحق عكس العبث والصدفة وكل شيء في الكون خلق ويحيا بحكمة الله تعالى لذا علينا أن نسلّم بالله ونتوكل عليه ولا نشكك بقدرته وتدبيره سبحانه. وكذلك ترددت كلمة (يدبر) في السورة كثيراً فكيف نشكك بقضاء الله وقدره (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ) آية 53 و (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) آية 55 وكل هذه الآيات تؤكد أن الله حق وأن إدارة هذا الكون حق، وعرّفت الآيات بصفات الإله الحق بذكر آثار قدرته ورحمته الدالة على التدبير الحكيم وأن ما في هذا الكون المنظور هو من آثار القدرة الباهرة التي هي أوضح البراهين على عظمة الله وجلاله وسلطانه.
· تنبيه للغافلين: الذين يشككون ولا يؤمنون بالقضاء والقدر فهؤلاء يفقدون الجدية والإيمان الحق (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) آية 7 والله تعالى لا يظلم الناس أبداً لكن الناس يظلمون أنفسهم نتيجة ذنوبهم ومعاصيهم لأنه حاشا لله أن يظلم أحدا (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) آية 13، 14، و (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) آية 44
إذن فليس في الكون صدفة ولا عبث فالحكمة واضحة والحق واضح فلا يجب أن نشكك بالقضاء والقدر والله تعالى لا يظلم أحداً ولا يجبر أحدا على فعل ما لأنه سبحانه لو أجبرنا على أعمالنا لما حاسبنا لذا فالناس مخيّرون في أفعالهم.
· أفعال الناس تجاه قضاء الله تعالى: الآيات تواجه المتعجبون من قدر الله ولكن أفعالهم أشد غرابة (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) آية 23 . فبعد أن نجاهم الله تعالى بغوا في الأرض بغير الحق فكيف يلجأ الناس إلى الله تعالى فقط في ساعة الشدة ويعرفون أن لهم رباً يلجاؤون إليه ثم يتكبرون بعد النجاة وكأن نجاتهم كانت من عند أنفسهم,
· قصص الأنبياء عن التوكل على الله: عرضت السورة قصص ثلاث من الأنبياء الذين توكلوا على الله فنجاهم الله تعالى وقد عرضت السورة الجزئية الخاصة بالتوكل في كل قصة من القصص المذكورة وهذا لخدمة هدف السورة. وهذه القصص تؤكد أن المؤمنين بقضاء الله وقدره يتكلون على الله والذين لا يؤمنون هم المشككون والمجادلون في حكمة الله وعدله:
o قصة نوح الذي توكل على الله تعالى فأنجاه الله ومن معه (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) آية 71
o قصة موسى مع فرعون (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ * فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) آية 84 و 85.
o قصة قوم يونس (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية 98.
وقد يتبادر إلى الذهن لماذا أغرق الله تعالى فرعون بعدما قال أنه آمن ونجّا قوم يونس والحالتان متشابهتان نوعاً ما؟ نقول أن الله تعالى علم وهو علاّم الغيوب أن فرعون إنما قال آمنت اضطراراً لا اختياراً ولو عاد إلى الدنيا لضلّ وأضل ولم يكن كلماته صادقة بأنه آمن (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) آية 90 و91. وقال الإمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات أولها قوله (آمنت) وثانيها (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) وثالثها (وأنا من المسلمين) فما السبب في عدم قبول إيمانه؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه يصير الحال حال إلجاء فلا تنفع التوبة ولا الإيمان قال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا). أما قوم يونس فقد علم الله تعالى أنهم سيكونون مؤمنين حقاً فعفا عنهم وكانوا على وشك الهلاك بعذاب الله لكنهم حسن إيمانهم وقد أثبت التاريخ ذلك فأصبحوا قوماً صالحين طائعين مؤمنين، والله تعالى يريد من عباده إيمان الاختيار لا إيمان الإكراه والاضطرار (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية 98 فمن كان ليعلم هذا إلا الله الحكيم العليم ولهذا علينا أن نؤمن بقضاء الله وقدره لأنه ليس عبثاً ولكن لكل أمر حكمة قد نعلمها وقد يخفيها الله تعالى عنا وهذا ليمتحن صدق إيماننا به فلو علمنا الحكمة من كل شيء فما قيمة إيماننا بالغيب إذن؟
· ختام السورة: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) الآيات 105 – 106: كيف نتعامل مع قضاء الله بالجديّة والتوكل على الله ثم تأتي الآية فيها توجيه للرسول المؤمنين بالتوكل على الله واللجوء إليه والصبر على ما يلقوه من الأذى في سبيل الله والاستمساك بشريعة الله تعالى فهو سبحانه الحكيم العدل (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) آية 109.
