البشائر

البشائر – الحلقة 19

اسلاميات

البشارة التاسعة عشرة:

 

بشارة أخرى من بشائر هذا القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله r وهي قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) النساء) نتوقف عند كلمة (يجد) فما الفرق بينها وبين قوله تعالى (فإن الله غفور رحيم) هذا اللسان العربي فيه تعبيرات وجمل تدل على معنى اضافي بمجرد ترتيب لكلمات. يقول الشاعر:

يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا   نحن الضيوف وأنت رب المنزل

فما الفرق بين لوجدتنا نحن الضيوف وبين نحن الضيوف؟ (لوجدتنا) تعطي انطباعاً أن هذا الشاعر كريم يفرح بالضيف ويأنس به ويتمنى لو جاءه كل يوم وابراهيم u مثلاً كان لا يأكل إلا إاذ آكله ضيف . فكلام الشاعر موجه للضيف يغريه بالقدوم لأنه يفرح بالضيافة وهو مستعد لها. ولذها كلمة يجد إغراء وتوكيد وإظهار للهفة الشاعر على ضيفه وهكذا كلمة (يجد) في الآية الكريمة فالله تعالى يغري المذنبين والخطّائين مهما عظمت ذنوبهم وخطاياهم أن يعودوا اليه ويستغفروه لأن الله عز وجل أفرح بتوبة عبده من صاحب الراحلة كما جاء في الحديث المشهور. ولهذا قال تعالى (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) وينزل سبحانه في الثلث الأخير من الليل وينادي هل من مستغفر فأغفر له؟ والله تعالى يهيب بكل المذنبين أن تفرّ إليه والعادة جرت في الدنيا أنك إذا عصيت ملكاً من ملوك الأرض فانت تفرّ منه لشدة بطشه أما ملك الملوك فيقول إذا عصيتني ففِرّ إليّ لأني أغفر لك ذنوبك جميعاً. (تجد الله غفوراً رحيما) إغراء للمذنبين بالتوبة (وسارعوا الى مغفرة من ربكم) ثم أراد أن يحدد هذه السرعة فقال انها سرعة المتسابقين (وسابقوا الى مغفرة من ربكم).

هكذت كلمة (يجد) توحي بكل هذه المعاني وإن الله تعالى بهذا الكرم والجود يحب المغفرة كما علّمنا r في دعاء ليلة القدر : اللهم إنك عفو قدير تحب العفو فاعفو عني. وهو سبحانه يحب التوابين كالكريم الذي يحب الضيوف يأتون بيته. وكذلك الله تعالى يقول لعباده المذنبين والخطائين (يقول r فيما يحدث به عن ربه” يا عبادي كلكم ضالّ الا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم) فما عذر من يدخل النار بعد هذا الكرم وما عذر من يتهاون بالتوبة والاستغفار والله تعالى باسط يديه بالليل والنهار كالأب الحاني الذي يتمنى أن يُقبل عليه ابنه العاصي ويقول تعالى في الحديث القدسي: عبدي لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً جئتك بمثل قرابها مغفرة. وكذلك يقول تعالى في حديث قدسي: وإن تقرب اليّ شبراً تقربت اليه ذراعاً وإن تقرب مني ذراعاً تقربت اليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة.

وما شدة فرح الله تعالى بتوبة عبده الخطّاء يقول يا عبدي أنني أحب التوابين وأحب المستغفرين فإذا استغفرتني وتبت اليّ فسوف تجدني قد قبلت عذرك وفي الحديث إن العبد ليعصيني ليذكني على المعصية يستغفرني فأغفر له.

في مثل هذا الشهر المبارك ينبغي على كل خطّاء مهما كانت أخطاؤه عظسمة وهناك الفواحش والشهوات ومن ظلم نفسه وهناك العاصي الذي تمرد على الأداء وهناك المذنب الذي يخلّ بواجب فالمعاصي منقسمة شرائح ومنظومات ولكي لا يبقى للعبد حجة إذا لم يتقرب من ربه تائباً مسغفراً من أجل هذا لا يدخل النار إلا شقي لأنه ما كان عليه إلا أن يستغفر الله والله تعالى جعلها قانوناً (يجد الله غفوراً رحيما) ويجد تعني أنه لا يمكن لعبد أن يستغفر الله إلا وغفر تعالى له مهما كان ذنبه عظيماً وكثير من المذنبين بلغت ذنوبهم حداً لم يتصور أحد أنه يمكن أن تقبل توبتهم لكن الله عز وجل غفرها لهم بمجرد نية التوبة لأنه سبحانه غافر الذنب وقابل التوب فهو سبحانه يغفر الذنب قبل أن يتوب صاحبه بمجرد أنه عزم النية على التوبة فيغفر الله تعالى له مسبقاً وهذا معنى قوله تعالى (يجد الله غفوراً رحيماً).