سميّت السورة بـ (سورة يونس) لذكر قصته فيها وما تضمنته من العبرة والعظة برفع العذاب عن قومه حين آمنوا بعد أن كاد يحل بهم العذاب والبلاء وهذه من الخصائص التي خصّ الله تعالى بها قوم يونس لصدق توبتهم وإيمانهم وأن الله لا يظلم الناس فلو علم صدق إيمان أي عبد من عباده ينجيه في الدنيا والآخرة لأنه هو الحكيم العدل.
وفي خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله لما سُئل عن ورود قصة نوح وموسى مع فرعون ويونس مجتمعين في هذه السورة قال أن الذي يجمع بينهم هو الماء فالله تعالى أغرق قوم نوح بالماء ، وأغرق فرعون بالماء أما يونس فقد نجاه الله من بطن الحوت بعد أن قذف في الماء. فالماء كان مرة مصدر هلاك ومرة مصدر نجاة فسمّى الله تعالى السورة باسم من نجّاه من الماء وهو يونس عليه السلام، والله أعلم.
سورة يونس أولها قال: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)) وفي خواتيمها قال: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)) بدأ بالإنذار والتبشير (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) وختم بهما (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) في الآية الأولى أمره (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) إذن أمره بالإنذار والتبشير وفي الخواتيم يعلّمه كيف يُنذر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ). كيف أنذرهم؟ قل لهم: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) في البداية الأمر كان بالإنذار وفي الختام علّمه كيف ينذر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) توضيح لما بدأه في الأول، هذا تناسب.
في أواخر التوبة قال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127) لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128)) وفي بداية يونس: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (2)). (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ) (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) ، (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ) (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ).
قال في آخر يونس: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي أول هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) واتبع ما يوحى إليك – كتاب أحكمت آياته، وكأن ما يوحى إليه والمأمور باتّباعه الكتاب الذي أحكمت آياته، ومن أحكمهم؟ خير الحاكمين. وهو خير الحاكمين كتاب أحكمت آياته الذي أحكمه هو خير الحاكمين. خير الحاكمين في يونس (وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) من الذي أحكم آياته؟ خير الحاكمين.
في آخر يونس: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108)) وفي أوائل هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3))، نذير وبشير مقابل من اهتدى ومن ضلّ، (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) هذا لمن اهتدى، ثم يقول (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) هذا مقابل (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) إذن فسر وشرح ما قاله في يونس (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أنه من اهتدى يمتعه متاعاً حسناً ومن ضل فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وكلها إنني لكم منه نذير وبشير.
بعد المواجهات العسكرية في سورتي الأنفال والتوبة المدنيتان يعود بنا القرآن إلى العهد المكي عبر سلسلة من السور التي سميت بأسماء أنبياء يونس وهود ويوسف التذكير بأن المواجهات العسكرية تحتاج قبلها إلى تثبيت في العقيدة والإيمان بالله ليتحقق الصبر والتوكل على الله واليقين بموعود الله تعالى بالنصر والقوة في الدفاع عن الحق والجرأة والشجاعة في تحّمل ومواجهة أعداء الحق.
سورة التوبة ركزت على قضية أن الولاء لله أولا وجاءت سورة يونس تثبت قلب المؤمن على عاقبة هذا الولاء في الدنيا والآخرة مهما اشتدت الظروف ومكر أعداء الحق وتآمروا فلا يمكن للمؤمن أن يحيد عن الحق ولا أن يتخلى عنه لشبهات وظنون وكذب أولياء الباطل (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64))
سورة يونس حافلة برسائل الثبات للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل داعية وكل مؤمن من بعده.
📮من رسائل السورة معرفة عظمة الله الحق من خلال الآيات الدالة على مظاهر قدرته (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5))
📮ومعرفة أن الله حق وأنه يهدي للحق وحده فلا هداية إلا بالإيمان به (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (32))
📮ومن رسائلها أن النفع والضر بيد الله تعالى وحده وان النجاة بيده (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107))
(دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ) (فنجيناه ومن معه) (ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين)
📮ومن رسائلها أن المرجع والمآل إلى الله تعالى (ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) (ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون)
📮ومن رسائلها التحذير من استعجال العذاب واستعجال حظوظ الدنيا فالدنيا متاع والحث على استعجال الإيمان بالله فهو الاستعجال النافع كما نفع قوم يونس الذين آمنوا فنجوا ولم ينفع فرعون فغرق.
📮ومن أهم رسائل سورة يونس فضل الله تعالى على الناس بنعمة القرآن
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس)
(يا أيها الناس) الخطاب عام لأن القرآن رسالة عالمية لكل الناس
(موعظة) الموعظة ثقيلة على النفس لكنها لما تكون ممن يحبنا ويرد لنا الخير تصبح بلسما للقلب (من ربكم)
والموعظة تكون للقلب الذي هو محل استقبال القرآن والموعظة تذكّر الناسي وتوقظ الغافل فإذا فعلت شفي القلب من أدوائه وامراضه (وشفاء لما في الصدور)
فإذا شفي اهتدى وما ضلّ (وهدى)
فإذا اتعظ وشفي واهتدى عاش في رحاب رحمة الإيمان بالله سعيدا في الدنيا لا شقيا ومنعّما في الآخرة لا معذّبا فإن تحقق له كل هذا كان هو الفوز العظيم والفرحة المنشودة والفضل من الله عزوجل ولا راد لفضل الله إن أصابك عسى الله أن يجعلنا منهم ومن أهل الحسنى وزيادة ومن الذين يرجون لقاء الله عزوجل..
وفي السورة حديث عن القرآن من بدايتها بالقسم به تعظيما له (تلك آيات الكتاب الحكيم)
(إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)) رد شبهة أن القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
(وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)) القرآن هو الحق ليس كذبا ولا افتراء ولا شيئا مما يظنه الممترون…
وختمت بالوصية للنبي صلى الله عليه وسلم (واتبع ما يوحى إليك)
خلاصة القول أن الإيمان بالله زاد القلوب في أحلك الظروف يورث العبد اتباعا للحق واهتداء بمنهجه “القرآن” وصبرا على قضاء الله وأقداره وتحقق وعده والتوكل عليه ويقينا بالرجوع إلى الله وبلقائه والشجاعة في مواجهة أعداء الحق حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين..
هذا غيض من فيض سورة يونس ورسائلها عظيمة لمن تدبرها..
هذا والله أعلم
سورة التوبة هي السورة الفاضحة، المخزية، الكاشفة، المقشقشة وغيرها من الأسماء والتي تصب كلها في هذا المعنى المهم جداً: فضائح الإنسان في علاقته بالله سبحانه وتعالى، ولذلك سميت السورة الكائفة لأنها تكشف الحقيقة وتكشف آفات قد يكون الإنسان في حياته لا ينتبه لها. والسورة هي من أواخر السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا بد أن يكون فيها هذا الكشف فالذي يعرض نفسه على سورة التوبة لو كان صادقاً في عرضه ينكشف حاله تماماً مع الله سبحانه وتعالى، حاله مع المؤمنين، حاله مع نصرة دين الله جلّ وعلا ومن ثمّ له خيار واحد وهو التوبة (وهو الاسم التوقيفي الأساسي لسورة التوبة) له خيار أن يستقيم وأن يتوب إلى الله عز وجل ولهذا ورد في السور توجيه ودعوة عامة للجميع بالتوبة، كل مخاطب مدعو للتوبة (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
سورة يونس وهي بداية للسور المكية من جديد بعد سورتين من السور المدنية الأنفال والتوبة وهكذا القرآن مراوحة بين المكي والمدني وكل منهما له خصائص معينة.
سورة يونس من ضمن السور التي نزلت في أحداث وفي زمان في غاية الخطورة، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قيل أنها نزلت في العام العاشر من البعثة وقيل في العام الحادي عشر وقيل في العام التاسع وأغلب أهل التفسير على أنها نزلت ما بين السنة التاسعة إلى الحادية عشر. هذا التاريخ له مدلول معين، نزلت السورة في أصعب فترة مرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم من ضمنها هذه الفترة ما يسمى بعام الحزن، في هذه الفترة كانت هناك أحداثاً في غاية الخطورة منها شعب أبي طالب لما قاطع كفار مكة النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم وحبسوهم في شعب أبي طالب وبدأوا يتعرضوا لظروف اقتصادية واجتماعية في غاية الصعوبة من المقاطعة والتقشف لدرجة أن بعضهم وصل به الأمر أن يأكل من ورق الشجر، ولا يكاد ينقطع أنين الأطفال. في هذا الوقت ماتت السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها ومات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيها المحن المتوالية منها محنة الطائف لما قُذف النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة قد أدميت قدماه صلى الله عليه وسلم وآذاه السفهاء والأطفال والصبية، كانت ثلاث سنوات صعبة جداً نزل خلالها سور منها سورة يونس. سنوات كانت قاسية جداً على النبي صلى الله عليه وسلم بفقد أحبابه ومن بقي منهم هاجروا (هجرة الحبشة الأولى والثانية) وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يرسل البعثات إلى المدينة من بداية هذه الفترة لأن الوضع كان صعباً جداً، حرب إعلامية (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) مقاطعة كاملة. هذه الفترة نزلت فيها هذه السورة. هذا جو نزول السورة الذي له علاقة كبيرة جداً بموضوع السورة لأن هذا الإغلاق وصل لمرحلة إغلاق دنيوي، تقريباً لا وجود للدنيا، لا مكانة، لا سمعة لا مال، لا جاه بحيث تجعل أحداً مذبذباً يثبت، تجعل أحداً يشاور نفسه يُسلم أم لا، الموضوع في غاية الصعوبة فعلاً، حالة إغلاق وأصعب سنين مرت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هي هذه الأعوام القاسية وفي هذه الظروف وفي هذه الأحداث لما تكون الدنيا منقطعة بهذه الطريقة وهذا الاستضعاف وهذا العذاب من الطبيعي أن تجد الناس تتفاعل معها بشكل معين، فتجد أربع طوائف من البشر في هذه الظروف القاسية:
الطائفة الأولى: أول ما تجد هذا الاستضعاف تحزن وتُحبط وتصاب بالإحباط وقد تقعد عن العمل وعن البذل لشدة الظروف الصعبة التي تعيش فيها.
الطائفة الثانية تبدأ بالتنازل والتفريط وتفكر في إعطاء العدو بعض ما يسأله (نعبد إلههم يوماً ويعبدون إلهنا يوماً) يبدأ لديها نوع من أنواع التمييع للثوابت بسبب الاستضعاف.
الطائفة الثالثة تنهار تماماً ليس فقط تحبط أو تميع الأمور وقد يرتد الإنسان في ظل هذه الظروف الصعبة جداً.
الطائفة الرابعة وكانوا هم الأغلبية وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. المعالجة الإيمانية والتربوية التي سنتعرض لها في السورة بفضل الله عز وجل ثبتتهم (كذلك لنثبت به فؤادك) المعاني الإيمانية التي غرسها فيهم النبي صلى الله عليه وسلم والتي نحتاج أن نتذكرها في أيامنا هذه ثبتتهم جعلتهم يصمدون أمام هذه الهجمات الشرسة.
السورة توجه رسائل للأنواع الأربعة وسنستسعرض سورة يونس من خلال أربع رسائل رئيسية. سورة يونس أول سورة باسم نبي من الأنبياء سيدنا يونس عليه السلام واسم السورة فيه ملمح وإشارة قصة سيدنا يونس نختم بها السورة.
الرسالة الأولى: رسالة الثبات.
وهذه رسالة للطائفة التي ستتقاعس عن العمل وتقعد وتتكاسل ولن تثبت وتهتز. رسالة الثبات ليس فقط على الدين لكن رسالة ثبات على العمل والدعوة فمع كل ما يمرون فيه ستكرر كما في سورة الأنعام كلمة (قل) تكلم لا تيأس ولا تسكتلأنك مطالب في عزّ هذا الاستضعاف أن تدعو إلى الله وستتكلم عن الله سبحانه وتعالى وستعرف الناس عليه سبحانه وتعالى. فالرسالة الأولى إذن رسالة ثبات على العمل.
الرسالة الثانية: رسالة الحسم. لا يوجد ما يسمى بأنصاف الحلول، لا تمييع، هم يريدون منك أن تهتز في عقيدتك ولهذا ذكرت الآية (فائت بقرآن غير هذا أو بدله) (قل ما يكون لي أن أبدله) الدين ليس ملكاً لأحد ولا يمكن لأحد أن يجتزئ منه، هو دين الله عز وجل (ما يكون لي يوحى إليه) فسورة يونس تعلمنا الحسم في هذه الرسالة رسالة الحسم
الرسالة الثالثة: رسالة التحذير لأن ناك أمراض معينة لو وجدت في الأمة وهي في حال الاستضعاف لن تثبت ولذلك تعرض السورة تحذيراً من أمراض وأصناف من البشر يجب الحذر منها ومعالجتها والسورة تعرض العلاج لكل صنف تحذّر السورة منه.
الرسالة الرابعة: رسالة البشرى وهي متعلقة باسم السورة واختيار اسم سيدنا يونس عليه السلام.
رسائل سورة يونس:
الرسالة الأولى: رسالة الثبات
هي رسالة موجهة لضعاف القلوب والمحبطين والقاعدين، هذه الرسالة تقول: اثبت على العمل، ادعُ إلى الله عز وجل ولا تدع هذا الاهتزاز وهذا الاستشعاف والإيذاء يُقعدك عن العمل ويمنعك من البذل في سبيل الدين ومن التعليم للناس. مهما فُعِل بك قُل ولذلك تتكرر كلمة (قل) كثيراً في السورة. تتكرر (قل) وتوجيهات دعوية:
(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) أنتم محرومون في هذه الشِعب، محرومون في هذا الاستضعاف والمقاطعة الاقتصادية التي فرضتها قريش. يعلمك الدعوة بعد كل هذا قل (أَفَلاَ تَتَّقُونَ) أفلا تتقون الله عز وجل.
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) عرّفهم بالله سبحانه وتعالى
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يكلمهم ويدعوهم إلى الله.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
(وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ )
(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون)
(قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ)
آيات كثيرة جداً في سورة يونس تعلمنا أنه مهما حدث وفي ظل الظروف الخطيرة والعصيبة التي ترون بها لا بد من الدعوة (قُل) تكلم ولا تسكت عن الحق، توجيه مهم جداً.
التوجيه للانتظار والصبر والثبات، كلمة الانتظار تكررت في السورة:
(وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ)
(فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ)
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) واصبر دعوة للثبات.
ويضرب الله سبحانه وتعالى لنا مثلاً بسيدنا نوح عليه والسلام وثباته الطويل ألف سنة إلا خمسين عاماً وعدم خوفه ويقول لقومه
(يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) شجاعة وقوة وثبات وعدم خوف منهم وعدم الحاجة لهم (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لا أطلب منكم شيئاً إن أجري إلا على الله.
وكذلك قصة سيدنا موسى عليه السلام يعلمنا (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) توجيه للثقة وعدم الحزن. فالسورة توجه ليس إلى الثبات فقط وإنما إلى عدم الحزن أيضاً بل فيها دعوة للفرح (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) دعوة للفرح في أعوام الحزن والصعوبة وحصار الشعب دعوة للفرح وهناك فضل آخر وهو فضل القرآن (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) أولئك معهم المال والأكل والشرب والمتاع لطن الذي معكم أعلى، معكم كلام الله سبحانه وتعالى فلتفرحوا أمر بالفرح. ليس مجرد الثبات وعدم الحزن بل الفرح (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) لا تخافوا ولا تحزنوا لكن بشرط:
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
(وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) المهم القلب يكون منشرحاً بكلام الله سبحانه وتعالى. (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
هذه هي الرسالة الأولى رسالة الثبات ليس فقط على الدين وإنما ثبات على العمل ودعوة أيضاً للفرح وعدم الحزن لأن معك فضل الله تعالى ومعك الإيمان والقرآن هذا هو الفضل. تغرس فينا السورة العوامل الأساسية والقيم التي نفرح بها قيمة الإيمان وفيمة القرآن الذي رزقنا الله عز وجل بها.
الرسالة الثانية: رسالة الحسم والتمسك بالحق الكامل حيث لا مجال للتمييع ولا لأنصاف الحلول
بعض الناس نتيجة الضغط الشديد والاستضعاف والمشاكل والأذى سواء الإعلامي والتشويه تجد بعض الناس تفرّط وتميّع. هناك في الدين ثوابت لا يمكن التفريط فيها وليس فيها أخذ ورد، قد توجد أمور خلافية خلاف التعدد وخلاف التنوع لكن الثوابت والعقائد لا يمكن التفريط بها. ويكثر وقت الفتن نموذج المفرط والمداهن وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون) يريدونك أن تداهن وتفرّط بالشريعة، هذا التمسك رسالة من رسائل السورة في الظروف الصعبة والقاسية التي نزلت فيها سورة يونس تعلمنا هذا المعنى أنه رغم كل الظروف أنت تتّبع أنت لا تفرّط من عندك لأن الأمر ليس ملكك وإنم هو شرع الله وكلام الله وهذا من عند الله لا يمكنك التفريط بشيء منه. وتأتي الآية الحاكمة (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) السورة تضعنا بين اختيارين: حق وضلال ولذلك تأتي الآية الفاصلة بوضوح شديد: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) لا يحق لأحد أن يبدّل أي جزئية من هذا القرآن والله تعالى يعلمنا في هذه الظروف الصعبة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ليست من صلاحيات النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدّل شيئاً في القرآن لأنه ليس ملكه، النبي صلى الله عليه وسلم له حدّ مع الله لا يمكنه أن يتخطاه والتشريع لا يكون إلا لله الحق الملك سبحانه وتعالى، الثوابت لله، العقيدة من عند الله عز وجل. ولهذا أكثر ما يكرهه المميعون أن يقال لهم: قال الله، وقال رسوله، يعترضون مثلاً على بعض آيات القرآن ولكنه ليس كلامنا نحن وإنما هو كرم الله سبحانه وتعالى (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) ليست المسألة بمزاجي أنا إنما أنا متّبع (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) محمد صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إلى الله عز وجل ومع ذلك يقول (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). هذا معنى مهم ومن أهم مواطن القوة في هذه الرسالة: الأمر ليس بمزاجي وليس من خصائصي ولا من خصائص أحد من البشر أن يبدّل أو يداهن، الدين لله سبحانه وتعالى (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) أتفتري على الله وتؤلف في الدين على هواك؟! (قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) ويعلمه الله سبحانه وتعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) كلام ثابت واضح.
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)
كلام ثابت واضح وحقيقة ثابتة ليس فيها تمييع (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)
هذه ثوابت لا تفاهم فيها وهذه هي الرسالة الثانية للمميعين والمفرّطين الذين في زمن الفتن والاستضعاف والأزمات يفرطوا في دينهم وعقيدتهم ورسالتهم.
الرسالة الثالثة: رسالة التحذير من أمراض توجد في أوقات الفتن وأصناف تنخر جسد الامة ولا تسمح بوجود الطائفة الثابتة أو تخلخلها ولا تتحمل الفتنة وعلاج كل نوع
1. الصنف الذي لا يعرف الله عز وجل حق المعرفة. هذا الذي لا يعرف الله حق المعرفة ما الذي سيجعله يتحمل؟ لو أن أحداً لا يعرف الله ولا يعرف أن هناك آخرة وحساب وجزاء ما الذي يجعله يتحمل الإيذاء والاستضعاف بل بعضهم ينتحر عند الأزمات لأنه يائس من رحمة الله سبحانه وتعالى فلو عرف الله عز وجل لثبت وأكمل. هذا الصنف لا يتحمل ولذلك تجد آيات كثيرة في السورة تكلمنا عن معرفة الله عز وجل ومن أكثر السور التي تحدثنا عن الله سبحانه وتعالى بشكل كبير وظاهر
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ)
(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)
(فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (32))
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36))
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ)
(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)
(وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
الذي لا يعرف الله عز وجل لن يتحمل الابتلاء، سيدنا أيوب عليه السلام قال (إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) تحمل سنوات عديدة في الابتلاء لمعرفته أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين. لو فقد إنسان كل شيء لن يتحمل إن لم يكن يعرف الله سبحانه وتعالى ولذلك الملحد الذي لا يعرف ربه لا يتحمل الحياة إن واجهته ظروف صعبة أما المؤمن فعنده أمل دائماً أن الله عز وجل سيفكّ كربه فيدعوه أما الملحد فليس عنده أحد يدعوه وليس عنده من يرجو لقاءه ولهذا يأتي النوع الثاني:
2. الذي لا يرجو لقاء الله سبحانه وتعالى
هناك من يعرفون الله معرفة سطحية فلا يرجون لقاءه ولا يعملون لهذا اللقاء وهناك آخرون لا يريدون لقاء الله عز وجل وتتكلم السورة كثيراً عن هذا المعنى وتكررت (الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) ثلاث مرات في صفحة واحدة من السورة:
(إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ)
(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ)
الآية مهم جداً (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (8))
بداية المشكلة أنهم لا يريدون لقاء الله عز وجل، عندما تكون موقناً أن لديك لقاءً معيناً – ولله المثل الأعلى – تُعدّ لهذا اللقاء لأنك ترجو هذا اللقاء وترجو ما وراء هذا اللقاء. وهناك أناس لا ترجو لقاء الله عز وجل إنما الذي يرجو لقاء الله عز وجل يُعدّ له.
والسورة تعالج مشكلة الذي لا يرجو لقاء الله فتجد في السورة آيات كثيرة عن الآخرة وعن الجنة وعن النار للترغيب بلقاء الله عز وجل فتشتاق للقائه ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
(وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون)
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)
ونسأل: لماذا لا يرجوا هؤلاء لقاء الله عز وجل؟ لأنهم من النوع الثالث:
3. الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها (وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) نفس الأسباب التي ذكرت سورة التوبة أنها أقعدت بعض الناس عن نصرة الدين “الدنيا” رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا باسبابها، هذا مبلغهم من العلم الدنيا وشهواتها، اطمأنوا بالدنيا وكل ارتباطهم بالدنيا فتعالج سورة يونس هذه المشكلة وتذكّر بالآخرة لكي نرغب بلفاء الله عز وجل وما عنده وتذكر لنا هؤلاء الذين رضوا بالحياة الدنيا وتذكر حقيقة الحياة الدنيا في الآية:
(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
تذكر الآية الأسباب (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) والشهوات (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) لكن الدنيا فانية (كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) تفكّر في الدنيا لتفهم هذا المعنى.
4- صنف الغافلين والبعيدين عن آيات الله مصدر الثبات والقوة (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)) الذي يغفل عن القرآن لا يمكن أن يتحمل الأذى ولهذا يجب أن يبقى قلباً يقظاً دائماً، الغافل ينسى وهو كالذي لا يرجو لقاء الله مع فارق بسيط لكنه نسي أنه سيكون هناك لقاء مع الله عز وجل ستلقى الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان وستكون هناك دار آخرة ستكون هناك جنة وستكون هناك نار. تعالج السورة هذه الغفلة وتبين أهم علاج للغفلة بالقرآن فتجد من أول آيات السورة توجيه للقرآن:
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) الوحي القرآن
(ائت بقرآن غير هذا)
(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)
(كذلك لنثبت به فؤادك)
نحتاج لموعظة حتى تعالج الغفلة وتشفي الصدور من هذه الأمراض.
5-المهتز الشاكّ في دينه: لن يتحمل إلا الموقنون. ويتكرر الكلام في السورة عن الحق، وتتكرر كلمة الحق في السورة كثيراً لترسيخ اليقين ٢٣ مرة أعلى معدل في القرآن يليه في أطول سورة في القرآن البقرة ١٧ مرة. الحق واليقين عليه.
(وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ)
(هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (30))
(فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32))
(قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35))
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36))
(فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76))
(وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82))
(فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94))
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108))
رابعاً: الرسالة الأخيرة: رسالة البشرى واسم السورة وقصة يونس وفوائدها
(فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: أنتم في الشعب وفي الاستضعاف في مكة وننزل عليك أيها النبي رسالة فيها بشرى هذا النبي يونس عليه السلام كُشف عن قومه العذاب ولم يعذّبوا لكن بشرط (لَمَّا آمَنُواْ) فيها بشرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أن قومه سوف يؤمنوا ولن يعذّبوا. وتأتي البشارات في السورة:
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ)
ثم يأتي ختام السورة بعد بشرى سيدنا يونس عليه السلام لما آمن قومه نجاهم الله عز وجل وكشف عنهم عذاب الخزي ومكّنهم بعد الاستضعاف. ثم تأتي النهاية:
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) الصبر أهم حتى يحكم الله عز وجل.
رسائل في سورة يونس للمبتلين للمعذبين للمستضعفين لنتعلم هذه الرسائل.